أهداف التربية بالحبّ
لحبّ أمر يدركه كلّ إنسان من خلال المعرفة الحضورية، فهو صفة نفسانية يعيشها بوجدانه، فلا نحتاج إلى المنطق لتعريفه، ويمكن التعريف اللفظيّ للحبّ الإنسانيّ، بأنه الميل القلبيّ والانجذاب العاطفيّ نحو شيء ما، يعود باللذّة والبهجة على المُحِبّ.
ويعتبر الاستثمار الإيجابيّ لهذا الشعور الفطريّ باستعماله في تكوين هوية الطفل من أهمّ أصول تربية الطفل، وهو ما نصطلح عليه التربية بالحبّ.
وبعبارة أخرى، نقصد بالتربية بالحبّ: استعمال أساليب تتضمن الحبّ والرحمة والشفقة والودّ والحنان والرفق والعطف... في بناء الشخصية السوية عاطفياً للطفل ورسم معالم شخصيته في الأبعاد المختلفة.
أهداف التربية بالحبّ
تهدف عملية تربية الطفل بالحبّ إلى تحقيق أغراض عدّة، منها:
أ- النمو العاطفيّ السليم للطفل وإشباع حاجاته الوجدانية، بعيداً عن العقد والأمراض النفسية.
ب- تقوية العلاقة والارتباط بين الطفل والمربّي، بنحو يصبح تأثير المربّي أشدّ على شخصية الطفل، فيتقبّل الطفل منه، ويسمع كلامه، ويطيع أوامره.
ج- المساهمة في النمو السليم لباقي أبعاد هوية الطفل أي النموّ العقليّ والجسميّ والأخلاقيّ...
حاجة الطفل إلى العاطفة
إنّ الطفل بأصل تكوينه كائن رقيق حسّاس عاطفيّ، لذلك فهو يحتاج إلى من يروي ظمأه العاطفيّ من جهة، فضلاً عن حاجته لأن يشعر بأنه موضع حبّ واهتمام وعناية ورعاية وتقدير واحترام...، فـ "الطفل في حاجة إلى أن يشعر بحبّ الآخرين له ورضاهم عنه، خاصة أبويه ومعلّميه، فهو في حاجة إلى أن يكون مقبولاً مرغوباً فيه من قبل الوالدين والآخرين".
ومحبّة الطفل عملة لها وجهان: وجه إيجابيّ، من حيث إنّها تمنحه طاقة إيجابية وتحقّق له الشعور بالسعادة وتجعله يعيش البهجة واللذة والسرور، وهي حاجات ضرورية للنموّ العاطفيّ السليم، ووجه سالب، بمعنى أنّها ترفع عنه الطاقة السلبية وتساهم في التخفيف من التوتر والعصبية والعدوانية والأرق في شخصيته.
وينبغي للوالدين السعي إلى إشباع الحاجات العاطفية والوجدانية للطفل بالأساليب الممكنة كافّة، كي ينمو طفلهما عاطفياً وعقلياً وجسمياً بشكل سليم.
حبّ الأطفال أمر فطريّ
إنّ مسألة حبّ الأطفال تعتبر من المسائل التي جبلت عليها النفس الإنسانية والتي ينبغي للإنسان مراعاتها والحفاظ عليها، وقد حثّت النصوص الدينية على حبّ الأطفال وجعلته من أفضل الأعمال. عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنه قال:"قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال...".
والمطلوب من المربّي أن يسعى للحفاظ على شعور الحبّ تجاه المتربّين في داخله، خصوصاً الآباء والأمّهات، وقد أشارت الروايات إلى بركات هذا الحبّ على المربّي أيضاً، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ ليرحم العبد لشدة حبّه لولده".
الحبّ بين الإفراط والتفريط
إنّ الحبّ أمرّ ضروريّ وأساس في العملية التربوية، إلّا أنّ المطلوب في حبّ الأطفال هو الوسطية والاعتدال، كي يكون حبّاً إيجابياً، والميل عن الوسطية إلى أحد الجانبين يجعل الحبّ سلبياً. والخطورة في مثل هذا الحبّ السالب في التربية، هو أنه يؤدّي إلى اعتماد أساليب خاطئة فيها، كأسلوب الإفراط في التدليل والتغنيج، من خلال "التساهل مع الطفل وتشجيعه على إشباع رغباته.... فلهذا الأسلوب آثاره السلبية على شخصية الطفل، حيث ينشأ أنانياً غير آبه بأحد، حريصاً كلّ الحرص على تلبية رغباته والحصول على كلّ ما يريد".
هذا في جانب الإفراط، وكذلك في جانب التفريط، حيث يؤدّي نقص جرعة الحبّ للأطفال إلى استخدام أساليب سلبية عدّة، مثل: الأسلوب التسلّطيّ، أي التحكّم بأفعال الطفل وأقواله ورغباته بما يتوافق مع رغبات الأهل بغض النظر عن حاجات الطفل ومتطلّباته....
وأفضل الطرق في التربية بالحبّ هو أن يستخدم المربّي أسلوب الحزم في لين. وقد ورد في روايات عدّة أنّ من صفات المؤمن وعلاماته أن يكون له حزم في لين، فيكون ليناً حينما يتطلّب الموقف ذلك، ويكون حازماً حينما تقتضي مصلحة الطفل ذلك، فلا حبّه يمنعه من الحزم، ولا حزمه يجعله قاسي القلب.
ومن الضروريّ التنبّه إلى التمييز بين الحزم وبين القسوة، لأنّ الحزم يجتمع مع الحبّ والرحمة، أمّا القسوة فهي الغلظة القلبية التي تتنافى مع الحبّ والرحمة، يقول تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم﴾.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "إنّ أبعد الناس من الله القلب القاسي".
تدريب
2251قراءة
2019-08-01 15:50:46