12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة الولاية >> الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

الكتاب: دروس تمهيديّة في ولاية الفقيه

الدرس الخامس: وظيفة الأمّة الإسلاميّة في عصر الغَيْبة

 

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى فلسفة الغيبة وأسبابِها.
2- يُحلِّل سبب الغَيبة الكُبرى للمعصوم (عليه السلام).
3- يُبَيّن دور العلماء ووظيفتهم الأساسيّة في عصر الغَيبة.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

تمهيد
لقد منّ الله تبارك وتعالى على البشريّة بنور محمّد وآله الأطهار (عليهم السلام)، حيث قدِم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى شبه الجزيرة العربية بالرسالة الخاتمة وعمِل في مكّة والمدينة مدّة ثلاث وعشرين سنة، وكانت الناس تختلف إليه، فمن أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يستطيع الذهاب إلى مسجدِه أو منزلِه، ويتواصل معه بشكلٍ مباشر، ثمّ استخلف من بعدِه وصيّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، وكان التواصل معهم أمرًا ميسورًا وسهلًا، إلى بداية العصر العباسيّ، حيث بات بعض الخلفاء يفرضون إقامة جبريّة على الإمام إلى أن وصل الأمر إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، فكان التواصل يتمّ بشكلٍ سرّيّ جدًّا، وكانت الغيبة الصغرى لصاحب العصر بعد شهادة أبيه العسكري (عليه السلام)، حيث كان التواصل يتمّ عبر سفير من السفراء الأربعة، وبوفاة السفير الرابع كانت الغيبة الكبرى لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). وفيما يأتي نُبيّن فلسفة الغَيبتيْن، ودور العلماء في عصر الغيبة تجاه الناس والأمّة الإسلاميّة.

 

فلسفة الغيبة
لقد كتب الله عزَّ وجلَّ لصاحب العصر والزمان  عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يغيب عن الناس، حتى يأذن الله تعالى له بالظهور، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا، بعدما ملئت ظلمًا وجورًا ويحقِّق الوعد الإلهي، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾1.

وبما أنّ الحكمة الإلهيّة قد اقتضت هذا الغياب للإمام المعصوم (عليه السلام)، فهل يعني ذلك تعطّل أحكام الشريعة الإسلاميّة، والتزام المؤمنين بيوتَهم، والتخلّي عن واجباتهم تجاه الإسلام والمجتمع الإسلامي، وعدم القيام بأي أمر سوى الأعمال الفرديّة الخاصّة كالصلاة والصوم؟ هل هذا هو المراد والمطلوب من الأُمّة الإسلاميّة في مرحلة انتظارِهم للظهور المبارك؟ أم أنّ الله أراد أمرًا آخر من هذا الغياب؟

إنّ سبب غياب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو عدم وجود الناصر، أو قلّة أنصار الحقّ في قِبال أنصار الباطل والطاغوت، وبأدنى تأمّل لسيرة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ولرواياتهم وأحاديثهم يتبيّن لنا هذا السبب.

إنّ انتظارَ الفرجِ ليسَ مجرّد شعارٌ أجوف، وإنّما هو صبرٌ وعمل واستعدادٌ واستقامةٌ، وتمهيدُ الأرض لقدومه الشريف، وإعداد النفس لنصرتِه، وتأهيلِها لنيل شرف الشهادة، وعليه فإنّ المنتظرين له يشعرون بالحاجة إليه، ويدركون أهدافه، ويتوقّعون ظهوره في كلّ لحظة، وأنّه سيطلب منهم العون والنصرة للوصول إلى أهدافه المقدّسة.

وقد جاء في حديث عن (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عزّ وجلّ"2.

وفي حديث عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: "تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة بعده. يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل كلّ زمان، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخِلصون حقًّا، وشيعتنا صدقًا، والدعاة إلى دين الله سرًّا وجهرًا"3.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

الغيبة الصغرى
بدأت فترة الغيبة الصغرى، بشهادة الإمام الحسن العسكريِّ (عليه السلام) عام 260هـ، وتولّي الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للإمامة من بعده، حيث كان عمر الإمام المهديِّ  (عجل الله تعالى فرجه الشريف) خمس سنوات تقريبًا، واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329هـ. حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.

وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.

وكان تواصل الناس مع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يتمّ بواسطة، وهم أشخاص محدّدون اختارهم الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولا تواصل معه (عليه السلام) عن طريق غيرهم، حيث كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام، فيجيب عنها بالكتابة أيضًا، وتُعاد لصاحبها.

وقد اصْطُلِحَ على هؤلاء الأشخاص اسم "السفراء"، وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهؤلاء "السفراء" هم على التوالي:
السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي، ولقد كان وكيلًا لأبيه الإمام العسكريّ (عليه السلام) من قبله.

السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ.

السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي.

السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ.

وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى، وبدء الغيبة الكبرى.

إذًا، فالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لم ينقطع بشكل تامّ وكامل عن شيعته ومحبيه فجأةً، بل كان التواصل قائمًا، ولو عبر واسطة، طيلة سبعين سنة تقريبًا، وبموت السفير الرابع بدأت الغيبة الكبرى، وانقطع التواصل معه سلام الله عليه.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

 

الغيبة الكبرى
إنَّ غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليست هي الأصل فيما يعني دوره ومهمّته التي أوجده الله لأجلها في هذه الدنيا، إنّما الأصل أن يكون حاضرًا بين شيعته وأنصاره، يقوم بمهامه من تبليغ الرسالة ونشر الدين وإقامة القسط والعدل بين الناس، لذا يكفي لتحقّق الحضور المبارك للإمام (عليه السلام) مجدّدًا زوال العوامل المؤدّية لغيبته واستتاره.

فالظهور متوقّف على أسباب، ذكرنا منها السبب الأساس، وهو عدم وجود الناصر، أو قلّة الأنصار بين يديه، ومنها أيضًا
1- إثبات فشل كلّ الأطروحات الأخرى غير الإلهية التي يمكن أن يُقال بأنّ العدالة سوف تتحقّق من خلالها، فيرى الناس ويتيقّنون بأنّ الأطروحة الإلهية، هي وحدها التي تتكفّل تحقيق العدل والأمان.

2- اختبار المؤمنين الخُلّص، حتّى يميز الخبيث من الطيّب، فلا يثبت إلا من اشتدّ إيمانه وقويَ يقينه، ولينكشف بذلك أصحاب النفوس المريضة والضعيفة.

3- الشعور بأهمّية الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد سني الغيبة، ونعمة حضوره، فيكون التسليم له مطلقًا، والإذعان دائمًا وأبدًا.

هذه العناصر تختصر المصلحة في الغيبة، مضافًا إليها قيام الجيش وجهوزيّة الناس لهذه الدولة، وهذا يعني العمل على التمهيد وتوطئة الأرض لهذا التحوّل العظيم.

وخلال هذه الغيبة، ينبغي العمل بهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من خلال القرآن الكريم وسنّته المباركة للوصول إلى الهدف المنشود وهو ارتفاع أسباب الغيبة الطارئة بشكل نهائي.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

 

 

 

دور العلماء في عصر الغيبة
إنّ مهمّة العلماء هي من أشرف المهام، فهم الأدلّاء على الله تعالى من خلال تبليغهم لدين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونشر المعارف والعلوم الإسلاميّة.

وإنّ دورهم ليس محصورًا في عمليّة التبليغ والتوجيه، بل هم أمان الناس من الانحراف عن المسلك الإلهي الذي أراده الله تعالى وهو التوجّه نحو باب الله الذي منه يؤتى، وهو باب محمّد وآل محمّد (عليهم السلام) فالعالم له دور أساس في إعداد أنصار الدين والإسلام، من خلال نشر وتثبيت ثقافة عالية وعقيدة راسخة في نفوس الناس، وهي ثقافة الطاعة والولاية لمحمّد وآل محمّد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

من هنا كان العلماء أيضًا هم السبيل إلى الله وهم باب الله، من أتاهم نجا، ومن تخلّف عنهم غرق وهوى، لأنّهم انتهلوا من معين علم رسول الله وآل بيته الأطهار (عليهم السلام)، واستنّوا بسنّتهم، واقتدوا بآثارهم، فهم الذين يقودون الناس إلى سفينة النجاة.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "واعْلَمْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ، حَتَّى الطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاء،ِ والْحُوتُ فِي الْبَحْرِ، وأَنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ، وَفِيهِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لأنَّ الْفُقَهَاءَ هُمُ الدُّعَاةُ إِلَى الْجِنَانِ وَالْأَدِلّاءُ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى"4.

وفي الروايات أنّ على العالم أن يبذل علمه لعباد الله، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "قرأت في كتاب علي (عليه السلام): إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهدًا بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهدًا ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل"5.

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضًا في حقّ من يعمل بغير علم وبصيرة: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلا بعدا"6.

ويمكن أن نلّخص دور العالم في زمن الغيبة بأمور أربعة أساسية:
1- بيان وتوضيح المعارف والعلوم الإسلامية من أحكام شرعية ومفاهيم عقائديّة وقيم أخلاقية للناس.
2- نهي الناس عن المنكر، وحثّهم على فعل المعروف والإلتزام بالشريعة الإسلامية.
3- دفع البدع، والتصدّي لمواجهة النظريّات والآراء الدخيلة على الدين وعلى المجتمع الإسلامي، كي لا تؤدّي إلى إخلال أو انحراف من لا يقوى على دفعها ورفضها.

4- التصدّي لإدارة شؤون البلاد والعباد، وعدم الركون للظلم والظالمين، من خلال السعي لإقامة حكومة العدل، من خلال الولاية التي أُعطيت للفقهاء في عصر الغيبة.

هذه الأمور بأجمعها تصبّ في خانة التمهيد لظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإعداد الأنصار الخلّص الثابتين، إعداد أصحاب القلوب التي وصفت بأنّها كزُبر الحديد.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الأنبياء، الآية 105.
2- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص 39.
3- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص320، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الاسلامي، قم، 1405 هـ.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 387، نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط2، 1404هـ، وصية الإمام علي عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية.
5- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص41.
6- م.ن، ص43.
 

برامج
1601قراءة
2021-01-30 13:29:43

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا