أسرار القرآن الكريم
حيّة أم ثعبان
عند التطرق إلى قصة النبي موسى(ع) في القرآن الكريم نجد أن العصا ذُكرت في ثلاثة مواقف، فتارة تتحوّل العصا إلى حيّة، وتارة تتحوّل إلى ثعبان، وفي المرّة الثالثة تلتهم العصا جميع حبال السحرة دون أن يُذكر أنّها تحوّلت إلى أيّ من الأمرين.
الموقف الأول كان عند عودة النبي موسى(ع) إلى مصر بعد أن خرج منها، وفي طريق العودة ليلاً أبصر ناراً فأراد أن يقترب منها ليستأنس بها، فناداه الله تعالى، وأمره أن يلقي عصاه، فإذا هي تتحول إلى حيّة حقيقية تهتز وتتحرك وتسعى، فخاف منها، فأمره الله ألا يخاف وأن هذه المعجزة هي وسيلة لإثبات صدق رسالته أمام فرعون. {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى*فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى*قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}(طه:19-21).
وهذا الموقف مناسب للنبي موسى(ع) لأنّ المطلوب أن يرى معجزة، وليس المطلوب أن يخاف منها، لذلك تحولت العصا إلى حية.
أما الموقف الثاني فتمثّل بقدوم النبي موسى(ع) إلى فرعون ومحاولة إقناعه بوجود الله تعالى، وعندما طلب فرعون الدّليل المادّي على صدق نبوّته، ألقى عصاه فإذا بها تتحول إلى ثعبان مبين. {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}(الأعراف:106-107).
ففي الموقف الثاني كان المطلوب إخافة فرعون لعلّه يؤمن ويستيقن بصدق موسى(ع)، لذلك تحولت العصا إلى ثعبان، أي إلى حية كبيرة.
أمّا الموقف الثالث فهو بعدما جمع فرعون السحرة وألقوا الحبال والعصيّ وسحروا أعين الناس وخُيّل لهم أنّ هذه الحبال تتحرك وتهتز وتسعى، فألقى موسى عصاه فابتلعت كل الحبال والعصي، عندها أيقن السحرة أن ما جاء به موسى(ع) حق وليس بسحر، فسجدوا لله أمام هذه المعجزة. {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون}(الأعراف: 117).
ففي الموقف الثالث أمام السّحَرَة نجد أن القرآن لا يتحدث أبداً عن عملية تحول العصا إلى ثعبان أو حية، بل نجد أن العصا تبتلع ما يأفكون. وهنا ليس المطلوب أن يخاف الناس بالثعبان، وليس المطلوب أن تتحول العصا إلى حية، بل المطلوب أن تتحرك العصا وتلتهم جميع الحبال والعصِيَ بشكل حقيقي، لإقناع السحرة والناس بأن حبالهم تمثل السحر والباطل، وعصا موسى تمثل الحق والصدق.
الإنفجار والإنبجاس
الإنفجار والإنبجاس
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾(الأعراف: 160)
﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً﴾(البقرة:60).
تتحدّث الآيتان عن العطش الشديد الذي أصاب بني إسرائيل في أثناء رحلتهم إلى بيت المقدس، فطلبوا حينها الماء من النبي موسى(ع)، فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه الحجر، ففعل ذلك فنبع الماء وشربوا ونجوا من الهلاك .
والإنبجاس لغة يعني خروج الماء بقلّة، أمّا الإنفجار فيعني خروج الماء بدفع وكثرة.
إنّ سورة الأعراف تتحدّث عن المرحلة الأولى لظهور الماء وجريانه بشكل هادئ حتّى لا يفزع القوم من شدّته، فلا تكون لهم القدرة على تنظيمه وحصره، بينما تشير الآية في سورة البقرة إلى المرحلة النهائية، حيث اشتدّ جريان الماء وتوسّعت المجاري النابعة.
الأنشطة الثقافية
1545قراءة
2016-01-05 14:06:08
doha tarhini |