سيد العابدين
بسم الله الرحمن الرحيم
عن الإمام الصادق عليه السلام: " قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي الصدّيقين تنعّموا بعبادتي في الدنيا فإنّكم تتنعّمون بها في الآخرة".
العبادة هي الخضوع للخالق العظيم بنيّةٍ خالصة له عن طريق معرفته عزّ وجلّ. ولأجلها كانت الغاية من خلق السماوات والأرض وجميع المخلوقات.
قال تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات 56)
وتعتبر العبادة من أقرب الطرق الموصلة إلى الكمال؛ فمن خلالها يكون الإنسان على ارتباطٍ دائم بالله سبحانه.
قال الله تعالى:{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار}آل عمران 17.
تجلّت أرقى درجات العبادة لله سبحانه لدى رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار عليه السلام. وبرزت بالخصوص عند مولانا الإمام علي بن الحسين عليه السلام، الذي لُقّب بـ (السجاد)؛ لكثرة سجوده، وبـ (سيد العابدين)، و(زين العابدين)، وهو اللقب الذي اختاره له جده النبي محمد صلى الله عليه وآله كما رُويَ عن جابر بن عبد الله الأنصاري: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله والحسين في حجره وهو يقبله, فقال صلى الله عليه وآله : "يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم زين العابدين".
وكان الإمام السجاد عليه السلام إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقال له: "ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيب عليه السلام: أتدرون بين يَدَي من أقوم؟"
وهو الذي علّمنا كيف نخاف الله في حواره مع طاووس اليماني الذي رآه يطوف من وقت العشاء إلى السحر، ونظر طاووس إلى الإمام عليه السلام فرآه يرمق السماء بطرفه ويقول:
" إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة"، ثمّ بكى وأطال الدعاء والبكاء، فدنا منه طاووس وقال له: " ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي عليه السلام وأمك فاطمة الزهراء عليها السلام، وجدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتفت إليه الإمام عليه السلام وقال: "هيهات يا طاووس! دع عنّي حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه، ولو كان ولداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى:{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}؟ والله لا ينفعك غداً إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح" .
وقد عُرف الإمام عليه السلام بعبادته وتضرعه إلى الله سبحانه، فتجلى هذا الأمر بوضوح في أدعيته وبالخصوص الصحيفة السجادية التي سُمّيت بزبور آل محمد تشبيهاً بزبور داود عليه السلام، وإنجيل أهل البيت تشبيهاً بإنجيل عيسى عليه السلام, والتي احتوت أربعة وخمسين دعاءً في موضوعات شتى, وتميزت بالبلاغة والفصاحة وعلو المضامين، وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه... فلا يكاد يُعرَف كلام عربي بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة هو أبلغ وأفصح من أدعية الإمام زين العابدين عليه السلام.
وفي حياة الإمام زين العابدين عليه السلام شكّلت ظاهرة الدعاء أسلوباً متميزاً من أساليب التبليغ، فقد استطاع أن ينشر المعارف الدينية من خلال أدعيته التي تضمنت أموراً تربوية وأخلاقية واجتماعية وعقائدية...وأن يساهم في بناء العقيدة الصحيحة، ويضفي جواً روحياً في المجتمع يساعده في الوقوف بصلابة أمام المغريات والمحن التي تعصف به.
ومن الأدعية الرائعة للإمام زين العابدين عليه السلام، دعاؤه المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي، الذي يقول في بدايته: " إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك؟ ومن أين لي النجاة ولا تُستطاع إلا بك؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك..." .
الأنشطة الثقافية
1439قراءة
2015-12-26 19:44:59
na-dina |