12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة القرآن الكريم >> الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف المحاور الأساس لسورة الجمعة.
2- يفهم هدف البعثة النبويّة على ضوء سورة الجمعة.
3- يشرح أهميّة صلاة الجمعة من الناحية العبادية والسياسية.

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ * مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾

 

 

في رحاب السورة
تدور هذه السورة المباركة حول محورَين أساسين:
المحور الأوّل: هو التوحيد وصفات الله والهدف من بعثة الرسول ومسألة المعاد.

والمحور الثاني: هو الأثر التربويّ لصلاة الجمعة وبعض الخصوصيّات المتعلّقة بهذه العبادة العظيمة.

ولكن يُمكن أن نُجمل الأبحاث الّتي وردت في هذه السورة المباركة بالنقاط التالية: 
1- تسبيح كافّة المخلوقات.
2- الهدف التعليميّ والتربويّ من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
3- تحذير المؤمنين وتنبيههم من مغبّة الوقوع في الانحراف الّذي وقع فيه اليهود فابتعدوا عن جادّة الصواب والحقّ.
4- إشارة إلى قانون الموت العامّ والشامل الّذي يُمثِّل المعبر إلى عالم البقاء والخلود.
5- التأكيد على أداء فريضة صلاة الجمعة، وحثّ المؤمنين على تعطيل العمل والكسب من أجل المشاركة فيها.

 

 

الهدف من بعثة الرسول
تبدأ هذه السورة بالتسبيح لله عزّ وجلّ، وتُشير إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله. ويُعتبر ذلك في الحقيقة مقدّمة للأبحاث القادمة، حيث يقول تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، حيث يُسبّحونه ويُنزّهونه عن جميع العيوب والنقائص، الملك القدّوس العزيز الحكيم.

وبناءً على ذلك تُشير الآية أوّلاً إلى "المالكيّة والحاكميّة المطلقة" لله سبحانه، ثمّ "تُنزّهه من أيّ نوع من الظلم والنقص" وذلك لارتباط اسم الملوك بأنواع المظالم والمآسي، فجاءت كلمة "قدّوس" لتنفي كلّ ذلك عنه جلّ شأنه.

وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظيم لمسألة التوحيد وصفات الله، يتحدّث القرآن عن بعثة الرسول والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدّوس، حيث يقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾.

وذلك من أجل أن يُطهّرهم من كلّ أشكال الشرك والكفر والانحراف والفساد ويُزكّيهم ويُعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.

"الأميّين" جمع (أمّيّ) وهو الّذي لا يعرف القراءة والكتابة (نسبته إلى الأمّ باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليماً في معهد أو مدرسة فهو بقي على ما ولدته أمّه).

والجدير بالذكر أنّ الآية تؤكّد أن نبيّ الإسلام بُعث من بين هؤلاء الأميّين الّذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقّانيّتها، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشريّ وفي ذلك المحيط الجاهليّ ومن شخص أميّ أيضاً، بل هو نور أشرق في الظلمات، ودوحة خضراء في قلب الصحراء، وهي بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسند قاطع على حقّانيّته...

ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثة أمور، جاء أحدها كمقدّمة وهو تلاوة الآيات عليهم، بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائيّ الكبير.

ولكن لم يكن الرسول مبعوثاً لهذا المجتمع الأمّيّ فقط، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس، فقد جاء في الآية التالية ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾1 .

وجاء في آخر الآية: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

بعد أن يُشير إلى هذه النعمة الكبيرة - أي نعمة بعث نبيّ الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليميّ والتربويّ - يُضيف قائلاً: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

الحمار الّذي يحمل الأسفار
جاء في بعض الروايات أنّ اليهود قالوا: (إذا كان محمّد قد بُعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا) فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها بأنّ رسالته قد أُشير إليها في كتابكم السماويّ لو أنّكم قرأتموه وعملتم به.

يقول تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾، أي نزلت عليهم التوراة وكُلّفوا بالعمل بها ولكنّهم لم يؤدّوا حقّها ولم يعملوا بآياتها فمثلهم ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾.

لا يشعر هذا الحيوان بمّا يحمل من كتب إلّا بثقلها، ولا يُميّز بين أن يكون المحمول على ظهره خشباً أو حجراً أو كتباً فيها أدقّ أسرار الخلق وأحسن منهج في الحياة.

لقد اقتنع هؤلاء القوم بتلاوة التوراة واكتفوا بذلك دون أن يعملوا بموجبها.

هؤلاء مثلهم كمثل الحمار الّذي يُضرب به المثل في الغباء والحماقة.

وذلك أوضح مثال يُمكن أن يكشف عن قيمة العلم وأهمّيّته.
 
ويُعتبر ذلك تحذيراً للمسلمين كافّة من أن ينتهوا إلى ما انتهى إليه اليهود، فقد شملتهم الرحمة الإلهيّة ونزل عليهم القرآن الكريم، لا لكي يضعوه على الرفوف يعلوه الغبار، أو يحملوه كما تُحمل التعاويذ أو ما إلى ذلك. وقد لا يتعدّى اهتمام بعض المسلمين بالقرآن أكثر من تلاوته بصوت جميل في أغلب الأحيان.

توصيف حال اليهود
ثمّ يقول تعالى: بئس مثل القوم الّذين كذّبوا بآيات الله، إذ لم يكتفوا بمخالفة القرآن عملاً، بل أنكروه بلسانهم أيضاً، حيث قالت الآية (87) من سورة البقرة وهي تصف اليهود: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾2 .

ويقول تعالى في آخر الآية في عبارة وجيزة: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

صحيح أنّ الهداية شأن إلهيّ، ولكن ينبغي أن تُهيّأ لها الأرضيّة اللّازمة، وهي الروح التوّاقة لطلب الحقّ والبحث عنه، وهي أمورٌ يجب أن يُهيّئها الإنسان نفسه، ولا شكّ أنّ الظالمين يفتقدون مثل هذه الأرضيّة.

ومن المعروف أنّ اليهود اعتبروا أنفسهم أمّة مختارة، أو نسيجاً خاصّاً لا يُشبه غيره، وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما ادّعوا أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه، وهذا ما أشارت إليه الآية (18) من سورة المائدة: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾3  (رغم أنّهم يقصدون الأبناء المجازيّين).

ولكنّ القرآن شجب هذا التعالي مرّة أخرى بقوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾.

فالأحبّاء يتمنّون اللقاء دائماً، ولا يتمّ اللّقاء المعنويّ بالله يوم القيامة إلّا عندما تزول حجب عالم الدنيا وينقشع غبار الشهوات والهوى، وحينئذ سيرى الإنسان جمال المحبوب ويجلس على بساط قربه، ويكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾4  فيدخل إلى حرم الحبيب.
 
إنّ خوفكم وفراركم من الموت دليل قاطع على أنّكم متعلّقون بهذه الدنيا وغير صادقين في ادّعائكم.

ويوضِّح القرآن الكريم هذا المعنى بتعبير آخر في سورة البقرة آية (96) عندما يقول تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ 5.

ثمّ يُشير القرآن إلى سبب خوفهم من الموت بقوله: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.

لأنّ خوف الإنسان من الموت ناشئ من عاملين أساسين:
الأوّل: عدم إيمان الإنسان بالحياة بعد الموت واعتقاده أنّ الموت زوال وفناء.

والثاني: أعماله السيّئة الّتي يعتقد أنّه سيواجهها بعد مماته في عالم الآخرة عندما تُقام المحكمة الإلهيّة.

وقد وصفهم القرآن الكريم بالظالمين، وذلك لأنّ الظلم يتّسع ليشمل جميع الأعمال السيّئة والجرائم الّتي ارتكبوها، من قتلهم الأنبياء وقول الزور وغصب الحقوق وتلوّثهم بمختلف المفاسد الأخلاقيّة.

غير أنّ هذا الخوف وذلك الفرار لا يُجدي شيئاً، فالموت أمرٌ حتميّ لا بدّ أن يُدرك الجميع، إذ يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

الموت قانون عامّ يخضع له الجميع بما فيهم الأنبياء والملائكة وجميع الناس، كلّ من عليها فانٍ ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.

وكذلك المثول أمام محكمة العدل الإلهيّ لا يفلت منها أحد، إضافة إلى علم الله تعالى بأعمال عباده بدقّةٍ وبتفصيل كامل.

وبهذا سوف لا يكون هناك طريق للتخلّص من هذا الخوف سوى تقوى الله وتطهير النفس والقلب من المعاصي. وبعد أن يُخلص الإنسان لله تعالى فإنّه لن يخاف الموت حينئذ.
 
ويُعبّر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه المرحلة بقوله: "هيهات بعد الّلتيّا والّتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه"6 .

فإذا صدّقت النفس أنّ (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر) وإذا أيقنت هذه النفس أنّ هذا البدن الترابيّ إنّما هو سجن للروح وسور يضرب الحصار عليها، إذا آمنت بذلك حقّاً وكانت نظرة الإنسان إلى الموت هكذا فإنّه سوف لن يخشى الموت أبداً.

لهذا نجد في قصّة عاشوراء أنّه كلّما ضاقت حلقة الأعداء وازداد ضغطهم على الإمام الحسين وأصحابه ازدادت وجوههم إشراقاً، حتّى أنّ الشيوخ من أصحابه كانت الابتسامة تطفو على وجوههم في صبيحة عاشوراء، وحينما كانوا يُسألون كانوا يقولون: إنّنا سنُستشهد بعد ساعات فنُعانق الحور العين7 .

