التنظيم عند الإمام الصادق عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في وصيّة الإمام علي عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام : «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم».
لقد اهتمّ الاسلام كثيراً بنظم الأمر وتنظيم شؤون الحياة, وحُسن الإدارة والاستفادة من كل الطاقات التي منحها الله تعالى للإنسان.
وقد تجلّى التنظيم عند الإمام الصادق عليه السلام في إقامتة تنظيم سري إيديولوجي ـ سياسي.والمقصود بالتنظيم هنا هو وجود جماعة بشرية ذات هدف مشترك تقوم بنشاطات متنوعة تتجه نحو ذلك الهدف، وترتبط بمركز واحد وقلب نابض واحد, ودماغ مفكّر واحد، تسود بين أفرادها روابط عاطفية مشتركة.
فالإمام الصادق عليه السلام حوّل شيعة أهل البيت عليهم السلام إلى مجموعة من العناصرالمنسجمة الهادفة النشطة المتمركزة حول محور مقدّس يشعّ بتعاليمه وأوامره على القاعدة، والقاعدة ترتبط به وتنقلُ اليه المعلومات وتضبط مشاعرها، وتسيطر على عواطفها بتوصياته الحكيمة، وتلتزم التزاماً دينياً بأساليب العمل السرّي، مثل حفظ الأسرار، وقلّة الكلام، والابتعاد عن الأضواء والتعاون الجماعي والزهد الثوري.
وقاد الإمام الصادق عليه السلام في أواخر العصر الأُموي شبكة إعلامية واسعة استهدفت الدعوة الى إمامة آل علي عليهم السلام، وتبيين مسألة الإمامة بشكلها الصحيح، وهذه الشبكة نهضت بدور مثمر وملحوظ في أقاصي بقاع العالم الاسلامي، وخاصة في العراق وخراسان لنشر مفاهيم الإمامة، وفي عصره عليه السلام شهد شيعة أهل البيت عليهم السلام تحرّكاً أثار الرعب والفزع في قلوب الحكام الظالمين، ودفع هؤلاء الحكام الى ردود فعل قاسية .
وقد أحاط الإمام الصادق عليه السلام حركته بالسرية التامة، وهذا ما استدعى استخدام تسميات سرية للهيكلية التنظيمية مثل:
الباب والوكيل: حيث كانت الارتباطات السرّية بين الإمام عليه السلام والشيعة تتطلّب إيصال بعض المعلومات الى الشيعة عن طريق "واسطة "، وهذا تدبير طبيعي في ظل العيون الساعية لكشف ارتباطات الإمام عليه السلام والتي تترصّد لقاءاته بأتباعه في موسم الحج في مكة والمدينة، حين تؤمها القوافل من أقاصي العالم، وقد يؤدي رصد هذه اللقاءات الى اكتشاف خيوط الجهاز المركزي لتنظيم الإمام عليه السلام.مثل هذه الظروف تستلزم وجود فرد يكون واسطة بين الإمام عليه السلام وبين من يحتاج الى معلومات تصل إليه من الإمام عليه السلام، وهذاالواسطة هو "الباب "، ويجب أن يكون من أخلص أتباع الإمام ،وأقربهم اليه، وأغناهم بالمعلومات والخطط .
مستودع السر: كان هذا اللقب يُطلق على الأشخاص الذين يحفظون الأسرار التي تتعلّق بالمعلومات المرتبطة بالجهازالتنظيمي للإمام عليه السلام .. بالجهاز الذي يخوض معتركاً سياسياً باتجاه هدف ثوري.. بالتكتيك الذي ينتجه الجهاز... بالعمليات التي ينفذها..بأسماء ومهام أعضاء الجهاز.. بمصادر التمويل .. بالأخبار والتقاريرالمتعلّقة بالأحداث الهامة .. هذه وأمثالها من الأسرار التي لا يجوز أن يطّلع عليها سوى القائد والكوادر المسؤولة ومن يرتبط عمله مباشرة بها، وهم "مستودع السر". وكل تسريب لهذه المعلومات إلى أوساط الشيعة فإنه يفتح ثغرة تسرّبها إلى الأعداء،وهو خطأ كبير لا يغتفر، خطأ قد يؤدّي الى انهدام الجهود والأعمال والمجموعة المنتظمة. ومن هنا نفهم ما يعنيه الإمام عليه السلام حيث يقول: "ليس الناصب لنا حرباً بأعظم مؤنة علينا من المذيع علينا سرّنا. فمن أذاع سرّنا إلى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضهُ السلاح أو يموت بِخَبَل".
وكان الإمام عليه السلام يتّبع تكيكات تنظيمية معينة مثل إعلان البراءة من بعض أصحابه، وذلك لكي يبعد عنهم الشبهات.
هذه العناوين الثلاثة (الباب، الوكيل، صاحب السر) التي نجد مصاديقها في وجوه بارزة من رجال الشيعة تلقي ظلالاً على واقع الشيعة وارتباطهم بالإمام والحركة التنظيمية الشيعية .
الأنشطة الثقافية
1496قراءة
2015-12-27 12:45:46