مبادىء التربية الفنية
العمر والتعبير عند الأطفال
حالة التعبير والإبداع عند الأطفال، ترتبط ارتباطاً مباشراً بمستوى العمر الزمني لديهم. حيث أن أعمارهم تحدد مدى مستوى ادراكهم، ومدى مستوى قدرتهم على التعبير، والحركة، والمبادرة. فالأطفال منذ ولادتهم محتى سن الثانية من عمرهم، يكون لديهم رغبة مبهمة للتعير عن ذاتهم، هذه الرغبة تتبلور وتتضح إتجاهاتها مع توالي السنين والأيام. فنزودهم بكل ما يلزم من أدوات وأفكار وخامات.. الأطفال من سن الولادة وحتى سن المراهقة يمرون بمستويات مختلفة، في التعبير والإدراك والخلق. هذه المستويات نحددها في عدة مراحل:
1-مرحلة التخطيط:
تبدأ هذه المرحلة من سن الثانية حتى سن الرابعة.
تتجه هذه المرحلة، من بعض التخطيطات الغير منظمة التي تنم عن بعض الإحساسات العضلية، أو الجسمانية، التي تتوافق مع نموّه؛ إلى بعض التخطيطات المنظمة؛ كالتخطيط الدائري في سنه الثالثة.
أما في سن الرابعة فيبدأ تعبير الطفل في التحول، من الإحساسات العضلية اى الخيال، الذي يعتمد على التفكير. ومظهر هذا، عبارة عن رموز متنوعة، يقوم بها الطفل، لا تعرف إلا إذا أطلق عليها الطفل أسماء محددة، كأن يرسم مثلاً خطاً، ويقول هذا " بابا".
أما من حيث الألوان، فإن الطفل يستعملها فقط للتفرقة بين عنصر وآخر. من واجبنا في هذه المرحلة، أن نهيء للطفل الخامات، والأدوات السهلة، لمساعدته على التعبير، دون أن نعترض على أسلوبه وطريقته.
2- مرحلة المدرك الشكلي:
يمهد لهذه الفترة بفترة زمنية، تبدأ من سن الرابعة وحتى سن السابعة، فيها يكون الطفل قد اكتسب وعياً ونضجاً ذاتيين، ورسومه أخذت تعتمد على خطوط شبه هندسيّة؛ وألوانه يستخدمها فقط للمتعة والتفرقة بين العناصر.
أما مرحلة المدرك الشكلي لديه، فهي تبدأ من سن السابعة وحتى التاسعة تقريباً، شخصية الطفل تكون قد تححت معالمها بفضل نضجه العقلي والاجتماعي. ومن الملاحظ في هذه المرحلة، أن رسوم الأطفال وتعابيرهم الفنية تتسم بالحرية والتلقائية؛ تحمل بين ثناياها سمات أصحابها المميزة؛ فضلاً عن بعض الاتجاهات الأخرى المهمة. كالتكرار المستمر في الرسوم، ( أي رسمه للشجرة والسيارة مثلاً، في نفس الصيغة بعدة مواضيع مختلفة ).
ونرى أيضاً المبالغة في التعبير، كرسمه المظلة، التي تقي حاملها من المطر، أكبر حجماً من حاملها؛ وذلك للتأكيد على أهمية المظلة والقصد من إبرازها.
كذلك نرى التسطيح ( كرسمه للطاولة موضحاً أرجلها الأربعة. أو البيت مبيناً جدرانه الأربعة. أي بعكس الوضع البصري لواقع الحال ).
ومن الملاحظ أيضاً، في رسوم هذه المرحلة، جمع الطفل بين الأمكنة والأزمنة في حيّز واحد؛ أي أنه لا يتقيّد بالأمكنة والأزمنة التي توجد عليها الأشياء. إنه يعبر كما لو كان يعرض علينا شريطاً مصوراً للحوادث، بصرف النظر عن أمكنتها وأزمنتها. جانب هذه الظواهر؛ نلاحظ إتجاهاً آخر يلجأ إليه الطفل، وهي الشفافية؛ ( مثلاً : إذا طلب منه التعبير عن طائر، وهو يلتقط الحب، أوضح عن ذلك بالطائر؛ وقد أظهر لنا في معدته من حبوب؛ رغم أن المعدة والحبوب لا ترى في جوف الطائر من الخارج).
