12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

الموضوعات الدينية المتنوعة >> روح الله هو روح الله..شؤون الإمام خلال الأربع والعشرين ساعة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

النـظم فـي الأمـور
لم يُعطّل الإمام دروسه سوى يومين فقط
كان النظم والانضباط من أبرز سمات الإمام. وطوال فترة حضوري حلقة درسه، لم أرَ أحداً بمثل سماحته جادّاً ومنظّماً. فلم يحدث أبداً أن ألقى دروسه بدون تحضير مسبق. كما أنّه كان مواظباً على حضور حلقة الدرس إلى حدٍّ كبير. على سبيل المثال، عندما بدأ سماحته تدريس الأصول في مسجد (سلماسي) بمدينة قم، الذي استغرق أربع سنوات ونصف السنة، لم يُعطّل الدرس طوال هذه الفترة - عدا العطلة السنوية - سوى يومين فقط، في أحدهما كان سماحته مريضاً1.

روح الله هو روح الله
لقد حضرت حلقات درس (خارج) الفقه والأصول لسماحة الإمام على مدى ثماني سنوات تقريباً. وطوال هذه الفترة كان سماحته حريصاً على حضور حلقة الدرس على رأس الساعة. حتى في تلك الأيام التي كان يُقيم حلقة درسه في مسجد (سلماسي) بمدينة قم، وكان بعض التلاميذ يحضرون درساً
آخر، وكانوا يلتحقون بحلقة الدرس متأخّرين بعض الشيء. فكان سماحته يستاء من ذلك وكان يُنبّه إليه أحياناً. والمعروف أنّ الإمام نفسه في مرحلة الدراسة، كان يحضر دروس أساتذته بشكل منتظم وفي الوقت المحدّد. وفي هذا الخصوص يقول المرحوم آية الله الشاه آبادي - أستاذ الإمام في العرفان - وهو يصف نظم الإمام وحضوره المنتظم حلقات الدرس: (روح الله هو روح الله حقّاً. فلم يحدث أن التحق بحلقة الدرس بعد قول بسم الله.. كان حاضراً دائماً قبل أن أنطق ب بسم الله والشروع بالدرس)2.
حتى لم يتأخّر دقيقة واحدة من خصوصيّات الإمام أنّه كان يولي أهمّية كبيرة لحلقة الدرس، وكان حريصاً دائماً على الحضور في الوقت المحدّد. حتى أنّه لم يكن يتأخّر دقيقة واحدة.. ففي سنوات الكبت والاختناق، كان سماحته يُدرّس في المدرسة الفيضية. وفي أحد الأيّام هاجم (السافاك) المدرسة الفيضية. وحينها كان الجميع حاضرين، وقد حضر الإمام في الوقت المحدّد كالعادة. وفيما كنّا نتوقّع بأنّ الإمام سيُلغي الدرس في ظلّ هذه الأوضاع، غير أنّ سماحته جلس على الأرض في صحن السيّدة (معصومة) وبدأ الدرس3.

حضور الدرس في الوقت المحدّد
أحياناً كان الطلبة يأتون إلى حلقة الدرس بشكل غير منتظم، إضافة إلى
أنّهم لم يكونوا منظّمين في شؤون حياتهم. وكان الإمام يستاء لذلك، وكان يُكرّر هذه الملاحظة على أسماع تلامذته في مناسبات عديدة: إنّ الذين استطاعوا أن يتوفّقوا في الحياة، وأن تُكلّل جهودهم بالنجاح، هم مَنْ اتّسمت حياتهم بالنظم والانضباط4.

مع توزيع الوقت تتّسم الأعمال بالبركة
ينقل الإمام عن أستاذه المرحوم آية الله الشاه آبادي قوله، بأنّ صاحب كتاب (الجواهر) كان قد وضع لنفسه برنامجاً محدّداً لتأليف كتابه (جواهر الكلام). وكان يتفرّغ لكتابة مقدار منه في كلّ ليلة.. وكان لديه ابن عالم فاضل يودّه كثيراً توفّاه الله. وصادف أن تمّ إرجاء تشييع جنازته إلى اليوم التّالي. وفي المساء وضعوا الجنازة في غرفة والده. وفي تلك الليلة جلس صاحب الجواهر إلى جوار جنازة ابنه وكتب المقدار الذي كان ينبغي له كتابته في تلك الليلة.. بعدما نقل الإمام هذه الحكاية، قال: أيّها السّادة! يجب أن تجدّوا وتجتهدوا، وأن تهتمّوا بنظم أعمالكم. لأنّ مع النظم وتوزيع الوقت تتّسم الأعمال بالبركة5.

لنقل للسيّد أن يأتي بشكل منتظم
في أحد فصول الصيف كان الإمام في طهران، وكان يحضر صلاة الجماعة بإمامة آية الله السيّد أبي الحسن الرفيعي القزويني.. كان السيّد الرفيعي
يُقيم صلاتي المغرب والعشاء جماعة في مسجد جمعة طهران، إلا أنّه لم يكن يأتِ بشكل منتظم. وفي أحد الأيّام تأخّر السيّد الرفيعي، فنهض الإمام وقال للحاضرين الذين كانوا ينتظرون إقامة صلاة الجماعة: "تعالوا لنقل للسيّد الرفيعي أن يأتي بشكل منتظم. لأنّ مجيئه بصورة غير منتظمة يُضيّع وقت الكثيرين.. لنقل للسيّد أن يأتي بشكل منتظم".

بعدها جاء السيّد الرفيعي وأقام الصلاة. وما أن انتهى من الصلاة حتى قال له أحد الحاضرين: ثمّة سيّد شاب كان يقول للحاضرين لنقل للسيّد الرفيعي أن يأتي بشكل منتظم. إنّه يعترض على عدم انتظامكم في المجيء. فقال السيّد الرفيعي: ومن هو هذا السيّد؟ فأشار الرجل إلى الإمام الذي كان واقفاً يُصلّي في الجانب الآخر.. وما أن وقع نظر السيّد الرفيعي على الإمام حتى قال: إنّه الحاج السيّد روح الله. إنّه رجل في غاية الفضل والزهد والتقوى والنظم والتهذيب. إنّه محقّ فيما يقول. فإذا ما تأخّرت أحياناً قدّموه ليُقيم الصلاة بدلاً عنّي6.

النظم حتى في الزنزانة الانفرادية
بعد اعتقال الإمام في ليلة الخامس عشر من خرداد ونقله إلى طهران، وتمّ احتجازه لمدّة تسعة عشر يوماً. ومن ثم نقلوه إلى زنزانة انفرادية لمدّة 24 ساعة. وعن وجوده في هذه الزنزانة يقول الإمام: كان طول الزنزانة أربعة أقدام ونصف القدم، وكنتُ أتمشّى فيها ثلاث مرّات في كلّ مرّة نصف ساعة، طبقاً لما اعتدت عليه في كلّ يوم7.
14 عاماً واظب على الزيارة
كان من عادة الإمام خلال فترة إقامته في النجف، أن يأتي في الليالي بعد ساعتين ونصف من وقت الغروب، وفي السنوات الأخيرة بعد ساعتين من دخول الليل، يأتي ويجلس في القسم الخارجي من المنـزل يستقبل الطلّاب والناس. وفي وبعد الغروب بثلاث ساعات، كان يتوجّه إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين، وكان يقرأ زيارة (أمين الله) واقفاً أمام الضريح، وزيارة (الجامعة) جالساً، ومن ثم يعود إلى المنـزل بعد إقامة صلاة الزيارة.. كان هذا برنامج السيّد (الإمام) طوال أربعة عشر عاماً من إقامته في النجف، باستثناء ليالي السبت في فصل الصيف حيث كان موعد غسل المرقد والأروقة بعد صلاة المغرب والعشاء. ففي هذه الليالي لم يكن الإمام يذهب إلى المرقد الطاهر..8