والسبب الآخر الّذي يجعل الإنسان يخاف من الموت هو التعلّق بالدنيا أكثر من اللازم، الأمر الّذي يجعله يرى الموت الشيء الّذي سيفصله عن محبوبه ومعشوقه الّذي هو الدنيا.

وكثرة السيّئات وقلّة الحسنات في صحيفة الأعمال هي السبب الثالث وراء الخوف من الموت، فقد جاء شخص وسأل (أبا ذرّ): ما لنا نكره الموت؟ فأجابه أبو ذرّ قائلاً: "لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب"8 .

 

 

أهمّيّة صلاة الجمعة
إنّ أفضل دليل على أهمّيّة هذه الفريضة العظيمة هو الآيات الأخيرة في هذه السورة المباركة، الّتي أمرت جميع المسلمين وأهل الإيمان بمجرّد سماعهم لأذان الجمعة أن يُسرعوا إليها ويتركوا الكسب والعمل، وكلّ ما من شأنه أن يُزاحم هذه الفريضة.

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافاً بها أو جحوداً لها، فلا جمع الله شمله ولا بارك له فيأمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حجّ له، ألا ولا صوم له، ألا ولا برّ له، حتّى يتوب"9 .
 
وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أتى الجمعة إيماناً واحتساباً استأنف العمل"10 . أي غُفرت ذنوبه ويبدأ العمل من جديد.

وجاء في حديث آخر عن الإمام الباقر عليه السلام: "صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ولا يدع ثلاث فرائض من غير علّة إلّا منافق"11 .

والروايات كثيرة في هذا المجال ولا يتّسع المجال لذكرها جميعاً، لذا نحاول أن نُنهي هذا البحث بحديثٍ آخر، حيث جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، إنّي تهيّأت عدّة مرّات للحجّ ولكنّي لم أوفّق. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "عليك بالجمعة فإنّها حجّ المساكين"12 . وفي ذلك إشارة إلى أنّ ما يتضمّنه هذا المؤتمر الإسلاميّ الكبير ( أي الحجّ) من بركات، موجودة في اجتماع صلاة الجمعة.

ومن الملفت للنظر أنّه قد ورد ذمّ شديد لتارك صلاة الجمعة، حتّى عُدّ التاركون للجمعة في صفّ المنافقين عندما تكون صلاة الجمعة واجباً عينيّاً (أي في زمن حضور الإمام المعصوم عليه السلام) وأمّا في زمن الغيبة - وبناءاً على أنّها واجبة تخييراً بينها وبين صلاة الظهر - فإنّه لا يكون مشمولاً بهذا الذمّ والتقريع (للتوسّع في ذلك يجب الرجوع إلى الكتب الفقهيّة).

 

فلسفة صلاة الجمعة العباديّة والسياسيّة
إنّ صلاة الجمعة - قبل كلّ شيء - عبادة جماعيّة ولها أثر العبادات عموماً، حيث تُطهّر الروح والقلب من الذنوب، وتُزيل صدأ المعاصي عن القلوب، خاصّةً وأنّها تكون دائماً مسبوقة بخطبتين تشتملان على أنواع المواعظ والحكم، والحثّ على التقوى وخوف الله.

أمّا من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة فهي أكبر مؤتمر أسبوعيّ عظيم بعد مؤتمر الحجّ السنويّ، لهذا نجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول تلك الرواية الّتي نقلناها سابقاً حول أنّ الجمعة حجّ من لا يملك القدرة على المشاركة في الحج.
 
ويُعطي الإسلام في الحقيقة أهميّة خاصّة لثلاثة مؤتمرات كبيرة:
التجمّعات الّتي تتمّ يوميّاً لصلاة الجماعة.
التجمّع الأسبوعيّ الأوسع في صلاة الجمعة.
ومؤتمر الحجّ الّذي يُعقد في كلِّ سنة مرّة.

 

دور صلاة الجمعة
دور صلاة الجمعة مهمٌّ جدّاً خاصّة وأنّ الخطيب سيتحدّث في الخطبتين عن المسائل السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وبذلك سيكون هذا التجمّع العظيم والمهيب منشأً للبركات والنِّعم التالية:
أ - توعية الناس على المعارف الإسلاميّة والأحداث السياسيّة والاجتماعيّة المهمّة.
ب - توثيق الاتّحاد والانسجام بين المسلمين أكثر لإخافة الأعداء.
ج - تجديد الروح الدينيّة ورفع معنويّات المسلمين.
د - إيجاد التعاون لحلّ المشكلات العامّة الّتي تواجه المسلمين.
ولهذا فإنّ أعداء الإسلام يخافون دائماً من صلاة الجمعة الجامعة للشرائط.

ولهذا - أيضاً - كانت صلاة الجمعة مصدر قوّة سياسيّة في أيدي حكومات العدل كحكومة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الّذي استثمرها أحسن استثمار لخدمة الإسلام، وكذلك كانت مصدر قوّة أيضاً لحكومات الجور كدولة بني أميّة الّذين استغلّوها لتحكيم قدرتهم وسيطرتهم وإضلال الناس.

وعلى مدى التاريخ نُلاحظ أنّ أيّة محاولة للتمرّد على النظام تبدأ أوّلاً بالامتناع عن صلاة الجمعة خلف الإمام المنصوب من قِبَل الحاكم، فقد جاء في قصّة عاشوراء أنّ بعض الشيعة اجتمعوا في دار سليمان بن صرد الخزاعيّ ثمّ بعثوا رسالة إلى الإمام الحسين عليه السلام من الكوفة جاء فيها ".. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نُلحقه بالشام إن شاء الله"13 .
 
وفي الصحيفة السجّاديّة عن الإمام السجّاد عليه السلام: "اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك، في الدرجة الرفيعة الّتي اختصصتهم بها قد ابتزّوها"14 .

وفي خطبة الجمعة يتمّ تبديد جميع الإشاعات الّتي كان الأعداء قد بثّوها خلال الأسبوع، وتدبّ بعد ذلك الحياة في جموع المسلمين ويبدأ دم جديد بالتدفّق.

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ فقه أهل البيت عليهم السلام ينصّ على عدم جواز إقامة أكثر من جمعة واحدة في منطقة نصف قطرها فرسخ، كما يجب أن يشارك في صلاة الجمعة من كان يبعد عنها بمسافة فرسخين (أي ما يعادل أحد عشر كيلو متراً).

كلّ هذا يعني أنّه لا يُمكن إقامة أكثر من صلاة جمعة في مدينة واحدة صغيرة أو كبيرة، مع أطرافها وضواحيها. وبناءً على هذا فسيكون هذا التجمّع هو أوسع تجمّع يُقام في تلك المنطقة.

ولكنّنا نجد مع الأسف أنّ هذه المراسم العباديّة السياسيّة الّتي تستطيع أن تكون مصدر حركة عظيمة في المجتمعات الإسلاميّة، نجدها بسبب سيطرة الحكومات الفاسدة على بعض الدول الإسلاميّة قد فقدت روحها ومعناها، إلى الحدّ الّذي لا تترك فيه أيّ أثر إيجابيّ، وأصبحت تُقام باعتبارها مراسم حكوميّة رسميّة لا أكثر، وذلك ممّا يحزّ بالنفس ويؤلم كثيراً.
 
 

المفاهيم الرئيسة
تدور هذه السورة حول محورين أساسين:
الأوّل: هو التوحيد وصفات الله والهدف من بعثة الرسول ومسألة المعاد.

والمحور الثاني: هو الأثر التربويّ لصلاة الجمعة وبعض الخصوصيّات المتعلّقة بهذه العبادة العظيمة.

- صحيح أنّ الهداية شأن إلهيّ، ولكن ينبغي أن تُهيّأَ لها الأرضيّة اللّازمة، وهي الروح التوّاقة لطلب الحقّ والبحث عنه.

- الموت قانون عامّ يخضع له الجميع بما فيهم الأنبياء والملائكة وجميع الناس.

- إنّ السبب الأساس وراء الخوف من الموت هو عدم إيمان هؤلاء بالحياة بعد الموت أو التعلّق بالدنيا أكثر من اللّازم أو كثرة المعاصي.

- إنّ صلاة الجمعة - قبل كلّ شيء - عبادة جماعيّة ولها أثر العبادات عموماً، حيث تُطهّر الروح والقلب من الذنوب. أمّا من الناحية السياسيّة والاجتماعيّة فهي أكبر مؤتمر أسبوعيّ عظيم بعد مؤتمر الحجّ السنويّ.
 

1- سورة الجمعة، الآية 3.
2- سورة البقرة، الآية 87.
3- سورة المائدة، الآية 18.
4- سورة القمر، الآية 55.
5- سورة البقرة، الآية 96.
6- نهج البلاغة، ج1، ص41.
7- المقرم، مقتل الحسين، ص 263.
8- الفيض الكاشاني، المحجّة البيضاء، ج 8، ص 258.
9- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 5، ص 7.
10- وسائل الشيعة، ج 5، ص 3.
11- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص 233.
12- م. ن، ج 7، ص 300.
13- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 333.
14- الصحيفة السجادية، الدعاء 42.

برامج
806قراءة
2021-11-09 23:52:19

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا