12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المناسبات الإسلامية >> محاضرات من دعاء أبي حمزة الثمالي

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis


محاضرات من دعاء أبي حمزة الثمالي


هي ساسلة من المحاضرات التي تشرح بعض أجزاء هذا الدعاء من خلال موضوعات محددة. هذا الشرح ورد في كتاب زاد المبلغ في شهر رمضان من إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني.


المحاضرة الأولى: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان


الهدف:

تعريف الناس أنّ مغفرة الله هي الهدف الذي ينبغي بلوغه في أيام وليالي شهر رمضان المبارك وحثّهم عليه.

الموضوع:

"إلهي وسيدي ومولاي، وعزّتك وجلالك، لئن طالبتني بذنوبي لاطالبنّك بعفوك، ولئن طالبتني بلؤمي لاطالبنّك بكرمك، ولئن أدخلتني النار لأخبرّن أهل النّار بحبّي لك".

 

أمل الإنسان المذنب ورجاؤه الذي يطمح للوصول إليه في أيام وليالي شهر رمضان المبارك هو المغفرة، يمسح بها ذنوبه، وينوّر صحيفته، ويجبر ما فاته من الخير، وبها يدرك المرء قبول أعماله من صيام وقيام.


محاور الموضوع:

المغفرة هدف الصائم في شهر رمضان

مرّ أنّ المغفرة هي الهدف الأسمى الذي يسعى المسلم في شهر رمضان لنيله، وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ من لا يدرك هذا الهدف يُكتب من الأشقياء إذ قال: "إنّ الشقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم"1.

وهذا الهدف ورد في دعاء وداع شهر رمضان: "فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامّة، إن كان بقي عليّ ذنب لم تغفره لي أو تريد أن تعذّبني عليه أو تقايسني به أن يطلع فجر هذه الليلة أو يتصرّم هذا الشهر إلّا وقد غفرته لي"2.

إذا حرم الإنسان المغفرة في أيام وليالي شهر رمضان المبارك رغم العطاءات العظيمة والفيوضات الواسعة ومضاعفة الأجر وفتح أبواب الجنان وقبول الأعمال وسوى ذلك ممّا ورد في خطبة الرسول فإنّه لن ينال المغفرة في غيره من الأيام.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلّا أن يشهد عرفة"3.

 

الإستغفار

أمّا كيف السبيل للوصول الى هذا الهدف؟! فقد ورد أنّ كثرة الإستغفار سفينة الوصول إلى المغفرة في هذا الشهر، فقد ورد في خطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكّوها باستغفاركم"4.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "اكثروا من الإستغفار فإنّ الله تعالى لم يعلِّمكم الإستغفار إلّا وهو يريد أن يغفر لكم"5.

بركات الإستغفار

1- الإستغفار آلة النجاة: فقد ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "العجب ممن يهلك والمنجاة معه، قيل ما هي ؟ قال الإستغفار"6.

2- الإستغفار يفتح أبواب السماء ويستجيب الله لحاجات الإنسان الدنيويّة والأخرويّة: قال تعالى: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾7.

 

3-الإستغفار يمنع نزول العذاب: عن الإمام الباقر عليه السلام:"كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإستغفار لكم حصنين حصينين من العذاب فمضى أكبر الحصنين وبقي الإستغفار، فأكثروا منه فإنّه ممحاة للذنوب، قال الله عزّوجلّ: ﴿مَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾8"9 .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إدفعوا أبواب البلايا بالإستغفار"10.

4- العصمة من الشيطان: أي عدم تسلّط الشيطان عليه، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده: الذاكرون لله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار"11.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1118.
2- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسى، ص 636.
3- فضائل الأشهر الثلاثة/ الشيخ الصدوق، ص133.
4- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص314
5- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج15، ص 494.
6- بحار الأنوار، ج9، ص283.
7- نوح، 10-12.
8- التوبة 9.
9- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج14، ص 336.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص871.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2276.


المحاضرة الثانية: القنوط من الرحمة الإلهيّة

الهدف:

إنّ الرحمة الإلهيّة مصدر الأمل عند الإنسان، وينبغي التوسّل لنيلها، وعدم رضا الإنسان عن عمله معتبراً أنّه ينجيه من دونها.

الموضوع:

"فواسواتا على ما أحصى كتابك من عملي الذي لولا ما أرجو من كرمك وسعة رحمتك ونهيك إيّاي عن القنوط لقنطت عندما أتذكرها".


حرّم الله القنوط من رحمته لما يستبطن ذلك من محذورين خطيرين، هما خوف الإنغماس في المعصية من جهة، وعدم معرفة الله حقّ معرفته من جهةٍ أخرى.

ولذلك أمر الله عباده بعدم القنوط قائلاً: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾1.

محاور الموضوع:

القنوط من الكبائر

عدّ علماء الأخلاق القنوط من رحمة الله من الذنوب الكبيرة التي تستوجب العقاب، ولذلك ينبغي على الإنسان أن لا يفقد الأمل من الرحمة الإلهيّة مهما تعاظمت ذنوبه.

قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ2﴾.
وقال تعالى: ﴿قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ﴾3.
وقال تعالى: ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾4.

قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: "ما أكبر الكبائر ؟ قال: الأمن من مكر الله والإياس (أي اليأس) من روح الله، والقنوط من رحمة الله"5.

واعتبر القنوط من الكبائر لأنهّ نتيجة سوء الظنّ بالله، وهو من صفات المشركين والمنافقين، قال تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ6﴾.

المقنّط في النصوص

حذّرت الشريعة من ثقافة القنوط واليأس من رحمة الله، مؤكّدة ضرورة فتح باب الأمل للناس، بل لا يجوز إقفال باب فتحه الله، فلولا الأمل في الحياة لما سعى أحد إلى أيّ عمل أو مشروع، ولجلس على حافّة قبره ينتظر الموت.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم مكر الله"7.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم........لا تقنّط الناس من رحمة الله وأنت ترجوها لنفسك"8.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يبعث الله المقنِّطين يوم القيامة مغلّبة على وجوههم غلبة السواد على البياض فيقال لهم: هؤلاء المقنِّطون من رحمة الله"9.


علاج القنوط

1- الإستغفار: عن الإمام علي عليه السلام: "عجبت لمن يقنط ومعه الإستغفار"10.

2- حسن الظن: قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا﴾11.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الفاجر الراجي لرحمة الله تعالى أقرب منها إلى العابد المقنط"12.

3- اليقين بالحكمة الإلهيّة: أي أن يعزّز الإنسان ثقته بالله، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إعلم أنّ الذي بيده خزائن السموات والأرض قد أذن لك في الدعاء وتكفّل لك بالإجابة، فلا يقنّطك إبطاء إجابته فإنّ العطيّة على قدر النيّة "13.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
1- الزمر، 53.
2- يوسف، 87.
3- الحجر، 56.
4- فصّلت، 49.
5- كنز العمال، خ 4325.
6- الفتح 6.
7- نهج البلاغة، الحكم، 90.
8- عيون أخبار الرضا، ص28.
9- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشهرودي، ج8، ص613.
10- نهج البلاغة، الكلمات القصار، 87.
11- الشورى، 28.
12- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2632.
13- موسوعة أحاديث أهل البيتr، الشيخ هادي النجفي، ج9، ص 365.

 

المحاضرة الثالثة: المعصية والجرأة على الله

الهدف

حثّ الناس على الورع عن المحارم وضرورة تربية الناس على الخوف وعدم الجرأة على الإنزلاق إلى مستنقع الذنوب.

الموضوع

"أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيّده اجترا، أنا الذي عصيت جبار السماء، أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى".


يربّي الإسلام الإنسان على امتلاك إرادة قوية تمنعه من الوقوع في الحرام، معتبراً أنّ باطن الذنب هو النار، وأنّ مقاربته كمقاربة النار.


قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾1.
وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾2.

- إنّ اجتناب الذنوب هي المرحلة الأولى والأساسيّة التي ينبغي سلوكها في مسيرة السلوك والتقرّب الى الله، تماماً كمن يريد زراعة أرض فيبدأ أولاً بتنقية الأرض من الحشائش والأعشاب الطفيليّة قبل زراعتها.

محاور الموضوع

ضوابط النظر إلى الذنوب

شدّدت النصوص على جملة من الضوابط والقيود التربويّة احترازاً من الوقوع في المعصية، وسعياً لبلوغ الإنسان شعورالإحساس بالنار عند مقاربة المعصية، ومنها:

1- عدم النظر إلى صغر الذنب: إنّ استصغار الذنب والإستخفاف به من أخطر الأمور الأخلاقيّة لأنّها تسهّل في عين الإنسان التجرؤ على الله، وتصغّر من خطورة المعاصي فيتراكم عند الإنسان جبال من الذنوب

وهو لا يشعر، بل وهو ينظر لنفسه نظرة رضى، روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "اتقوا المحقّرات من الذنوب فانّ لها طالبا، لا يقولنّ أحدكم أذنب واستغفر، إنّ الله يقول ﴿إن تك مثقال حبةٍ من خردل﴾3.

وعن الإمام علي عليه السلام: "أشدّ الذنوب ما استخفّ به صاحبه"4.

2- اعتبار الذنب جرأة على المولى: وأن هذه الجرأة تمنع من مخافة الله في قلب الإنسان، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته لأبي ذرٍ: "ولا تنظر إلى صغر الخطيئة وانظر إلى من عصيت"5.

3- التنبّه عند الخلوة والإنفراد: فكثيراً ما يمتنع الإنسان عن المعصية حياءً من الغير، وأما لو كان منفرداً فلا يبالي، فعن الإمام علي عليه السلام: "إتقوا معاصي الله في الخلوات فإنّ الشاهد هو الحاكم"6.

أو ما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: "فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته"7، حيث يشدّد الدعاء على ضرورة اعتبار الله أشدّ الناظرين، وضرورة استشعار الرقابة الإلهيّة فإنّها تحول بين المرء والوقوع في المعصية، ففي الدعاء "وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم".

4- اعتبار العقوبة عاجلة وغير مؤجّلة: "ولو خفت تعجيل العقوبة لأجتنبته"8، أي أن يفترض الإنسان أن العقوبة فوريّة، وأنّ الله سيحاسبه فور انتهائه من المعصية، فإنّ ذلك يساهم تربوياً في الإمتناع عن المعصية.

5- ضرورة التوبة وعدم الإصرار على الذنب: لأنّ الإصرار من شأنه أن يحول صغائر الذنوب الى كبائر، كما أنّه يهوّن الذنب في نظر صاحبه بل قد يأنس بها فيدعوه ذلك الى المزيد من الجرأة والتمادي على الله تعالى.

عن الإمام علي عليه السلام: "أعظم الذنوب عند الله ذنب أصرّ عليه عامله"9.

وفي الختام نستذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية خطبة استقبال شهر رمضان أنّه سئل عن أفضل الأعمال في هذا الشهر فقال: "الورع عن محارم الله"10.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- النساء 10.
2- هود 113.
3- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.15، ص.311.
4- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.15، ص.312.
5- كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج2، ص 532.
6- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.15، ص.239.
7- الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدين، ص217.
8- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 584.
9- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج.11، ص.368.
10- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 155.


المحاضرة الرابعة: حبّ الدنيا

الهدف:

التذكير بعدم الركون الى الدنيا وزخارفها والتعلّق بها، وأنّ ذلك مما يبعد عن الآخرة وأعمالها.

الموضوع:

"سيدي أخرج حبّ الدنيا من قلبي واجمع بيني وبين المصطفى وآله".

 

يصوّر القرآن الكريم الدنيا بمجموعة من الأوهام التي يحسبها الإنسان قضايا مهمّة، لكنّها في الواقع ليس لها أيّ قيمة، والتعلّق بها يؤدي إلى النار والعذاب وخسران الآخرة كما قال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ

 

الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾1.

محاور الموضوع:

أخطار حبّ الدنيا في النصوص:

1- حبّ الدنيا مصدر الخطايا: لأنّ محبّ الدنيا غافل عن آخرته، ناسٍ لقاء ربّه، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: "رأس كلّ خطيئة حبّ الدنيا"2.

