12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة الدليلات >> ما أجمله من رحيل

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

ما أجمله من رحيل
بدت أختي شاحبة الوجه نحيلة الجسم ولكنّها كعادتها تقرأ القرآن الكريم..
هكذا في الصّباح وفي المساء و في جوف اللّيل لا تفتر ولا تمل.
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنيّة والكتب ذات الطّابع القصصي..
أشاهد الدّش بكثرة لدرجة أنني عُرفت به.."ومَنْ أكثر شيء عُرِف به".
لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي..
بعد أن أغلقت الدّش وقد شاهدت أفلامًا متنوعه لمدة ثلاث ساعات متواصلة..
ها هو الآذان يرتفع من المسجد المجاور ..
عدت إلى فراشي ..
تناديني من مصلاها.
نعم ماذا تريدين يا نورا؟
قالت لي: لاتنامي قبل أن تصلي الفجر..
هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش.
نادتني.. تعالي يا هناء بجانبي.
ماذا تريدين؟ .. اجلسي ..
ها قد جلست ماذا لديك؟
بصوت عذب رخيم قالت: { كل نفس ذائقة الموت و إنمّا توفّون أجوركم يوم القيامة}. سكتت هنيهة .. ثم سألتني .. ألم تؤمني بالموت؟
بلى مؤمنة !.
ألا تؤمني بأنّك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة؟
بلى .. لكن الله غفور رحيم .. و العمر طويل .. يا أختي ..
ألا تخافين من الموت وبغتته؟ انظري هند أصغر منك وتوفيت بحادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة ..
الموت لايعرف العمر .. وليس مقياسًا له ..
أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها بضوء خافت:
إنني أخاف من الظلام وزدت خوفي بذكر الموت .. كيف أنام الآن؟..
كنت أظن أنّك وافقت على السّفر معنا هذه الإجازة.
فجأة.. تحشرج صوتها واهتزّ قلبها: .. لعلي هذه السّنة أسافر سفرًا بعيدًا ..
إلى مكان آخر ..
الأعمار بيد الله .. و انفجرتُ بالبكاء ..
تفكرت في مرضها الخبيث و أنّ الأطباء أخبروا أبي سرًا أنّ المرض ربما لن يمهلها طويلًا .
و لكن من أخبرها بذلك؟ .. أم أنّها تتوقع هذا الشّيء.
مالك تفكرين.
جاءني صوتها القوي هذه المرة: هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه.
كلا..
ربما أكون أطول عمرًا من الـأصحاء.
و أنت إلى متى ستعيشين. ربما عشرين سنة.. ربما أربعين .. ثم ماذا؟.
لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة.
لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدّنيا إمّا إلى جنة وإمّا إلى نار.
ألم تسمعي قول الله { فمن زُحزِح عن النّار و أدخل الجنّة فقد فاز}.
تصبحين على خير .. هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني ..
هداك الله .. لا تنسي الصّلاة ..
الثّامنة صباحًا! اسمع طرقًا على الباب .. هذا ليس موعد استيقاظي.
بكاء .. وأصوات .. يا الهي ماذا جرى؟؟

... لقد تردت حالة نورة
وذهب بها أبي إلى المستشفى .
بعد انتظار طويل .
عند السّاعة الواحدة ظهرًا .
هاتفنا أبي من المستشفى
تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعة .
أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير .
ركبنا على عجل .. أين الطّريق الّذي كنت أذهب لأتمشى مع السّائق فيه وكان يبدو قصيرًا .
ماله اليوم طويلًا .. وطويلًا جدًا.
أمي بجواري تدعو لها .
إنها بنت صالحة مطيعة .
لم أرها تضيع وقتها أبدًا .
دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى .
صعدنا درجات السّلم بسرعة .
إنها في غرفة العناية المركزة .
وسآخذكم إليها .
ثم واصلت الممرضة: إنها بخير وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبة الّتي حصلت لها .
ممنوع الدّخول لأكثر من شخص واحد .
هذه غرفة العناية المركزة .
وسط زحام الأطباء وعبر النّافذة الصغيرة الّتي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليَّ وأمي واقفه بجوارها .
بعد دقيقتين خرجت أمي الّتي لم تستطع إخفاء دموعها ..
سمحوا لي بالدّخول والسّلام عليها على أن لا أتحدث معها كثيرًا.
دقيقتان كافية لك .
كيف حالك يا نورة .
لقد كنت بخير مساء البارحة .
ماذا جرى لك ؟.!
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي: وأنا الآن ولله الحمد بخير .
الحمد لله لكن يدك بارده .
كنت جالسه على حافة السّرير ولامست يدي ساقها .
أبعدتها عني ..
آسفه إذا ضايقتك .
كلا ولكني تفكرت في قوله تعالى : ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ عليك يا هناء بالدّعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة .
سفري بعيد وزادي قليل .. سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما لم أع أِين أنا .
استمرت عيناي في البكاء .
مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .
ساد صمت طويل في بيتنا .
دخلت عليَّ ابنة خالتي .ثم ابنة عمتي .
أحداث سريعة ..كثر القادمون ..اختلطت الأصوات ..شيء واحد عرفته ..
( نورة ماتت) لم أعد أميز من جاء .
ولا أعرف ماذا قالوا .
وأني قبّلتها .
لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً .
حين نظرت إليها مسجاة على فراش الموت .
تذكرت قولها ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ عرفت حقيقة أن ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ﴾ لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك اللّيلة..
وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمان .
تذكرت من شاركتني همومي .
تذكرت من نفَّست عني كربتي .
من دعت لي بالهداية .
هذه أول ليلة لها في قبرها .
اللّهم ارحمها ونوّر لها قبرها .
هذا هو مصحفها .
وهذه سجادتها ..وهذا .. وهذا ..
بل هذا هو الفستان الوردي الّذي قالت لي سأخبئه لزواجي .
تذكرتها وبكيت، وبكيت على أيامي الضّائعة .
بكيت بكاءً متواصلًا.
ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .
فجأة سألت نفسي ماذا لو كنت أنا الميتة؟
ما مصيري؟
لم أبحث عن الإجابة من الخوف الّذي أصابني .
بكيت بحرقة ..الله أكبر ..الله أكبر ..
ها هو آذان الفجر قد ارتفع .
ولكن ما أعذبه هذه المرة أحسست بطمأنينة وراحة وأنا أردد ما يقوله المؤذن .
لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر .
صليت صلاة مودع .كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها .
(إذا أصبحت لا أنتظر المساء. وإذا أمسيت لا أنتظر الصباح )

مرشدات المهدي
1629قراءة
2016-09-27 13:28:14

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا