تلاوة القرآن حق تلاوته
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ 1
فللقرآن حقٌ علينا وينبغي أن نوفيه حقّه برعاية جملة من الآداب الباطنيّة أثناء تلاوته والاستماع إليه.
وفي تفسير الآية يقول الإمام الصّادق (عليه السلام): "يرتلون آياته يتفهّمون معانيه يعملون بأحكامه يرجون وعده يخشون عذابه يتمثلون قصصه يعتبرون أمثاله.. وما هو بدرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده، وإنما هو تدبّر آياته". 2
وأفضل التّلاوة تلك التي تحقّق الهدف القرآني الأوّل وهو الهداية... ولحصول الهداية هناك أمور ينبغي مراعاتها، أهمّها:
1. الإخلاص في القراءة: وهو من الآداب المفيدة في تلاوة القرآن الكريم، فقد روي عم الإمام الباقر (عليه السلام): "قرّاء القرآن ثلاثة: رجل قرأ القرآن فأتخذه بضاعة، واستدر به الملوك، واستطال به على الناس، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضيع حدوده، و أقامه اقامة القدح، فلا كثر الله هؤلاء من حملة القرآن، ورجل قرأ القرآن، فوضع دواء القرآن على داء قلبه، فأسهر به ليله، وأظمأ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأولئك يدفع الله العزيز الجبار البلاء، وبأولئك يديل الله عزوجل من الأعداء، وبأولئك ينزل الله الغيث من السماء، فوالله لهؤلاء في قراء القرآن اعز من الكبريت الأحمر"3
2. التّدبّر في القرآن: ومفتاح القرآن هو التّدبّر في آياته وأغراضه، وأسباب نزوله وغير ذلك ممّا بني عليها السّور والمقاطع الكريمة. قال الجليل جلّ وعلا: ﴿ أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ 4 . وعن الزهري قال سمعت عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) يقول: "آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها"5
3. التفكّر: من آداب قراءة القرآن حضور القلب، ومن الآداب المهمّة الأخرى لذلك التّفكّر، والمقصود من التّفكّر أن يتحسّس من الآيات الشّريفة المقصد والمقصود، وحيث أنّ مقصد القرآن كما تقوله نفس الصّحيفة النّورانيّة هو الهداية إلى سبل السّلام والخروج من جميع مراتب الظّلمات إلى عالم النّور، والهداية إلى الطّريق المستقيم، فلا بد أن يحصل الإنسان بالتفكّر في الآيات الشّريفة مراتب السّلامة من المرتبة الدّانية والرّاجعة إلى القوى الملكيّة إلى منتهى النّهاية فيها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) "ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها"6
4. التّأثّر والخشية: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾7، فالخشية من الله من أهمّ الميّزات التي يستقيها القارئ من القرآن، وهذا يعود للجانب التّأثيري للقرآن الكريم على كل الموجودات، كما أنّ الرّوايات ركّزت على هذه السّمة، ولذلك، عندما سُئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن أحسن النّاس صوتاً بالقرآن، أجاب صلى الله عليه وآله: "من إذا سَمِعتَ قِرَاءَتَه رأيتَ أنه يخشى الله" 8
5. البكاء والحزن: فالقرآن الكريم كلام الحق، ومن الأدب حين نقرأ هذا الكلام أن نكبّره ونعظّمه. ومن كمال الأدب أيضاً ونحن نقرأه، أن نستحضر الحزن في قلوبنا والدّمعة في عيوننا، والخوف والشّفقة في نفوسنا كما هو حال النبي (صلى الله عليه وآاله وسلم) حين كان يستمع إلى القرآن الكريم، فقد كانت عيناه تفيضان بالدّمع. وكان (صلى الله عليه وآاله وسلم) يقول: "ما من عين فاضت من قراءة القرآن إلا قرت يوم القيامة"9
6. التّطبيق: ومن الآداب المهمّة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة واستفادة غير محدودة هو التّطبيق. فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون﴾10
فكما أنّ خُلُق الرسول كان القرآن، فينبغي على القارئ المؤمن أن يكون خُلُقه القرآن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سورة البقرة الآية 121
2 ميزان الحكمة، ج3، ص 2526
3 أصول الكافي، ج2، ص 604
4 سورة محمد، الآية 24
5 بحار النوار، ج92، ص 219
6 زبدة البيان، المحقق الأردبيلي، ص 140
7 سورة الحشر، الآية 21
8 تنبيه الخواطر، ص 195
9 ميزان الحكمة، ج3، ص 2529
10 سورة الأنفال، الآية 2
الأنشطة الثقافية
1850قراءة
2016-01-05 14:37:56
تنمية مجتمع |