12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المقالات التربوية >> سلسلة الندوات الفكريّة الثقافيّة الندوة (رقم1): الاحياء العاشورائي للناشئة نظرة في الخطاب والأساليب

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

سلسلة الندوات الفكريّة الثقافيّة

 

الندوة (رقم1):
الاحياء العاشورائي للناشئة
نظرة في الخطاب والأساليب

 

المقدمة :
ضمن سلسلةٍ من النّدوات التّربويّة والثقافيّة التي تعتزم المفوّضيّة العامّة لجمعيّة كشافة الإمام المهدي (عج) إطلاقها، أقيمت ندوة بعنوان " الاحياء العاشورائي للنّاشئة، نظرةٌ في الخطاب والأساليب "، حيث حاضر فيها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشّيخ نعيم قاسم.
أقيمت النّدوة في المركز الرّئيسي للجمعيّة بتاريخ 22/11/2011، وحضرها جمعٌ من الشّخصيّات وممثّلي المؤسّسات التّربويّة والمختصّين والقيادات الكشفيّة في مقدّمتهم المفوّض العام للجمعيّة وأعضاء المفوّضيّة العامّة ومفوّضيّات المناطق.

وكانت الكلمة الأساسيّة لسماحة الشّيخ نعيم قاسم التي قدّم لها مدير الأنشطة الثّقافيّة في الجمعيّة وفقاً للتّالي:
الأخوات القائدات، الأخوة القادة
حضرة نائب الأمين العام
الضيوف الكرام
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

يقول الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف):
"إنّ الهمّ الثقافي والاهتمام بقضيّة الثقافة قد يكون حالة من الحساسيّة الشخصيّة أحياناً، وقد يكون أيضاً ناتجاً عن النظرة إلى الثقافة.
من المهم أن نعرف ما هو تأثير الثقافة على مصير البلاد في الواقع، وكيف أنّ الاهتمام بالمسألة الثقافية والشعور بالحساسيّة إزاءها يمكن أن يقوم بدور مشهود في صناعة المستقبل الذي نهواه ونعمل من أجله."

وحيث إنّ جمعية كشافة الإمام المهدي (عج) تمثّل طليعة المؤسسات الثقافيّة الإسلاميّة المتخصّصة للناشئة، وقد راكمت تجربة ونتاجاً مهماً على هذا الصعيد لما يقارب الثلاثة عقود.

فإنّه من البديهي أن تشكّل القضيّة الثقافيّة حساسيّة شخصيّةً لها، فتبادر إلى معالجة الإشكاليّات الثقافيّة والتربويّة الّتي تمسّ دائرة عملها عبر الوسائل المختلفة.

ومن هذا المنطلق نشهد اليوم إطلاق باكورة الورش التربويّة والثقافيّة الّتي نفتتحها بإنصاتٍ إلى خير الكلام وأحسن الحديث "تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء".

بين الأطفال النّاشئة وبين عاشوراء علاقةٌ وارتباطٌ هي أوسع واعمق ممّا يُتصوّر للوهلة الأولى أو يُفترض من النّظرة القريبة.
فالطّفل النّاشئ هو ذلك الكائن الإنسان ذو الفطرة السّليمة، والقلب الوديع ، والعقل الطاهر، والنّفس الطيّبة، وهو الأمل الواعد، والمستقبل المأمول، وهو الوديعة والأمانة، هو البذرة والبرعم ، هو الحرف النّامي، والضّوء الآتي، هو القوّة الصّاعدة والقدرة المتدرّجة.
وعاشوراء نهضةٌ إنسانيّة، أخلاقيّة، فكريّة، إجتماعيّة، روحيّة، ثقافية....
هي نهضةٌ لإصلاح الدّين والأمّة، وليست مجرّد ثورة تستهدف الإستيلاء على السّلطة بالقوّة والدّم.

عاشوراء كتاب عشق، وفيض عواطف، ورحلةٌ نورانيّةٌ من المهد إلى اللّحد.

عاشوراء دمعةٌ ساخنة، ونبضة غضبٍ لا تخبو، هي شريانٌ يفيض وجودًا وحضورًا.

وعاشوراء مصباح هدًى ومدرسة هدايةٍ متجدّدة، ولواء حقٍّ لا ينكسر، ورايةٌ خفّاقةٌ على امتداد التّاريخ.

وبطبيعة الحال، فإنّ عاشوراء النّهضة والكتاب والمصباح واللّواء والمسرح والتّاريخ ما هي إلاّ نهجٌ وطريق، ورؤيةٌ وثقافةٌ وهواءٌ مدادٌ للأجيال الصّاعدة.

بل إنّ عاشوراء إن لم تُقدَّم كواقعٍ وكمحتوى وكمنارةٍ للأطفال والنّاشئة وللأجيال الصّاعدة فَلِمَنْ تُقدّم إذن.

وقد حُرم الأطفال على امتداد تاريخ الإحياء العاشورائي من أيّ إحياءٍ خاصٍّ بهم أو التفاتٍ لخصوصيّاتهم، وفي أفضل الحال هم مُلحَقون يحضرون برفقة آبائهم وأمّهاتهم في المجالس العامّة. وذلك لاعتقاداتٍ كثيرة تتعلّق بالنّظرة إلى إمكانات الأطفال في استيعاب مضمون كربلاء، أو لضعف الإمكانات التّربويّة والفنيّة للمباشرين في الإحياء العاشورائي.

ولكنّ كشّافة الإمام المهدي (عج) وخلال تجربتها الرائدة على مدى أكثر من عشر سنوات، اظهرت أنّ عاشوراء تشكّل أهم محطة تثقيفيّة تربويّة استقطابيّة على الاطلاق، والآثار الّتي نحصّلها خلالها قد نعجز عن تحقيقها طوال العام. وعلى قدر الآثار عمدت الجمعيّة إلى إيلاء الجهد فأنتجت الكتب
... والمواد المتنوّعة المعتمدة على الوسائل الحديثة الجاذبة والملائمة للأطفال والنّاشئة، وأنجزت الرّؤى النّظريّة والمواد الإداريّة الملائمة والمواكبة ونفّذت الدّورات المتخصّصة لمختلف الشّؤون المرتبطة بعاشوراء، وهي ستعمد في العام القادم إن شاء الله تعالى إلى تقديم سلسلةٍ من المتون والمواد المبنيّة على رؤيتها العاشورائيّة الجديدة القائمة على تنفيذ المجالس المتخصّصة للوحدات الكشفيّة نظراً للفوارق في خصائصها.

كما ستقدّم تجربتها، إن شاء الله، إلى كافّة المجتمعات الإسلاميّة المؤمنة بالحسين (ع) وقضيّته. وفي هذا السّياق نطرح في محفلنا هذا إشكاليّة الخطاب الموجّه للنّاشئة على مستوى الشّكل، أي اللغة المبسّطة والابتعاد عن التّعقيد والغرابة في الكلام، والأهمّ على مستوى المحتوى، أي إشكاليّة المفاهيم التي ينبغي طرحها مع الأطفال والنّاشئة.

فهل نقتصر مثلاً على تقديم قصص أطفال كربلاء الذين يماثلون المستهدفين في أعمارهم، ممّا يحفّز الأطفال والنّاشئة على أفعال القدوة الممكنة في مثل أعمارهم؟.

وكشاهدٍ على ما قد تتركه هذه القصص من أثر سأروي باختصار قصّة الشّهيد "مرحمت بالا زاده" من أردبيل الذي يبلغ من العمر 12 سنة، والذي رُفض التحاقه بالجبهة نظراً لسنّه، فمشى من أردبيل إلى طهران لكي يلتقي رئيس الجمهوريّة الذي كان آنذاك الإمام الخامنئي (دام ظلّه)، وقال له: " إذا لم تسمح لي بالالتحاق بالجبهة فأمُر خطباء المنابر الحسينيّة أن يتوقّفوا عن قراءة مجالس القاسم".