عندما كان الإمام يذهب إلى المرقد الشريف في النجف اعتاد الإمام على الجلوس بعد صلاتي المغرب والعشاء، في القسم الخارجي من المنـزل. وكانت المشاركة في هذا المجلس متاحة للجميع، حيث بوسع كلّ فرد أن يلتقي الإمام والتحدّث إليه. وبعد انتهاء هذه الجلسة، كان الإمام يتوجّه إلى الحرم العلوي.. كانت الجلسة تستمرّ إلى ما بعد ثلاث ساعات من الغروب. كان هذا البرنامج منظّماً بحيث إذا ما أراد أحدهم تنظيم توقيت ساعته، كان بوسعه إذا ما رأى الإمام في شارع الرسول، حيث كان منـزل سماحته، متوجّهاً إلى الصحن الشريف، يعلم بأنّ الساعة تُشير إلى
مرور ثلاث ساعات على الغروب. أو عندما كان يخرج سماحته من الصحن، يعلم بأنّ الساعة تُشير إلى مرور ثلاث ساعات ونصف على الغروب9.

النظم في زيارة المرقد الشريف
في إحدى زياراتي للعراق، كنتُ في أحد الأيام جالساً في صحن الإمام أمير المؤمنين مع عدد من الطلبة وفضلاء الحوزة نتبادل أطراف الحديث بعد صلاتي المغرب والعشاء.. وعندما انتهى الحديث وأراد السادة الانصراف، نظروا إلى ساعاتهم، فحدث تباين في الوقت.. ساعة الصحن الشريف، التي كانت بالتوقيت (العربي)، كانت تُشير إلى الساعة الثانية والنصف (بعد المغرب). وكانت تتباين مع توقيت ساعات السادة بنحو خمس إلى سبع دقائق. وفي هذه الأثناء دخل الإمام الصحن من (باب القبلة). فقال أحد أساتذة النجف الذي كان حاضراً: نظّموا ساعاتكم. الساعة الآن تُشير إلى الثانية والنصف من دخول الليل. وأضاف: منذ ثلاثة عشر عاماً - ثلاثة عشر عاماً من إقامة الإمام في النجف - والإمام يدخل الصحن الشريف في مثل هذه الساعة من كلّ ليلة10.

بقي على وقت العشاء عشر دقائق جلب بعض الإخوة، لدى مجيئهم إلى فرنسا، فيلماً يصوّر أحداث الثورة في إيران. وقد اقترحوا أن يُشاهده الإمام بعد تناول العشاء.. ومع اقتراب
موعد العشاء قلتُ لسماحته: العشاء جاهز، هل آتي به؟.. نظر الإمام إلى الساعة وقال: "لا زالت هناك عشر دقائق على موعد العشاء".. إنّ ساعات الليل والنهار كانت بالنسبة للإمام موزّعة بانتظام بشكل كان باستطاعتنا التنبّؤ بماذا ينشغل الإمام في كلّ ساعة دون أن نرى سماحته11.

شؤون الإمام خلال الأربع والعشرين ساعة
كان لدى الإمام جدول محدّد بالنسبة لشؤونه اليومية قد أعدّه بنفسه، يقوم بموجبه بأعماله على مدار الساعة فيما عدا ساعات معدودة من الليل حيث كان ينهض من النوم لصلاة الليل والتهجّد والعبادة12.

