كيف نعزز علاقة الطفل بالله
يوسف طفلٌ صغيرٌ، ترعرع على الإيمان باللَّه تعالى، ونشأ على دروس الطاعة والعبودية، في حضن ذاك الأب العظيمِ «يعقوب»... ولما كان الطفل الصدّيق مميّزاً بعلاقته مع اللَّه كان متميّزاً بعلاقته مع أبيه... وهذا ما أثار غيرة إخوته ونقمتهم، فأخذوا الطفل إلى الصحراء، قرّروا قتله، ثمّ تراجعوا وألقوه في البئر... وكانت النتيجة أن وُجِد الطفل وبيع إلى قافلةٍ مصريّة...
سُئل الإمام عليّ بن الحسين (ع)
«ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجب؟ فقال: ابن تسع سنين»
طبعاً، طفلٌ بهذا العمر، وفي ظروف موحشة، يُتوقع جزعه واضطرابه، في حين أنّ قوّة إيمانه منحته هدوءً وطمأنينة... ففي الحديث: «لمّا أُخرِج يوسف من الجبّ واشتُريَ، قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً، فقال لهم يوسف: من كان مع اللَّه فليس في غربة»
إن التربية الروحيّة والتوجيه التعبديّ هدفان أساسيان في الإسلام. فالإسلام يستهدف في كلّ خطوة من خطوات بناء الإنسان أن يعيده إلى خالقه وأن يعرّفه بعظمته ووحدانيته... فالعبادة غاية وجود الإنسان، وسبب خلقه على هذا الكوكب:
«وما خلقت الجن والإنسَ إلاّ ليعبدون» (الذاريات: 56)
لذلك، فتربية الطفل على معرفة اللَّه وحبّه والتفكّر في عظمته، وأداء الشعائر والعبادات الإسلاميّة، هي الخطوة الكبرى في منهاج التربية والإعداد الإسلامي.
تعزيز علاقة الطفل باللَّه
إنّ دلالة الطفل على اللَّه تعالى خالق العالم والوجود، وظيفةٌ أساسيّة من وظائف الأبوين، ومسؤولية خطيرة ملقاة على عاتقهما، ذلك أنّ عليهما تعريف أبنائهما الحقيقة الإلهية وصفات اللَّه ونعمه، فتربية الطفل على الأنس باللَّه تعالى تترك أثراً كبيراً في تكوين معالم شخصيته المستقبلية
قال الإمام علي بن الحسين (ع)، فيما يتعلق بوظيفة الأب تجاه ولده: «وإنّك مسؤولٌ عمّا ولّيته به من حسن الأدب والدلالة على ربه»
إنّ إزالة الاضطراب والقلق والحيرة واليأس من حياة الطفل تتمثّل فقط، بترسيخ الإيمان في قلبه:
(ألا بذكر اللَّه تطمئنّ القلوب)
فإذا اعتاد على ذكر اللَّه، وترسخ ذلك في قلبه فسيصبح اللَّه تعالى ملجأه واعتماده، وسيتخلص من الخوف والاضطراب (ألا إنّ أولياء اللَّه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون)
فإذا أرادت الأسرة جعل طفلها إنساناً حقيقيّاً ومفخرة في المجتمع فعليها إحياء الإيمان والاعتقاد باللَّه الخالق في قلبه وروحه وعندها لن يكون هناك مجالٌ للخوف في حياته
فعن الصادق (ع):
«من خاف اللَّه عزَّ وجلَّ أخافَ اللَّه منه كلّ شيء ومن لم يخف اللَّه عزَّ وجلَّ أخافه اللَّه من كلِّ شيء»
كيف نبني العلاقة بين الطفل وربّه؟
1 الأساس الأوّل في سبيل التربية الإيمانيّة إشعاره بوجود اللَّه، والإيمان به بلسانٍ متيسِّر الفهم.
2 نحبِّب اللَّه إليه، فنذكر خيره، عطاءه، نعمه حكمته، لطفه، رحمته ونصرته للمؤمنين، فقد ورد في الأخبار: «أنّ اللَّه تعالى أوحى إلى داود (ع) «أحبَّني وأَحِبَّ من يحبَّني، وحبِّبني إلى خلقي» فقال «يا ربّ، كيف أحبِّبك إلى خلقك؟ قال: اذكرني بالحسن الجميل، اذكر آلائي وإحساني»
3 اعتماد اللهجة اللطيفة في المواعظ، فلقد أوصى القرآن باستعمال كلمات لها بعدٌ عاطفيّ، فيكون أثرها عميقاً في النفوس والقلوب، ونلاحظ تكرار«يا بني» في مواعظ لقمان (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنيّ)
4 تقوية الإيمان الفطريّ، فالإنسان منذ طفولته يميل بمقتضى فطرته وطينته إلى اللَّه تعالى وعبادته، بالتالي، فالمربّون لا يقومون حقيقةً بتلقين عبادة اللَّه، بل يربوّن هذه الغرسة الفطرية، ويعزِّزونها بالتكاليف العبادية والأخلاقيّة والتوصية بالذكر والدعاء، لاختصار المسافة بين الطفل وخالقه.
5 قص سير الأنبياء والرسول وأهل بيته والتابعين عليه بأسلوبٍ قصصيٍّ محبَّب ومبسّط، ومحاولة إبراز آثار علاقاتهم المثاليّة باللَّه تعالى.
6 تمتين علاقته بكتاب اللَّه وتلاوته وفهمه عن طريق التشجيع والمسابقات ومشاركته القراءة الجهريّة والانصات عند سماع آياته.
7 ترويضه على أداء العبادات الممكنة (الصلاة، الصوم...) دون إرهاقٍ وتنفي.
8 تعليمه ذكر اللَّه وتعويده على ترديده قبل وبعد وخلال كلِّ عمل: بسم اللَّه ما شاء اللَّه الحمد للَّه لا حول ولا قوة إلا باللَّه...
9 اصطحابه إلى المساجد للصلاة، وتعويده على ارتيادها، وتشجيعه على مجالسة المؤمنين.
10 الحرص على عدم وقوعه في الحرام، وحال حدوثه، نفسّر ونبيّن خطأه، وننبّهه إلى عدم تكرار هكذا محرّم لا يرضي اللَّه بل يغضبه.
11 ربط مبادراته الايجابية وسلوكياته الإيمانية بالفوز برضى اللَّه وجنّته وثوابه.
فوائد ارتباط الطفل باللَّه
لقوّة علاقة الطفل بربّه عزَّ وجلَّ فوائد عظيمة وجليلة، تنعكس على شخصيته حاضراً ومستقبلاً
وعلى مجتمعه بشكلٍ عام ويمكننا تعدادها كالتالي:
1 عنصر قوّة للشخصيّة، وتطوّرها واستقلالها عمّا دون اللَّه عزَّ وجلّ
2 تنمّي في النفس عناصر الثقة والشجاعة والإقدام ومواجهة الباطل.
3 تنمّي الطاقة الروحية والإيمانية والعبادية، وتنقّي النفس من بذار الشرور والأهواء الدنيويّة الرخيصة، وتدفعه نحو الهدف الأسمى: «عبادة اللَّه».
4 تقلّل من المخالفات اللاأخلاقية واللاشرعية، والتصرفات اللامسؤولة على الصعيد الفردي، وبالتالي تسهم في صلاح المجتمع السليم المعافى.
5 سببٌ فعّال لتحقيق توازن الشخصيّة واستقرارها واطمئنانها، وزوال اضطرابها والتخفيف من تشويش المؤثّرات الخارجية السلبية عليها.
6 تحقّق نماءً طبيعياً متكاملاً للشخصية بجميع أبعادها وجوانبها، فالطفل الإنسان يطمح للتشبّه بصفات اللَّه: الرحيم، القويّ، الحقّ، العدل، العفوّ، النافع، البرّ...
7 تهيئه كعنصرٍ مؤثّر، فعّال ومطوّر، للإنسجام مع مجتمعه وإصلاحه، وخدمة الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
8 تحفظه من الإنهيار والسقوط، وتعينه على الصبر والاستعانة بربّه لمواجهة الصعاب والبلاءات والأوجاع والأمراض، كما أنّ بعض هذه الأمراض والأوجاع تزول بفضل الإيمان باللَّه وعنايته
9 تؤمّن للطفل والإنسان حياةً آمنة، ونوماً عميقاً بعيداً عن الوساوس والأوهام والكوابيس.
ختاماً:
حين كان يوسف (ع) (9 سنوات) مع اللَّه لم يشعر بغربة وحين كان القاسم بن الحسن (ع) (13 سنة) مع اللَّه لم يخشَ أزلام يزيد وسيوفهم، وحين كان «حسين فهميدي» (13 سنة) مع اللَّه، فجر جسده بأعداء ثورة الإسلام، وأصبح قائداً للإمام الخميني والجماهير(#)، وحين كان «فارس عودة» (13 سنة) مع اللَّه شمخ كالطود أمام الميركافا الإسرائيلية... وسيكون أطفالنا هكذا حين يكونون بعقولهم وقلوبهم مع اللَّه تعالى.
الهوامش
(#) حسين فهميدي (13 سنة): طفلٌ إيراني فجّر
جسده تحت دبابات المستكبرين، فأوقف تقدّمها
وعندما كان المؤمنون يهتفون للإمام الخميني (قده)
: «اللَّه واحد... خميني قائد». قاطعهم الإمام (قده) قائلاً:
«أنا لست قائدكم... أنا خادمكم... حسين فهميدي قائدي وقائدكم»
إعداد : المدرب علي أرسلان
برامج
1609قراءة
2015-11-09 19:28:04
haweyati kashfiah |