الصحة >> العلاج بالفنّ كوسيلة مبتكرة في الدعم النفسي للصغار والكبار
العلاج بالفنّ كوسيلة مبتكرة في الدعم النفسي للصغار والكبار
عندما يتحدّث الفنّ
أصبح العلاج بالفنّ موضوعًا يثير اهتمام الكثيرين في الأوساط العلميّة والطبّيّة كمقاربة مبتكرة لدعم الصحّة النفسيّة للأطفال والكبار. وقد انتشر استخدام ه في مختلف البيئات العلاجيّة والتعليميّة لمساعدة الأفراد على التعبير عن مشاعرهم والتغلّب على التحديات النفسيّة. وعلى الرغم من تأييد العديد من المختصّين لهذا العلاج، إلّا أنّ هناك بعض الإنتقادات التي تشير إلى نقص الأدلّة العلميّة الداعمة لفعاليّته كعلاج أساسي. فهل يعتبر العلاج بالفنّ وسيلة فعّالة لتحسين الصحّة النفسيّة؟ أم أنّه مجرّد اتجاه مؤقّت يفتقر إلى الأسس العلميّة؟ من هُنا، سنستعرض في هذه المقالة وجهات النظر المتباينة حول العلاج بالفنّ، إلى جانب تقديم رؤًى إضافيّةً حول استخدامه منبثقة من تجارب مهنيّة.
يشير المؤيّدون للعلاج بالفنّ إلى أنّه وسيلة فعّالة لتحسين الصحّة النفسيّة من خلال السماح للأفراد بالتعبير عن مشاعرهم بطرق غير لفظيّة. يُظهر العديد من الدراسات، مثل تلك التي نشرتها "الجمعيّة الأمريكيّة للعلاج بالفنّ"، كيف أنّ جلسات العلاج بالفنّ تسهم في تقليل التوتّر والقلق. ويرى هؤلاء المؤيّدون أنّ الفنّ يوفّر مساحة آمنة للمشاركين للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة، ويُمكن للرسم والنحت والتلوين أن يكونوا وسائل فعّالة في تحقيق ذلك.
فعلى سبيل المثال، إنّ العلاج بالفنّ يُستخدم بشكلٍ كبيرٍ في مساعدة الأطفال الذين يعانون من اضطرابات طيف التوحّد على تحسين مهارات التواصل والتركيز. وقد أظهرت تجارب متعددة تحسنًا في السلوك الاجتماعي لهؤلاء الأطفال بعد المشاركة في جلسات العلاج بالفنّ. وفقًا للدكتور بروس مون، أستاذ العلاج بالفنّ في جامعة إيلينوي، "يُعتبر العلاج بالفنّأداة قويّة للتعبير عن الذات وتعزيز الشعور بالإنتماء والراحة النفسيّة".
في المقابل، يُشكّك بعض النقاد في فعاليّة العلاج بالفنّ بسبب نقص الأدلّة العلميّة القويّة الداعمة له. يشير المعارضون إلى أنّ العديد من الدراسات المؤيّدة تعتمد على عيّنات صغيرة أو تفتقر إلى منهجيّة بحثيّة صارمة، مما يجعل من الصعب تعميم النتائج. كما يعتبرون أن العلاج بالفنّ ليس بديلًا للعلاجات النفسيّة التقليديّة مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج الدوائي، والتي أثبتت فعاليّتها في حالات الاكتئاب الشديد والاضطرابات العقليّة المعقّدة.
أشار مقال نُشر في مجلة "The Lancet Psychiatry" إلى أنّ العلاجات النفسيّ ة التقليديّة أظهرت نتائج أفضل في معالجة الحالات النفسيّة المعقّدة مقارنةً بالعلاج بالفنّ. بالإضافة إلى ذلك، يتطلّب العلاج بالفنّ توفّر معالجين ذوي تدريبٍ عالٍ في الفنون والعلاج النفسي، ممّا قد لا يكون متاحًا بسهولة في جميع الأماكن أو لجميع الفئات العمرية. يرى النقاد أن العلاج بالفنّ يمكن أن يكون جزءًا من برنامجٍ علاجيٍ شاملٍ، لكنّه لا ينبغي أن يكون العلاج الوحيد.
استنادًا إلى تجربتي في العمل مع ذوي الإحتياجات الخاصّة في مجال علاج النطق والتواصل، أرى أنّ العلاج بالفنّ يمكن أن يكون إضافةً قيّمة للبرامج العلاجيّة. لقد شهِدتُ بنفسي كيف يمكن أن يكون للتعبير الفنّي تأثير إيجابي على الأفراد الذين يواجهون صعوبات في التواصل اللفظي. فعلى سبيل المثال، ساعد الرسم طفلًا يبلغ من العمر عشر سنوات يعاني من اضطراب طيف التوحد على التعبير عن مشاعره وزيادة ثقته بنفسه. رغم ذلك، أعتقد أن العلاج بالفنّ لا يمكن أن يحلّ محل العلاجات التقليديّة تلك المسنودة إلى أسس بحثيّة وتطبيقيّة ، خاصة في الحالات النفسيّة المعقّدة. يجب أن يكون هناك تكامل بين العلاج بالفنّ والعلاجات النفسيّة العلميّة لضمان توفير دعم شامل للمريض. هذا وإنّ العلاج بالفنّ يساهم في تحسين جودة حياة الأفراد الذين يعانون من تحدّيات نفسيّة، ولكن لتحقيق النتائج المثلى، يجب دمجه في برنامج علاجي شامل يديره معالجون مدرّبون من مختلف التخصّصات.
ونخلُص ممّا سبق، انّ العلاج بالفنّ يُعتبر أداة مبتكرة ومؤثّرة في دعم الصحّة النفسيّة، ولكن يجب استخدامه بشكل متكامل مع العلاجات النفسيّة التقليديّة لضمان الحصول على أفضل النتائج. بينما يوفر الفنّ وسيلة فعّالة للتعبير عن الذات وتحسين الصحّة النفسيّة، لا يمكن اعتباره بديلًا للعلاجات المثبّتة علميًا. يجب أن نعمل على تعزيز التعاون بين المتخصّصين في الفنون والعلاج النفسي لتطوير برامج علاجيةٍ شاملةٍ تسهم في تحسين حياة الأفراد الذين يحتاجون إلى دعم نفسيّ.