الثورات الإفتراضيّة في العالم
الفايسبوك بين الفكرة والثورة
نحن نشهد عصر الثورات الحقيقيّة المتحرّكة بالأدوات الافتراضيّة والإلكترونيّة، وتلعب الشبكات الإجتماعيّة الإلكترونيّة مثل الفايسبوك دورًا كبيرًا في هذا المجال، من حيث تجميع الناس حول فكرةٍ واحدةٍ وتأطير منظومتهم الفكريّة ضمن دوائر يتحكّم بها مجموعةٌ معيّنةٌ من الأشخاص الذين يبتكرون الفكرة والتي تتحوّل عبر مراحل تشبه تطوّر نموّ الجنين في رحم أمه إلى الثورة، والتي سوف تولد بعمليّاتٍ قيصريّةٍ ومساعدةٍ أجنبيّة، أو ولادة طبيعيّة كما حدث في بعض البلدان العربيّة مؤخّرًا.
ماذا يحدث بين الفكرة والثورة؟ وكيف تتطوّر الفكرة لكي تنطلق بشكل ثورة؟ هذا ما لم يتطرّق إليه الكثيرون منّا ولم يعيروه الانتباه الكافي، وبدل أن تقوم الحكومات بمراقبة الفكرة وتصويبها قامت بمحاربة الثورة بعد أن تحوّلت النُطفة الى عملاقٍ ثائرٍ من الصعب بمكانٍ الوقوف في وجهه.
• في البداية كانت الفكرة
تنطلق الفكرة في العالم العربي من الواقع الحياتيّ والاجتماعيّ والأمنيّ الضاغط، تغذّيها سلّة الخيارات المتاحة أمام البشر في عصر المعلومات، وتختفي في العالم الافتراضي خلال مراحل نموّه، بحيث لا يمكن اكتشافها بسهولةٍ والقضاء عليها في حاضنتها قبل أن تتضخّم وتكبر. وعادةً ما يقوم بزرع فكرة الثورة أو التغيير مجموعةٌ قليلةٌ من الناس مستفيدين من الانتشار الواسع والهائل للإنترنت والشبكات الإجتماعيّة والناس العطشى إلى التغيير تشارك بدورها في تغذية الفكرة وجلب المزيد من المتطوّعين والناس المؤيّدين، كلّ شخصٍ عبر شبكة معارفه الخاصّة، وعندما يبدأ الأشخاص الجدد وليس المؤسّسين فقط بالترويج للفكرة عندها نعلم أنّ الروح قد نُفخت فيها وضجّت بها الحياة.
• النموّ والتطوّر في حاضنة الانترنت
أشياء كثيرةٌ تحدث في مرحلة النمو والتطوّر قبل الاكتمال ومنها أن يبدأ الأعضاء والمشاركون بكسر حلقة الخوف تدريجيًّا عبر الكلام، حيث يبدأ الإنتقال من مرحلة الخوف من انتقاد الأنظمة الى مرحلة الإنتقاد، وثمّ مرحلة الهجوم الكلامي ويحدث ذلك كلّه تحت مظلّة التعاطف والدعم من الأعضاء، بحيث يشجّع بعضهم بعضًا وينبري منهم من يتقدّم إلى الأمام رويدًا رويدًا، فتسقط حينها كلّ جدران الخوف على الأقلّ الخوف من الكلام والتعبير والانتقاد والهجوم اللّاذع. وتتغذّى الفكرة على كلّ تلك الأفكار والمناقشات والتعليقات، وإعجاب الأعضاء ببعضهم البعض وتقديرهم ودعمهم الفكريّ لبقيّة أعضاء المجموعة الإلكترونيّة.
• من الرحم الإفتراضي إلى الشارع
تطوّرت واكتمل نموّها، ولم تعد الحاضنة الإلكترونيّة الإفتراضيّة تتّسع لها وتلبّي طموحاتها، وحان وقت الولادة، ولكن هذه المرّة سوف تولد الفكرة في الشارع، والمولود هو الثورة، والدماء الأولى التي تسقط هي دماء الولادة قبل أن تنتشر الثورة في كلّ الإتجاهات، ويظهر الناس الذين دعموها وغذّوها خلال مرحلة نموّها بشكلٍ متدرّجٍ لكي يكملوا إجراءات الولادة، والآن بعد أن تولد تبدأ المشاكل من جديد، فالثورة ما زالت طفلةً، والطفلة لا تدري كيف تدير أمورها بنفسها، وحينها يأتي من يتولّى أمورها من الخارج، أو يعود بقايا الداخل لكي يتبنّوا المولود الجديد، وتبدأ حينها دورة الحياة من جديد إلى فكرة وثورة وبداية ونهاية.
إنّ الثورة قبل كلّ شيءٍ هي مخلوقٌ فكريٌّ لا يمكن مواجهته إلا بمخلوقٍ فكريٍّ آخر أو بمجموعةٍ من الأدوات الفكريّة ولا ينفع السلاح مع الفكر، إنّ من أراد أن يحارب الثورة عليه أن يبدأ من الفكرة، وإذا لم يستطع على الفكرة عليه أن يبتكر فكرةً أخرى تصارعها.
مركز دراسات الحكومة الالكترونية
www.egovconcepts.com
تنمية مجتمع
1753قراءة
2016-01-08 22:00:07