وضوء التوابين
غريب أنت أيها الإنسان في عالم الدنيا! نزلت إليها باكياً مستوحشاً، فهي ليست المكان الذي تريد، قلبك وروحك يعشقان عالم الأنس والصفاء والجمال، حيث تقترب الروح من بارئها، فتنعم بنور وجهه وظل جماله السرمدي.
لقد أتيناكِ أيتها الدنيا مكرهين، ثم ركنا إليك...
نعم أيتها الدنيا، لا مناص من العبور في أوديتكِ، فيكِ تظهر الطّاعات والعبادات، وتتجلّى مظاهر العبودية لله الواحد القهار.
اعلموا أنّ للصّلاة حقيقة غير الصّورة الخارجيّة، فلها آداب باطنيّة ومعنويّة، والطّهارة شرط من شروطها الظّاهرية والباطنيّة...
أما الظّاهر منها، فهي الأحكام الفقهيّة التي بيّنها مراجعنا العظام.
أما المعنوي منها، فتختصر في قول الإمام الخميني قدس الله روحه الطاهرة:
"ليست الطّهارة مقتصرة على إزالة النّجاسة والخبث الظّاهريين، فالنّجاسات الباطنيّة أشدّ قذارة من النّجاسات الظّاهرية، وهذا الماء الظّاهري وإن كان يصلح لتطهير النّجاسات الظّاهرية، لكن لا يصلح لتلك الأمراض والنّجاسات المعنويّة، أي نجاسة أعظم من حب الدّنيا!! فهي منبع الرّذائل، ورأس كل خطئية، وتحتاج إلى ماء خاص، وهو ماء الرّحمة الإلهيّة، وليكن حالنا أثناء التّطهير بالماء أن ندعو المولى عز وجل بأن يطهّر قلوبنا من نجاسة حبّ الدّنيا".
وينبغي معرفة أنّ كلّ صلاة من صلوات السّالكين إلى الله تعالى مشروطة بطهارة خاصّة بها لا يمكن التوصّل إلى تلك الصّلاة بدونها، فظاهره لا يمسّه إلا أهل الطّهارة الظّاهرية، وباطنه لا يمسّه إلا أهل الطّهارة الباطنيّة، وسرّه لا يمسّه إلا أهل الطّهارة السّرية.
إذن، فلا يصل إلى صلاة أهل الباطن إلا من غسل يديه ووجهه في منبع الحياة القلبيّة، ومن مسح بفضلة ذلك من الرّأس إلى القدم ومن أول محل الإدراك إلى منتهى آلة التّحريك، فيعدّ نفسه طاهرة مطهّرة بصورة كاملة للدّخول إلى زقاق الحبيب.
وقد ورد في بحار الأنوار في حديث صلاة المعراج: "قال ربي عز وجل: يا محمد مد يدك،فيتلقاك ماء يسيل من ساق عرشي الأيمن، فنزل الماء فتلقيته باليمين، فمن أجل ذلك أول الوضوء باليمنى، ثم قال: يا محمد! خذ ذلك فاغسل به وجهك - وعلمه غسل الوجه فإنك تريد أن تنظر إلى عظمتي وأنت طاهر، ثم اغسل ذراعيك اليمين واليسار - و علمه ذلك - فإنك تريد أن تتلقا بيديك كلامي وامسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك ورجليك إلى كعبيك - وعلمه المسح برأسه ورجليه - وقال إني أريد أن أمسح رأسك وأبارك عليك، فأما المسح على رجليك فاني أريد أن أوطئك موطئاً لم يطأه أحد قبلك، ولا يطأه أحد غيرك، فهذا علة الوضوء والأذان".
أخوتي...
الصّلاة معراج المؤمن، فاجهدوا أن تستقبلوا الصّلاة بوضوء التّوابين، واعلموا أنّ عدم مراعاة مقدّمات الصّلاة والتي منها الوضوء من شأنه عدم التّوفيق والخشوع في الصّلاة، فاطلبوا بقلبٍ صادقٍ أن يوفقكم الله للتّوبة، وحاشا لله أن لا يقبل من التّوابين!
الأنشطة الثقافية
1499قراءة
2016-01-07 11:13:22