نظم للأعمال دقيق وتلقائي
يستطيع الإنسان أن يُنظّم أوقاته من خلال ممارسة الإمام لشؤونه اليومية. حتى أنّ أهالي المنـزل يعتبرون سيرة سماحته، من حيث النظم والانضباط، بمثابة ساعة توقيت تعمل بصورة مبرمجة وبشكل تلقائي. ولهذا كانوا يُنظّمون أوقات أدائهم لمهامهم من خلال أعمال الإمام. إذ كانوا يعلمون على وجه الدقّة متى ينام ومتى يستيقظ، ومتى يرغب في تناول الشاي، ومتى يخرج إلى القسم الخارجي من المنـزل13.
البرنامج الأسبوعي المنتظم للإمام
بغضّ النظر عن النظم والانضباط الذي كان حاكماً على أداء الإمام لشؤونه وأعماله، كان سماحته حريصاً لئلّا ينشغل بأداء عمل يؤدّي إلى تضييع جهود الآخرين وتجاهلها. ففي كلّ يوم ينشغل بالعبادة وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية والمطالعات المختلفة، والاستماع إلى الأخبار، والمشي وممارسة التمارين الرياضية - التي كان يؤدّيها بناءً على نصائح الأطبّاء المشرفين على علاج سماحته حفاظاً على سلامته - والمتابعات الفكرية، والإجابة على المسائل الشرعية والإجازات وإيصالات الوجوه الشرعية، واللقاءات، وقضاء بعض الوقت مع أفراد الأسرة، وتناول الطعام والنظافة، والاستراحة.. إنّ كلّ واحد من هذه الأمور كان الإمام يؤدّيه بشكل منتظم وفي موعده. وأنّ نفس هذا النظم كان حاكماً على برنامجه الأسبوعي.. على سبيل المثال، كان يستعدّ للاستحمام صباح كلّ جمعة بعد سماع موجز أخبار الساعة الثامنة14.

إذا كان لديه موعد لن يؤجّله
كان الإمام يتمتّع بنظم خاص في حياته، وكانت أعماله تؤدّى في أوقاتها المحدّدة. أي كان دقيقاً للغاية في أن يتناول الغداء في ساعة معيّنة، وأن ينام في وقت محدّد، وأن يستيقظ في الموعد المحدّد. وإذا كان لديه عمل، أو حدّد موعداً لأحد، فإنّه غير مستعدٍّ لتأجيله أبداً.. إنّ أحد أسرار نجاح الإمام يكمن في أنّه كان منظّماً في كلّ شيء، وكان معروفاً منذ شبابه بالترتيب والنظم.. وكان بدرجة من النظم والدقّة بحيث إذا ما تأخّر خمس دقائق - مثلاً -
عن موعد تناول الغداء، يقلق الجميع لتأخّره، وكان الجميع يتوجّه لا إرادياً صوب غرفته لئلّا يكون قد حدث لسماحته طارئ. وحينها نرى - مثلاً - أنّ الحاج السيّد أحمد عنده ليسأل عن موضوع ما، مما حال دون تناوله الطعام في الموعد المحدّد15.
الاستفادة المثلى من الوقت
كان لدى الإمام برنامج خاص لجميع الأوقات على مدار الساعة. أي كان لديه وقت محدّد للمطالعة والعبادة والتهجّد والدعاء، ومتابعة أمور المسلمين والبلاد الإسلامية. كذلك وقت محدّد للنوم وكافّة شؤونه الشخصية. وإنّ نفس هذا الأمر كان مدعاة لأنْ يستفيد سماحته من جميع لحظات عمره المبارك على أحسن وجه، وأن يتحلّى بروح سامية لا توصف.. فقد وزّع أوقاته في النهار بصورة لا تقتصر على قراءة الصحف فقط، وإنّما يولّي اهتماماً خاصّاً للموضوعات التي تنشر في وسائل الإعلام العامّة بنحو كان يحرص على متابعة برامج الإذاعة والتلفزيون والصحافة الداخلية16.