أما إذا كان هناك إتجاه آخر يمكن أن نشير إليه، فهو خط الأرض، حيث أن الطفل عندما يريد أن يعبر عن بعض مشاهد بيئته، يرسم خطاً أفقياً عند عنصر يعبر عنه، موضحاً الأرض التي يرتكز عليها. فإذا كان هذا المشهد سوق قرية أو مدينة، وضع في نهاية كل عنصر من عناصر الموضوع، إنسان أو شجرة أو حيوان، خطاً أفقياً يمثل الأرض التي يقف عليها العنصر المرسوم.
واجبنا هو إحترام كل المميزات السابقة لهذه المرحلة؛ ولا نعتبرها أخطاءً، حيث أن الطفل ليس المطلوب منه أن يرسم مثل الكبار بلا أخطاء.
غرفة الطعام بالشفافية - طفل 4 سنوات
3- مرحلة التعبير الواقعي:
نمهد لهذه المرحلة بفترة زمنية، تمتد ما بين سن التاسعة وحتى سن الحادية عشرة، فيها يتحول الطفل من الإتجاه الذاتي، الذي يعتمد على الحقائق الذهنية، إلى الاتجاه الموضوعي، الذي يعتمد على الحقائق المرئية والبصرية. وتكون فترة ممهدة لمرحلة التعبير الواقعي. هذه المرحلة التي خلالها يتحول الطفل من حياة الطفولة إلى حياة الرجولة؛ حيث تطرأ عليه تغيرات شاملة، في جميع نواحيه العقلية والجسمانية، والانفعالية والإجتماعية.
أما من حيث تعبيره الفني، فينشأ لديه إتجاهين متناقضين : إتجاه بصري وآخر ذاتي. الإتجاه البصري، هو اعتماده على الحقائق البصرية : كمراعاته للنسب بين الأشياء، ومراعاته لمسألة الظل والنور، والبعد والقرب بين العناصر.
أما عن الألوان، فهو غالباً ما يستخدم الألوان التي تناسب رؤيته، لون أزرق للسماء وأخضر للأرض.
أما الاتجاه الذاتي، فطفل هذا النمط يعتمد على نظرته الشخصية، أو إنفعالاته الخاصة، حيث يلوّن السماء بالأحمر أو الأصفر، لأنه يرى في ذلك متعة ذاتية وشخصية.
واجبنا في هذه المرحلة دقيق للغاية، حيث يجب على المربي أن يعالج مسألة عدم إقابل التلاميذ على ممارسة الأعمال الفنية، بروح استكشافية، لمعرفة السبب الحقيقي. حيث أن الطلاب يعتقدون أن النشاط الفني هو المحاكاة الحرفي للطبيعة، وبما أن عملية المحاكاة عملية شاقة، يصعب على الكثير القيام بها، يمتنع التلاميذ عن تأدية الأعمال الفنية؛ وبالتالي يقل إنتاجهم فيها. فواجب المدرّس إذن، ينحصر في الدرجة الأولى، في تبيان الفرق بين المحاكاة الحرفية والتعبير الحر للطلاب؛ وهذا الفرق يتلخص في أن المحاكاة الحرفية أسلوب سلبي، يجعل من صاحبه وسيلة لا أثر لشخصيته أو كيانه في أعماله.
لذا كان التعبير الحر في هذه المرحلة هو أسلوب إيجابي، يجعل من صاحبه في أثناء عمله وسيلة وغاية في نفس الوقت.
وعلى المدرّس أن يسلك طريقاً توجيهياً سليماً، ويؤمن بأن كل طالب عنده طاقة تعبيرية مكبوتة، وعليههو أن يظهرها إلى العيان، تبدأ مرحلة التعبير الواقعي من سن الحادبة عشرة حتى سن الثالثة عشرة.
رسم لجامعة تعليمية - طفل 11 سنة
4- مرحلة المراهقة:
تبدأ مرحلة المراهقة من سن الثالثة عشرة وحتى سن الثامنة عشرة تقريباً. في هذه المرحلة يكون الشّاب قد بدأ يتمتع بوعي منطقي، وإدراك عملي، لكل المسائل والأمور التي تحيط به من بيئته وعالم خارجي.
