تجليات الحياة الطيبة في البيت الفاطمي
إذا أردنا أن نتلمس معالم الحياة الطيبة كما ورت في القرآن الكريم، ومن ثم معاينة تجلياتها كما ظهر في بيت الصديقة فاطمة عليها السلام يمكننا ملاحظة النقاط التالية:
1. ورد في سورة النور قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (26).
عندما دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، وكان يُقال لها يثرب، سماها المدينة، ثم بعد زواج فاطمة عليها السلام وتأسيس الأسرة النموذج والتي تم فيها اقتران الطيبين بالطيبات سماها طيبة، هذه الأسرة التي بنيت على التكافؤ "لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه" حيث أن هذا البناء الذي يقوم بنيانه على أمر فوق العدالة (تعبير الرسول: ما بني بيت أحب إلى الله من التزويج) وهو عبارة عن الحب حيث أن الإنسان في البعد الجمالي مطلق لا حدّ له، بينما الحق والعدل لهما ميزان. الميزان في بيت الوزجية هو الطيب (اشترى رسول الله لفاطمة عليها السلام بثلث مهرها طيباً.
2. {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }(58)
فنرى في الآية سنة إلهية، حيث أن الأرض الطيبة والبلد الطيب يخرج منه النبات بإذن الله، أما الخبيث فلا يخرج إلا نكداً "لاخير فيه" ولا يجرُّ على صاحبه إلا الشّرّ والبؤس. فب المذاق الشرعي عندما يتمّ الكلام عن الزواج وخصائصه تقدَّم المرأة وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ . وعندما يتكلّم الله عن مساهمة الوزجين في إنجاب الذرية نرى مساهمة الأم هي الأكبر "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ" لأن المرأة هي الأرض التي يبذر فيها، وما يضاف عليها يأتي بالدرجة الثانية، ماء المرأة مادة وماء الرجل صورة، المادة لا تفنى والصورة تفنى، ولأن المرأة هي التي تحافظ على حالة الطيب والحسن والجمال قدمت على الرجل هنا. ولذلك عندما سأل جبرائيل الله تعالى عمن تحت الكساء اليماني، اجاب: "هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها".
3. كان نتاج هذا البيت الطيب ذرية طيبة، حسن حسين محسن، وزينب هي زين الأب.
4. في سورة الأعراف يبين الله تعالى أن الشريعة مبنية على تحليل الطيب وتحريم الخبث {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِوَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِيكَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ﴿١٥٧﴾
تم المقابلة في القرآن الكريم بين الطيب والخبيث في خمسة عشر مورداً، وبيان فعل الله في تمييز الخبيث من الطيب{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ، وعدم استواء الخبيث والطيب والتفاضل بينهما، قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (100)، فكثرة الخبيث وانتشاره قد يسبب عند الناس نوع من الاختلال في تمييزه عن الطيب، ومن يمكنه التمييز هم المتقون أولو الألباب (الذين يستطيعون تجريد الحقائق مما علق بها)، وهذا من موجبات الفلاح، وفاطمة وأسرتها الميزان الذي يميز به الخبيث من الطيب، فالابتعاد عن المنهج الفاطمي في الحياة يفقد الإنسان القدرة على تمييز الخبيث من الطيب.
5. الانفاق من طيب الكسب: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ}، الإنفاق في الآية يشير إلى ما هو أوسع من الإنفاق المالي فكل ما يكتسبه الإنسان من علم وقوة وسلطة وأبناء و... عليه أن ينفق منه، بل ينفق من أطيبه ( لن تنالوا البر حتى تنقوا مما تحبون) وأطيب الكسب ما كان من صنع الإنسان وكده، وهنا يأتي السؤال ماذا أنفقت سيدة النساء عليه السلام؟
عن علي بن أعبد قال: قال لي علي عليه السلام: "ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وآله وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى. قال: إنها جرّت بالرحى حتى أثر في يدها،..." والسؤال هل طحن ما يقوت هذه الأسرة الصغيرة يلحق كل هذا الضرر بيديها الشريفتين؟ أم أن ما كانت تطحنه الزهراء عليها السلام هو لجيرانها المحتاجين ولفقراء المسلمين، بحيث أن الرسول صلى الله عليه وآله كان يرسل لها المحتاجين لتطعمهم وهذا متكرر في الروايات.
6. أكل الحلال الطيب مما رزق الله ورد في تسع آيات، يقوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فالأمر بأكل الطيب مقترن مع الشكر وعدم الطغيان والعمل الصالح، والطيب حلال، والرزق الالهي طيب.
7. الطيب كصفة للقول والكلام ورد في 4 موارد، يقوله تعالى {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ} (24) فهناك علاقة بين طيب القول والهداية، وبين صعود الكلام الطيب واقترانه بالعمل الصالح.
ختاماً: إن التوازن في تلبية الحاجات والقناعة بالضروري منها، والقيام بالواجبات، وتنمية كافة جوانب الشخصية الإيمانية (العبادة والعمل الصالح والعلم وخدمة الناس والتربية الصالحة والقيام بوظائف الزوجية) هي التي تكفل للإنسان أن يحيا في الدنيا حياة طيبة ويتنعم بجزاء الله الكريم في الآخرة. وإنما يتوفر كل ذلك باتباع المنهج الفاطمي في الحياة.
**مداخلة قدمتها الباحثة الحاجة أمل القطان.
تدريب
1609قراءة
2015-12-20 15:51:10
تدريب |