من كلام لأمير المؤمنين وسيد المتقين علي عليه السّلام
قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): "لو فكَّروا في عظيم القدرة وجسيم النّعمة، لرَجَعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولَكِنِ القلوبُ عليلةٌ، والبصائر مدخولة، ألا ينظرون إلى صغير ما خَلَقَ كيف أحكم خلقه، وأَتْقَن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوَّى له العظم والبشر.
انظروا إلى النّملة في صِغَرِ جُثَّتِها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تُنالُ بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفِكَرِ، كيف دبَّت على أرضها، وصُبَّت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتُعِدُّها في مُستَقَرِّها، تجمع في حَرِّهَا لبردها وفي وِرْدِها لصَدَرِهَا، مكفولٌ برزقها، مرزوقةٌ بِوِفْقِهَا، لا يغفلها المنَّان، ولا يحرِمُها الدَّيـَّان، ولو في الصَّفا اليابِسِ والحجر الجامس.
ولو فكَّرت في مجاري أكلها، وفي عُلْوِهَا وسُفْلِهَا، وما في الجوف من شَرَاسِيفِ بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولَقِيتَ من وصفها تعباً، فتعالى الذي أقامها على قَوَائِمِهَا وبناها على دَعَائِمِهَا، ولم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر، ولو ضَرَبْتَ في مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غاياتِهِ، ما دلَّتك الدلالة إلاَّ على أنَّ فاطر النملة هو فاطر النخلة لدقيق تفصيل كلِّ شيءٍ وغامضِ اختلافِ كُلِّ حيٍّ، وما الجليلُ واللَّطيفُ، والثقيلُ والخفيفُ، والقويُّ والضعيفُ في خلقه إلاَّ سواء.
وكذلك السماءُ والهواءُ، والرياحُ والماءُ، فانظر إلى الشمسِ والقمرِ، والنباتِ والشجرِ، والماءِ والحجرِ، واختلافِ هذا الليلِ والنهـارِ، وتفجُّـرِ هـذه البحـارِ، وكثـرةِ هـذه الجبـالِ، وطـولِ هذه القلالِ، وتفرُّقِ هذه اللغاتِ، والألسنِ المختلفات.
فالويلُ لمن أنكر المقدِّر، وجَحَدَ المدبِّرَ، زعموا أنَّهم كالنَّبات ما لهم زارعٌ، ولا لاختلاف صورهم صانعٌ، ولم يلجؤوا إلى حجَّة فيما ادعوا، ولا تحقيقٍ لما أَوْعَوْا، وهل يكُونُ بناء من غير بانٍ، أو جنايةٌ من غير جانٍ.
دليلة
1583قراءة
2015-12-14 22:59:37
دليلة |