قبس من نور علي عليه السلام
عندما يقف الإنسان أمام عليٍّ، يخضع ويخشع، وكفاه أن يقول فيه رسول اللَّه "صلى الله عليه وآله": «علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار».
عن الإمام عليٍّ "عليه السلام" يتحدَّث القائد بكلمات ترى فيها الشوق والحب والهيام والحزن، في ذكرى الشهادة قال القائد "دام ظله": «... ويصادف اليوم الذكرى الدامية لضرب الرأس الشريف لأمير المؤمنين "عليه السلام"، هذه الليلة الحزينة... المظلمة في الكوفة، لن تتصوروا كيف كانت هذه المدينة في تلك الليلة. كل الناس كانوا أصحاب العزاء فقد رحل المواسي، والمؤنس، كان علي "عليه السلام" هو من يعزيهم في الماضي، ذاك الذي كتب يوماً إلى أحد ولاته: «... أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر».
كان الإمام شريك الناس في كل آلامهم وهمومهم، مذكّراً في وصيته: «اللَّه اللَّه في الأيتام».
كان "عليه السلام" السبّاق في رعاية الأيتام، فاليتيم أشد حاجة للعطف والحنان، محروم من تلك البسمة الأبوية العامرة المحبة، محروم من مداعبة أبيه له، فمن يملأ هذا الفراغ؟
علي "عليه السلام"، يسير ليلاً بين تلك المنازل التي كان يعرفها ويعرف أحوال أهلها، حاملاً إليهم الطحين والأرز والزيت، ومساعداً لهم، بإشعال التنّور أحياناً... ملاطفاً الأيتام، يجلسهم في حضنه، يلاعبهم كي لا يشعروا بالحزن والكآبة. عظمة علي "عليه السلام" معروفة ومشهورة في الحرب وساعات الوغى، لكن الأهم والأعظم مواساته وخدمته للأيتام والمحرومين، في دموعه المليئة عطفاً وحناناً... في تلك الليلة... في ليلة العشرين من شهر رمضان، انتظره الأطفال... الذين كان يجلسهم على ركبته ويمسح على رؤوسهم بكل لطف، يطعمهم بيده، انتظروا ذلك الرجل... لكنه لم يأتِ... في تلك الليلة عرفوا من هو... ولعلكم سمعتم بما جرى عندما طلب الطبيب المعالج للأمير "عليه السلام" إحضار الحليب لعله يدفع أثر السم كيف أن عشرات الأطفال الأيتام أتوا من كل أنحاء الكوفة يحمل كلّ منهم كوباً فيه حليب واندفعوا نحو منزل الإمام يريدون ردّ الجميل وشكره على محبته ورعايته وحنانه... ولعلكم سمعتم أيضاً عن ذلك العجوز الأعمى الذي كان في تلك الليلة يأن من عذاب الوحدة وألم الجوع فسأله بعضهم... فكيف كنت تصنع في الأيام السابقة؟ فذكر لهم بأن رجلاً كان يأتي إليه يواسيه ويطعمه بيده وأخبرهم بمواصفات ذاك الرجل... الذي ما كان سوى علي "عليه السلام"...
هذا الإنسان المتعدد الأبعاد والذي كان حقاً كما وصفه الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله": «فإنه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم يفرق بين الحق والباطل»
فكان الملجأ والحامي لكل من يشعر بالضعف والحاجة والوحشة هذا الإنسان الذي كان يقع مغشياً عليه في محراب العبادة من خشية اللَّه هو نفسه الحاكم الذي لم يتحمل وجود والٍ ظالم كمعاوية، وهو نفسه من وبّخ أحد الولاة وكان من أصحابه، لأنه أسرع في تلبية دعوة أحد الأشراف إلى الضيافة والولائم.
وهو الحافظ لبيت المال، بحيث أنه وفي الليلة الأولى لاستلامه الخلافة يطفىء المصباح كي لا يصرف من بيت مال المسلمين، وكي ينبه بعض الصحابة المدّعين ويحذرهم من سوء أعمالهم.
هذا الإمام كان مظهراً للدفاع عن البشر وحقوق الإنسان واحترامه، وهذا هو الإسلام الذي يتجلى بالتوحيد بكل أبعاده الحيّة، وإكرام الإنسان وعزته، وروح الأخوّة بين جميع الناس.
ومن يخرج عن هذا النهج فلا يعدّ مسلماً حقاً، وإن لم يخرج ظاهراً، فإن قلبه لم يؤمن بعد باللَّه والقرآن إيماناً كاملاً.