فإذاً، هل نطرح في مجالسنا العاشورائيّة الخاصّة بالأطفال والنّاشئة قصص أطفال كربلاء لكي يماثلوا القدوة والنّموذج؟، أم نقدّم لهم كامل القصّة العاشورائيّة والتي تتضمّن بطبيعة الحال قصص أطفال كربلاء؟..

للإفاضة حول هذه الإشكاليّة ومختلف الإشكاليّات الأخرى المرتبطة بالخطاب والأساليب في مجال الإحياء للنّاشة، والتي قد تخطر في أذهانكم إن شاء الله، يسرّنا أن نستضيف تلميذ مدرسة الولاية وأستاذ جامعة العلم والفكر والحوار، من قدّم حجّةً عمليّةً في واقعنا على الذين عن الكتاب والمعرفة والمطالعة والكتابة بداعي الضّغوط العمليّة والتّنظيميّة... نائب الأمين العام لحزب الله سماحة العلاّمة المجاهد الشّيخ نعيم قاسم..


كلمة سماحة الشّيخ نعيم قاسم:

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمّد وعلى آل بيته الطّيّبين الطّاهرين.
السّلام عليكم أيّها الإخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.

في البداية، أحيّي جمعيّة كشّافة الإمام المهدي (عج) وخاصّةً قيادة الجمعيّة، إخوة وأخوات ومسؤولين وإداريّين وقادة، على هذا الجهد الكبير لتوعية النّاشئة والأطفال وفي رعايتهم منذ الصّغر ما يساعد على بناءٍ متينٍ ومؤصّلٍ يستمرّ فيما بعد في هذا المنهج الإسلامي والمتكامل، وهذا الجهد في الواقع كبيرٌ وعظيمّ ومهمّ.. ولا أخفيكم أنّي أشعر أنّكم الدّعاة الحقيقيّون إلى الله تعالى بعيداً عن الضّوضاء والإعلام والشّكليّات، واهتماماً بهذا القلب الطّفولي أو النّاشئ الذي يحتاج إلى ملئه بحبّ محمّد وآل محمّد (ص) .
كيف يكون الخطاب العاشورائي للنّاشئة؟ وكيف نتعامل معهم للوصول إلى أفضل أداء، ولاستثمار الخصوصيّة الحسينيّة التي تعتبر مدخلاً هامّاً وحسّاساً لتكوين الرّؤية الصّحيحة والممارسة العمليّة السّليمة؟
فكلّ ما عندنا من عاشوراء...
إذاً، هو للنّاشئة ولكلّ النّاس، وعندما قال رسول الله (ص): "حسينٌ منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً"، لم يخاطب فئةً محدّدةً من النّاس وإنّما خاطب كلّ المسلمين..
عليهم جميعاً أن يروا امتداد رسالة الإسلام من شخصيّة الإمام الحسين _ع، ولكن بطبيعة الحال، بسبب اختلاف المستويات والقدرات والكفاءات وطبيعة التّلقّي في الأعمار المختلفة، لا بدّ أن نهتمّ بأن يكون هناك بعض التّمايز في خطابنا للنّاشئة.

أوّلاً: خطاب النّاشئة يجب أن يكون ترجمةً عمليّةً للإسلام بشموليّته من دون أن نجزّئ فيه تجزئةً مضرّةً في كيفيّة نشأة الولد، لأنّ بعض الأشخاص يأتون إلى الجانب العاطفي ويركّزون عليه فيخرج هذا الطّفل من دون مضمونٍ ثقافي، وهذا خطأ. أو أنّهم يركّزون على السّلوكيّات من دون الأخذ بعين الاعتبار التّكامل في رؤية الإسلام، فيحصل أيضاً شعورٌ بالخلل على المستوى العملي.. أو ينصرفون إلى العبادات ويبدأون بالمستحبّات التي تبدأ ولا تنتهي، وبعض المستحبّات غير المدقّق بها لا يكفيها النّهار والليل في بعض المناسبات، ممّا يجعل هذا الولد يعيش حالةً من التّقصير والشّعور بالعجز بسبب كثافة ما هو مطلوب ليصل إلى المستوى الرّاقي.
علينا أن نقدّم عاشوراء بما هي، أي عاشوراء الإسلام. والإسلام عقلٌ وقلب، والإسلام عبادةٌ وسلوك، والإسلام كلّ جوانب الحياة من دون استثناء.
فعلينا أن نقدّم هذا المضمون الشّمل والذي يمكن أن نستفيده بشكلٍ مركزي من الوصيّة التي كتبها إمامنا الحسين (ع) لمحمّد ابن الحنفيّة.
لفتني أنّ هذه الوصيّة كُتبت كتابةً، وكان بالإمكان أن يقولها مشافهةً، وينقل محمّد ابن الحنفيّة عنه كما نقل الآخرون خطاباته وكلماته ومواقفه المختلفة. لكنّ هذه الكتابة هي الرّسالة والرّؤية التي يجب أن ينطلق منها الجميع لتفسير كلّ الأحداث وكلّ المسارات وكلّ الأنشطة وكلّ النّتائج التي حصلت من عاشوراء.
كيف بدأت الرّسالة؟
بدأت: بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب _ع إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفيّة ، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله..."، بدأ بالشّهادتين لأنّها هي المفتاح، هي العقيدة، هي البداية.
"... جاء بالحقّ من عند الحقّ..."، فهو رسول وليس مبتدِعاً أو مقرّراً بمعزل عن الرّسالة الكاملة التي أتته من الوحي.
"... وأنّ الجنّة والنّار حقّ ـ للرّبط بالآخرة ـ وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور..."، بعد أن قدّم المقدّمة العقائديّة التي تربط بالرّؤية الإسلاميّة، بدأ يتحدّث عن خطّته في هذه المرحلة التي كان فيها.
"... وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب (ع)...".
إذاً، هو تحدّث عن الإصلاح في الأمّة، وعن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والاقتداء برسول الله (ص) وأمير المؤمنين عليّ (ع). أو يمكن أن نقول هو أراد الحديث عن الإصلاح ووضع الخطوات الثّلاث الأساسيّة للإصلاح: الأمر بالمعروف، النّهي عن المنكر، والاقتداء بسيرة النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع).
هذا الإصلاح هو الهدف، والإصلاح عمليّة تتطلّب حالة توجيه وتثقيف وتربية وتزكية وجهادٍ للنّفس من أجل أن يعرف الإنسان المسارات الصّحيحة للإسلام.
هو لم يقل أنا أريد أن أُسقط الحاكم، مع أنّ كلّ مساعيه هي لإسقاط الحاكم الظّالم الذي أتى، لكنّ إسقاط الحاكم شكلٌ من الأشكال سينتج عن الإصلاح. الإصلاح الذي فيه تعبئة للنّاس، الإصلاح الذي فيه تحميل مسؤوليّة للجماعة، الإصلاح الذي فيه كشفٌ للحقائق والوقائع، الإصلاح الذي يؤدّي إلى حوار أدوات الحاكم الظّالم أو الحاكم الظّالم لإلقاء الحجّة عليه، وفي نهاية المطاف الإصلاح الذي يؤدّي إلى القتال والشّهادة.
فإذاً، هذا هو المطلوب؛ المطلوب هو الإصلاح بمعناه الشّامل بالفهم الإسلامي الذي يحيط بكلّ شيء. وفي نهاية المطاف، النّقطة الأساسيّة التي يجب أن نعبّئ بها النّاشئة هي أنّ هذا السّعي لا يوصل بالضّرورة إلى نجاحٍ وانتصارٍ مادّيٍّ في الحياة.
ولكن هذا يعبّر عن أداء التّكليف من قبل العامل في سبيل الله تعالى. لذا ماذا قال؟: "... فمن قبلني بقبول الحقّ الله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله بيني وبين القوم الظّالمين"، أي أنّه من البداية لم يقل بأنّ مسيرته منتصرة مادّيّاً، هو في البداية قال بأنّه يقوم بتكليفه؛ قد ينتصر وقد لا ينتصر، قد يتجاوب النّاس وقد لا يتجاوب النّاس.
وهذا يعني أنّنا عندما نهيّئ النّاشئة إنّما نهيّؤهم للقيام بواجبهم بصرف النّظر عن النّتائج، ما يجعلهم يتحمّلون السّلبيّات التي تواجههم في المجتمع والخسائر التي تقع بينهم، وبعض الفشل الذي يعانونه مع النّاس، ووجودهم وحيدين داخل الأسرة أو داخل المجتمع الضّيّق كمتديّنين إنسانيّين صادقين.. هذا كلّه يساعد على أن يفكّر النّاشئ أنّ علاقته بالله تعالى وأنّ عليه أن يسير في هذا المسار بصرف النّظر عن النّتائج إذا كانت إيجابيّة أو سلبيّة على المستوى المادّي، لأنّها في نهاية المطاف هي إيجابيّة على مستوى القيام بالواجب وأداء التّكليف.
فإذاً يجب أن يحضر الإسلام بكلّه عند النّاشئة ولا يرون جانباً من الجوانب بمعزل عن الجوانب الأخرى لأنّ هذا يسبّب خللاً في طريقة تربيته وفي رؤيته الشّاملة. نحن طبعاً لا نريد أن نثقله بالتّحليلات الثّقافيّة والأخلاقيّة والعمليّة الواسعة جدّاً، ولكن نريده أن يبقى في الجوّ الإجمالي للإسلام، أي أنت تعمل من أجل هذا الإسلام الكامل بجوانبه المختلفة وتأخذ منه في سلوكك وفي حركتك بما تستطيعه ولكن من ضمن الرّؤية الشّاملة.
لذا في الإجابة على سؤال الأخ العزيز أنّه هل نعطي النّاشئة أمثلة عن الشّباب والأطفال؟، أنا أقول لا، نحن نعطي أمثلة عن الجميع لكن نميّز الشّباب والأطفال، نوسّع في دائرة هذا المثل لأنّي أريده أن يفهم بأنّه ليس وحيداً، هناك الشّيخ والمرأة والطّفل والشّاب والقائد... الجميع موجودون في السّاحة وأنت جزء من هذه الجماعة، "لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة سالكيه" فهذه القلّة المتنوّعة بالنّسبة إليه تكفي. وإلا إذا أيضاً أخذته إلى مستوى سنّه وأمثلة من سنّه فقط هو لن يرى الصّورة كاملة، نحن نريد أن يرى الصّورة كاملة مع تركيز على الخصوصيّة التي تعنيه.