النظم في برنامج عمل يوم كامل الشؤون اليومية للإمام في غاية النظم. وهذا يعني إذا ما نظرنا إلى برنامج عمل سماحته على مدار يوم كامل، وضربنا ذلك في 365 يوماً، يتّضح برنامج عمل الإمام على مدار السنة.. عموماً يبدأ البرنامج الساعة السابعة صباحاً
حيث يأتي الإمام إلى مكتبه في القسم الخارجي من المنـزل ويبدأ نشاطه في المتابعات واللقاءات.. طبعاً أحياناً يُجري له الطبيب بعض الفحوصات، وأحياناً يأتي السادة رسولي وتوسّلي، فيقوم السيّد أنصاري باطلاعهم على المهام الموكلة إليهم، وهي في الغالب مهام خاصّة يُكلّفون بها من قِبَل الإمام.. كذلك ثمّة لقاءات للإمام مع أفراد وأشخاص من كافّة الفئات والطبقات ومن مختلف أنحاء البلاد ممن لديهم حاجة. هذا فضلاً عن المهام الحكومية التي يودّ كبار المسؤولين في الدولة إطلاع الإمام عليها وأخذ التوجيهات اللازمة.. بعد ذلك يخرج الإمام من مكتبه حوالي الساعة التاسعة ويتوجّه إلى القسم الداخلي من المنـزل، حيث يحين موعد المشي. إذ اعتاد سماحته على المشي لمدّة نصف ساعة، أي حتى الساعة التاسعة والنصف. بعدها يذهب إلى غرفته حيث يقوم بمطالعة النشرات الخبرية الداخلية والتقارير التي يتمّ إرسالها إلى سماحته من مختلف أنحاء البلاد وكلّها ممهورة ومختومة يقوم الإمام بفتحها بنفسه ويحرص على مطالعتها كلّها.. تستمرّ المطالعة حتى الساعة العاشرة إلا ربعاً. عندها يأتون لسماحته بالفاكهة وهي متنوّعة باختلاف الفصول، مثل (يوسف أفندي) والتوت والخس.. ثم يتوجّه إلى سريره، أي يذهب في الساعة العاشرة وعشر دقائق ليستلقي وينام حتى الساعة الحادية عشرة والنصف. - طبعاً نحن لا نعلم إنْ كان نائماً حقّاً أو صاحياً - .. بعد أن يستيقظ يستعدّ للصلاة، أي يتوضّأ ويقرأ القرآن والنوافل ثم الصلاة. وفي الساعة الواحدة وخمس دقائق يأتي لتناول الغداء.. بعد الانتهاء من الصلاة وحتى أن يجهز الغداء، ثمّة عشر دقائق. فإذا كان أحد أبنائه موجوداً يتحدّث معه بعض الوقت، وإن لم يكن ينشغل بالمطالعة لاستكمال ما بدأه في الصباح. وفي الساعة الواحدة وخمس دقائق بالضبط يأتي إلى زوجته لتناول الغداء.. وإنّ غداء سماحته لا يزيد على مرقة اللحم يومياً.. مرقة اللحم بالليمون. وإذا ما حاولوا استبدالها بنوع آخر أحياناً لم يكن يستسيغه كثيراً.. تُعجبه مرقة اللحم بالليمون أكثر من أيّ شيء آخر.. طبعاً إذا كان هناك رز أو مرقة أخرى، كان يأكل منها، غير أنّ بقية أفراد الأسرة لا يتناولون مرقة اللحم لأنّها خاصّة بسماحته.. والمعروف أنّ تناوله للغداء كان يتّسم ببرنامج خاص. حيث كان سماحته يُعلّق أولاً فوطة برقبته تمتدّ إلى أسفل الحضن. ومن ثم يضع قطعة من (النايلون) السميك موضوعة داخل كيس نايلون رقيق، على الفوطة.. إذ يجب أن يكون كلّ شيء منظّماً ودقيقاً. وإذا ما تمّ استبدال شيء من المائدة، الإناء الذي يوضع تحت صحن مرقة اللحم - مثلاً -، كان سماحته يسأل عن السبب، على الرغم من أنّ الإناء الموضوع تحت الصحن ليس له علاقة بالطعام.. فلا بدّ من وضع الإناء تحت صحن مرقة اللحم وهو واحد لا يتغيّر.. كما أنّ كلّاً من صحن الطعام والملاعق خاصّة بالإمام ولا يستخدمها أحد غيره.. وبعد تناول الطعام يتحدّث عدّة دقائق إذا ما أراد، خاصة إذا ما كنّا نحن هناك أو إحدى البنات والأحفاد.. طبعاً طوال هذه الفترة يكون جهاز الراديو معه يستمع إليه. حيث يستمع إلى وقائع جلسات مجلس الشورى. وكان سماحته يحرص على الاستماع إلى المحاضرات التي كانت تُذاع من الراديو ما بين الساعة الواحدة إلى الساعة الثانية عصراً. وعند الساعة الثانية يتوجّه إلى غرفته ويستمع إلى نشرة أخبار الساعة الثانية. ويبقى في غرفته يطّلع على التقارير الإخبارية حتى العصر. ثم ينام بعض الوقت وينهض في تمام الساعة الرابعة ليتناول قدحاً من الشاي. ثم يمشي لمدة نصف ساعة، إذ إنّه حريص على أن يكون المشي على رأس الساعة.. خلال فترة المشي ينشغل الإمام بالذكر. طبعاً إذا لم يكن يُذاع في الراديو موضوع مهم. وإذا ما كان ثمّة ظرف خاصّ من