ومن يكن أسيراً للآمال والأهواء والانجذاب نحو حياة الترف والوجاهة المليئة بالزبارج والزخارف ويطلب المسؤولية والسلطة والمال فقط ويرغب في المظاهر الفارغة وإظهار القوة والقدرة... مثل هكذا شخص لا يمكن أن يدّعي بأنه خليفة لعلي"عليه السلام"، يجب علينا جميعاً أن نحفظ هذا المعيار دائماً كوننا ننادي بعلي ونبحث عن نهجه...».
لقد كانت شخصية الإمام علي (عليه السلام) حصيلة إعداد رسالي حظيَ به من أستاذه الرسول الأكرم، فقد طبعت شخصيته بشخصية المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع مقوماتها: عبادة وفكراً ومواقف وكان يسلك سبيله, يقتفي سنّته ويقفو أثره, ومن أجدر بتجسيد سنة الرسول كاملة في دنيا الواقع سوى عليّاً ؟ الذي صنع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) شخصيته وشكل جميع عناصرها وطبعها بالطابع الإلهي منذ نعومة أظفاره.
كان علياً (عليه السلام) متوجهاً راهباً الى الله(سبحانه وتعالى) فكان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل وعندما سئل عن ذلك قال: جاء وقت أمانة عرضها اللهتعالى على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان على ضعفه.
وحيث أن التوكل على الله زاد المتقين, واليقين بالله شعار المؤمنين الصادقين فقد كان أمير المؤمنين قائداً لأهل اليقين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويعسوباً للمتوكلين.
كان زاهداً عن كل لذّات الحياة وزينتها وتوجه بكل وجوده نحو الآخرة، وعاش عيشة المساكين وأهل المتربة من رعيته. لقد زهد بالدنيا وزخرفها زهداً تاماً وصادقاً: زهد في المال والسلطان, وعاش في بيت متواضع لا يختلف عمّا يسكنه الفقراء من الأمة، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان أمير المؤمنين(عليه السلام) أشبه الناس طعمة برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل الخبز والخل والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم".
وقد كان الإمام(سلام الله عليه) أسخى من الغيث على الأمة وهو الذي تصدق بخاتمه على مسكين إستبدت به الحاجة، فطاف على الناس فلم يجد من يسد خلته فأشار إليه الإمام وهو يصلّي في المسجد ومنحه خاتماً في يده. ونزلت الآية الكريمة في حقه{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}.
وكانت حياته كلها جهاد في مرحلة الدعوة وبعد قيام الدولة الإسلامية فهو الذي وقى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه وفداه بوجوده عند مبيته على فراشه ليلة الهجرة، وهو الذي كان يحمل لواء الزحف الإسلامي في كل الغزوات وكان في طليعة المجاهدين.
كان منهاجاً لتجسيد العدالة في دنيا الناس فهو الذي قال مخاطباً الزبير وطلحة :"فوالله ما أنا وأجيري هذا إلا بمنزلة واحدة".
لقد كان الإمام مثلاً أعلى في تواضعه كما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قبله, وكان قمة في حلمه وعفوه عمّن يسيء الأدب معه فكان لا يعرف الغضب الا عندما تنتهك للحق كرامة,أو تتعدى حدود الله تعالى.
وكان علياً عليه السلام بحراً من العلم، فقد قال فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه" وهو الذي عنده علم الكتاب عنده علم الكتاب: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله تعالى:{ومن عنده علم الكتاب}قال: ذاك أخي عليّ بن أبي طالب".
وهو الذي قال: "سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله, فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل"
وهو ميزان محبّة الله تعالى: عن عمار بن ياسر قال: قال رسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب, فمن تولاّه تولاّني, ومن تولاّني فقد تولّى الله, ومن أحبّه فقد أحبّني ومن أحبني فقد احب الله, ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل".
وهو إمام أولياء الله تعالى: عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "إن الله عهد إليّ في علي عهداً فقال: علي راية الهدى, ومنار الإيمان, وإمام أوليائي, ونور جميع من أطاعني".
وهو قسيم الجنّة والنار: عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي إنك قسيم الجنّة والنار, وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب".
وهو سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغر المحجلين: عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " إن الله أوحى اليّ في علي ثلاث خصال: أنه: سيّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ".
الأنشطة الثقافية
1648قراءة
2015-12-26 19:32:38