ثانياً: في الرّؤية الكاملة للإسلام، أي في البند الأوّل، نبرز له مسؤوليّة ودور القائد وكيف أنّه تصدّى وقدّم وأعطى وضحّى، وهو (الطّفل) سيكون في يوم من الأيّام قائداً وقد يكون قائداً على مجموعة أخرى يتحمّل مسؤوليّتها. وبالتّالي القائد في المقدّمة؛ والقائد يعطي، والقائد يبذل، فنرى آثار الحركة والجهاد عند القائد قبل أن نراها عند من معه من أجل أن نعوّده على فكرة التّضحية والبذل وتقديم الجهد لا أن يصبح في يومٍ من الأيّام قائداً متأمّراً على الجماعة التي يتحمّل مسؤوليّتها، لأنّه في النّهاية القيادة مغرية بكلّ المستويات، يمكن أن يستخدم هذه الصّلاحيّات ليجعلهم في خدمته أو يجعلهم في إطار القيام بواجباتهم ممّا يضعف من مستوى الاهتمام الذي يقوم به. نحن نريد أن نزكّز عنده هذه الفكرة لأنّنا نتأمّل من هذا النّاشئ أن يصبح قائداً في مكانٍ ما حتّى ولو كان قائداً لخمسة أشخاص، في النّهاية هذه مدرسة نتعلّم منها.

ثالثاً: تأكيد مسؤوليّة النّاس بكلّ أطيافهم لأنّ من كان مع الإمام (ع) في عاشوراء من كلّ الفئات الاجتماعية، الغني والفقير، الصّغير والكبير، الرّجل والمرأة، الشّاب والعجوز... كلّهم كانوا موجودين ولو كان هذا العدد القليل.
هذا يعني أن اهتمامه يجب أن يصبّ إلى تقبّل كلّ الفئات التي تعمل وتقدير الجهود كي لا يشعر أنّه هو وحده من يعمل وهو من تلقى عليه مسؤوليّات وتبعات عاشوراء وما ينتج عنها.

رابعاً: تأكيد أهمّيّة الحقّ كعنوان وهدف، وبالتّالي نحن لا نعمل في أيّ لحظة من اللحظات للمكاسب الآنيّة أوالمستقبليّة، وإنّما نعمل للحقّ لكن بطبيعة الحال الحقّ ينتج مكتسباتٍ طبيعيّة.
يعني نحن لا نعمل للانتصار إنّما نعمل للإصلاح، وعندما نصلح قد ننتصر وقد نستشهد في سبيل الله، نحن لا نعمل للزّعامة أوللقيادة ولكن عندما نعمل للحقّ قد نصبح قادة والعالم يجتمع من حولنا وقد لا نصبح قادةً في ذلك. عندما نعمل للحقّ إنّما نبذل جهوداً كبيرة قد تكون أحياناً مؤلمة وعظيمة وقد تكون في أحيانٍ أخرى عاديّة وبسيطة فنشعر أنّ مسار الحقّ يريحنا من كثيرٍ من الأعباء. لكن إذا تركّز في ذهنه أنّنا نعمل للحقّ، نعمل للإسلام، نعمل للأمر الإلهي، وهذا هو السّقف الذي نبتغيه دائماً، هذا يغيّر من حساباته وطريقة تفكيره.
أنتم تعلمون أنّ بعض النّاشئة يعيشون عقدة كبيرة عندما يكتشفون أنّ بعض أهلهم أو بعض مسؤوليهم أو بعض زملائهم يتصرّفون بانحراف، فيعيش الصّدمة، لأنّه عاش الإسلام بطريقة طوباويّة وتصوّر أنّ كلّ من حوله من المفترض أن يكونوا مثله طالما أنّهم كلّهم يصلّون ويتعبّدون لله تعالى، يعني هو لا يقدر أن يتصوّر أنّ هناك مسلماّ مصلّياً وكاذب، مسلماً مصلّياً ومنافق، مسلماً مصلّياً ومتخلّي عن الزّحف أو عن المواجهة، مسلماً مصليّاً ويتعلّق بالمادّيّات بشكلٍ كبير... عندما ننمّيه على الحقّ وعلى عدم الالتفات لأولئك الذين يسقطون لأنّ الكثيرين سقطوا في عاشوراء، الأمّة بأسرها تقريباً سقطت في عاشوراء إلا هذه الثّلّة القليلة، ولكن مع ذلك هذا لم يثنِ عاشوراء أن تنطلق وتستمرّ وتؤسّس لهذا المستقبل العظيم الذي نمرّ في خطوةٍ من خطواته.


فالمقياس هو الحقّ، دليلنا على ذلك كلام الإمام (ع) في "ذي حُسم": "ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً فإنّي لا أرى الموت إلا سعادةً والحياة مع الظّالمين إلا برماً". إذاً كيف أتّخذ الموقف؟، بناءً على الحقّ، بناءً على مواجهة الباطل، وبالتّالي حتّى ولو أدّى هذا إلى القتل في سبيل الله تعالى هذه هي السّعادة، لماذا؟ لأنّ السّعادة مرتبطةٌ بالحقّ وليست مرتبطةً بالموت. قد يموت إنسان، قد يُقتل إنسان، قد يواجه إنسان..

