علوم الإمام الهادي (عليه السلام)
كان الإمام الهادي (ع) أعلم أهل زمانه، كما هو شأن كل إمام معصوم (ع) ، وكان الناس يسألونه مختلف المسائل فيجيبهم عليها.
سؤال قيصر الروم
كتب ملك من ملوك الروم إلى الحاكم العباسي كتاباً يذكر فيه:
إنا وجدنا في الإنجيل أنه من قرأ سورة خالية من سبعة أحرف حرم الله تعالى جسده على النار وهي الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء، فإنا طلبنا هذه السورة في التوراة فلم نجدها، وطلبناها في الزبور فلم نجدها، فهل تجدونها في كتبكم؟
فجمع العلماء فسألهم في ذلك فلم يجيبوا عن ذلك، إلا الإمام النقي علي ابن محمد بن الرضا (ع) فقال: إنها سورة الحمد فإنها خالية من هذه السبعة أحرف.
فقيل: ما الحكمة في ذلك؟
فقال: إن الثاء من الثبور، والجيم من الجحيم، والخاء من الخيبة، والزاي من الزقوم، والشين من الشقاوة، والظاء من الظلمة، والفاء من الفرقة.
فلما وصل إلى قيصر وقرأ فرح بذلك فرحاً شديداً وأسلم لوقته ومات على الإسلام.
ما يجمع خير الدنيا والآخرة
وقال سهل بن زياد: كتب إليه بعض أصحابنا يسأله: أن يعلمه دعوة جامعة للدنيا والآخرة، فكتب (ع) إليه : «أكثر من الاستغفار والحمد، فإنك تدرك بذلك الخير كله»(1).
في معرفة الباري عزوجل
عن فتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني وأبا الحسن طريق منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق، فسمعته وهو يقول: «من اتقى الله يُتقى، ومن أطاع الله يُطاع».
قال: فتلطفت إلى الوصول إليه، فسلمت عليه.
فرد عليّ السلام وأمرني بالجلوس، وأول ما ابتدأني به أن قال: «يا فتح، من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق. وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به، جل عما يصفه الواصفون وتعالى عما ينعته الناعتون، نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كيّف الكيف فلا يقال: كيف، وأيّن الأين فلا يقال: أين؛ إذ هو منقطع الكيفية والأينية، هو الواحد الأحد الصمد ] لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[ (2) فجل جلاله.
أم كيف يوصف بكنهه محمد وقد قرنه الجليل باسمه وشركه في عطائه وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته؛ إذ يقول: ] وما نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ[ (3).
وقال يحكي قول من ترك طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها: ] يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وأَطَعْنَا الرَّسُولا[ (4).
أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله، حيث قال: ] أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[ (5) وقال:] ولَوْ رَدُّوهُ[ (6) إلى الله وإِلى ] الرَّسُولِ وإِلى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ[ (7) وقال: ] إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها[ (8) وقال: ] فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (9).
يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول، فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا، فنبينا أفضل الأنبياء، وخليلنا أفضل الأخلاء، ووصيه أكرم الأوصياء، اسمهما أفضل الأسماء، وكنيتهما أفضل الكنى وأحلاها، لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا إلا كفو لم يزوجنا أحد. أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما، وأنداهم كفا، وأمنعهم كنفا. ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الأمر، وسلم إليهم. أماتك الله مماتهم وأحياك حياتهم، إذا شئت رحمك الله».
قال فتح: فخرجت فلما كان الغد تلطفت في الوصول إليه، فسلمت عليه، فرد عليّ السلام.
فقلت: يا ابن رسول الله، أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي؟
قال: «سل وإن شرحتها فلي، وإن أمسكتها فلي، فصحح نظرك وتثبت في مسألتك، وأصغ إلى جوابها سمعك، ولا تسأل مسألة تعنت، واعتن بما تعتني به، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش، وأما الذي اختلج في صدرك ليلتك فإن شاء العالم أنبأك بإذن الله، إن الله لم ] يظهر عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ[ (10) فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم، وكل ما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه؛ كيلا تخلو أرضه من حجة، يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته.
يا فتح، عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أودعتك، وشككك في بعض ما أنبأتك، حتى أراد أزالتك عن طريق الله وصراطه
المستقيم، فقلت من أيقنت أنهم كذا، فهم أرباب، معاذ الله، إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون لله، داخرون راغبون، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به».
فقلت: جعلت فداك فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون عليّ بشرحك، فقد كان أوقع بخلدي أنكم أرباب.
قال: فسجد أبو الحسن (ع) وهو يقول في سجوده: «راغما لك يا خالقي، داخرا خاضعا».
قال: فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي.
ثم قال (ع) : «يا فتح، كدت أن تُهلك وتَهلك، وما ضر عيسى إذا هلك من هلك، فاذهب إذا شئت رحمك الله».
قال: فخرجت وأنا فرح بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم، وحمدت الله على ما قدرت عليه، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متك وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خلدي: أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك آفة، والإمام غير مئوف.
فقال: «اجلس يا فتح، فإن لنا بالرسل أسوة، كانوا يأكلون ويشربون ] ويَمْشُونَ فِي الأَسْواقِ[ (11) وكل جسم مغذو بهذا، إلا الخالق الرازق؛ لأنه جسم الأجسام، وهو لم يجسم، ولم يجزأ بتناه، ولم يتزايد ولم يتناقص، مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد الذي ] لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[ (12) منشئ الأشياء، مجسم الأجسام، ] وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[ (13)، ] اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (14) الرءوف الرحيم، تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربوب، ولا الخالق من المخلوق، ولا المنشئ من المنشأ، ولكنه فرق بينه وبين جسمه، وشيء الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى، ولا يشبه شيئا»(15).
__________________________________________________
(1) الأنوار البهية للشيخ عباس القمي s : ص287 فصل في نبذ من كلامه (ع) .
(2) سورة الإخلاص: 3ـ 4.
(3) سورة التوبة: 74.
(4) سورة الأحزاب: 66.
(5) سورة النساء: 59.
(6) سورة النساء: 83.
(7) سورة النساء: 83.
(8) سورة النساء: 58.
(9) سورة النحل: 43، سورة الأنبياء: 7.
(10) سورة الجن: 26 ـ 27.
(11) سورة الفرقان: 20.
(12) سورة الإخلاص: 3-4.
(13) سورة البقرة: 137، سورة الأنعام: 13، سورة الأنعام: 115، سورة الأنبياء: 4، سورة العنكبوت: 5، سورة العنكبوت: 60.
(14) سورة الأنعام: 103، سورة الملك: 14.
(15) بحار الأنوار: ج75 ص366-368 ب28 ح2.
مهدي
1972قراءة
2016-01-18 22:04:20