12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المناسبات الإسلامية >> شهر رمضان رأس السنة في عمر الإنسان

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

شهر رمضان رأس السنة في عمر الإنسان

 


ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ليلة القدر هي أول السنة وهي آخرها"(1).

من المهم أن يعرف الإنسان عمره، وفي أي سنة ولد. لكن في الدين والشرع، بل ومن حجة عقلية، عمر الإنسان ليس كما هو المتعارف عندنا؛ يبدأ في محرم وينتهي في آخر ذي الحجة، أو أنه يبدأ في السنة الميلادية أو الشمسية. في الواقع، هذا ليس عمراً لنا بل هو عمر الأرض، التي تبدأ حركتها في هذا اليوم, أما عمر الإنسان فهو دوران حول نفسه، حيث يدور وينمو واقعاً، ورأس سنته في شهر رمضان كما يروي الفضل بن شاذان النيسابوري: "شهر رمضان.. وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها يفرق كل أمر حكيم، وهي رأس السنة، يقدّر فيها ما يكون في السنة من خير، أو شر.."(2).

ومن المعلوم في الفلسفة أن الزمان والوقت مفهومان ليس لهما وجود مستقل في الخارج، فالزمان يؤخذ من حركة المتحرّك.

نحن عندما نوجد في وقت معين، وبعد أن يمتد وجودنا من هذه الفترة إلى أخرى، نخلق الزمان بحركتنا، وعندما نعجز عن الحركة لا نعيش في هذا الزمان، بل نعيش خارجه.

ومقدار زمان الإنسان هو مقدار ما يخلقه من إنسانيته؛ بمقدار ما ننمي عقائدنا وأخلاقنا نكوِّن الزمان، وبمقدار ما ننشغل عن أرواحنا وعقائدنا نعيش خارج زماننا. لذلك قد نعيش حياتاً نباتيةً وعمراً نباتياً، لنأكل ونشرب لنكبر جسدياً وننمو، ولكن لا ننمو نمواً إنسانياً، فهذا ليس عمراً لنا بل هو للجانب الحيواني منا. وما يفرض لنا هو نمو أرواحنا وأفكارنا بمقدار ما تتنور من قرب الله تعالى وتسعى للوصول إلى الكمال، وبمقدار ما نبتعد عن هذه الحقيقة تكون حياتنا ونموّنا نمواً نباتياً وحيوانياً؛ لذلك قد لا يتناسب عمرنا الإيماني مع عمرنا النباتي.

عندما يتكلم الله تعالى عن معجزة النبي عيسى (عليه السلام) يقول: ﴿ويكلم الناس في المهد وكهلاً﴾(3) هذا الطفل يتكلم كما يتكلم الكبار؛ لأنه قطع عمره الواقعي من لحظات الولادة، ولأن إنسانيته اكتملت منذ لحظات ولادته، وفي المقابل نجد أناساً كباراً من حيث النمو النباتي والحيواني، ولكنهم صغار روحياً، أليس مما يثير الأسف والتعجب أن يكون الإنسان كبيراً جداً نسبة للعمر ولكن حديثه وفكره وتعاطيه طفولي؟!

*شهر رمضان موسم لنماء الروح:

إن الروح تنمو، ولها موسم تكبر فيه بسرعة؛ وهو شهر رمضان. فإذا ضاعت هذه الفرصة من يد الإنسان، ولم يعش تفاصيلها بوضوح، عندها سيخسر عمره الحقيقي ويخسر نموه الواقعي. لاحظوا السر في التشريع, التشريع هنا أوقف حالة النمو البدني والنباتي حين فرض على الإنسان الصوم والامتناع عن الطعام لفترة طويلة نسبياً، حتى يعطي فرصة أكثر وأكبر لنماء الروح والقلب والوجدان.

كم نحن بحاجة إلى أن يفقه وجداننا أكثر، إلى أن تدرك أنفسنا أكثر، إلى أن ينضج وعينا وعمرنا الإيماني والإنساني.

أليس من المضحك أن نكون كباراً من حيث السن، أن يكون الواحد منا عمره النباتي ثلاثون، وإيمانه سنتان أو عدة شهور؟ ألا يثير هذا التفاوت السخرية؟!

الموسم والموطن الوحيد الذي يمكن فيه للإنسان أن ينمو روحياً؛ هو شهر رمضان، وأما بقية الأيام فيها فضائل ولكنها ليست كهذا الشهر، ليس هناك تساهل في قبول الأعمال والتوبة والاستغفار كما هو في شهر رمضان.

الذي لا يكبر ولا ينمو ولا يترعرع في هذه الأيام، فهو لن يترعرع أبداً. ومن لم يستفد من هذا الفضاء، الذي تكون فيه أيادي الشياطين مغلولة، فهو لن يستفيد أبداً.

الشيطان في هذا الوقت خارج عن وجودنا؛ لا يستطيع أن يقيم علاقة معنا؛ لأنه مغلول -إلا إذا فتحنا له المجال في ذلك- فإن الله تعالى يغل يدي الشيطان فيصبح كيده ضعيفاً، إلا نكيد نحن بأنفسنا، عندها لا حياة ولا نمو لنا في هذا الشهر.

*شهر رمضان ربيع الإنسان:

الأرض لها مواسم بحسب اقترابها أو ابتعادها من الشمس، فتتغير أحوال الأرض بناء على هذه المواسم، فهذه المواسم تؤثر في الأرض وأحوالها وهي ليست للإنسان.

تُرى هل فكّرنا أنّ لدينا مواسم ربيع وصيف وخريف وشتاء؛ القرآن الكريم المُنزل في شهر رمضان هو ربيع المؤمن، فأنفسنا كالأرض الخصبة المهيئة المستعدة لوضع هذه المعاني، وأرواحنا كالأرض المنبسطة فيها كل المقومات؛ بحيث إذا تلونا القرآن وتدبرنا معانيه في هذا الشهر، أنبتنا النبات الحسن؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿والله أنبَتكم في الأرض نباتاً﴾(4)، فنمونا ونباتنا غير الأكل والشرب بل هو نبات للجانب المعنوي؛ ولذلك الله تعالى يعمرنا نحن، وينبتنا نحن، ولنا صيف وربيع وخريف وشتاء، وربيعنا شهر الله، وندى هذا الربيع هو القرآن.

*نماء الروح بارتباطها بالإمام المعصوم:

نحن الآن نتهيأ بسر غيبي؛ لأن أرواحنا مرتبطة بالحجة، لأن في شهر رمضان، في ليلة القدر يرتبط كل عالم الغيب بالإمام. فبمقدار اتصالنا به نعيش في فضاء ذلك الربيع، وفي فضاء هذا الشهر؛ لأن فيه ليلة خير من ألف شهر، فيها تنزل الملائكة والروح على الإمام. فعندما يرتبط كل عالم الغيب بعالم الشهادة فإن لأرواحنا وأنفسنا نسبة من هذا الارتباط، وذلك من خلال ارتباطها بالإمام ومقدار تعلقها به، فهنا نحصل على حالة الربيع بمقدار هذا الارتباط.

ولذلك أفضل الأدعية في هذا الشهر وفي ليلة القدر؛ هو دعاء الحجة، ومن أفضل الأعمال في ليلة القدر؛ دعاء التوسّل بالقرآن الكريم؛ ليتوسّل الإنسان في هذه الليلة بالحجج الطاهرة، فهذا نوع من الاتصال بالمعصوم؛ لأن موسم الارتباط بعالم الغيب، والإمام، والقرآن؛ هو هذا الشهر وهذه الليلة.

والإنسان إذا جرّب هذا الارتباط، ولو للحظات، فإن هذه العلاقة سوف تبقى، وهذا الذي يسبب نمو الروح والعيش الحقيقي لها.

____________________________
الهوامش:
1) المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، (1403هـ-1983م). ج94، ص16، باب (ليلة القدر وفضلها)، ح31.
(2) المجلسي، م.ن، ج6،ص80،ح1، باب (علل الشرائع والأحكام).
(3) سورة آل عمران، آية46.
(4) سورة نوح، آية 17.

الأنشطة الثقافية
1252قراءة
2015-12-29 12:57:48

تعليقات الزوار


Fatima Nasreddine