خصائص الرسالة الإسلاميّة
للرسالة الإسلاميّة خصائصها، الّتي تُميّزها عن سائر رسالات السماء الّتي جعلت منها حدثاً فريداً في التأريخ، نذكر منها ما يلي بإيجاز:
1- إنّ هذه الرسالة ظلّت سليمة ضمن النصّ القرآنيّ، دون أن تتعرّض لأيّ تحريف، لأنّه شرط ضروريّ لقدرة هذه الرسالة على مواصلة أهدافها، قال تعالى:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾1 بينما مُنيت الكتب السماويّة السابقة بالتحريف، وأُفرغت من كثير من محتواها.
2- إنّ بقاء القرآن نصّاً وروحاً، يعني أنّ نبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لم تفقد أهمّ وسيلة من وسائل إثباتها، وخلافاً لتلك النبوّات الّتي يرتبط إثباتها بوقائع محدّدة زمانيّاً ومكانيّاً "إبراء الأكمه والأبرص مثلاً"، فهي وقائع لا يشهدها عادة إلّا المعاصرون لها، وبمرور الزمن تفقد شهودها الأوائل، ويعجز الإنسان غالباً عن الحصول على أيّ تأكيد حاسم لها، لذا نحن اليوم نعتمد في إيماننا بالأنبياء السابقين عليهم السلام وبمعاجزهم، على إخبار القرآن الكريم بذلك.
3- إنّ مرور الزمن ـ كما عرفنا- لا يُنقص من قيمة الدليل الأساس على الرسالة الإسلاميّة، بل إنه أيضاً يمنح هذا الدليل- أي القرآن الكريم- أبعاداً جديدة، من خلال تطوّر المعرفة البشريّة، واتّجاه الإنسان إلى دراسة الكون بأساليب العِلم والتجربة, وليس ذلك فقط لأنّ القرآن الكريم سبق إلى الاتّجاه نفسه، وربط الأدلّة على الصانع الحكيم بدراسة الكون والتعمّق في ظواهره، ونبّه الإنسان إلى ما في هذه الدراسة من أسرار ومكاسب، بل لأنّ الإنسان الحديث يجد اليوم في ذلك الكتاب المبين الّذي بشّر به رجل أمّيّ في بيئة جاهليّة قبل مئات السنين، إشارات واضحة إلى ما كشف عنه العِلم الحديث، حتى لقد قال المستشرق الانجليزي (اجنيري) استاذ اللغة العربيّة في جامعة أكسفورد عندما اكتشف العلم دور الرياح في التلقيح أنّ أصحاب الإبل قد عرفوا أنّ الريح تلقّح الأشحار والثمار قبل أن يتوصّل العلم في أوروبا إلى ذلك بعدّة قرون2.
4- إنّ هذه الرسالة جاءت شاملة لكلّ جوانب الحياة، وعلى هذا الأساس استطاعت أن توازن بين تلك الجوانب المختلفة، وتوحّد أسسها وتجمع في إطار صيغة كاملة بين الجامع والجامعة، والمعمل والحقل. ولم يعد الإنسان يعيش حالة الانشطار بين حياته الروحيّة وحياته الدنيويّة.
5- إنّ هذه الرسالة هي الرسالة السماويّة الوحيدة التي طبّقت على يد الرسول الّذي جاء بها وسجّلت في مجال التطبيق نجاحاً باهراً واستطاعت أن تحوّل الشعارات الّتي أعلنتها إلى حقائق في الحياة اليوميّة للناس.
6-إنّ هذه الرسالة بنزولها إلى مرحلة التطبيق دخلت التاريخ وساهمت في صنعه، إذ كانت هي حجر الزاوية في عمليّة بناء أمّة حملت تلك الرسالة واستنارت بهداها، ولمّا كانت هذه الرسالة ربّانيّة وتُمثّل عطاء سماويّاً للأرض فوق منطق العوامل والمؤثِّرات المحسوسة، نتج عن ذلك ارتباط تاريخ هذه الأمّة بعامل غيبي وأساس غير منظور لا يخضع للحسابات المادّيّة للتاريخ.
7- إنّ هذه الرسالة لم يقتصر أثرها على بناء هذه الأمّة، بل امتدّ من خلالها ليكون قوّة مؤثّرة وفاعلة في العالَم كلّه، على مسار التأريخ، ولا يزال المنصفون من الباحثين الأوروبيّين يعترفون بأنّ الدفعة الحضاريّة للإسلام هي الّتي حرّكت شعوب أوروبا الغارقة في سباتها، ونبّهتها إلى الطريق.
8- إنّ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الّذي جاء بهذه الرسالة تميّز عن جميع الأنبياء الذين سبقوه بتقديم رسالته بوصفها آخر أطروحة ربّانيّة، وبهذا أعلن أنّ نبوّته هي النبوّة الخاتمة.
9- قد اقتضت الحكمة الربّانيّة، الّتي ختمت النبوّة بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أن تعدّ له أوصياء يقومون بأعباء الإمامة والخلافة بعد اختتام النبوّة. وهم اثنا عشر إماماً، قد جاء النصّ على عددهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث صحيحة اتفق المسلمون على روايتها، أولهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وبعده الحسن ثم الحسين وتسعة من آله على الترتيب التالي عليّ بن الحسين السجّاد ثمّ محمّد بن عليّ الباقر ثمّ جعفر بن محمّد الصادق ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ثمّ عليّ بن موسى الرضا ثمّ محمّد بن عليّ الجواد ثمّ عليّ بن محمّد الهادي ثمّ الحسن بن عليّ العسكريّ ثمّ محمّد بن الحسن المهدي (عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه).
10- ومع غيبة الإمام الثاني عشر الحجّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، أرجع الإسلام النّاس إلى الفقهاء، وفتح باب الاجتهاد، ليبذلوا الجهد في استنباط الأحكام الشرعيّة من الكتاب والسُّنة. وقد ترجم ذلك من خلال تدوين الرسائل العمليّة والعلميّة- الّتي بين أيدينا اليوم- الّتي يؤلّفها ويكتبها مراجعنا العظام، رحم الله الماضين منهم وحفظ الباقين حتّى ظهور الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1-سورة الحجر، الآية: 9.
2 يشير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ سورة الحجر، الآية 22.
من كتاب الرسول والرسالة سلسلة دروس في فكر الشهيد الصدر (قدس سره)
برامج
2102قراءة
2015-11-19 19:41:07