التسبيحات الأربعة بكلام الإمام الخامنئي (2)
إنّ الإنسان طوال حياته الزّاخرة كان دوماً ولأجل الحصول على الفوائد المتنوّعة والإمتيازات الصّغيرة والكبيرة ولأجل البقاء بضعة أيامٍ أخرى على قيد الحياة، وحتى في كثير من الأحيان من أجل الخبز يفتح فمه بالثّناء على الذين يساوونه في الخلقة وليس لديهم ما يسمون به عليه، ويضحّي بنفسه وماله من أجل أسياده، لأنّه كان يراهم مصدر النّعمة، فيستجيب ويرضخ لعبوديّة سيّده، عبوديّة الجسد للرّوح والفكر.
إنّ استذكار كون جميع المحامد لله يُفهم منه أنّ جميع النّعم لله. فالحقيقة إذاً أن لا أحد يملك شيئاً ليمكّنه أو يحق له أن يسترق أحداً ويجعله مطيعاً وأسيراً له. وهذا ما يعلّم الأرواح الضّعيفة والقلوب المسحورة والعيون المنخدعة بالنّعم أيضاً أن لا تحسب رحمة وعطاء الأرباب والأسياد الضئيل شيئاً، ولا تعدّه منهم، ولا تسلم قيادها، أو تتحمّل الحرمان من أجله، ولتعلم أنّ المحتكر له غاصب ومعتد.
هذا هو شعار الإسلام الذي يظهر الرّؤية الكونيّة والأيديولوجيّة لهذه العقيدة. وفي هذا الشّعار نفي وإثبات.
ففي البداية ينفي الإنسان كل القدرات الطّاغوتيّة وغير الإلهيّة ويخلّص نفسه من ربقة العبوديّة لكل القوى الشّيطانيّة ويقطع كل يد أو رجل تسحبه بكل شكل من الأشكال نحو طريق ما، وبرفض كل قدرة غير قدرة الله وكل نظام إلا النّظام الالهي، وكل البواعث إلا البواعث التي يرتضيها الله، وبهذا النّفي العظيم يتحرّر من كلّ ذلّ وإنكسار وقيد وأسر وعبوديّة.
عبودية الله تعني صياغة الحياة طبقاً لأوامر الله الحكيمة والعيش في ظل نظام إلهي التي تكون خطوطه العامّة مرسومة طبقاً لقانون الله، والتحرّك بجميع القوى والجهود الممكنة لإيجاد هذا النّظام وهذه السّعادة.
نحن لسنا أعداء للنّظم الأخرى، بل نحن نشفق عليها، هذا كلام الأنبياء وهم آباء البشر المشفقين عليهم، إنهم يعلّمون صانعي ومهندسي البيوت التي يجب أن تسكن فيها الإنسانيّة، أي الذين يشيّدون النظم الاجتماعيّة. إنّ الإنسان لا ولن يمكنه أن يسعد إلا في ظل نظام ربّاني وتوحيدي. وقد أثبت التاريخ وقد رأينا ونرى كم عانت البشريّة في ظلّ النّظم غير الالهيّة وكيف مسخ وأي شقاء حلّ به.
بعد هذا النّفي يشعر الإنسان العادي الذي ما زال عالقاً في لجّة الواقعيّات الجاهليّة، بالغربة والوحدة، فهو من جهة يرى عياناً إنهيار الأسس التي كانت تبدو حتى وقت قريب راسخة، ومن جهة أخرى توحي له الجاهليّة بأنّها ما زالت ثابتة كالجبل.
نفس الأشياء التي نفاها تعرض له وجودها محاولةً إرعابه في نفس اللحظة التي يقول فيها _الله أكبر _ من كلّ شيء، من كلّ شخص، من كل القدرات والمقتدرين، ومن أين يوصف، وهو مهندس السّنن والقوانين الكونيّة للعالم سواء في مجال الطّبيعة أم في التّاريخ.
فالنّصر الإلهي في ظل التّناغم مع هذه القوانين والسّنن لن يتيسّر إلا بالالتزام بأوامره، فعباده الخاضعون له هم الجبهة المنتصرة الوحيدة في ملاحم التّاريخ البشري.
وكان محمد (صلى الله عليه وآله) مدركاً لهذه الحقيقة تماماً ويؤمن بها بكل وجوده ويتلمّسها.
إنّ من يجد نفسه ضعيفاً مسلوب الإرادة أمام القدرات البشريّة إذا أدرك أنّ أعظم قوّة وسلطة هو الله تعالى فسوف يطمئن قلبه، ويهدأ وتتوهّج في باطنه قوّة فريدة تجعل منه الأفضل والأقوى.
هذه كانت خلاصة محتوى ومفاد الجمل الأربع التي تتكرّر في الرّكعتين الثّالثة والرّابعة حال القيام.
الأنشطة الثقافية
1899قراءة
2016-01-07 09:23:27