ولكن لأمرٍ باطل، هذا إذا قُتل في هذا المجال ليس شهيداً ولم يحصل على المطلوب. فالسّعادة بالموت مرتبطة بالعمل تحت سقف الحقّ، وهذا نوع من التّوضيح للمفاهيم التي يمكن أن يسلك فيها هذا النّاشئ.
في (د.5 الجزء الثاني) قال: " أيّها النّاس، إنّ رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مُدخله".

لماذا؟، لأنّ القبول بظلم الحاكم مع كلّ هذه المفاسد التي يقوم بها، هذا يعني أنّنا سنترك لهذا الحاكم أن يتصرّف وأن يتابع في هذا الإتجاه وأن يؤدّي إلى السّلبيّات المختلفة.

إذاً، لماذا قمنا بوجه هذا الحاكم؟، قمنا من أجل الحقّ، قمنا من أجل العنوان الإسلامي العام الذي يجب أن نحافظ عليه.

وفي قولٍ آخر في خطبته الثّانية في عاشوراء: "ألا وإنّ الدّعيّ ابن الدّعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السّلّة والذّلّة، وهيهات منّا الذّلّة"، مع أنّ المقارنة موجودة، نحن مخيّرون بين سلّ السّيف والقتل والموت في سبيل الله تعالى وبين الذّلّة واستدراج الحياة الآثمة التي لا توصل إلى الشّهادة ظاهريّاً، لأنّ الموت هو أجل لا علاقة له لا بالسّلّة ولا بالذّلّة.. فهنا توضيح الموقف على أساس الحقّ يجعل النّاشئ يعيش حالة من التّفاعل مع المبادئ التي يجب أن يصل إليها، أي أنّنا يجب أن نركّز دائماً على الهدف. يجب أن نربّي الشّاب أو الشّابّة على الأهداف التي نريد أن نصل إليها، على هذا الإسلام العظيم الذي نريد أن نحقّقه. وأنا برأيي أن لا نكثر من الألفاظ والتّعابير التي لا يفهمها ولكن يفهم أنّها عظيمة، فبعض الأشخاص يحاولون طرح مصطلحات على النّاشئة تشعرهم بأنّهم يجب أن يكونوا من أصحاب السّير والسّلوك أو من الفلاسفة العظماء.

 

 

 

الإمام الحسين (ع) تحدّث بكلامٍ يفهمه الصّغير والكبير، "...إنّما خرجت لطلب الإصلاح..."، لا أن يأتي أحد ليربّي هذا النّاشئ أنّه، مثلاً: أنت يجب أن تصل إلى الملكوت الأعلى في كيفيّة بناء شخصيّتك حتّى تجاور السّماء في فهمك ووعيك وروحك ليذوب الجسد في طاعة الله تعالى..

يجب أن نصبر عليه، فهو باستطاعته لاحقاً أن يقوم بالسّير والسّلوك ويصل إلى النّتائج المطلوبة. فالإسلام المطروح عندنا هو إسلامٌ واضح غير معقَّد، ونحن من الممكن أن تجذبنا أحياناً بعض التّعابير والعناوين، من الجيّد أن تمرّ لكن أن لا تكون هي النّقطة المركزيّة، تمرّ بشكل عابر ومحدود لأنّني في النّهاية أخاطب هذا الذي يمتلك إمكانات محدودة. فقبل أن أوصله إلى الملكوت الأعلى، من الأولى أن أدعه يتابع صلاته بشكل صحيحٍ ومنتظم و أن يقرأ صفحة من القرآن الكريم في كلّ يوم، أو أن يلتفت إلى لسانه ويخفّف من الفحشاء في الكلام والمنكرات في بعض الأعمال.. وهذا له طريقته وآليّاته من خلال الخطاب الذي يمركز الأمور، فلا أصعّبها عليه، لأنّ هذه الأمور يمكن أن يقوم بها، "لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها" وهذا أمر طبيعي.

أوّلاً: إذاً، هو أن نعرّفه على الإسلام بأبعاده المختلفة وبشموليّته، وأن نضع ثورة الإمام الحسين (ع) في هذه الدّائرة التي تحقّق كلّ أهداف الإسلام بتنوّعها وقدرتها وأبعادها على قاعدة الحقّ وعلى قاعدة الوصول إلى تحقيق الإسلام الكامل والتّامّ النّعمة بالولاية.

ثانياً: إيصال الأهداف بطريقة مقنعة ومفهومة. أي أن نقوم نحن بمخاطبة هؤلاء النّاشئة بما يستوعبونه ويفهمونه وبما يكون أيضاً محلّ إدراك شخصي في الحياة اليوميّة وفي التّفاعل العقلي والقلبي.
لذلك أنا أقترح أربعة أمور:
1) التّوازن في طريقة العرض، يعني عندما أتحدّث هذا الذي حمل السّيف (لعنه الله تعالى) ليقطع رأس الحسين (ع) وأنا أذكر حجم المأساة وعظمة المأساة، في نفس اللحظة يجب أن أستنتج أنّ الإمام الحسين (ع) إنّما قدّم بقطع رأسه موقفاً عظيماً صلباً قربةً إلى الله تعالى. فبدل أن يذهب ذهن الولد إلى المآسي وإلى حالة يشعر معها بأنّ الله تركه، أنبّهه بأن هذا لا يتعارض مع أنّ الإمام الحسين (ع) كان في موقف العزّة والعظمة. أو عندما نتحدّث عن السّبايا والمظلوميّة وما حصل معهنّ وما ترتّب على إيذائهنّ، فلو حدّثنا ربع ساعة ونحن نقول كيف مررن في الطّريق وكيف تصرّف معهنّ بنو أميّة وكيف وصلن إلى الشّام...، في نفس المجلس يجب أن نذكر، مثلاً، موقف السّيّدة زينب (ع) عند يزيد، لأجعل في المجلس نفسه التّوازن في إبراز البشاعة في تصرّف الآخر والعظمة في سلوك الإمام الحسين (ع) ومن معه.
عندما أبرز الألم والمرارة أبرز معهما العزّة التي حصلت، أو عندما أبرز الدّموع والبكاء والمرارات أبرز أنّ الله تعالى تقبّل هذا العمل. لذلك تلاحظون أنّ الإمام الحسين (ع)، ماذا ينقل لنا عنه في اللحظة التي دخل فيها السّهم إلى عنق الطّفل الرّضيع؟، ماذا قال الإمام؟، قال: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان".. في لحظة المأساة لم يُنقل لنا أنّ الإمام (ع) عاش حالة المرارة واللطم والمأساة والكلمات التي تُشعر بالألم، ممّا يجعل حالة من التّوازن في تقديم الفكرة للنّاشئة. ففي الوقت الذي يعيش فيه ضغط الأعداء يعيش فيه قدرة المواجهة، عندما يرى حالة القهر التي حصلت يرى أيضاً القبول عند الله تعالى، فيصبح لدينا حالة توازن في كيفيّة العرض.
يمكن لنا أن نفصّل لمدة ربع ساعة في مسألة لكن نمرّر لدقيقة أو دقيقتين الفكرة التي تُحدث التّوازن، فنكون أوصلنا للنّاشئة بشاعة تصرّف الآخرين، لكن نبّهتهم إلى أنّ ما تصرّفوا به لم يحقّق لهم أهدافهم، وذلك حتّى لا يعلق في ذهنه بأنّنا مسحوقون ومظلومون ونُقتل دائماً. فهذه القضيّة هي مأساة في جانب لكن إيجابيّة في الجانب الآخر.

2) التّركيز على السّرد القصصي واختيار المضمون الذي ينسجم مع الرّوايات الثّابتة والصّحيحة تقريباً، لأنّه لا يوجد تحقيق كافٍ في هذا الموضوع. ولا يجب أن يعتذر أو يتحجّج الأخ أو الأخت اللذان يعطيان المحاضرة بأنّ السّيرة كلّها غير محقّقة، لأنّ هناك شيء يُحتمل وآخر لا يُحتمل. فأحياناً بعض القرّاء يقرأون قصّة لمدّة ربع ساعة يغيّرون فيها قوانين الكون كلّها، لماذا؟، ليقولوا بأنّ الإمام (ع) مظلوم؟.. نحن لو اقتصرنا على السّيرة المعروفة والشّائعة والتي لا خلاف فيها لكفت بإظهار المظلوميّة، من ثمّ يأتي موضوع الشّرح وسبك العبارة وطريقة تقديم الصّورة.
أمّا أن نلجأ إلى قصص وروايات خرافيّة تُشغل ذهن الولد وتشعره بأنّها أمور غير مقنعة، فهذا يسبّب التباساً في شخصيّته.
نحن نريد أن نقدّم له الصّورة الحقيقيّة، وأنا قلت عدّة مرّات بأنّه لو كانت سيرة الإمام الحسين (ع) بالحدود الصّحيحة التي نعرفها بالإجمال غير قادرة على استدرار الدّمع والعواطف والرّبط بالإمام الحسين (ع) ممّا يجعلنا نضطر إلى اختيار قصص وروايات إضافيّة وجديدة، فهذا يعني أنّ ثورة الإمام الحسين (ع) غير قادرة على تحديد أهدافنا، وبالتّالي أنتم تهينون الثّورة. هذه الثّورة ليست بحاجة إلى إضافات من أحد، وهي بحدّ ذاتها قادرة على أن تحقّق المطلوب، إذاً لماذا كلّ تلك الإضافات؟.
البعض يقول أنّ هذا يشكّل جاذبيّة؛ صحيح، لأنّ الإنسان يحبّ الغيب ويحبّ القصص التي لا يعرفها ويحبّ القصص التي تتحدّث عن عوالم مجهولة، هذا أمر طبيعي. لكن هل أشوّشه بهذه الطّريقة ليخرج بعد ذلك غير سوي أو لديه بعض العقد، أو يصبح لديه انطباعاً بأن المجالس التي يحضرها تحتوي على خرافات كثيرة. إنّما نحن نريد أن تكون المجالس تعبويّة ومؤثّرة.
3) تحديد الفكرة أو الأفكار التي نريد إيصالها.
بعض الأحيان كنت أرغب معرفة آراء بعض الأشخاص ببعض المجالس أو المحاضرات، كنت أسأل من باب الاختبار:
"كيف كان هذا المجلس؟، عظيم جدّاً..
ماذا تكلّم المتحدّث؟، تكلّم بالإسلام..
أوضح لي أكثر، ماذا بيّن؟، تكلّم عن الإسلام..".
فاستنتجت بذلك أنّه لم يفهم ماذا يريد القارئ، لأنّه تحدّث حديثاً له أوّ وليس له آخر.

ـ أذكر مرّة كنت أراقب أحد الأساتذة، فدخلت إلى صفّه وراقبت أداءه لمدّة ثلاثة أرباع السّاعة وبعد أن خرجت جلست معه جلسة تقييميّة، قال: "ما هو رأيك؟"، أجبته: " أنا؟ لم أفهم شيئاً"، فقال: "كيف؟ لقد أوردت الكثير من الآيات والأحاديث"، قلت له: "نعم، باستطاعتي الآن اعتلاء المنبر والتحدّث عن الإسلام وأذكر الكثير من الآيات وآتي بكلّ الرّوايات والأحاديث، وفي النّهاية يخرج الحاضرون دون أن يفهموا شيئاً"ـ .

توجد فكرة أو مجموعة أفكار لكلّ مجلس، يجب أن ندور نحن حولها. ونحن لدينا مشكلة في محاضراتنا ومواقفنا وفي الكثير من الأمور، بأنّنا نستطرد من فكرة لأخرى وكأنّ النّاجح هو الذي يضيّع الجمهور.

إذاً، ماذا تريد من المجلس؟.. مثلاً، هذا المجلس أريد منه تصعيد العاطفة، هذا المجلس أريد منه التّركيز على الحقّ، التّعويد على العبادة... أيّ فكرة أريد أن أصل إليها. فبالتّالي أقوم بحشد الأمثلة الموجودة في سيرة الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وأستفيد من آيات وروايات ومواقف أخرى، حتّى إذا خرج الأولاد من هذا المجلس وسألهم أيّ أحدٍ، كلّهم سيقولون كلمة واحدة: " كان يتحدّث عن العاطفة"، ولو اضطررنا إلى أن نكرّر الهدف الذي أردناه. وكلّ الأساليب الحديثة اليوم تركّز على وضع الكفايات والأهداف قبل البدء بالنّقاش، ولا مانع من أن تذكر الهدف للمتعلّم قبل البدء، لأنّه يُخشى أن لا يصل هذا الهدف بطريقة العرض التي تقدّمها أو أن لا تلتزم بطريقة عرض معيّنة.

إذاً، نحن نريد أن نحدّد الفكرة أو الأفكار التي نريد إيصالها إلى هذا النّاشئ قبل أن نعرضها.

 


4) إيصال المستمع إلى العبرة من اللقاء أو المجلس أو المحاضرة، ما هي العبرة في نهاية المطاف؟، أي أنّني لا يجب أن أكتفي بتحديد الأهداف بل أن أحقّق فكرة أو عبرة معيّنة سلوكيّة في شخصيّة الأطفال أو المستمعين. مثلاً، الاقتداء بسلوك النبي (ص) والأئمّة (ع)، تحسين الصّلاة ...، أو أيّ عبرة من العبر التي أرى أنّها مناسبة، فأستفيد من السّيرة لأصل إليها.

ثالثاً: يجب توضيح معنى شهادة الإمام الحسين (ع). وأتأسّف أنّ الأغلبيّة السّاحقة لا يعرفون لماذا استشهد الإمام الحسين (ع)، لأنّ بعض الخطباء يتحدّثون كثيراً عن الشّهادة فيظنّ الواحد منّا بأنّ الشّهادة هدفٌ قائمٌ بحدّ ذاته بمعزلٍ عن أيّ شيءٍ آخر.
إنّما الشّهادة هي طريقٌ إلى الهدف وليست هدفاً، بدليل أنّ الإمام الحسن (ع) لم يفعل ما فعله الإمام الحسين (ع) مع العلم أنّ معاوية كان لمدّة من الزّمن في صلحٍ مع الإمام الحسن (ع) وأيضاً الإمام الحسين (ع) عايش معاوية من سنة 50هـ وحتّى سنة 61هـ إلى أن أتى يزيد إلى الحكم، يعني عشر سنوات والإمام (ع) مع معاوية، فلماذا وقف في وجه يزيد ولم يقف في وجه معاوية؟، لأنّ هدف الإصلاح لا يتحقّق إلا في هذه اللحظة وأن يخرج بهذه الطّريقة، أمّ قبل ذلك فلم يكن ينفع الخروج بهذه الطّريقة.. من هنا نقول أنّ الشّهادة موظّفة لتحقيق هدف وليست هي الهدف بحدّ ذاتها. نرى أنّ بعض القرّاء يقولون: " إنّما ذهب إلى كربلاء من أجل أن يستشهد"؛ وهذا خطأ، الإمام (ع) لم يذهب إلى كربلاء من أجل أن يستشهد، إنّما ذهب من أجل الإصلاح في الأمّة، وهذا الإصلاح يتطلّب هذا المسار فوصل إلى مرحلة استلزم المسار أن يستشهد في سبيل الله فقدّم نفسه.

هذا يؤثّر بأن لا يعيش الأولاد عقدة إذا لم تكن الطّريقة التي يعملون من خلالها توصل إلى الشّهادة. نعم، المطلوب أن نبنيهم على الاستعداد للشّهادة وعلى القابليّة أن ينفّذوا إذا أتى القرار أو الأمر، لكن هل الهدف هو الشّهادة؟، لا الشّهادة ليست الهدف.. الهدف هو الإصلاح الذي قد يؤدّي إلى الشّهادة ويؤدّي في أحيان أخرى إلى الصّبر والتّحمّل بحسب طبيعة العمل والجهد، لأنّنا لا يمكن أن نقول لهؤلاء النّاشئة أنّ الله يعلم أنّ الإمام الحسين (ع) سيستشهد والإمام (ع) نفسه كان يعلم أنّه سيستشهد، ولأنّ هذا العلم موجود عند الله سبحانه وتعالى فكان لا بدّ أن يذهب الإمام إلى الشّهادة تطبيقاً لعلم اله تعالى الذي كان موجوداً لديه.

من هنا، يجب تفسير معنى الشّهادة للنّاشئة بما يعزّز لديهم العنوان الأصلي وهو الاستعداد للجهاد بكلّ أبعاده والذي يؤدّي في بعض الأحيان إلى الشّهادة. ساعتئذٍ إذا قام بمجاهدة نفسه التي بين جنبيه وانتصر عليها، يعيش حالة من الاطمئنان والاستئناس. وفي الرّواية التي ذُكرت عن رسول الله (ص) عندما عاد المسلمون من إحدى الغزوات، ماذا قال لهم؟، " مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر"، قالوا: "وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟"، قال: "جهاد النّفس".

الأكبر أي الأولى الذي يضمّ الأصغر، لأنّه لو نجح في حهاد النّفس سينجح في أن يقدّمها قربةً إلى الله تعالى.
فنحن نريد أن تكون المفاهيم الإسلاميّة عند النّاشئة مفاهيم واضحة غير ملتبسة، ولا نريد أن نأخذهم إلى عنوان تفصيلي محدّد.

رابعاً: إبراز العوامل الذّاتيّة والخاصّة بشخصيّة الإمام الحسين (ع) كإمام، وكذلك علاقته مع أهل بيته وأصحابه وعدم الإغراق في غيبيّات الشّخصيّة. مثلاً، لماذا الإمام الحسين (ع) عظيم؟، لأنّه ابن بنت رسول الله (ص)، وقال عنه (ص) أنّه سيّد شباب أهل الجنّة، وهو ابن الإمام علي (ع) وابن فاطمة الزّهراء (ع) وتربّى في حضن النّبي (ص)، ورعاه الله سبحانه وتعالى بشكلً دائم، وذهب إلى الشّهادة برعاية الله تعالى...، إلى الآن لم نرى الإمام الحسين (ع) ماذا فعل فكلّه من عند الله.

إنّما الإمام (ع) هو بذاته يحمل جدارةً جعلته في موقع الإمام المعصوم من خلال سلوكيّاته وتصرّفاته، وتأتي تلك العوامل الأخرى كعوامل إضافيّة وليست عوامل وضعته في هذا المكان. فهو أوّلاً، الحسين (ع) بنفسه عظيماً بالجهاد والعطاء والتّضحية وأُضيف إليها أنّه ابن بنت رسول الله(ص).

وإلا إذا كنّا نقول دائماً أنّ الإمام الحسين (ع) عظيم لأنّ السّماء تدخّلت، الإمام (ع) عظيم لأنّ السّماء أمطرت دماً...، هذه كلّها عوامل إضافيّة، فهو بارزٌ في أدائه وأعماله وشخصيّته وفي سلوكيّاته وكلماته، في طريقة تربيته لأهله، في وقوفه ضدّ الباطل، في تعابيره ومواقفه...، نحن نريد أن نعرّف الإمام الحسين (ع) بهذه العناوين، وإلا سيقول لك النّاشئ بأنّ الله والملائكة تدخّلوا، إذاً هو ماذا فعل؟، وأنا لو حصل معي ما حصل معه لكنت مثله، وبالتّالي يستنتج بأنّ عوامل خارجيّة هي التي أعطت أو أنتجت هذه الشّخصيّة.

إنّما نحن نريد أن ندرس العوامل الذّاتيّة، لأنّنا نتحدّث مع ناشئ، ليعلم هذا النّاشئ أنّ بإمكانه توفير عوامل ذاتيّة في شخصيّته وأن يصل إلى المراتب العليا، والدّليل ما حصل مع علي الأكبر والقاسم وما حصل مع كلّ هؤلاء، وأيضاً الدّليل ما حصل مع الإمام الحسين (ع). فأنا لماذا أريد أن أجعل قدوته علي الأكبر وليس الإمام الحسين (ع)؟، يجب أن أقول له بأنّ الإمام (ع) يمتلك صفات وهذه الصّفات يستطيع أن يأخذ منها إضافة إلى الصّفات التي يأخذها من علي الأكبر ومن الآخرين.

خامساً: إزكاء العاطفة، لأنّ حالة الشّعور بالحبّ والتّفاعل وحالة الإيمان بالمظلوميّة أمر مطلوب، فلا مانع أو مشكلة من أن يبكي الطّفل. والطّفل كيف يبكي ولماذا يبكي؟، إذا كان يبكي ليصعّد في نفسه حالة المأساة التي حصلت فيصبح حاقداً على الكفر والانحراف وشاعراً بحالة معنويّة كبيرة، يصبح البكاء هنا طريق للرّبط العاطفي لأنّه تعبير عن حالة شعوريّة يجب أن تكون موجودة وفي نفس الوقت نعوّده من خلال هذا البكاء أن يبكي على أخطائه وعلى انحرافاته ويدعو الله تعالى أن يساعده لينتقل منها.. هنا يكون البكاء قوّة.

سادساً: الاهتمام بالمواقف التي تنمّي الوعي والإيمان عند النّاشئة، وأعطي بعض الأمثلة؛ نحن عندما نذكر مثال الصّلاة في ليلة عاشوراء وما طلبه الإمام الحسين (ع) من أخيه العبّاس (طلب منهم أن يؤخّرهم إلى الغد)، ماذا قال؟، قال: " إرجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى الغدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصّلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدّعاء والاستغفار".

في بعض الأحيان القرّاء يذكرونها ليظهروا اهتمام الإمام الحسين (ع) بالصّلاة، ونحن لا نريد ذلك، نريد أن ننقل اهتمام الإمام الحسين (ع) . فإذا كان الإمام (ع) قد اهتمّ بالصّلاة في ليلة القتال، وإذا اهتمّ بالدّعاء كسبيل لإعطاء الدّفع المعنوي والقوّة، وإذا كان يعبّر عن الحبّ لهذه الفريضة العظيمة.. فالأولى بنا إذا كنّا نقتدي بالإمام الحسين (ع) أن نلجأ عند الملمّات إلى الصّلاة والدّعاء وتعزيز حالة الحبّ والتّفاعل، فالصّلاة قربان كلّ تقيّ، وهي عروجٌ إلى السّماء، وهي تعطي هذا الدّفع المعنوي وهذه القوّة، كما أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر... فبدل أن أتحدّث عن الصّلاة كفعل للإمام الحسين (ع)، أتحدّث عن الصّلاة كفعلٍ له ولنا.

المثل الآخر مع علي الأكبر، حيث يقول له الإمام (ع): " يا بنيّ إنّي خفقت برأسي خفقةً فعنّ لي فارسٌ على فرسه فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا"، قال له: "يا أبتي، لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحقّ؟"، قال: "بلى، والذي إليه مرجع العباد"، قال: "يا أبتي، إذاً نموت محقّين"، عندها قال له (ع): "جزاك الله من ولدٍ خيراً، خير ما جزى ولداً عن أبيه".

 

 


وبهذا نحن نريد أن نقرّب الصّورة إلى النّاشئة، فنقول اهتمام علي الأكبر بالاستماع إلى توجيهات والده أمرٌ مهمّ، ورسم خطّة "أن نموت محقّين" بصرف النّظر عن النّتائج هذا أمر عظيم.

هذه بعض الأفكار في الخطاب، وبطبيعة الحال إذا ركّزنا على مجالس خاصّة للنّاشئة وعلى مقرئين ومقرآت يتدرّبون على ما ينفع النّاشئة، ثمّ بعد ذلك أجرينا عمليّة تقييميّة لانعكاس الأساليب التي اخترناها عليهم نستطيع أن نكتشف المؤثّرات والأخطاء ويمكن أن نطوّر العمل، لأنّنا عندما نطرح مجموعة من الأفكار قد يكون بعضها فعّال والبعض الآخر يحتاج إلى بلورة أكثر. ولا يخفى أنّه مع وجود مجالس النّاشئة أنا أدعو أن لا نعزلهم عن المجتمع، فهم يجب أن يشاركوا في المجالس العامّة لأنّني أريدهم أن يعيشوا الأجواء الخاصّة والعامّة ليكونوا جزءاً من هذه السّاحة وهذا أمر يساعد في بلورة شخصيّته.

إذاً أنا مع مجالس النّاشئة ولكن لست مع عزل الطّفل عن المجالس الأخرى، فهو يجب أن يكون لديه شيءٌ من المشاركة لأنّ المجالس الأخرى لها أيضاً تأثيرها العام ولها خصوصيّتها في هذا العمل. ولا يخفى أنّ الاهتمام بالدّروس والمسابقات وتوزيع الكتب وبعض الأنشطة الجميلة التي رأيتها، كلّ هذه تغذّي.. الرّسمة تغذّي، الاجتماع يغذّي، المسيرة، حمل المجسّم...، كلّ هذه العوامل هي عوامل مساعدة وتنسجم مع النّاشئة فهم لا يحتاجون إلى فلسفة، بل يحتاجون إلى أمور تقترب من أذهانهم ويكون لها طابعاً عمليّاً.


مداخلات الحاضرين:

 

• المداخلة الأولى: سماحة الشّيخ نحن نسمع في هذه الأيّام أصوات تتطالب بعقلنة عاشوراء، طبعاً ما تفضّلتم به هو المقياس السّليم والممتاز ومن خلال الالتزام بهذا الخطّ نصل إلى الهدف المنشود، وأنا أريد أن أطلق صرخة تخوّف لأنّني بعد أن تحدّثت إلى بعض المطالبين بالعقلنة، تمحور كلامهم حول عدم ضرورة تأجيج العاطفة، أي يكفي أن نقدّم الموضوع بأسلوبٍ منطقي وغير مبكٍ.

أنا كمراقبة وباحثة أرى أنّ إلغاء العاطفة أو عدم وضعها في الدّرجة الأولى، يشكّل خوف من أن تبدأ عاشوراء بفقدان ما وصلنا إليه.. إذاً تأجيج العاطفة هو شيء مهمّ حتّى ولو كان هناك مبالغة في القصص والرّوايات لأنّ ذلك هو بحدّ ذاته فنّ، فنحن نحن تربية المدرسة التّقليديّة.

• المداخلة الثّانية: مولانا، تكلّمتم عن السّياسات التي يمكن اعتمادها في الإحياءات، ولكن الأهداف التي تريدون توجيهنا إليها لم تكن واضحة جيّداً، إذا سمحتم توضيحها أكثر.

ثانياً، بما يخصّ الجانب الفنّي والإعلامي، ما هو دوره عندنا في الجمعيّة؟. وثالثاً، برنامج الإحياء الذي يجب اعتماده، هل نركّز فقط على المجلس واللطميّة أو هل يجب أن يكون هناك فقرات أخرى؟

• المداخلة الثّالثة: كنّا نرى في بعض الإحياءات العاشورائيّة للنّاشئة، وخاصّةً في كشّافة الإمام المهدي (عج)، فقرات تمثيليّة يتخلّلها المجلس العاشورائي. برأيكم ماهو مدى الاستفادة من هذه الفقرات، وما هي ملاحظاتكم حولها لتعمّ الفائدة ويتحقّق الهدف؟

• المداخلة الرّابعة: مولانا، حديثاً هناك الكثير من علماء التّربية يقولون بأنّه يجب ربط القصّة بالحياة اليوميّة، أي أن نعطيها شواهد من الواقع المُعاش. إلى أيّ مدى نستطيع أن نربط عاشوراء بالحياة اليوميّة؟. ومن جهة أخرى قد يستغرق البعض في إعطاء الأمثلة، بأن يقول للطّفل، مثلاً: تخيّل إن الإمام الحسين (ع) هو والدك، أو أنّ يزيد هو العدوّ الإسرائيلي، والطّفل الرّضيع هو أخوك الصّغير...

ثانياً؛ عندما تحدّثتم عن التّوازن، قلتم بأنّه يجب أن نعطي المصيبة الأهمّيّة الأكبر، إذ باستطاعتنا التّحدّث عن المصيبة لمدّة ربع ساعة ثمّ نوجز الأهداف. هل بإمكاننا الوصول إلى مجلس عاشورائي لا نتحدّث فيه عن المصيبة والقتل، ونتحدّث فقط عن الجانب المشرف؟

• المداخلة الخامسة: موضوع تكلّم الرّأس الشّريف في دمشق، أو الدّم الذي رفع إلى السّماء ولم يسقط منه قطرة واحدة إلى الأرض.. كيف نستطيع أن ننقلها إلى الطّفل على أنّها واقعة طبيعيّة وفي نفس الوقت هناك أمور حدثت "خارقة" للطّبيعة؟

• المداخلة السّادسة: كيف نستطيع، من خلال عاشوراء، أن نربّي النّاشئة على فكرة تقريب المذاهب والطّوائف من خلال الطّروحات العاشورائيّة، وخاصّة أنّ محرّم هو شهر عاطفة عند النّاشئة؟

• المداخلة السّابعة: واضعي نظريّات السّلوك البشري، قالوا بأن نحاول قدر الإمكان أن لا نعطي الأطفال صور عن العنف والقتل. نحن، الآن، في بعض مجالسنا ماذا نلتمس عند الأطفال عندما ننقل لهم هذه الصّورة ( صورة القتل والفاجعة)؟ وما الفائدة من ذلك لننسف تلك النّظريّات؟


الإجابة على المداخلات:

 


إلغاء كلّ شيء له طابع غيبي ولو كان مسنداً وصحيحاً، هذا ما يقصدونه بالعقلنة، وأنا ضدّ هذه النّظريّة. نعم، أنا مع الرّوايات التي تحدّثت عن سقوط الدّم من السّماء ومع كلّ الرّوايات التي ثبتت لدينا، فنحن من الذين يؤمنون بالغيب لكن لا أن نأتي بقصص خرافيّة وخياليّة، هناك فرق بين الأمرين.

كلّ شيء غيبي ورد وله دليل أو كلّ شيء موثوق بالنّسبة لنا نذكره، قبله العقل البشري أم لم يقبله، والطّفل يعلم أنّ هناك أشياءً إعجازيّة وغيبيّة وأشياء بيد الله تعالى لا ندرك معناها وأسبابها لكن لا نراها أمامنا.

فلذلك، أنا لست مع عقلنة عاشوراء؛ بل مع الأسلوب التّقليدي، ولكن هذا الأسلوب التّقليدي يجب أن يُشذّب منه الرّوايات الخاطئة. لذا أنا عندما استعملت كلمة "إذكاء العاطفة"، المقصود بها تأجيج وتصعيد العاطفة. وأنا أؤيّد أنّه يجب أن لا يخلو مجلس من العاطفة، من ذكر المصيبة، من الأجواء الرّوحيّة والعاطفيّة المرتبطة بكربلاء.. لأنّ كلّ ذلك هو مدخل لملء الفكر والقلب والأدلّة.

من هنا، نحن لم نتحدّث عن عقلنة عاشوراء ولم نقل بأنّنا نريد تغيير الأسلوب التّقليدي، إنّما نريد تحسين طريق أدائه.

كما أنّي لست مع المبالغة في القصص وإن أجّجت العاطفة، وأنا قلت إذا كانت القصص الموجودة ـ سواء كانت غيبيّة أو فعليّة ـ ليست كافية لتأجيج العاطفة، يعني أنّ هناك خللاً في عاشوراء وهذا غير صحيح، هي بحدّ ذاتها قادرة على إيجاد هذا الجوّ وهذا المناخ.

في ضوء التّوجيه إلى الأهداف؛ عندما نقول أن أهدافنا هي الإسلام يكون لدينا الكثير لنأخذ منه، أي أنّ نستطيع أن نأخذ، مثلاً: هدف الاهتمام بالصّلاة، التّركيز على الجهاد، الرّبط بأهل البيت(ع)، الإيمان بالولاية، حسن الخلق... ولكن نختار من هذه الأهداف ما يتناسب مع البيئة التي نعمل فيها، خاصّةً إذا وجدنا أنّ هناك ثغرات يجب الاهتمام بها أكثر من غيرها. تصوّروا مثلاً، أنّني أتحدّث عن حسن الخلق وأركّز عليه ومن أجتمع معهم لا يصلّون أو يصومون، لا يمكن ذلك، بل يجب أن أعطي أولويّة للصّلاة.

إذاً هنا أنا ألفتكم إلى أن تتعرّفوا إلى الذين تخاطبونهم، لأنّنا عندما نضع الأهداف نضعها لناشئة متحرّكة ومتغيّرة ومتنوّعها، لديها إيجابيّات وسلبيّات.

أمّا الجانب الفنّي والإعلامي، فهو يعتبر مثل العوامل المساعدة. قد يقول أحدهم بأنّ المسرحيّة هي أفضل ما يؤثّر بالأولاد، وآخر يقول اللوحة هي أفضل، وهكذا...، إنّما المجلس التّقليدي بالتّنقيح الذي ذكرته هو أ كبر مؤثّر، لكن تأتي العوامل الأخرى لتضيف مؤثّرات وفي نفس الوقت هناك أشخاص يتأثّرون بها، فأحدهم قد تؤثّر فيه المسرحيّة والآخر اللوحة أو النّجاح في المسابقة، وربّما المسيرة أو حمل المجسّم، إلخ... . إذاً، نحن نضخّ مجموعة من المؤثّرات لكن ليس بالضّرورة أن يتلقّاها الجميع بنفس الشّكل.لذلك من المهمّ أن نقوم بتوفير الأساليب والأشكال المختلفة التي أعتقد أنّها مؤثّرة فتصبح بالتّالي البرامج متنوّعة.

لكن أنا أنصحكم إذا اكتشفتم من خلال التّطبيق العملي أنّ بعض الأساليب شكليّة بالكامل وليس لها تأثير، قوموا بإلغائها. لكن لا تذهبوا إلى الأشياء التّقليديّة البحتة بل إلى الأمور التي تجدون أنّها تحقّق فائدة، وهذا ما ينطبق على الفقرات الفنّيّة في المسرحيّات إذ تكون فائدتها متفاوتة حسب المتلقّين، لكنّها أسلوب من الأساليب المفيدة.

وفيما يتعلّق بربط القصّة بالحياة اليوميّة؛ هذا أمر ضروري لأنّه يقرّب الفكرة للطّفل أكثر، لكن أنا لست مع الإسقاطات الحادّة والأفضل أن نقوم بتطبيقات مقاربة.

وبالنّسبة لذكر المصيبة، فهو يتعلّق بالأهداف التي أريد تحقيقها.
أمّا موضوع تقريب المذاهب، فطريقة التّوجيه هي التي تؤدي إلى التّقريب أو التّفريق. مثلاً، بعض الخطباء أحياناً يعتبرون أن كلّ أولئك هم من بني أميّة، وعندما يُعبَّأ النّاس بهذه الطّريقة سيشعرون بالتّأكيد بأنّ الكلّ مسؤولون عمّا حصل في كربلاء. وهذا غير صحيح، إنّما تكليفنا الشّرعي أن نميّز بين القديم والجديد أو أن نقول بأنّ الإمام الحسين (ع) هو لجميع المسلمين، وهذا ما تركّز عليه الخطب العامّة الآن.

وأريد أن أركّز هنا على أمرٍ قد فاتني بأنّنا نحن تربية الأسلوب التّقليدي؛ أنا لا أوافق، نحن لسنا كذلك أبداً، إنّما نحن تربية الأسلوب الذي يعمل داخل الأسلوب التّقليدي ويستقطب هؤلاء الشّباب والأخوات ويقوم بتأهيلهم. أمّا من هم تربية الأسلوب التّقليدي، فأولئك الذين لا يؤمنون بالمقاومة ولا بحركتنا كلّها ويعيشون منفردين وينتظرون الفساد لينتشر في الأرض، هؤلاء موجودون في لبنان وفي كلّ العالم.

وأخيراً موضوع التّربية الحديثة؛ في الحقيقة التّربية الحديثة لديها أهداف، فيها أشياء صحيحة ـ وأنا برأيي أنّه مقتبسٌ من الإسلام ـ لكن هناك أمور أخرى يضيفونها.

أذكر أنّه في مقالةٍ لأحد الشّيوعيين وهو دكتور ومتخصّص في التّربية، يقول: " إنّ أكبر خطأٍ يُرتكب هو تعريض الأطفال من الطّفولة للمسائل الدّينيّة والتّربية عليها وتخويفهم من الجنّة والنّار وتعييشهم في إطار الإيمان والالتزام، لأنّ هذا يعطّل لهم شخصيّتهم وبالتّالي سيذهب بهم إلى مكانٍ خاطئ"، بعد أن يقدّم هذا العرض يقول: " أنا أقترح، حتّى لا تقولوا بأنّني أنتقد بدون اقتراح، أن لا مانع من عرض كلّ المسائل الدّينيّة التي تريدونها ولكن دعوا الولد حتّى يصل إلى الخامسة عشر من عمره، لأنّه في هذا السّنّ يصبح لديه قدرة على التّمييز، ساعتئذٍ قوموا بعرض ما تريدون واتركوا له حرّيّة الاختيار". هو إلى ماذا يريد أن يصل؟...

هو يرى بأنّ هذه التّربية من الصّغر، تؤصّل الأولاد وتأخذهم إلى الإتجاه الديني، وبطبيعة الحال الإتجاه الديني ينسجم مع الفطرة، فيقترح بأن لا نُدخل الدين حتى سنّ الخامسة عشر.

ولكن إذا لم يدخل الدين من المؤكّد أن شيئاً آخر سيدخل، إذ لا يوجد مساحة في حياة الطّفل لا يوجد فيها تربية، لأنّ بطبيعة الحياة كلّ شيء يربّي: وسائل الإعلام، المدرسة، الاتصالات، العلاقات...
من هنا أنا أريد أن أقول بأنّ صورة القتل التي يتحدّثون عنها هي صورة القتل البشع وصورة الاعتداء، وأنا عندما أقدّم صورة قتل الإمام (ع) فأنا أكون قد قدّمت أيضاً صورة بشاعة الكفر وعظمة الإيمان.، وهذا المقدار هو أمر طبيعي يتقبّله الأطفال ويتفهّمونه ويتفاعلون معه.

إذاً، فموضوع التّربية على سيرة الإمام الحسين (ع) مع الانتباه إلى الضّوابط التي تمّ ذكرها، تؤصّل شخصيّة الطّفل وتنبّهه إلى الأخطاء.

تقبّل الله أعمالكم، وأسأله أن يوفّقكم...

 

برامج
1773قراءة
2015-11-10 08:32:20

تعليقات الزوار


سلمى