الناحية السياسية أو الأحداث التي تشهدها البلاد، فإنّه يحرص على الاستماع إلى الراديو بدقّة. وممّا يُذكر في هذا الصدد أنّ لدى الإمام راديو ذا حزام طويل يُعلّقه على كتفه، وأحياناً يقرأ الصحيفة وهو يستمع إلى الراديو.. وفي بعض الأحيان تكون في يده مسبحة يلهج بالذكر.. طبعاً من الممكن أن يلتف الأطفال من أحفاده من حوله ويسحبون يده ويحرفون مسيره ولا يقول شيئاً. ومن الطبيعي يكون ذلك في الحالات التي لم يكن يرغب بالاستماع إلى الراديو بشكل دقيق. أمّا في الحالات الخاصّة فلا يسمح باقتراب الأطفال منه، أو أن نُكلّمه، كي يتسنّى له الإصغاء إلى الراديو جيّداً.
تنتهي فترة المشي في الساعة الرابعة والنصف، فيجلس ويتناول قدحاً من الشاي.. طبعاً خلال الصيف تتغيّر مواقيت هذا البرنامج بعض الشيء. أي ليس بالضرورة أن يستيقظ من النوم في تمام الساعة الرابعة دائماً. إذ إنّ ذلك يتبع طول النهار وقصره. فإذا كان النهار طويلاً فإنّه يهتم، بعد انتهاء فترة المشي، بقراءة الصحف الصباحية والمسائية. وإنّ من الموضوعات التي يُدقّق فيها هي: الافتتاحية، وكذلك المقالات التي يهتمّ بقراءتها بشكل خاصّ، ويحرص على قراءتها بنفسه.. وإذا ما كان متعباً، أو كنّا نحن عنده، وكي لا نبقى بلا عمل، يطلب منّا أحياناً أن نقرأ له الصحف. فنقرأ له بعض الموضوعات التي يرغب بالاطلاع عليها.. وعشية الغروب يعود إلى تلاوة القرآن. وبعد التلاوة، يتوضّأ مرّة أخرى ويعود لقراءة القرآن ثانية ومن ثم يستعدّ للصلاة. وبطبيعة الحال إنّ صلاة سماحته تكون مقرونة بالنوافل. وفي معظم الأوقات يتوجّه إلى باحة المنـزل ليُصلّي في فضاء مفتوح، إلا إذا كان الطقس بارداً جدّاً ويخشى الإصابة بالزكام.. ثم يعود إلى غرفته وينشغل بالمطالعة..
من الكتب التي يحرص على مطالعتها، الإصدارات الحديثة التي يتصفّحها بدقّة. كما أنّه يحرص على متابعة الصحافة اليومية. وما أن يبدأ التلفاز ببثّ برامجه للفترة المسائية، يترك سماحته الراديو جانباً ويهتمّ بمشاهدة برامج التلفزيون، سواء القناة الأولى والقناة الثانية.. وما بين الصلاة والانتهاء من المطالعة، ثمّة فترة تتراوح ما بين الربع ساعة والعشرين دقيقة، لا أتذكّر على وجه الدقّة ماذا يفعل خلالها، ربما يستمع إلى الإذاعات الأجنبية حتى تحين الساعة السابعة مساءً.. وقد اعتاد سماحته على الاستماع إلى الأخبار باهتمام شديد إلى درجة يكتفي بالردّ على تحيّتنا دون أن يُكلّمنا. وإذا ما أراد أن يتفقّد أحوالنا فإنّ ذلك يكون من خلال حركة العين، ممّا يعني ينبغي لنا التزام الصمت. وإذا كنّا في الغرفة فإنّه ينبغي لنا عدم التحدّث حتى فيما بيننا، لأنّ ذلك يُزعجه إلا أنّه لا يقول شيئاً، وبطبيعة الحال نحن نُلاحظ ذلك. وإذا ما كانت ثمّة مقابلة أو حديث خاص بعد نشرة الأخبار والتقارير الإخبارية، كان يستمع إليها دون شكّ. وطبعاً ثمّة برامج كانت تحظى بإعجاب الإمام أكثر من غيرها. وفي الوقت نفسه هناك برامج لا تُعجبه من قبيل برنامج (الأسرة) مثلاً. ففي إحدى المرّات كنتُ عنده وكان التلفاز يبثّ برنامج الأسرة، فلم يُعجبه فقام وأطفأ التلفاز. وعندما أردتُ معرفة السبب، قال: برنامج غير جيّد أصلاً. قلتُ: لماذا؟ قال: متصنّع كثيراً وغير جيّد أساساً..