2- لا يجتمع حبّ الدنيا مع حبّ الآخرة: عن الإمام علي عليه السلام: "إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماشٍ بينهما كلّما قرب من واحد بعد عن الآخر، وهما بعد ضرّتان"3.

3- ترك الاستعداد للآخرة: وقد ورد في الحديث عن مولانا الكاظم

 

عليه السلام: "من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه"4. ومعناه ترك الإعداد لأهوالها والعمل للنجاة منها، فخوفها مقدّمة لذلك، فإذا نزع الخوف لم يحذر ليفاجأ بها.

4- حب الدنيا يضيّع الدين: عن الإمام علي عليه السلام: "ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم"5.

5- حبّ الدنيا تعلّق بوهم: لأنّه تعلّق بأمر فانٍ، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون لها....، وسابقوا فيها الى الدار التي دعيتم إليها وإنصرفوا بقلوبكم عنها"6.

آثار حبّ الدنيا

ونقتصر هنا على ذكر حديثين يبيّنان الآثار التي يتركها حبّ الدنيا على النفس الإنسانيّة:

الأول: مفسدة العقل: ما روي عن الإمام علي عليه السلام: "حبّ الدنيا يفسد العقل، ويهمّ القلب عن سماع الحكمة ويوجب أليم العقاب"7.

 

والثاني:مجمع الرذائل:ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام:"فمن أحبّها أورثته الكبر، ومن استحسنها أورثته الحرص، ومن طلبها أورثته الطمع، ومن مدحها أورثته الرياء، ومن أرادها مكّنته من العجب، ومن اطمأن إليها أركبته الغفلة"8.

كيف ينبغي النظر إلى الدنيا:

- دار تزود ومزرعة للآخرة: عن الإمام علي عليه السلام: "الدنيا دار ممّر لا دار مقرّ، فخذوا من دار ممرّكم لمستقرّكم"9.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "نعم العون على الآخرة الدنيا"10.

وفي روايةٍ عن أبي يعفور: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّا لنحبّ الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا ؟ فقلت: أتزوّج منها وأحجّ، وأنفق على عيالي، وأنيل أخواني وأتصدّق، قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة"11.

- مخلوقة لغيرها: عن الإمام علي عليه السلام: "الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها"12 أي خلفت معبراً يعبر منها الإنسان إلى آخرته.

 

 

________________________________________

1- الحديد 20.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص315.
3- نهج البلاغة، ج4، ص23.
4- بحار الأنوار، ج78، ص315.
5- نهج البلاغة، ج2، ص78.
6- نهج البلاغة، ج2، ص78.
7- غرر الحكم، 4878.
8- مصباح الشريعة، ص197، باب 32.
9- عيون الحكم والمواعظ، ص177.
10- الكافي، ج5، ص72.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري،

 


المحاضرة الخامسة: حياة القلوب

 

الهدف

استعراض أهمّ الأمور التي تحيي القلب وتبعث على الطمأنينة وتجعله حاضراً خاشعاً لا سيّما أثناء العبادة.

الموضوع

"يا مولاي بذكرك عاش قلبي وبمناجاتك برّدت ألم الخوف عنّي".


القلب السليم الذي يحيي بالطاعة والتقرب هو منتهى آمال العابد، وهدف العبادات والقربات، ومحور النجاة والفوز في الآخرة، كما أكّد الله تبارك وتعالى ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾1.

ورد في خطبة المتّقين: "يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم وهم (أي المتقين) أشدّ إعظاماً لموت قلوب أحيائهم"2.

إنّ مثل القلوب الحيّة والقلوب الميّتة كمثل الأرض الخصبة والأرض الجدباء، إذا أصابهما وابلّ من المطر فالأولى تعطي الزرع وتدبّ فيها الحياة بينما تبقى الثانية على حالها.


محاور الموضوع

ما يحيي القلب

اهتمّت النصوص اهتماماً بالغاً بالأعمال التي تنوّر قلب الإنسان لما يساهم ذلك في القرب من الله تعالى ومنها:

1- قراءة القرآن وكثرة ذكر الموت: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، قيل: فما جلاؤها، قال صلى الله عليه وآله وسلم قراءة القرآن وكثرة ذكر الموت"3.

2- الإتعاظ بالعبر والمواعظ: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أحي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة"4.

3- الذِكر: قال تعالى: ﴿الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾5.
ومن وصية الإمام علي عليه السلام لإبنه الحسن عليه السلام: "أوصيك بتقوى -أي بني - ولزوم أمره وعمارة قلبك بالذكر"6.

4- التفكّر: فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: "التفكّر حياة قلب البصير"7.

5-مجالسة العلماء: قال لقمان لابنه: يا بني، جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإنّ الله عزّوجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر8 .

6-إطعام المسكين واكرام اليتيم: "إنّ رجلاً شكا الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قساوة قلبه فقال: إذا أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وأمسح رأس اليتيم"9.

ما يقسّي القلب

وكما نبّهت النصوص على ما يحيي القلب كذلك نبّهت على ما يقسّي

القلب ويميته، فلا يقدر صاحبه بعد ذلك على شيء، ومن ذلك:

1- نقض العهد والميثاق: قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾10.

2- طول الأمد: قال تعالى: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾11. بمعنى طول فترة البعد أو الغربة عن ما يذكّر بالله من أنبياء وأولياء وكتب وأدعية ومناجاة.

3- إرتكاب المعاصي: عن الإمام علي عليه السلام: "ما جفّت الدموع إلّا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلّا لكثرة الذنوب"12.

4- اللهو والصيد وإتيان السلاطين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث يقسين القلب: استماع اللهو وطلب الصيد وإتيان باب السلطان"13.

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشعراء 89.
2- نهج البلاغة، ج2، ص225.
3- شجرة طوبى، الشيخ الحائري، ص442.
4- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1174.
5- الرعد 28
6- موسوعة أحاديث أهل البيت، الشيخ النجفي، ج1، ص327
7- الكافي، ج1، ص28.
8- نهج السعادة، الشيخ المحمودي، ج7، ص251.
9- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2615.
10- المائدة، 13.
11- الحديد 16.
12- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، ص45.
13- روضة الواعظين، النيسابوري، ص414.

 

المحاضرة السادسة: النفس الأمّارة

 

الهدف:

التنبيه الى ضرورة مراقبة النفس ومحاسبتها، وأنّ الغفلة عنها تخرجها عن مسار الطاعة الى الإنحراف والضياع.

الموضوع:

"لكن خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي وغرّني سترك المرخى علي".

 

إنّ الفلاح والخسران في الآخرة مرهونان بتزكية النفس ومراقبتها أو تركها ونسيانها، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾1، تماماً كعمليّة قيادة السيّارة مثلاً، فإنّ عدم التقيّد بضوابط

السلامة والعلامات والإشارات يؤدي الى الهلاك، وأنّ مراعاة هذه الأمور يبقي الإنسان سالماً.

محاور الموضوع:

تعريف النفس الأمارة

ممّا ورد في مناجاة الشّاكين: إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة، ولسخطك متعرّضة، تسلك بي مسالك المهالك، وتجعلني عندك أهون هالك، كثيرة العلل طويلة الأمل، إن مسّها الشرّ تجزع، وإن مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو، تُسرع بي الى الحوبة (الإثم)، وتسوّفني بالتوبة 2.

سبل تهذيب النفس

1- أداء الحقّ الإلهيّ: أي توجه النفس إلى خالقها مقرّةً بالعبودية له مؤديةً ما عليها من واجبات وفرائض، عن الإمام علي عليه السلام: "طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها"3.

2- الإعراض عن الدنيا: فلا يعطي لنفسه ما تشتهيه من الدنيا غافلاً

عن آخرته، عن الإمام علي عليه السلام: "لبئس المتجر أن ترى الدنيا لنفسك ثمنا"4.

3- ترك الذنوب: عن الإمام علي عليه السلام: "ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلا"5.

4- ورع واجتهاد وعفّة وسداد: ويحدّد أمير المؤمنين عليه السلام المطلوب من عامّة الناس على مستوى تربية النفس إذ لا يمكن أن نرقى إلى ما وصل إليه الإمام علي عليه السلام، فيقول: "ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، لكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد"6.

بركات تهذيب النفس

1-الأمن يوم القيامة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّما هي نفسي أروّضها بالتقوى، لتأتي آمنة يوم الفزع الأكبر وتثبت على جوانب المزلق"7.

2- الفلاح والفوز في الآخرة: يقول الله تعالى:﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾8.

3- القدرة على تربية الآخرين وتزكيتهم: ورد في مضامين بعض


الروايات أنّ نفسك التي بين جنبيك فإن قدرت عليها فأنت على غيرها أقدر وإن عجزت عنها فأنت على غيرها أعجز.

جسّد أمير المؤمنين عليه السلام المثل الأعلى في تزكية النفس، إذ قال: "لأروّضن نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً"9.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1- الشمس، 9-10.
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج4، ص3325.
3- نهج البلاغة، ج3، ص 75.
4- عيون الحكم والمواعظ، ص404.
5- الكافي، ج2، ص451.
6- نهج البلاغة، ج3، ص70
7- نهج البلاغة، ج3، ص70
8- الشمس، 9.
9- نهج البلاغة، ج3، ص 75.


المحاضرة السابعة: الرياء: الشرك الخفيّ

 

الهدف:

التنبيه على ضرورة مراقبة النيّة وعدم الشرك في الدوافع والبواعث التي تحرّك الإنسان إلى أيّ عمل قربويّ.

الموضوع:

"ولا تجعل شيئا ممّا أتقرّب به في أناء الليل وأطراف النهار رياء ولا سمعة ولا أشرًا ولا بطرًا واجعلني لك من الخاشعين".

 

إنّ ما ينبغي استحضاره دائماً أنّ الله تعالى عالم بخفايا النفس الإنسانيّة، وأنّ الثواب والعقاب مرهونان بالإخلاص لله وعدم الشرك في النوايا، وأنّه يجب أن يبقى نصب أعيننا قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾1.

ومن المهم الإلفات أنّ أيّ ذنب قد يصدر عن الإنسان هو قابل للمغفرة إلّا الشرك، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾2.

محاور الموضوع:

تعريف الرياء

عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾3 قال: "الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يريد به وجه الله إنّما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه"4.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر ؟ قال: الرياء"5.


عدم قبول عمل المرائي

إنّ أوّل ما يُبتلى به المرائي هو حبط عمله، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك والرياء، فإنّه من عمل لغير الله وكلّه الله إلى من عمل له"6.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله لا يقبل عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء"7.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: يا بن مسعود: "إذا عملت عملاً من البرّ وأنت تريد بذلك غير الله فلا ترجُ بذلك منه ثواباً فإنّه يقول: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾"8.

علامات المرائي

وإذ بيّنت الشريعة علامات المرائي إنّما أرادت فضحه وعدم الستر عليه حتى لا يغشّ الناس أو يتوهمنّ أحد إخلاصه وصفاءه فيتقرّب منه أو يقرّبه.

عن الإمام علي عليه السلام: "للمرائي أربع علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص منه إذا لم يثن عليه"9 .

وعلى العكس فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام في صفة المؤمن: "لا يعمل شيئاً من الخير رياءً ولا يتركه حياءً"10.

الإبقاء على العمل

وأحياناً ونتيجةً لبعض التنافس الدنيويّ يحبط الإنسان عمله بعد أن فعله قربة الى الله. عن الإمام الباقر عليه السلام: "الإبقاء على العمل أشدّ من العمل، قال الراوي: وما الإبقاء على العمل: قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى وتكتب له رياءً"11.

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
1- غافر 19.
2- النساء 48.
3- الكهف 110.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص294.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص111.
6- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص293.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1017.
8- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص453.
9- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1020.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1022.
11- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص296.

 


المحاضرة الثامنة: الصلاة في أوّل الوقت

 

 

الهدف

تحذير الناس من الإستخفاف بالعبادات أو التهاون بها لا سيّما الصلاة، وأهميّة تعويد النفس على مراعاة أوقاتها وأجزائها وشرائطها.

الموضوع

"اللهم إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك".

 

الصلاة قربان كلّ تقي وهي عمود الدين وأحب الأعمال الى الله، وكانت آخر وصايا الأنبياء، وهي إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها كما ورد في مضامين الأحاديث الشريفة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام .

عن الإمام الباقر عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدكم وجه دينه......."1.

وكونها وجه الدين قرنها الله تعالى بالكثير من الأعمال من أدعية وزيارات وإحياءات وآيات الطبيعة وفعل المستحبات حتى تبقى عنواناً للمؤمن.

محاور الموضوع

المحافظة على الصلوات

وإذ شدّدت الشريعة على ضرورة المحافظة على الصلاة أشارت إلى بعض البركات التي يحظى بها المحافظون على الصلاة:

1- خوف الشيطان منه: عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزال الشيطان ذعراً (خائفاً) من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهنّ تجرأ عليه فأدخله في العظائم"2.

2- كونه ذاكراً وليس غافلاً: عن الإمام الباقر عليه السلام: "أيمّا مؤمن حافظ على الصلوات المفروضة فصلّاها لوقتها فليس هذا من الغافلين"3.

وعن الفضيل سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾4، قال: "هي الفريضة، قلت: الذين هم على صلوتهم دائمون5، قال هي النافلة"6 .

3- نزول الرحمة الإلهيّة: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفّت به الملائكة وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل" (أي ما انصرف)7.

- الإقتداء بالإمام الحسين عليه السلام الذي أدّى صلاة الظهر أوّل وقتها في كربلاء بين جموع الأعداء الذين يتوعّدونه القتل، ولم يتهاون بها أو يستخفّ أو يؤجّل.

عواقب الإستخفاف بالصلاة

حذّر القرآن الكريم من الإستخفاف أو التكاسل والتباطؤ في أداء الصلاة، معتبراً ذلك من صفات أهل النفاق، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾8.

ومن أهم العواقب التي يورثها الإستخفاف بالصلاة:

1- النار والعذاب: قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُون﴾9.
وقال تعالى: ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾10.

2- عدم استحقاقه الشفاعة: قال أبو الحسن الأول عليه السلام: "إنّه لمّا حضر أبي الوفاة قال لي: يا بني، إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة"11.

3- لا يدخل الجنّة: عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا تتهاون بصلاتك، فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكراً، لا يرد عليّ الحوض"12.

4- تبرؤ الأئمة منه: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلّي فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال عليه السلام: نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني"13.

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
1- الكافي، ح3، ص270
2- الكافي، ح3، ص269.
3- الكافي، ج3، ص270.
4- المؤمنون، 9.
5- المعارج، 23.
6- الكافي، ح3، ص270.
7- الكافي، ج3، ص265.
8- النساء 142
9- الماعون 4-5
10- مريم، 60.
11- الكافي، ح3، ص270.
12- الكافي، ح3، ص269
13- الكافي، ح3، ص268.

 

المحاضرة التاسعة: حبّ الله

 


الهدف:

التعريف بهذه الفضيلة ومؤشّراتها وعلاماتها وانعكاساتها على السلوك الفرديّ والجماعيّ.

الموضوع:

"اللهم إنّي أسالك أن تملأ قلبي حبّاً لك، وخشيةً منك، وتصديقاً بكتابك، وإيماناً بك، يا ذا الجلال والإكرام حبّب إليّ لقاءك وأحبب لقائي، واجعل لي في لقائك الراحة والفرج والكرامة".

 

الحبّ بمعنى الميل، ومفهوم حبّ الله يعني إفراغ القلب من سواه، وعدم تعلّقه إلّا بما يقرّب منه ويجلب رضاه، وبالتالي انعكاس ذلك بالرغبة في ممارسة الطاعات والقربات والأعمال الصالحة.


محاور الموضوع:

معنى حبّ الله في القرآن والسنّة

وقد عدّد الله تعالى بعض الأمور التي قد يتعلّق بها قلب الإنسان فتحرف مساره عن الحبّ الحقيقيّ لله، معتبراً أنّ ذلك حائلٌ دون الهداية وبابٌ إلى الفسق.

قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾1.

وقد نصّ الإمام الصادق عليه السلام على أهمّ ضابطة يستطيع كلٌ منّا أن يتبيّن مدى حبّه لله، وهل أنّ قلبه متعلّق به أو بسواه إذ قال: "دليل الحبّ إيثار المحبوب على من سواه"2.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حبّ الدنيا وحبّ الله لا يجتمعان في قلب أبداً"3.


علامات حبّ الله

1- قيام الليل: فيما أوحى الله الى موسى: "كذب من زعم انّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عني أوليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه"4.

2- إتباع الرسول: قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ5﴾.

3- إجهاد النفس في الطاعات: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "القلب المحبّ لله يحبّ كثيراً النصب لله، والقلب اللاهي عن الله يحبّ الراحة، فلا تظن يا بن آدم أنّك تدرك رفعة البر بغير مشقّة، فإنّ الحقّ ثقيل مرّ"6.

4- بغض أهل المعاصي: لأنّ بغضهم بغض لأعدائه، وبغض أعدائه قرب منه، عن الإمام الصادق عليه السلام: "طلبت حبّ الله فوجدته في بغض أهل المعاصي"7.

بركات حب الله

1- محبّة الله: في حديث قدسي رواه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تحبّب عبدٌ إليّ بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته"8.

2- غفران الذنوب: قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾9.

3- الغنى عن الناس: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من آثر محبّة الله على محبّة نفسه كفاه الله مؤونة الناس"10.


عبادة المحّبين

مّما ورد في صحيفة إدريس: "طوبى لقومٍ عبدوني حبّاً واتخذوني إلهاً وربّاً سهروا الليل ودأبوا النهار طلباً لوجهي، من غير رهبة ولا رغبة ولا لنار ولا جنّة، بل للمحبّة الصحيحة والإرادة الصريحة والإنقطاع عن الكلّ إليّ....."11.

ورد في الزيارة الجامعة "السلام على الدعاة الى الله....... التامّين في محبّة الله".

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التوبة، 24.
2- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص498.
3- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص511.
4- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج7، ص78.
5- آل عمران، 31،
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص510.
7- مستدرك الوسائل، ج2، ص357.
8- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص510.
9- آل عمران، 31.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص502.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص507.

 

المحاضرة العاشرة: أهميّة الإستفادة من الوقت

 

الهدف:

التأكيد على أنّ الوقت من أهمّ النعم التي ينبغي استثمارها في الطاعة والعبادة والتقرّب، وضرورة تنظيمه والاستفادة القصوى منه.

الموضوع:

"واعنّي بالبكاء على نفسي، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري، وقد نزلت منزلة الآيسين من خيريّ فمن يكون أسوأ حالاً منيّ".

 

إنّ الوقت من أهمّ النعم الإلهيّة التي منحها الله تعالى، وأن تضيّيعه من الأمور الجديرة بالبكاء والحسرة عليها، لما تتلف من عمر الإنسان فتتركه على أسوأ حال، وقد اجتاحه اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى،


فالإنسان ليس سوى هذا الوقت الذي يمضيه في هذه الدار الدنيا.

عن الإمام علي عليه السلام: "إنّما أنت عدد أيّام، فكلّ يوم يمضي عليك يمضي ببعضك"1.

وهذه النعمة الإلهيّة شأنها شأن بقيّة النعم الإلهيّة يُسأل عنها الإنسان في قبره فيُسأل: ".......عن عمره فيما أفناه.......".

محاور الموضوع:

الوقت غنيمة

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"2.

فلا ينبغي إضاعة وقتك أو أوقات الآخرين، بل ينبغي إحترام الوقت والإستفادة القصوى منه في إنجاز الأعمال وعدم تركها تتراكم.

فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: " من تساوى يوماه فهو مغبون"3.


ضرورة تنظيم الوقت

في رواية أنّ علياً عليه السلام أمضى يومه في أسواق الكوفة يعظ الباعة والتجار، وكان برفقته مالك الأشتر، فلمّا رجع الى بيته مساءً وقف في محرابه للصلاة، فقال له مالك: أما آن لأمير المؤمنين أن يرتاح قليلاً من عناء النهار؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: "ويحك يا مالك، إن ضيّعت النهار ضيّعت أمّتي وإن ضيّعت الليل ضيّعت نفسي".

ومن تنظيم الوقت أن يحدّد وقتاً لعياله وأولاده وأهله وأرحامه وإخوانه، فلا يضيّع شيئاً على حساب شيء آخر.

كما أنّه من الضروريّ في تنظيم الوقت ترتيب الأولويات: فعن الإمام علي عليه السلام: "من شغل نفسه بما لا يجب ضيّع من أمره ما يجب"4.

ما يجب استغلال الوقت به

1- الذكر: ومما ورد في دعاء كميل بن زياد "يا ربّ أسألك بحقّك وقدسك أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة"5.

2- التعليم والتعلّم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لست أحبّ الشاب منكم غادياً إلّا في حالين: إمّا عالماً أو متعلّماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، فإن أثم سكن النار والذي بعث محمّداً بالحقّ"6 .
3- العبادة: عن الإمام علي عليه السلام: "من أفنى عمره في غير ما ينجيه فقد أضاع مطلبه"7.

وعنه عليه السلام: "اشتغال النفس في غير ما يصحبها بعد الموت من أكبر الوهن"8.
كما وورد عدّة روايات تشير إلى الاستفادة من الوقت في السعي في حوائج الناس والسعي في طلب الحلال ومعاشرة الإخوان في الله.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2112.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص.191.
3- اعيان الشيعة، السيد الأميني، ج1، ص303.
4- عيون الحكم والمواعظ، ص.456.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص966.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1401.
7- عيون الحكم والمواعظ، ص450.
8- عيون الحكم والمواعظ، ص126.



المحاضرة الحادية عشرة: الشيطان

 

الهدف

التعريف بحقيقة هذا العدو الباطني وأساليبه وبعض ما يساعد على مواجهته وهزيمته.

الموضوع

"واكفني شرّ الشيطان وشرّ السلطان وسيئات عملي وطهّرني من الذنوب كلّها".


تماماً كما ينبغي على المرء معرفة إمكانات وقوّة وقدرة العدو الظاهري ليتمكّن من مواجهته، فإنّه كذلك ينبغي عليه التعرّف على قدرات وأساليب العدو الأكبر والذي هو العدو الباطني، والتي سمّيت المواجهة معه بالجهاد الأكبر.


محاور الموضوع

عداوة الشيطان

قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾1.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾2.

هدف الشيطان

أمّا الهدف الذي رسمه الشيطان لأعماله فقد تناولته مجموعة من الآيات نقتصر منها على آيتين:
قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾3.
قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾4.

الشيطان في الدنيا

يوضّح الله تعالى الأسلوب الذي يغوي الشيطان به في الدنيا، وكيف يعود ويتبرأ من الذين ضلّلهم، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾5.

الشيطان في الآخرة

أما موقفه في الآخرة فهو أشدّ مرارة، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾6.

أساليب الشيطان في الغواية

1- التزيين: قال تعالى: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾7.

2- النجوى: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾8.

3- التخويف: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾9.

4- العداوة والبغضاء: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾10.

5- الوسوسة: قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾11.

6- الجدال بغير علم: قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾12.

وختاماً نردّد مع أمير المؤمنين عليه السلام ما ورد في دعاء الصباح: "اللهم إن كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إليّ أو يستحكم غضبك عليّ"13.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- فاطر 6.
2- يوسف 5.
3- النساء، 60.
4- النور، 21.
5- الحشر، 16.
6- ابراهيم 22.
7- العنكبوت، 38.
8- المجادلة 10.
9- آل عمران، 175.
10- المائدة، 91.
11- طه، 120.
12- الحج، 3.
13- الصحيفة السجادية، الامام زين العابدين، ص111.

 



المحاضرة الثانية عشرة: الرضا بقضاء الله وقدره

الهدف:

بيان أنّه من حقيقة الإيمان الذي ينبغي التحلّي به التسليم بالحكمة الإلهيّة والرضا بقضائه.

الموضوع:

"وإنّ في اللهف إلى جودك والرضا بقضائك عوضاً من منع الباخلين ومندوحة عمّا في أيدي المستأثرين".

 

إنّ الرضا بقضاء الله تعالى على عباده والتسليم به من أعلى درجات الإيمان التي تجسّد العبودية الحقّة واليقين المطلق بالغيب وبالحكمة التي لا يعلمها إلّا الله، وبها وحدها يستغني الإنسان عمّا في أيدي الناس.


محاور الموضوع:

معنى الرضا بقضاء الله وقدره

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سائلاً جبرائيل عن الله تعالى:"....قلت: فما تفسير الرضا ؟ قال: الراضي لا يسخط على سيّده أصاب من الدنيا أم لم يصب، ولا يرضى لنفسه باليسير من العمل"1.

عن الإمام الصادق عليه السلام:"إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله"2.

وعنه عليه السلام: "إعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره"3.

وهذا ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾4."التسليم والرضا، والقنوع بقضائه"5.

ولا يخفى أنّ هذه الآية تتحدّث عن ثلاث مراتب للرضا:

الأولى: تحكيم الرسول في كلّ نزاع أو شجار أو خلاف.

الثانية: القبول بحكمه وعدم الحرج به، أي خلو النفس من أيّ حكم مسبق، بل تكون الغاية معرفة الحكم لتطبيقه فقط.

الثالثة: التسليم والرضا المطلق بهذا الحكم.

- ومن شواهد التسليم المطلق والرضا بقضائه ما ورد في قصّة نبي الله إبراهيم عليه السلام وولده النبي اسماعيل عليه السلام في القرآن الكريم، حيث نرى التسليم المطلق والرضا بالأمر الإلهيّ عند نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بذبح ولده، وكذلك التسليم المطلق والرضا عند نبي الله إسماعيل عليه السلام بقبوله امتثال الأمر دون تردّد أو خوف أو تشكيك، وقد بيّنها الله تعالى بقوله: ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾6.

منزلة الرضا

والرضا من أعلى درجات القرب، فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا"7.


وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضي اصطفاه"8.

وممّا جاء في دعاء لقضاء حوائج الدنيا والآخرة:"اللهم منّ عليّ بالتوكّل عليك، والتفويض إليك، والرضا بقدرك، والتسليم لأمرك، حتى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت يا أرحم الراحمين "9.

القضاء الإلهيّ بين الرضا به أو السخط به

عن الإمام الصادق عليه السلام: "من رضى القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله أجره"10.

وعنه عليه السلام: "من لم يرضَ بما قسم الله عزّوجلّ إتهم الله في قضائه"11.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص194.
2- الكافي، ج2، ص60.
3- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص193.
4- النساء، 65،
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1093.
6- الصافات، 102.
7- الكافي، ج2، ص62.
8- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج2، ص427.
9- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسى، ص72.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1095
11- موسوعة أحاديث أهل البيتr، الشيخ هادي النجفي، ج1، ص113.

 



المحاضرة الثالثة عشرة: التوكّل على الله


الهدف

بيان معنى التوكّل وجمال التحلّي بهذه الصفة وآثارها في الدنيا وبركاتها في الآخرة على الإنسان.

الموضوع

"سيدي عليك معوّلي ومعتمدي ورجائي وتوكّلي، وبرحمتك تعلّقي، تصيب برحمتك من تشاء وتهدي بكرامتك من تحب".

 

التوكّل ركن الإيمان وعضده، وهو سلاح الأنبياء والأولياء الذين يؤمنون أنّ الله هو مصدر الخير المطلق وأن أسباب الأمور كلّها بيده، وأنّ التوكّل على سواه اتكال على وهم وسراب.

قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ﴾1.

محاور الموضوع

حدّ التوكّل

عن الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت له: "جعلت فداك ما حدّ التوكّل ؟ فقال لي: أن لا تخاف مع الله أحدا"2.

وفي رواية أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سأل جبرائيل: "ما التوكّل؟ فقال: العلم أن المخلوق لا يضرّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله، ولم يرجُ ولم يخف سوى الله، ولم يطمع في أحد سوى الله، فهذا هو التوكّل"3.

ثمرات التوكّل

1- القوّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكّل على الله"4.

2- الغنى والعزّ: عن الإمام الباقر عليه السلام: "الغنى والعزّ يجولان في قلب المؤمن، فإذا وصلا إلى مكان فيه توكّل أقطناه"5.(أي سكنا به).

3- تذليل الصعاب: عن الإمام علي عليه السلام: "من توكّل على الله ذلّت له الصعاب وتسهّلت عليه الأسباب"6.

4- البصيرة: عن الإمام علي عليه السلام: "من توكّل على الله أضاءت له الشبهات"7.

5- الكفاية: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أُعطيَ التوكّل أُعطي الكفاية، ثمّ قال: أتلوت كتاب الله عزّوجلّ ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾8"9 .

6- عدم تسلّط الشيطان: قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾10.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الأنعام، 17.
2- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص274.
3- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص194.
4- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص3659.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص3659.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص3660.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص3660.
8- الطلاق، 3.
9- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص65.
10- النحل، 99.

 


المحاضرة الرابعة عشرة: الجماعة

الهدف:

تربية الأمّة على ثقافة الجماعة وبيان أهميّتها وفوائدها، وبالتالي مضارّ الفرقة ومفاسدها على الفرد والمجتمع.

الموضوع:

"اللهم إنّي اسألك خير ما سألك منه عبادك الصالحون، يا خير من سئل، وأجود من أعطى، أعطني سؤلي في نفسي وأهلي وولدي وأهل حزانتي وأخواني فيك".

 

أكّدت الشريعة السمحاء على ضرورة ملازمة الجماعة لما توفّره من حصانة للفرد من الضياع والإنحراف عن جادّة الهدى.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّها الناس، عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة"1.

وأن قدرة الشيطان على اختراق الجماعة أصعب منها على اصطياد الأفراد، وهذا ما عناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "يد الله مع الجماعة فإذا اشتذّ الشاذّ منهم اختطفه الشيطان كما يختطف الذئب الشاة الشاذّة من الغنم"2.

محاور الموضوع:

خطر ترك الجماعة

1- خروجه من الإسلام: لأنّ ترك الجماعة معناه ترك كلّ ما يطلبه الدين ممّا له علاقة بالمجتمع والأمّة والشأن العام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"3.

2- العذاب: ويُراد به عذاب الدنيا والآخرة لأنّه يبقى في الدنيا بلا حماية ورعاية، وفي الآخرة يحاسب حساب من ترك أهمّ الواجبات، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب"4.

3- تفكّك المجتمع: فإنّ ترك الجماعة يجعل المجتمع عبارة عن أفراد لا يجمعهم أي رابط أو هدف أو مشروع، فيسهل على الشيطان النيل منهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"....والشيطان مع من خالف الجماعة يركض"5. أي يعمل بسرعة وراحة.

الجماعة ليست بكثرة العدد

والمراد بالجماعة ملازمة أهل الإيمان والصلاح والهدى ومشاركتهم أعمالهم وهمومهم وتفعيل حركتهم، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن جماعة أمّته ؟ فقال جماعة أمّتي أهل الحقّ وإن قلّوا"6.

وفي رواية أخرى سُئل عن جماعة أمّته فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان على الحقّ وإن كانوا عشرة"7.

مظاهر الجماعة

- إقامة صلاة الجماعة في المساجد والمراكز الدينيّة.
- المشاركة في الأدعية وإحياء المناسبات الدينيّة والعامة.
- المشاركة في النشاطات العامّة كالإحتفالات واللقاءات العامّة والمسيرات التي تعني كافّة قضايا الناس.
- مشاورة أهل الإيمان فيما يطرأ على حياة الإنسان من مواقف وشبهات.

ثقافة العمل الجماعيّ

تماماً كما أنّ العمل الفرديّ له طريقته وأسلوبه، كذلك العمل الجماعيّ له خصائصه وممّيزاته التي ينبغي على الفرد المسلم أن يتعلّمها ويتقنها، حتى لا يقع في المحذور سيّما وأن الخطأ في العمل الجماعيّ أشدّ ضرراً، وعليه من المفيد التنبّه الى الملاحظات التالية:

1- أن العمل الجماعيّ ليس ملكاً لشخص وإنّما هو ملك الجميع كما يستوحى من قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾8.

2- أن تضعيف العمل الجماعيّ هو تضعيف لكافّة الأفراد.

3- عدم جواز إفشاء أسرار العمل الجماعيّ، فعن الإمام علي عليه السلام: "أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان"9 .

4- ضرورة التكامل والتماسك وعدم السماح بالخلل أو زعزعة الصفّ الجماعيّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾10.

وفي الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى"11.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- كتز العمال، المتقي الهندي، ج1، ص206.
2- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص406.
3- دراسات في ولاية الفقيه، الشيخ المنتظري، ج1، ص184.
4- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص406.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص406.
6- معاني الاخبار، الشيخ الصدوق، ص154.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص406.
8- ال عمران 144.
9- عيون الحكم والمواعظ، علي الواسطي، ص123.
10- الصف،
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص2837.
12- الآية الانفال 46.

 


المحاضرة الخامسة عشرة: السعي للرزق الحلال عبادة

الهدف:

حثّ الناس على التكسب من الحلال وإن قلّ وبيان الفضل في ذلك وتجنب التكسب بالحرام وإن كثر.

الموضوع:

"ولا تسلبني صالح ما أنعمت به عليّ وارزقني من فضلك رزقا واسعاً حلالاً طيباً".

 

إنّ طلب الرزق الحلال فريضةٌ أوجبها الله تبارك وتعالى على كلّ مسلم ومسلمة، وحثّ على القيام بها وعدم التواكل أو التراخي في ذلك، وذلك إحياءً للمجتمع ونبذاً للفقر وطلباً للعيش الهانىء والكريم.


محاورالموضوع:

الرزق من الله

من الضروري بدايةً الإيمان أنّ الرزق من الله، وهو الذي يرزق عباده جميعاً سواء العاصي منهم أو المطيع.
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾1.
قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾2.

الرزق مقسوم

وكما أنّ الله تعالى يرزقهم يؤكد القرآن الكريم أنّ الله هو الذي يقسّم الأرزاق بين العباد، إنّ التفاوت في رزق الناس أمر ضروري، وإلّا لوقع الظلم والفساد.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾3.
قال تعالى: ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾4.

علّة التفاوت في الرزق

وأمّا في علّة ذلك فأمران: الإختبار وتربية النفوس على الفضائل، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وقدّر الأرزاق فكثّرها وقلّلها، قسّمها على الضيق والسعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد، بميسورها ومعسورها، ويختبر بذلك الشكر والصبر من غنيّها وفقيرها"5.

فضيلة طلب الحلال

1- أفضل العبادة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"العبادة عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال"6 .
2- له أجر المجاهد: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله"7 .
3- من أهل الخير: عن الصادق عليه السلام: "لا خير في من لا يحب جمع المال من حلال فيكفّ به وجهه، ويقضي به دينه"8.
4- استحقاقه المغفرة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من بات كالّاً من طلب الحلال بات مغفوراً له"9.

بعض ما يُنزل الرزق ويزيده

1- برّ الأرحام: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من حسن برّه أهل بيته زيد في رزقه"10.

2- الخلق الحسن: عن الإمام الصادق عليه السلام: "حسن الخلق يزيد في الرزق"11.

3- مواساة الإخوان: عن الإمام علي عليه السلام: "مواساة الأخ في الله يزيد في الرزق"12.

4- الصدقة: عن الإمام علي عليه السلام: "استنزلوا الرزق بالصدقة"13.

5- الدعاء بظهر الغيب: عن الإمام الباقر عليه السلام: "عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فإنّه يهيل الرزق"14.

6- صفاء النيّة: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من حسنت نيّته زيد في رزقه"15.


وممّا ورد في دعاء مكارم الأخلاق حول طلب الرزق: "اللهم صلّي على محمّد وآل محمّد وصن وجهي باليسار، ولا تبتذل جاهي بالإقتار، فاسترزق أهل رزقك، وأستعطي شرار خلقك، فأفتتن بحمد من أعطاني، وأُبتلى بذمّ من منعني، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع"16.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سبأ 36،
2- هود، 6.
3- الشورى، 27.
4- النحل، 71.
5- نهج البلاغة، ج1، ص177.
6- نور الافهام في علم الكلام، السيد اللواسي، ص333.
7- فقه الرضا، ابن بابويه، ص208.
8- الكافي، ج5، ص72.
9- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج12، ص13.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1073.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1073.
12- روضة الواعظين، النيسابوري، ص455.
13- الكافي، ج4، ص10.
14- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج7، ص108.
15- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج1، ص51.
16- الصحيفة السجادية، الامام زين العابدين، ص115.

 



المحاضرة السادسة عشرة: القناعة

الهدف

إبراز أهميّة القناعة وضرورتها في الحياة، وجمال الإتّصاف بها.

الموضوع

"أعوذ بك من نفس لا تقنع وبطن لا يشبع وقلب لا يخشع"1.


لا شكّ أنّ للقناعة دوراً كبيراً في لجم غرائز النفس ومشتهياتها، وأنّه لولاها تغدو حياة الإنسان مريرة شاقّة لا يستطيع الإنسان أن يملكها أو يتحكّم بها.

 

والقناعة تعني ترويض النفس على الإكتفاء بالمسائل الضرورية والتي لا يمكن الإستغناء عنها، وكبح جماحها عمّا سوى ذلك.

شكا رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام أنّه يطلب فيصيب فلا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علّمني شيئاً أنتفع به، فقال أبو عبد الله عليه السلام : "إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكلّ ما فيها لا يغنيك"2.

محاور الموضوع

القناعة في القرآن

والقرآن الكريم يربّي الإنسان على عدم الطمع بما في أيدي الغير فيقول: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا﴾3.

سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿ومَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾4 فقال: "هي القناعة "5.

 

آثار القناعة في الروايات

1- القناعة غنى: عن الإمام الباقر عليه السلام: "من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس"6.
أوحى الله إلى داوود عليه السلام: "وضعت الغنى في القناعة والناس يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه"7.

2- العيش الهنيء: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "القناعة أهنأ عيش"8.

وعنه عليه السلام: "أنعم الناس عيشاً من منحه الله القناعة وأصلح له زوجه"9.

3- هون الحساب: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب"10.

4- صلاح النفس: عن الإمام علي عليه السلام:" أعون شيء على صلاح النفس القناعة"11.


القناعة صفة الأنبياء

مما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم، وضَعِفَةً فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعةٍ تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملاء الأبصار والأسماع أذى"12.

عليّ عليه السلام المثل الأعلى في القناعة

جسّد الإمام علي عليه السلام المثل الأعلى في القناعة بالكفاف والرضا بأبسط العيش، فقد ورد عنه عليه السلام: "وأيم الله - يميناً استثني فيها بمشيئة الله - لأروضنّ نفسي رياضةً تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً"13.

وممّا كان يحاسب أصحابه وولاته إذا خرج أحدهم عن حدّ القناعة ما كتبه الى شُريح عندما بلغه أنّه اشترى داراً في عهده: "اشترى هذا المغترّ بالأمل، من هذا المزعج بالأجل هذه الدار بالخروج من عزّ القناعة، والدخول في ذلّ الطلب والضراعة"14.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
1- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص105.
2- الوافي، ج3، ص79.
3- طه، 131.
4- النحل، 97.
5- نهج البلاغة، الحكم، 229
6- الوافي، ج3، ص79.
7- بحار الأنوار، 78،ص453،
8- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2639.
9- عيون الحكم والمواعظ، علي الواسطي، ص124.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2638.
11- غرر الحكم، ص3191.
12- نهج البلاغة، خطبة 192.
13- نهج البلاغة، كتاب 45.
14- نهج البلاغة، كتاب3.

 

 


المحاضرة السابعة عشرة: موانع استجابة الدعاء

الهدف

أهميّة بناء علاقة قويّة مع الله من خلال الدعاء، وأنّه باب استنزال النعم الإلهيّة.

الموضوع

"أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت، وإذا رأيت كرمك طمعت".

 

الدعاء هو الباب الذي فتحه الله لعباده لمناجاته وطلب حوائجهم منه، وهو ميزان اهتمام الله بهم ورعايته لهم كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾1.

 

محاور الموضوع

أهميّة الدعاء

عن الإمام الرضا عليه السلام: "عليكم بسلاح الأنبياء، قيل: وما سلاح الأنبياء: قال: الدعاء"2.
وعنه عليه السلام:"عليكم بالدعاء فإنّ فيه شفاء من كلّ داء"3.

وعنه عليه السلام: "ألا أدلّكم على شيءٍ لم يستثن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قلت: بلى، قال: الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما"4.

وأمّا ما يستحبّ الدعاء به في هذا الشهر فقولك: "وارزقنا حجّ بيتك وزيارة قبر نبيّك صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليه وعلى أهل بيته إنّك قريب مجيب"5.

بعض ما يمنع استجابة الدعاء

الذنب: عن الإمام الباقر عليه السلام:"إنّ العبد يسأل الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها الى أجل قريب أو وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته واحرمه إياها، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي"6.

عدم حضور القلب: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يقبل الله دعاء قلب ساه"7.

عدم معرفة الله يقيناً: قال قوم للإمام الصادق عليه السلام: "ندعو الله فلا يُستجاب لنا؟ قال: لأنّكم تدعون من لا تعرفونه"8 .

ومّما يستحبّ للداعي أن يفعله

1- يستحبّ للداعي أن يكون على طهارة، وأن يبدأ بالبسملة والثناء على الله ثمّ الصلاة على النبيّ وآله وأن يقرّ بذنبه ويعترف به بين يدي الله تعالى:
"الهي إن كان قد دنا أجلي، ولم يقرّبني منك عملي، فقد جعلت الاعتراف إليك بذنبي وسائل عللي"9.
"الحمد لله الذي أدعوه فيجيني وإن كنت بطيئاً حين يدعوني"10.
"الحمد لله الذي لا أدعو غيره ولو دعوت غيره لم يستجب دعائي"11.

2- التضرّع والخوف أثناء الدعاء: "أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً"12.

3- الدعاء في السرّاء والضرّاء: أوحى الله إلى داوود صلى الله عليه وآله وسلم:" أذكرني في أيام سرّائك حتى أستجيب لك في أيام ضرّائك"13.

4- أن لا يستصغر أمراً ولا يستعظم أمراً على الدعاء: أي أن يدعو في القضايا الصغيرة التي تواجهه كما يدعو الله في القضايا الكبيرة.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بالدعاء فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، فإنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار"14.

5- عدم الإستعجال: بمعنى التسليم المطلق للمصلحة والحكمة الإلهيّة " ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور"15.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
1- الفرقان 77.
2- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.7، ص39.
3- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 15، ص213.
4- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.7، ص37.
5- مصباح المتهجد، النشيخ الطوسي، ص587.
6- الكبائر من الذنوب، حسين الشاكري، ص99.
7- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.7، ص53.
8- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص289.
9- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص593.
10- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص582.
11- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص582.
12- المصباح، الكفعمي، ص59.
13- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص871.
14- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 15، ص199
15- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص564.

 

 

 


المحاضرة الثامنة عشرة: مراتب العبادة

الهدف

التأكيد على أنّ التقرّب إلى الله بالطاعات والعبادات هو علّة الخلق التي لولاها لخرج الإنسان عن معنى وجوده وأصل دوره في الحياه.

الموضوع

"لا تجعل ثوابي ثواب من عبد سواك، فانّ قوماً آمنوا بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا ما أمّلوا، وإنّا آمنّا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفوا عنّا فأدركنا ما أمّلنا".


العبادة في جوهرها الحقيقيّ هي إقرارٌ من العبد بالعبودية لله تبارك وتعالى، وبالتالي فهي إقرارٌ بربوبيّته، والعبادات على اختلافها في الشكل والشرائط والأركان هي مظاهر هذه الحقيقة، والإنسان غير العابد بطبيعة الحال متمردٌ على ربوبية الله غير مقرّ بها.

محاور الموضوع

علّة العبادة

عن الإمام الرضا عليه السلام من حديث طويل له يقول: "فإنّ قال -أي السائل-فلم تعبّدهم؟ قيل: لئلا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه ولا لاهين عن أمره ونهيه، إذ كان فيه صلاحهم وقوامهم، فلو تركهم بلا تعبّد لطال عليهم الأمد فقست قلوبهم"1.

ويتضح من ذلك أنّ العبادة إنّما شرّعها الله لمصلحة الإنسان وكماله كما قال تعالى عندما أمرنا بذبح الأضحيات: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ2﴾، وإذا كانت العبادة لمصلحة الإنسان وكماله فلا ينبغي أن تكون أمراً هامشيّاً في حياة الإنسان، بل ينبغي أن تكون أمراً أساسيّاً ومتجذّراً في سلوكه.

فقد روي عن الإمام علي عليه السلام: "ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة"3. فتماماً كما أنّ التائه في ظلام الليل لا يمكنه الإستنارة بالبرق الخاطف ليسترشد طريقه كذلك لا يمكن للإنسان أن يرتقي بعبادته ما لم تكن أمراً ضروريّاً في حياته.

العلاقة مع العبادة

أي أنّ العبادة التي نؤديّها لا ينبغي أن تكون لمجرّد إسقاط التكليف والقيام بالواجب، وإنّما ينبغي أن تكون علاقة شوق وميل ومحبّة وعشق.

فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على يسر أم على عسر"4.

وورد أنّ الإمام الحسين عليه السلام عندما استمهل القوم من عصر التاسع من المحرّم الى صبيحة العاشر منه، وأراد بذلك أن يمضي ليله في العبادة، فإنّه قال لأخيه العباس: "قل لهم أن يمهلونا الى الصباح فإنّي أريد أن أمضي الليل في الصلاة، فإنّه يعلم أنّي أحبّها".


أهميّة العبادة

إنّ من شأن العبادة أن ترفع الإنسان الى أعلى مراتب الكمال، ففي حديث قدسي: "يا بن آدم أنا حيّ لا أموت أطعني فيما أمرتك أجعلك حيّاً لا تموت، يا بن آدم أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون"5.

مراتب العبادة

عن الإمام علي عليه السلام:"إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوه شكراً فتلك عبادة الأحرار"6.

ما يفسد العبادة

وإفسادها بمعنى عدم ترتب الحسنات والثواب من الله عليها فيذهب جهده هباءً وتعبه سدى.

فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل"7.

وورد في الحديث: "إنّ لله ملكاً ينادي على بيت المقدس: من أكل حراماً لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا"8.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج1، ص256.
2- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 8، ص525.
3- موسوعة أحاديث أهل البيت، الشيخ هادي النجفي، ج11، ص15.
4- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.1، ص83.
5- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج1، ص86.
6- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.1، ص63.
7- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج17، ص26.
8- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج17، ص26.

 

 

 


المحاضرة التاسعة عشرة: الرحمة الإلهيّة

الهدف:

توجيه الناس إلى أنّ الرحمة الإلهيّة هي الطمع الأكبر الذي يرجوه كلّ إنسان، وأنّها مفتاح النجاة الذي من دونه تقصر أعمالنا عن بلوغها.

الموضوع:

"وكيف نستكثر أعمالاً نقابل بها كرمك، بل كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك، يا واسع المغفرة يا باسط اليدين بالرحمة".

 

"لست أتكل في النجاة من عقابك على أعمالنا، بل بفضلك علينا"1.


إنّ المتأمّل في مضامين الأدعية المأثورة لا سيّما دعاء أبي حمزة الثمالي يرى أنّها تستدرّ الرحمة الإلهيّة وتطلب من الله أن يعامل الخلق برحمته لا بما يستحقون بأعمالهم.

محاور الموضوع:

الرحمة صفة أهل الجنّة

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة إلّا رحيم، قالوا: كلّنا رحيم، قال: لا، حتى ترحم العامّة"2.

تجلي الرحمة الإلهيّة

1-رحمته في الكائنات: قال تعالى: ﴿فانظر إلى آثار رحمة ربك كيف يحيي الأرض بعد موتها﴾3.
2- رحمته في الخلق: وممّا ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين عليه السلام "يا من هو أبرّ بي من الوالد الشفيق، وأقرب إليّ من الصاحب اللزيق، أنت موضع أنسي في الخلوة إذا أوحشني المكان ولفظتني الأوطان "4.

تجلّي الرحمة في عباده

ولأهميّة هذا الصفة الإلهيّة يريد الله أن يراها متجليّةً في عباده فيرحم بعضهم بعضا وتُنشر الرحمة بين الناس. قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾5.

وقد تجلّت هذه الرحمة في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ وصفه القرآن الكريم بقوله: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾6.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء"7.
وعن الإمام علي عليه السلام: "عجبت لمن يرجو رحمة من فوقه كيف لا يرحم من دونه"8.

موجبات الرحمة الإلهيّة

تعرّض القرآن الكريم لبعض الموارد التي يستدر الإنسان فيها الرحمة الإلهيّة والتي منها:

1- طاعة الله والرسول: قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾9.

2- التقوى: قال تعالى: ﴿هَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾10.

3- القيام بالواجبات: قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾11.

4- الإستغفار: قال تعالى: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾12.

5- نشر الرحمة: قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّ أن يرحمني ربّي، قال صلى الله عليه وآله وسلم: إرحم نفسك وارحم خلق الله يرحمك الله"13.

6- الصبر عند الشدائد: قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾14.

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المصباح، الشيخ الكفعمي، ص591.
2- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1044.
3- الروم، 50.
4- الصحيفة السجادية، الامام زين العابدين، ص442.
5- الفتح، 29.
6- التوبة 128.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1044.﴿
8- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1044.
9- آل عمران، 132.
10- الأنعام، 100.
11- النور، 56.
12- النمل، 46.
13- كنز العمال، خ 44154.
14- البقرة، 155-157.

 

 

 


المحاضرة العشرون: الحياء حصانة المجتمع

 

الهدف:

بيان الحياء الممدوح الذي أوصت به الشريعة وثماره على الفرد والمجتمع.

الموضوع:

"أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني، وسترت عليّ فما استحييت، أنا يا ربّ الذي لم أستحيك في الخلاء".

 

الحياء في الأخلاق: معناه خجل النفس من الإقدام على المعصية خوفاً من اللوم والعقاب، ولذلك فإنّ هذه الصفة ترتبط بالإيمان ارتباطاً وثيقاً، فقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا حياء له فلا إيمان له"1.

يقول أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشدّحياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه"2.

محاور الموضوع:

أنواع الحياء المطلوبة

1- حياء الإنسان من الله: يقول الله تعالى في حديث قدسي: "ما أنصفني عبدي، يدعوني فأستحي أن أردّه ويعصيني وأنا أراه فلا يستحي منّي"3.
وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "استحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم"4.

2- حياء الإنسان من الناس: عن الإمام علي عليه السلام: "من لم يستحِ من الناس لم يستحِ من الله "5.
وهنا ينبغي الإلفات إلى حياء المرأة في لباسها وكلامها وزينتها وتبرّجها وآداب تواجدها في الأماكن العامّة، وضرورة تحاشي المجالس المختلطة والجلسات والسهرات العبثيّة، فإنّ قلّة الحياء ممّا يفسد المجتمع ويشجّع على المعصية.

3- حياء الإنسان من نفسه: عن الإمام علي عليه السلام: "أحسن الحياء استحياؤك من نفسك"6.

وعنه عليه السلام: "حياء الرجل من نفسه ثمرة الإيمان"7.
4- الحياء في السرّ والعلانيّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لم يستحِ من الله في العلانية لم يستحِ من الله في السرّ"8.

بركات الحياء

1- محو الخطايا: فعن الإمام علي عليه السلام: "الحياء من الله يمحو كثيراً من الخطايا"9.

2- الصد عن الفعل القبيح: فإنّ من ملك الحياء لم يهن عليه الدخول في أيّ أمرٍ قبيح، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحياء يصدُّ عن الفعل القبيح"10.

3- الستر: فالحياء يمنعه من الظهور بالعيب فيبقى عيبه مستوراً عن العباد، فعن الإمام علي عليه السلام: "من كساه الحياء ثوبه خفى على الناس عيبه"11.

4- إضفاء الجمال: لإنّ الحياء من الصفات التي يميل إليها الإنسان بفطرته وينجذب إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:".......ولا كان الحياء في شيء إلّا زانه"12.

وجمعت بركات الحياء في حديث قدسي عن الله تعالى: "عبدي إنّك إذا استحيت منّي أنسيت الناس عيوبك، وبقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من الكتاب زلّاتك ولا أناقشك الحساب يوم القيامة"13.

 

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج19، ص47.
2- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج14، ص284.
3- شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج11، ص215.
4- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص719.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص718.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص719.
7- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص720.
8- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص715.
9- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص719.
10- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص717.
11- جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص 284.
12- كنز العمال، المتقي الهندي، ج3، ص599.
13- ارشاد القلوب، ص144.

 

 



المحاضرة الواحدة والعشرون: معرفة الله


الهدف

التأكيد على أنّ معرفة الله هي الأصل الذي يبني عليه الإنسان طبيعة علاقته مع الله فتتجلى في سلوكه وأعماله من علم وجهاد وعمل صالح.

الموضوع

"بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولولا أنت لم ادرِ ما أنت".


كثيرة هي الطرق إلى معرفة الله حتى ورد: أنّ الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق، بل كلّ ما في الوجود يدعو إليه ويشير إلى صفاته غير أنّ الإنسان هو الذي يغفل أو يتعامى عنها أحياناً.


وسنورد هنا أربعة مناهج لمعرفة الله تعالى:

1- معرفة الله من خلال ذاته:
وذلك من خلال الآيات التي تحدّثت عن صفاته وأسمائه وأفعاله وتدبيره في الخلق والكائنات، والتي أراد الله لهذه الصفات أن تتجلّى بأجمل ما يكون في خلقه.

2-معرفة الله من خلال النفس:
النفس الإنسانيّة من أهمّ الطرق الى الله، لأنّ الإنسان عندما يدرك ضعفه وعجزه ومحدوديّته يدرك أنّ وراء ذلك خالق مطلق العلم والقدرة والكمال، ومن هنا قول أمير المؤمنين عليه السلام "من عرف نفسه فقد عرف ربّه"1.

3- معرفة الله من خلال آياته:
قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ2﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ3﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾4.

وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾5.

ورد عن الإمام علي عليه السلام: "ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه"6.

4- معرفة الله من خلال أنبيائه وأوليائه:
فهم أعرف الناس بالله وأقربهم منه، وهم حلقة الوصل والباب الذي منه يؤتى، وقد أمرنا الله بمعرفته من خلالهم.
وأقتصر هنا على حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتّد بالصخور ميدان أرضه"7.


عوامل الإنحراف عن التوحيد

1- الظلم والإرهاب: فأكثر ما يبعد الناس عن التوحيد ومعرفة الله هم حكّام الجور لما يرون في التعاليم الدينيّة من تهديدٍ لسلطانهم، كما حكى الله تعالى عن لسان فرعون: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ8﴾.

2- الضعف والحاجة: فقد يتوهم الإنسان أنّه باستنصاره غير الله تعالى يستطيع أن يكون أقوى. قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ﴾9.
وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾10.

3- الإغترار بالقادة: كتقديس الأشخاص بدل تقديس القيم والمبادىء التي يدعو إليها الدين. قال تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّه11﴾.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
1- شرح أصول الكافي، المازندراني، ج3، ص23.
2- فصلت، 53.
3- الروم، 22.
4- الروم، 20.
5- الروم، 20،
6- شرح اصول الكافي، المازندراني، ج3، ث83.
7- نهج البلاغة، خ1.
8- الشعراء، 29.
9- يس، 74.
10- مريم، 81.
11- التوبة، 31.

 



المحاضرة الثانية والعشرون: التوبة


الهدف:

ضرورة التنبه الى فضيلة التوبة والمبادرة إليها في هذا الشهر المبارك.

الموضوع:

"ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللهم منها ونتوب اليك".

 

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾1.

التوبة باب الله الى مغفرته وعفوه، فتحه لعباده تحنّناً منه ورحمة،كما ورد في مناجاة التائبين "إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً الى عفوك سميّته التوبة، فقلت توبوا الى الله توبةً نصوحا، فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه"2.


الموضوع:

فوريّة التوبة

لا يخفى أنّ المبادرة الى التوبة عن الذنب واجب فوري كما تشير الآية المباركة وذلك خشية أمرين أساسيّين:

1- تراكم المعاصي.

2- الخوف من إدراك الموت للإنسان قبل توبته.

حقيقة التوبة

إنّ حقيقة التوبة أن يشعر الإنسان بالندم وتأنيب الضمير، فيلوم نفسه على ما أخطأ وعصى، ويعزم على عدم صدور مثل هذا الذنب منه مرّةً أخرى، وفي الحديث الشريف "كفى بالندم توبة"3.

وورد في مناجاة التائبين "إن كان الندم عن الذنب توبةً، فإنّي وعزّتك من النادمين"4.

وحذّرت الروايات من العودة الى الذنب بعد التوبة، فقد ورد "التائب عن الذنب العائد إليه كالمستهزىء بالله".


من بركات التوبة:

1- محبّة الله: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾5.
2- تبديل السيئات الى حسنات: قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾6.
3- ستر الله عليه: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا تاب العبد توبةً نصوحاً أحبّه الله فستر عليه..."7.
4- إحياء القلب: فقد ورد في مناجاة التائبين "أمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبةٍ منك يا أملي وبغيتي"8.

ما ينبغي التوبة عنه:

1- التوبة عن حقوق العباد: وهي من أهمّ الأمور كظلم الناس بمال أو غيبة أو افتراء أو نميمة أو تشويه صورة وسوى ذلك ممّا هو من حقوق الناس.

2- التوبة عن حقوق الله: من خلال أداء الواجبات التي أمر الله بها

وقضاء ما فاته منها وترك المحرّمات التي نهى عنها.
3- التوبة عن التقصير في العبادة: كالإهمال في ترك المستحبّات من نوافل وأدعية وزيارات.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التحريم 8.
2- تفسير الامثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج18، ص461.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص426.
4- الصحيفة السجادية، الامام زين العابدين، ص402.
5- البقرة، 222.
6- الفرقان، 70.
7- الكافي، ج2، ص236.
8- الصحيفة السجادية، الامام زين العابدين، ص401.

 

 

المحاضرة الثالثة والعشرون: الغفلة

الهدف

تربية الناس على ضرورة المراقبة والمحاسبة لأعمالهم، وأنّ الغفلة تسقط الإنسان في الضياع والإنحراف عن جادة الطاعة.

الموضوع:

"أم لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني".

 

إنّ معنى الغفلة واقعاً هو قلّة التبصّر وعدم تأثّر الإنسان بالآيات والعبر التي تجري حوله، وذلك لقسوة قلبه وركونه الى الدنيا فيعمى عن هذه الآيات رغم إحاطته بها.

قال تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾1.

وقال تعالى:﴿لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾2.

محاور الموضوع

عاقبة الغفلة

1- الخروج من الرحمة الإلهيّة: من الطبيعيّ أن أمل الإنسان في نجاته هو الرحمة الإلهيّة، عليه فاليأس منها معناه شمول العقاب له،كما ورد في الدعاء "أم لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني"3.

2- النار عاقبة الغافلين: أكّد الله تعالى سوء المصير في الآخرة لأهل الغفلة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾4.

وقال تعالى: ﴿َإنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾5.

3- قساوة القلب: عن الإمام الباقر عليه السلام:"إيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب"6.

علامات الغافل

وهي الأمور التي يراقبها الإنسان في نفسه حتى لا ينزلق إلى دائرة الغافلين وهو لا يشعر، ومنها:

1- عدم الإستعداد: عن الإمام علي عليه السلام: "ويلٌ لمن غلبت عليه الغفلة فنسى الرحلة ولم يستعدّ"7.
2- الإغترار بالدنيا: عن الإمام علي عليه السلام:" سكر الغفلة والغرور أبعد إفاقة من سكر الخمور"8.
وقال تعالى:﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾9.
3- اللهو والسهو والنسيان: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "قال لقمان لابنه: لكلّ شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها....... وللغافل ثلاث علامات: اللهو والسهو والنسيان"10.


علاج الغفلة

1- محاسبة النفس: عن أمير المومنين عليه السلام: "من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر"11
عن الإمام الكاظم عليه السلام: "أنّه قال: يا هشام ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسنةً استزاد منه، وإن عمل سيئةً استغفر الله منها وتاب"12.

2- المراقبة: أي التدقيق ومراعاة أمانة الرسالة في كافّة أفعاله قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾13، وأمّا مع النسيان والتفريط فإنّ الجزاء سيكون حرمان الرضا والرضوان كما عبّر تعالى:﴿نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾14.

3- التفكّر: أي التأمل في هذا الوجود وأسراره، قال الإمام الحسين عليه السلام: "متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبّك نصيباً..."

4- تذكّر الموت: عن الإمام علي عليه السلام: "أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتم عمّا ليس يُغفلكم"15.

 


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
1- الحج، 46.
2- ق، 22.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص450.
4- الأعراف، 179.
5- يونس، 7و8.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2278.
7- عيون الحكم والمواعظ، ص.504.
8- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2234.
9- التكاثر، 1و2.
10- تفسير نور الثقلين، ج2، ص815.
11- نهج البلاغة، ج4، ص47.
12- تحف العقول، للحراني، ص 396.
13- المؤمنون، 8.
14- التوبة، 67.
15- نهج البلاغة، الخطبة 188.

 


المحاضرة الرابعة والعشرون: الهداية

الهدف

التعريف بمعنى الهداية وكيفيّة سلوك سبلها والإستضاءة بنورها.

الموضوع

"يا غفّار بنورك اهتدينا وبفضلك أصبحنا وأمسينا".


إنّ للهداية معنيين: الأول بمعنى الإيصال الى الغاية، والثاني هو إراءة الطريق المؤدية إلى الصلاح، كأن يسألك شخص عن قضيّة زواج أو شراكة مع شخصٍ آخر، أو تجارةٍ أو سفر وما شابه فتهديه إلى الصلاح والخير، ونحن مكلّفون بالثاني.

والمراد من الهداية الدينيّة إراءة الطريق المنجية في الآخرة وإنارتها له، ويبقى على الإنسان حرّية وإرادة الإختيار. قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾1

محاور الموضوع

الهداية من الله:

لا شكّ أنّ الهادي لكافّة الكائنات إلى كمالها هو الله، بما أودع الكون من آيات وبما أفاض على الإنسان من قوى وقابليات ومواهب، ليسلك بها معارج الكمال، وما على الإنسان إلّا التفاعل والتجاوب مع هذه المودعات الإلهيّة.

ثواب الهداية:

عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: "قال: قلت له: قول الله عزّوجلّ: ﴿ومَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ و ﴿مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾؟ قال: من أخرجها من ضلال الى هدى فكأنما أحياها، ومن أخرجها من هدى الى ضلال فقد قتلها"2.

قال الإمام علي عليه السلام: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، وقال لي: يا علي، لا تقابلنّ أحداً حتى تدعوه، وأيم الله لان يهدي الله على يديك رجلاً خيّر لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت"3.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يتكلّم الرجل بكلمة حقّ يؤخذ بها إلّا كان له مثل أجر من أخذ بها، ولا يتكلّم بكلمة ضلال يؤخذ بها إلّا كان له مثل وزر من أخذ بها"4

لا تكن من هؤلاء فتحرم الهداية

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾5.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾6.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾7.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾8.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾9.


من طرق الهداية

1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾10.

2- السلوك العملي: فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم"11.

3- الدعاء: قال تعالى: ﴿اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾12.

4- التعاون والتعاضد: قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾13.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الانسان 3.
2- أصول الكافي، ج2، ص210.
3- بحار الأنوار،ج 21، ص 167.
4- بحار الأنوار، ج2، ص 19.
5- القصص 50
6- المائدة 67
7- المنافقون 6
8- غافر 28
9- الزّمر 3
10- ال عمران 103.
11- حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهاني، ص24.
12- الفاتحة، 5.
13- العصر، 4 - 5.

 

 

المحاضرة الخامسة والعشرون: التعلّم والتفقّه

الهدف:

حثّ الناس على التعلّم والحضور في مجالس العلماء ومعرفة الأحكام والمسائل الأساسيّة، وما لذلك من ثواب وأجر كبير.

الموضوع:

"اللهم اعطني بصيرةً في دينك، وفهماً في علمك، وفقهاً في حكمك، وكفلين من رحمتك، وورعاً يحجزني عن معاصيك".

 

اهتمّت الشريعة اهتماماً بالغاً بموضوع العلم حتى اعتبرته فريضة على كلّ مسلم ومسلمة، فبه تعمر البلاد ويعبد الله وتقضى حوائج الناس، وإنّ أدنى مقارنة بين الدول التي تهتمّ بالعلم وغيرها يكشف حجم الفرق في النتائج التي يعطيها الإهتمام بالعلم عن تركه.

 

عن الإمام الباقر عليه السلام: "العلم رأس الخير كلّه والجهل رأس الشرّ كلّه"1.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قلب ليس فيه شيء من الحكمة كبيت خرب، فتعلّموا وعلّموا وتفقّهوا ولا تموتوا جهالاً، فإنّ الله لا يعذر على الجهل"2.

 

محاور الموضوع:

الدعوة الى العلم والتفقّه

عن الإمام الصادق عليه السلام: "لوددت أنّ أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقّهوا"3.
وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "لو يعلم الناس ما في العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج"4.


مناقب العلم في القرآن

تناول القرآن الكريم مجموعة من الآثار والبركات التي ينعم بها أهل العلم ومنها:

1- علو الدرجات: قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾5.

2- الإيمان: قال تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ6﴾.

3- توحيد الله: قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾7.

4- البكاء والخشوع: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ........... وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾8.

5- الخشية من الله: قال تعالى:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء9﴾.


فضل العلم:

1- قربه من درجة النبوّة: فعن الإمام الباقر عليه السلام: "أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم والجهاد"10.

2- العلم أفضل من العبادة: فعن الإمام الباقر عليه السلام: "من خرج يطلب باباً من علم ليرد به باطلاً الى حقّ أو ضلالة الى هدى كان عمله ذلك كعبادة متعبّد أربعين عاماً"11.

وعنه عليه السلام: "فضل العلم أحبّ الى الله من فضل العبادة"12.

3- العلم سبيل الى الجنّة: عن الإمام الباقر عليه السلام: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنّة"13.

4- عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ طالب العلم يستغفر له كلّ شيء حتى الحيتان في البحر"14.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحار الأنوار، ج77، ص175.
2- كنز العمال، خ28750.
3- أصول الكافي، ج1، ص31.
4- أصول الكافي، ج1، ص35.
5- المجادلة 11.
6- آل عمران، آية 7 ؟
7- آل عمران، آية 18.
8- الإسراء، من 107 الى 109.
9- فاطر، آية 28.
10- المحجة البيضاء، ج1، ص14.
11- بحار الأنوار،ج1،ص182.
12- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج20، ص358
13- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2073.
14- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج3، ص2073.

 

 


المحاضرة السادسة والعشرون: الإستعداد للموت


الهدف:

التذكير بأنّ الإنسان المؤمن العاقل هو الذي يستعدّ للموت وسكراته والقبر وأهواله والحياة الآخرة قبل فوات الأوان.

الموضوع:

"وما لي لا أبكي وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت".

 

- الموت يقين لا شك فيه وواقع لا مفرّ منه وقضاء لا مردّ له وحقيقة لا ريب فيها، وقد ورد في دعاء الصباح: "فيا من توحّد بالعزّ والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء"1.


محاور الموضوع:

الإستعداد للموت

روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام رأى في أحد الأيام رجلاً قد مات ابنه وجزع لذلك جزعاً شديداً ونفذ صبره، فقال له الإمام عليه السلام: "جزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى، لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدّاً لما اشتدّ عليك جزعك، فمصابك بترك الاستعداد أعظم من مصابك بولدك"2.

الإستعداد للموت يعني المعرفة الحقّة بعقبات الموت وأهواله وعقباته ومنازله وحقيقة ما سيواجهه كلّ إنسان، ومعرفة الأمور التي تنجيه، وإستشعار نفسه التقصير الدائم والتفكير المستمر بالموت وما يستتبعه من عظائم الأمور.

الحرص على سلامة الدين

الإستعداد للموت يعني أن يبقى الإنسان على سلامة في دينه حتى إذا ما وافاه الموت في أي حين كان مستعّداً، وهذا ما سأل عنه الإمام علي عليه السلام بعدما أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه ينبعث إليه أشقى الأوّلين والآخرين فيضربه بالسيف على هامة رأسه فقال أمير المومنين عليه السلام "أو يكون ذلك في سلامة من ديني"3.

عليّ الأكبر عندما يسأل والده عندما قال: كأنّي بهاتف يقول القوم يسيرون والمنايا تسير معهم، سأله: أولسنا على الحقّ ؟ فقال عليه السلام: نعم، فقال علي الأكبر: إذن لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا.

بعض العقبات والأهوال التي وردت في الدعاء:

القدر المحتوم: وما لي لا أبكي وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت.

الجهل بمصيره: وما لي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري.

شدّة الاحتضار: فما لي لا أبكي أبكي لخروج نفسي.

أهوال القبر: أبكي لظلمة قبري ابكي لضيق لحدي.

المساءلة والمحاسبة: أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي.

البعث والنشور: أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري.

الوحدة وانشغال الخلق عنه: أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي إذ الخلائق في شأن غير شأني4.


الأنس بالموت

إنّ الإستعداد للموت قد يرتقي الى درجة الأنس والرغبة في الإنعتاق من سجن الدنيا والبدن الى رحاب الرحمة الإلهيّة، وذلك عندما يصبح الموت معبراً للقاء الله والفوز برضوانه والنعيم الخالد.

عن الإمام علي عليه السلام:" والله لابن أبي طالب لآنس بالموت من الطفل الرضيع بثدي أمّه"5.

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج91، ص246.
2- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج1، ص8.
3- إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج1، ص27.
4- الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدين، ص226.
5- نهج البلاغة، ج1، ص41.



المحاضرة السابعة والعشرون: عاقبة الظلم

الهدف:

التعريف أنّ ظلم النفس والناس والعباد من أكبر الموبقات والأكثر افساداً لحياة الإنسان وآخرته.

الموضوع:

"فالآن من عذابك من يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً من يخلّصني".

 

الظلم بمعنى الجور، وهو تجاوز الحد، ويأتي بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، وهو عنوان عامّ تندرج تحته كافّة الذنوب والخطايا لأنّها تجاوز لحدود الله تعالى، وقد توعّد الله الظالمين بالهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾1.
قال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾2.

محاور الموضوع:

الظلم في كلمات علي عليه السلام

من كلامٍ لأمير المؤمنين عليه السلام: "والله لإن أبيت على حسك السعدان مسّهدا أو أُجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يُسرع الى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها"3.

ومن كلامه أيضاً:" والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلته"4.

وعنه عليه السلام: "من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده"5.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" بين الجنّة والعبد سبع عقاب (أي عقبات)، أهونها الموت، قال أنس: قلت: فما أصعبها ؟ قال: الوقوف بين يدي الله عزّوجلّ إذ تعلّق المظلومون بالظالمين"6.

أنواع الظلم

عن الإمام علي عليه السلام: "ألا وإنّ الظلم ثلاثة: فظلمٌ لا يغفر، وظلمٌ لا يترك، وظلمٌ مغفور لا يُطلب، فأمّا الظلم الذي لا يُغفر فالشرك بالله، وأمّا الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات، وأمّا الظلم الذي لا يُترك فظلم العباد بعضهم بعضاً"7.

أبشع الظلم

إنّ أبشع الظلم وأشدّه على الله ظلم الضعفاء والعاجزين، كظلم الحكّام لشعوبهم ومصادرة حقوقهم وفرض الحياة الشاقّة عليهم، وتكبيدهم ما لا يطيقون ومعاقبتهم بما لا يستحقّون.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مظلمةٍ أشدّ من مظلمةٍ لا يجد صاحبها عليها عوناً إلّا الله عزّوجلّ"8.


عن الإمام علي عليه السلام: "من أفحش الظلم ظلم الكرام"9. كظلم أهل الخير والإيمان وظلم المجاهدين وأهل البرّ والعمل الصالح.

إيّاك وإعانة الظالم أو الإستقواء به

وإعانة الظالم من أكبر الكبائر وهي بمثابة الظلم نفسه، وقد توعّد الله مرتكبها بالنّار في الآخرة، قال تعالى: ﴿و لاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾10.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أعان ظالماً على ظلمه جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب آيسٌ من رحمة الله"11.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ أين الظلمة وأعوانهم، من لاق لهم دواة أو ربط كيساً أو مدّ لهم قلم، فاحشروهم معهم"12.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- يونس، 13.
2- النمل، 52.
3- نهج البلاغة، خطبة 224،
4- نهج البلاغة، ج2، ص218.
5- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1770.
6- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1771.
7- نهج اkلبلاغة، الحكن 176.
8- الكافي، ج2، ص331.
9- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1774.
10- هود، 113.
11- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1779.
12- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص1778.



المحاضرة الثامنة والعشرون: حصائد اللسان

الهدف:

التركيز على ضبط اللسان وعدم الإنسياق في منزلقات الكلام وإسفافاته.

الموضوع:

"ولك الحمد على بسط لساني، افبلساني هذا الكالّ اشكرك، أم بغاية جهدي في عملي أرضيك، وما قدر لساني يا ربّ في جنب شكرك".

 

نعمة اللسان والبيان من أهمّ النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، بها تتعارف الناس وتتحاور وتتفاهم، ومن خلالها تُعرف شخصيّة المرء ومكنوناتها.

عن الإمام علي عليه السلام: "تكلّموا تعرفوا، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه"1.

تكمن أهميّة ضبط اللسان في كونه مفتاحاً لصلاح وإيمان المرء، كما أنّه مفتاح للشرّ ودخول النار، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"2.

محاور الموضوع:

ضوابط اللسان

تناولت أحاديث الرسول وأهل بيت العصمة ضرورة التحكّم بهذه النعمة الإلهيّة، ووضعت جملة من الضوابط والقيود التي تنجي أصحابها من الأذى في الدنيا والنار في الآخرة، وهنا نورد ما جاء في رسالة الحقوق للإمام السجّاد عليه السلام:"حقّ اللسان إكرامه عن الخنا، وتعويده الخير، وترك الفضول التي لا فائدة لها، والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم"3.

1- ضبط اللسان: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " وهل يُكبّ الناس في النار إلاّ حصائد ألسنتهم، قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما النجاة؟ قال: أملك عليك لسانك"4.

وورد عن الإمام علي عليه السلام: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه"5.

2- عدم الكلام فيما لا يعنيك: قال الإمام الحسين عليه السلام يوماً لابن عباس: "لا تتكلمنّ فيما لا يعنيك فإنّي أخاف عليك الوزر، ولا تتكلّمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا"6.

من الآفات التي يعيشها مجتمعنا اليوم، والتي تحتاج الى معالجة وتوعية أنّ كثيراً من الناس يعتبرون أنّ كثرة الكلام، والمشاركة في أيّ حديث، والخوض في الجدال، وتعبئة السهرات والجلسات بلغو الكلام من الفضائل التي يُنظر الى صاحبها بإكبار وإعجاب، في حين أنّ كثرة الكلام باب الى كثرة الخطأ وكثرةالذنوب.

3- مداومة المرء على جميل الكلام: "عوّد لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبّوك ويقلّ مبغضوك"7.

4- الإبتعاد عن الكلام المسيء: فمن الضروري للإنسان المؤمن اختيار ألفاظه ومفرداته وعباراته، وترك الكلام الجارح أو المبطّن أو الذي يحتمل التأويل.

5- الإبتعاد عن السبّ واللعن والشتم ولو مازحاً: ورد في الحديث: " ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء"8.

عذاب اللسان

وإنّما اشتدّ عذاب اللسان يوم القيامة، لما للكلام من آثار عظيمة وخطيرة قد تؤدّي الى بلاءات وكوارث بل وحروب ودمار.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "يعذّب الله اللسان بعذاب لا يعذّب به شيئاً من الجوارح، فيقول: يا ربّ عذّبتني بعذاب لم تعذّب به شيئاً من الجوارح؟ فيُقال له: خرجت منك كلمةٌ فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدّم الحرام، وانتهب بها المال الحرام، وانتهك بها الفرج الحرام"9.

 

 

 

 

__________________________________________________ __
1- نهج البلاغة، ج4، ص93.
2- نهج البلاغة، ج2، ص94
3- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.15، ص172
4- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.12، ص191
5- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.15، ص281.
6- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج57، ص127..
7- عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص340.
8- جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، ج1، ص277.
9- أصول الكافي، ج2، ص115.


المحاضرة التاسعة والعشرون: علوّ الهمة

الهدف

تعويد الناس على تحمّل مسؤولياتهم والمشاركة في القضايا الحسّاسة والمهمّة.

تصدير الموضوع

"وعليك يا واحدي عكفت همّتي، وفيما عندك بسطت رغبتي".

 

يُربّي الإسلام المؤمن على امتلاك همّة عالية تتّجه الى الغايات السامية والأهداف الكبيرة، وعدم الركون الى صغار القضايا وسفاسفها، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله يحبّ معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها"1.

 


الموضوع

علوّ الهمّة يتطلّب من الإنسان السعي والمثابرة والجد والسهر وعدم الإستسلام للخطأ، والإيمان القوي بما يقوم به، ولعلّ من أبرز الأمثلة والمصاديق اليوم ما استطاعت المقاومة أن تحقّقه من إنجازات وانتصارات بفضل ثبات مجاهديها وعلو همتهم واصرارهم على إلحاق الهزيمة بالعدوّ رغم كلّ التفاوت في العدّة والعتاد.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "ما رفع امرء كهمّته ولا وضعه كشهوته"2.
وعلوّ الهمّة سيف ذو حدّين إذ يمكن استغلالها في الطاعة والعبادة ويمكن استغلالها في المعصية والبعد عن الله، ولذلك اهتمّت النصوص الشريفة ببيان ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة.

ما ينبغي طلبه بعلو الهمّة:

1- طاعة الله: من عبادة، ونشر للدين، وإعلاء لكلمة الحق، والجهاد في سبيل الله، ومساعدة الناس والفقراء، وسوى ذلك ممّا يندرج في دائرة الطاعة والتقرّب إلى الله.


فعن الإمام علي عليه السلام:" واصرفوا همّتكم بالتقرّب الى الله"3.
وفي دعاء للإمام السجّاد عليه السلام: "فقد انقطعت إليك همتي. وفي دعاء آخر وهب لي.......همّةً متّصلة بك"4.

2- النجاة في الآخرة: بطلب العلم ومعرفة عواقب الأمور والتوبة والإنابة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "ولتكن همّتك لما بعد الموت"5.

3- إصلاح النفس والمجتمع: إنّ مبدأ التغيير وإصلاح المجتمع على كافّة المستويات من أهمّ ما ينبغي تعويد النفس عليه، وحملها على المشاركة في كلّ ما يمكن فعله لخدمة الناس، وتلبية حاجاتهم، وعلى المرء أن يبدأ بنفسه أوّلاً ثمّ يتبعه بإصلاح الآخرين.

فعن الإمام علي عليه السلام: "إن سمت همّتك لإصلاح الناس فابدأ بنفسك، وإن تعاطيك إصلاح غيرك وأنت فاسد أكبر عيب"6.

ومن أهمّ مصاديق علوّ الهمّة المشاركة الفعّالة في التغيير السياسيّ والإجتماعيّ من إعلاء الصوت والإستنكار الميدانيّ ومواجهة الظلم ورفع الفساد بكافّة الوسائل المتاحة.

 


من آثار ضعف الهمّة

مقت الله: أي استصغار الله لهذا الإنسان عن الإمام علي عليه السلام: "أمقت العباد الى الله سبحانه من كانت همّته بطنه وفرجه"7.
عدم إدراك المعالي: فضعف الهمّة يبقي الإنسان وضيعاً هامشيّاً، يخشى عظائم الأمور فينأى بنفسه عنها، فيمضي أيّامه دون أن يقوم بأيّ دور أو يترك أيّ أثر.
عن الإمام الصادق عليه السلام:" ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمّة، وقلّة الحيلة، وضعف الرأي"8.

 


1- ميزان الحكمة، ج4، ص3468.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص484.
3- ميزان الحكمة، ج4، ص3469.
4- الصحيفة السجادية (ابطحي)، الإمام زين العابدينq، ص412.
5- حاشية مجمع الفائدة والبرهان، الوحيد البهبهاني، ص24.
6- ميزان الحكمة، ج3، ص2206.
7- ميزان الحكمة، ج1، ص272.
8- ميزان الحكمة، ج4، ص3471.


المحاضرة الثلاثون: ترشيد الإستهلاك
الهدف:

أهميّة ضبط الإنفاق وبيان فوائده ومفاسد التبذير والهدر على المستوى الفرديّ والعامّ، وتوعية الناس على المراقبة الدائمة لسياسات صرف المال لا سيّما فيما يرتبط بالشأن العامّ.

الموضوع:

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾1.

 

ترشيد الإنفاق من الأمور التي تحتاج إلى توعية دائمة للفرد والأسرة

 

والمتصدّين للشأن العام، لما يشكّل من ركيزة مهمّة على مستوى استقرار المجتمع واكتفائة واستغنائنه عن الآخرين من خلال دراسة الأولويّات والحاجات الضروريّة، واعتبرت الشريعة الإسراف صفةً للطغاة والجبابرة كما هو الحال الذي نراه عند الحكّام والأمراء والملوك في العالم. قال تعالى: ﴿وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾2.

الموضوع:

موقف الشريعة من الإسراف وعدم الترشيد

حثّت الشريعة على ضرورة ضبط الإنفاق وترشيده حفظاً لمقدرات الأمّة من الضياع، وصوناً للمجتمع من الفقر والعوز، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إيّاكم في السرف في المال والنفقة، وعليكم بالإقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا"3 .

وعن الإمام العسكري عليه السلام: "عليك بالإقتصاد، وإيّاك والإسراف، فإنّه من فعل الشيطنة"4.


مجالات ترشيد الإستهلاك

1- ترشيد الإنفاق عل المستوى الفرديّ: كصرف المال في الملاهي والأمور العبثيّة وتمضية الوقت بلا طائل، كالسهرات الفارغة والرحلات غير الموجّهة دون التفكير في تدبير المستقبل من قضايا الزواج والأسرة وطلب العلم.

2- ترشيد الإنفاق على مستوى الأسرة: ويتجلّى في الترشيد في الملبس، كما جاء في صفات المتقين عن أمير المؤمنين عليه السلام: "ملبسهم الإقتصاد "5 والمأكل، قال تعالى: ﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾6.

وحاجات الأثاث والمقتنيات الضروريّة للمنزل، فعن الإمام الصادق عليه السلام: للمسرف ثلاث علامات: يشتري ما ليس له، ويلبس ما ليس له، ويأكل ما ليس له 7.

ووضع سياسة تتوازن بين الراتب وموارد الصرف وفي الإنتباه للمسائل الصحيّة والعلميّة، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف"8.

3- ترشيد الإنفاق على مستوى المجتمع: ويتجلّى في عدم التفريط بالمال العامّ لأمور شخصيّة، وصرف هذا المال في الموارد التي هي حاجة الناس الضروريّة والإبتعاد عن مظاهر الترف عند المسؤولين، كما يتطلّب من الفرد التعاون في ترشيد استهلاك الطاقة والمياه وكافّة مقدّرات البلاد.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ القصد أمر يحبّه الله عزّوجلّ، وإنّ السرف يبغضه الله حتى طرحك للنواة فإنّها تصلح لشيء، وحتى صبّك شرابك"9.


1- الفرقان، 67.
2- يونس، 83.
3- كنز العمال، المتقي الهندي، ج3، ص53.
4- مستدرك سفينة البحار، ج5، ص23.
5- نهج البلاغة، الخطبة 193.
6- الأعراف، 31.
7- وسائل الشيعة (آل البيت)، المؤلف: الحر العاملي، ج.17، ص65.
8- مصباح البلاغة، الميرجهاني، ح4، ص208.
9- عوائد الايام، المحقق النراقي، ص61

 

 

 

 

 

 

مهدي
4484قراءة
2016-01-19 20:49:13

تعليقات الزوار


حيدر

وفقكم الله