تتضح في أعماله وتعبيره الفني فروقات ملموسة وواضحة، في كل من الإتجاهين البصري والذاتي. في الإتجاه البصري، يلجأ الشاب الى رسم أنصاف أو أ<زاء من العناصر المأخوذة، كموضوع للتعبير عنه. واهتمامه أيضاً بالنسب بين الأشياء في المجموعة وبين العناصر في الموضوع الواحد. والحجم ومسألة الظل والنور، كحقيقة مرئية. وإهتمامه أيضاً بالمنظور البصري والعلمي، من حيث البعد والقرب، وإستخدام الألوان يصيغتها الموضوعية. أما من حيث الإتجاه الذاتي، فإنه يستعمل الرموز وفقاً للإنفعالات الخاصة؛ وذلك للتعبير عن الأشخاص، ويستخدم خط الأرض في التعبير عن الإحساس بالقريب والبعيد.
أما اللون، فيستعمله ويستخدمه من منظار ذاتي خاضع لإنفعالات خاصة.
أما من حيث موقفنا من هذه المرحلة، فيتم بإحترامنا لكل من الإتجاهين البصري والذاتي، وإهتمامنا بنتيجة الأعمال، وتزويدنا الطلاب بالمهارات الأعمال حسب حاجتهم إليها.
فروقات فردية في التعبير
الفن تعبير وليس محاكاة. فالفرد اذا انخرط في عمله الفني , لا يعني تسجيل الحقائق , بقدر ما يعنيه تسجيل ما يشعر به من انفعالاات واحاسيس اتجاهها. فالطفل الصغير , عندما يهتم بشيء ما , فانه ينفعل تبعا لاستجابة هذا الشيء لوجدانه الطفولي , من هنا كانت القصة كعنصر اثارة وتشويق لها حقيقتها المنفردة.
وجود القصة هنا لتسهيل مهمة التعبير الفني عند الطفل , حيث انه ليس المطلوب من الاطفال في رسومهم , تسجيل ما يرون بالتفاصيل والدقائق , انما المطلوب عملاً فنياً يتوافق وإستجابة الأطفال للموضوع. حيث ان العمل الفني له طبيعة تناقض طبيعة الواقع , فليس المقصود فيه تسجيل الحقائق الواقعية , انما هو تعبير عن هذه الحقائق.
بعد ذلك أحب أن هناك فروقات فردية بين الاطفال , المطلوب أخذها بعين الاعتبار , تتناول الطفل العادي والغير عادي , وتتناول سن الاطفال وتفاوتها , وبيئاتهم المختلفة , وسرعة الذكاء والاستيعاب لديهم. هذه المسائل بمعظمها يؤثر على العمل الفني والبرنامج المطلوب.
فلكل طفل فروقات فردية , في كل مرحلة من مراحل تعبيره , حيث أنه يحتاج الى خطط ومناهج , وتحضيرات خاصة بها , مثلاً لا يتوقع من طفل رضيع أن يمسك بالقلم ويخطط به , فهذه عملية فوق مستواه.
أما الطفل في الثانية من عمره , فلا نتوقع أن يمسك بالقلم ويرسم رسوماً طبيعية. بينما المراهق نتوقع منه ذلك. فلكل حقبة زمنية من عمر الطفل تعبير فني يناسبه , وإذا لم يتفق هذه الحقبة الزمنية مع العمل الفني المطلوب , يعتبر الطفل طفلاً غير عادي أو شاذاً. والشذوذ هنا , هو عدم إنطباق الصفات الفردية على المستوى القياسي لمتوقع للنضوج في كل مرحلة من مراحل النمو. فإذا وجد طفل في الثانية من عمره يرسم رمزاً شكياً في تعبيره الفني , إعتبرناه شاذاً , لانه لا يمثل القاعدة العامة. وشذوذه في هذه الحالة , هو أه يسبق مرحلة نموه , أو بالعكس , إذا وصل الطفل إلى سن الرابعة وهو ما يزال في طور الخرطشة , أعتبر شاذاً , وشذوذه هنا , لأن عمره الزمني يسبق عمره الفني.
فالأول , له صفة الإمتياز , والأخير , له صفة التأخير , من الناحية الفنية. هذه الفروقات الفردية بين تلميذ وآخر , في نفس السن أو الصف أو العمر في صفين مختلفين , أو بين الفروقات الحاصلة لطفل في مدرسة. ى تهتم بالفن , وطفل خارج المدرسة , أو بين الفروقات الناتجة عن بيئة فقيرة , وبيئة غنية , أو بيئة القرية , وبيئة المدينة. وهذه الفروقات , يجب أن نأخذها بعين الإعتبار , ونضع لكل منها برنامجاً فنياً خاصاً , ومواضيع وأدوات تنفيذ خاصة , وتقييم خاص تناسب كلاً منها من حيث مقوماتها العامة.
فنون
1880قراءة
2016-01-12 20:43:09