بعد سماع نشرة الأخبار، ثمّة ربع ساعة مخصّصة للاسترخاء، حيث يضطّجع على الأرض ويضع تحت رأسه وسادة. ويقوم - وفقاً لنصائح - برفع قدميه إلى الأعلى وثنيها ومدّها من منطقة الركبة.. يقوم بهذه الحركة عدّة مرّات بناءً على توصية الأطباء.

يطلب سماحته إحضار العشاء على رأس الساعة التاسعة. طبعاً تجهيزالعشاء يستغرق بعض الوقت، فيجلس سماحته يُشاهد التلفاز.
وبعد تناول العشاء، يتفرّغ سماحته لشؤونه الخاصّة حتى تحين الساعة العاشرة مساءً. وفي الساعة العاشرة، أو العاشرة وعشر دقائق، يتوجّه إلى غرفته للنوم. وفي الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ينهض لصلاة الليل. هنا أيضاً تتغيّر المواقيت بعض الشيء بناءً على تغيير الفصول، حيث تتغيّر مواعيد النوم والاستيقاظ.
يستيقظ الإمام في الساعة الثانية والنصف تقريباً لصلاة الليل. وبعد صلاة الليل ثمّة فاصلة حتى أذان الفجر. وخلال هذه الفترة يحاول التعرّف على الاستفتاءات التي صدرت عن مكتب سماحته، إذ يحرص على الاطلاع عليها شخصيّاً. ولهذا يقوم المعنيّون في المكتب بوضعها في علبة خاصّة من الكارتون ويضعونها في متناول الإمام، فينتهز الإمام هذه الفترة للاطلاع عليها. بعدها ينهض لصلاة الصبح.. وبعد صلاة الصبح يسترخي حتى الساعة السادسة حيث ينهض ويتمشّى لمدّة نصف ساعة، بعدها يقرأ القرآن. ثم يأتون إليه بالفطور على رأس الساعة السادسة والنصف. وعموماً يكون قد أكمل فطوره قبل الساعة السابعة. وفي تمام الساعة السابعة يتوجّه إلى المكتب وهكذا يبدأ يوماً جديداً17.
أستطيع أن لا أُفكّر
مقابل إصرارنا وافق الإمام على أن يُحدّثنا عن ذكرياته أثناء اعتقاله ونفيه إلى تركيا. وفي ضوء ذلك كان يُحدّثنا مساءً كلّ يوم لمدّة عشر دقائق فقط
وبشكل منتظم. وبعد انتهاء الدقائق العشرة يتوجّه إلى سريره، وكان يقول: "وإنْ كنتُ لن أغفو، ولكنّه وقت النوم.". فقلتُ: عندما تكون يقظاً وأنت في السرير، فإنّ الأفكار تهجم عليك مرّة واحدة، لذا حاول أن تبقى معنا وتكمل حديثك. فقال: "كلا، أستطيع أن لا أُفكّر". قلتُ: إذا كنت تتقلّب في فراشك ولن يغلبك النوم، هل تستطيع أن لا تُفكّر؟ فقال: "أستطيع أن لا أُفكّر"18.

المشي والذكر معاً
طوال حياته حرص الإمام على تلاوة القرآن ثلاث مرّات في اليوم، فضلاً عن الأذكار التي اعتاد على اللهج بها. وفيما يتعلّق بالأذكار، كانت تقترن مع فترة المشي عموماً. فإذا ما أراد أن يمشي نصف ساعة - مثلاً - كان طوال النصف ساعة هذه يلهج بالذكر. وعندما كان ينتهي الذكر كان يتوقّف عن المشي أيضاً. وهذا يعني أنّ المشي نصف ساعة لم يكن على ضوء ملاحظة عقارب الساعة، وإنّما يعرف أنّ الوقت انتهى مع انتهاء الذكر19.

لا بدّ من الترفيه
عندما كان الإمام يراني منهمكاً بالعمل في أيّام العطل، كان يقول: "لا جدوى من ذلك. لا بدّ لك من أن ترفّه عن نفسك في الوقت المخصّص للترفيه". وكان يقول ذلك لحفيده أيضاً. فقد سمعته مرّة يقول لابني: "أنا لم أتخلّ ولو عن ساعة واحدة من الوقت المخصّص للترفيه من أجل الدرس،
ولا عن ساعة واحدة من أوقات دروسي من أجل الترفيه".. وهذا يعني بأنّه كان قد خصّص وقتاً محدّداً لكلّ شيء، وأنّه كان يتقدّم بهذه النصيحة لابني أيضاً، ويطلب منه أن يُخصّص وقتاً للتسلية، فإنْ لم يفعل ذلك لا يستطيع أن يعدّ نفسه جيّداً للدراسة20.
لا تدرس في ساعة الترفيه
أتذكّر بأنّ الإمام كان يقول دائماً: لا تدرس في ساعة الترفيه، ولا تتسلّى في ساعة الدرس. فلكلّ واحد منهما وقته الخاص، وهما متلازمان. اللعب والجد كاللازم والملزوم21.

هوامش
1- آية الله بني فضل، ص32-33.
2- آية الله بني فضل، ص32-33.
3- آية الله نوري همداني، ص33.
4- السيّد حميد روحاني، ص29-30.
5- آية الله قديري، ص30.
6- آية الله حسيني نوري، ص30-31.
7- الدكتور محمود بروجردي، ص18.
8- حجة الإسلام سيد مجتبى رودباري، ص25.
9- آية الله محمد هادي معرفت، ص24.
10- آية الله عبد المجيد إيرواني.
11- دباغ، ص9.
12- حجة الإسلام أنصاري، ص7.
13- م.ن، ص26.
14- حجة الإسلام رحيميان، ص6.
15- فريدة مصطفوي.
16- حجة الإسلام علي أكبر آشتياني، ص10.
17- زهرا مصطفوي، ص10 إلى 14.
18- طباطبائي، ص14.
19- آية الله توسّلي، ج2، ص17.
20- زهرا مصطفوي، ص31.
21- عاطفة أشرقي.

تدريب
2015قراءة
2019-01-29 15:21:43

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا