المسجد في فكر الإمام الخميني (قدس)
"أحيوا الثورة من خلال المساجد، التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة"
الإمام الخميني"قدس"
مقدمة
المسجد حبل متصل بين الأرض والسماء، تراه بقببهِ العالية ومآذنه المرتفعة كأنّه وجه منفرد ويد ممدودة إلى السماء.
المسجد مكان الطهارة حيث لا دنس مادي أو معنوي، منطقة حُرّمت على الشياطين وانقطعت عن الأهواء، فصارت مهد الإيمان ومنهل الصفاء والإخلاص.
المسجد فُلك إلهي في بحر الدنيا الضاري، لا تكسر سواريه العواصف ولا تقذف من فيه الأمواج، مدرسة قد خصها الله تعالى باسمه حتى صارت بيوته!
فهل نحن من طلاب هذه المدرسة
وهل دوننا الله تعالى زمرة أبناء المسجد؟
هل استأنسنا بالمسجد واستأنس بنا؟
لنحاكم أنفسنا بعض الشيء ونحن نطالع هذه الوريقات التي تحدثنا عن المسجد بيت الله وتذكرنا بدوره وتكليفنا تجاهه.
مركز الإمام الخميني الثقافي
الفصل الأول: مكانة المسجد
المسجد محور الحركة الإسلامية
عندما هاجر النبي "ص" من مكة إلى المدينة ليبدأ بصياغة معالم المجتمع الإسلامي كانت أول خطوة قام بها "ص" أن بنى مسجد المدينة، كخطوة أولى وكحجر أساس لهذا المجتمع، ومنذ تلك اللحظة صار المسجد محور الحركة الإسلامية كلها في المجتمع ليس كمجرد عرف تعارف عليه المسلمون، بل شرع ومنهج أكدت عليه الروايات وأكد عليه القرآن الكريم بالإضافة إلى سيرتهم"ع" كما سيظهر جلياً خلال طيات هذا الكتاب.
وقد شددت الروايات على ضرورة احترام هذه المركزية وحفظها حتى ورد عن أمير المؤمنين "ع": " ليس لجار المسجد صلاة إذا لم يشهد المكتوبة في المسجد، إذا كان فارغاً صحيحاً".
فهذه الرواية تؤكد على المسلم وتنبه إلى ضرورة أداء الصلاة الواجبة في المسجد، وتحث جار المسجد على حضور صلاة الفريضة فيه ما لم يكن معذوراً لمرض أو غيره من الأعذار الشرعية.
من هو جار المسجد؟
ربما يتصور البعض أن الجار هو من كان بيته ملاصقاً للمسجد، ولكن الروايات تفسره بأوسع من ذلك بكثير، حيث اعتبرت أن الجيرة تمتد لمسافة أربعين داراً، ففي الرواية عن أمير المؤمنين "ع": " حريم المسجد أربعون ذراعاً والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها".
وبعضها فسَّرت الجار بأنه من سمع النداء" أي الآذان"، فعن أمير المؤمنين"ع": " لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، إلاّ أن يكون له عذر أو به علة، فقيل ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين ؟ قال: " من سمع النداء".
فإذا كانت أوقات الصلاة الفريضة ثلاث فهذا يعني انه سيتردد إلى المسجد يومياً ثلاث مرات، وهذا بالطبع سيعطي المسجد صفة المحورية بالنسبة لحركة الإنسان المسلم.
وعندما هاجر الإمام الخميني "قده" بالشعب المسلم في إيران من حكم الفراعنة ومجتمع الملوك، والسلاطين، إلى حكم الله تعالى ومجتمع التوحيد العملي، عاد ليضع حجر الأساس لهذا المجتمع ويؤكد عليه من جديد ألا وهو المسجد.
يقول الإمام الخميني "قده": " اسعوا في إعادة المساجد إلى ما كانت عليه في صدر الإسلام، ولتنتبهوا إلى انه ليس في الإسلام عزلة أو اعتزال".
ويوضح في كلمة أخرى ما هو المقصود بالضبط من إعادة المسجد إلى ما كان عليه في صدر الإسلام فيقول: " كان المسجد في الإسلام وفي صدر الإسلام دوماً مركزاً للتحرك الإسلامي وكان الإعلام الإسلامي يبدأ من المسجد، وتنطلق الجيوش وقوى المسلمين منه لدحر الكفار وإدخالهم تحت لواء الإسلام. فالمسجد في صدر الإسلام كان مركزاً للتحرك والانطلاق دوماً.
فالمسجد ليس مجرد مرجع روحي للفرد المسلم بل هو محور لعمل الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي أيضاً.
رمزية المسجد:
إن الأمام الخميني "قده" يعرض مفهوم المسجد ليس من جهة كونه بناء يتردد إليه الناس في أوقات من النهار، بل يتوسع بهذا المفهوم، ليجعله يشير إلى ساحات معينة يصل الإنسان المخلص في كل نشأة من نشآت وجوده. فهو المعنوية التي تعبر عن الاتصال بالله سبحانه وتعالى، والتوجه والانقياد إليه سبحانه.
ويشير الإمام الخميني "قده" إلى ثلاث من هذه النشآت:
أ: النشأة الطبيعية والمرتبة الظاهرية الدنيوية، ومكانها أرض الطبيعة، قال رسول الله "ص": "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً".
ويقول "قده": " فللسالك أن يفهم نفسه ويذوق بذائقة روحه أن دار الطبيعة هي مسجد عبادة الحق وانه قدم إلى هذه النشأة لأجل هذا المقصد كما يقول الحق جل وعلا {وما خلقت الجن والأنس إلاّ ليعبدون}...".
وإذا كانت الدنيا كلها مسجداً فهذا يعني أن المؤمن فيها بحالة اعتكاف مستمر. يقول الإمام الخميني"قده": " فإذا وجد دار الطبيعة مسجداً للعبادة ورأى نفسه معتكفاً فيه، لا بد وان يقوم بآدابه ويصوم عن تذكر غير الحق، وألاّ يخرج عن مسجد العبودية إلاّ بقدر الحاجة. فإذا انقضت حاجته يعود ولا يستأنس بغير الحق ولا يتعلق قلبه بغيره، فإن هذا كله خلاف آداب العكوف على باب الله...".
2ـ مرتبة القوى الظاهرة والباطنة التي هي جنود ملكية وملكوتية للنفس، ومحلها الأرض الطبيعية الإنسانية، وهي هذه البنية والبدن.
حيث يجعل هذه النفس مسجداً يحرم دخول الشياطين عليه ويسجد فيها جنود النفس. يقول الإمام الخميني "قده": " وأدب السالك في هذا المقام أن يفهم باطن قلبه بأن أرض الطبيعة نفسه وهي مسجد الربوبية ومحل السجدة للجنود الرحمانية".
وأحكام المسجدية تسري عليه. فلا يجوز تنجيسه بنجاسات الأعمال الشيطانية والهوى. يقول الإمام الخميني "قده": " فلا ينجسها بقاذورات تصرف إبليس كي تشرق أرض الطبيعة بشروق نور الرب وتخرج عن ظلمة البعد عن الساحة الربوبية وكدورته. فيرى قواه الملكية الملكوتية معتكفة في مسجد البدن ويعامل بدنه معاملة المسجد. ومع قواه بعين العكوف إلى فناء الله، وتكليف السالك في هذا المقام أكثر لأن تنظيف المسجد وطهارته أيضاً على عهدته كما انه بنفسه أيضاً يتكفل أدب المعتكفين في هذا المسجد.
3ـ "النشأة الغيبية للسالك ومحلها البدن البرزخي الغيبي للنفس الذي يتكون بإنشاء النفس وخلاقيتها" . وهذه النشأة تعتبر الأساس ولها انعكاسها على باقي النشآت. ويشير إلى ذلك الإمام الخميني "قده": " والأدب للسالك في هذا المقام أن يذوق نفسه أن التفاوت بين هذا المقام والمقامات الأخر كثير وحفظ هذا المقام هو من مهمات السلوك لأن القلب هو إمام المعتكفين في هذا الجانب وبفساده يفسد الجميع، إذا فسد العالِم فسد العالَم".
ويختلف هذا المقام عن المقامين السابقين لأن تكليف الإنسان لا ينحصر بتطهيره ورفع الدنس منه والتعامل معه كمسجد، بل هو مكلف ببناء هذا المسجد من الأساس، فهذا يختلف عن سابقيه في أن بناء هذا المسجد النفسي عهدته على الإنسان فعليه أن يبدأ بهذا البناء ليصل بعد ذلك إلى الاعتكاف. يقول الإمام الخميني "قده": "وتكاليف السالك في هذا المقام تكون أكثر من هذين المقامين لأنه قد كلف بناء المسجد أيضاً بنفسه ومن الممكن لا سمح الله أن يكون مسجده مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المسلمين، ولا يجوز في هذا المسجد الملكوتي الإلهي بيد التصرف الرحماني وبيد الولاية وطهر بنفسه هذا المسجد عن جميع القاذورات والتصرفات الشيطانية واعتكف فيه فلا بد له أن يجاهد حتى يخرج نفسه من العكوف في المسجد ويعتكف بفناء صاحب المسجد فإذا تطهّر عن التملق بالنفس وخرج عن قيد نفسه يصير هو بنفسه منزلاً للحق بل مسجداً للربوبية ويثني الحق على نفسه في ذاك المسجد بالتجليات الفعلية ثم الاسمائية ثم الذاتية وهذا الثناء هو صلاة الرب يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح".
وبعد كل هذا يتضح أن حجر الأساس للمجتمع الإسلامي ومحور حركة الإسلام المسلم الرسالي، كل ذلك تختصره كلمة " المسجد"!
فما هو المسجد؟
المسجد بيت الله
{وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً} .
أن يكون الشيء لله سبحانه وتعالى فهذا يعني أن هذا الشيء هو خير محض ومحور هداية وصفاء إلهي في سماء هذه الدنيا الملبدة بغيوم الوهم والضياع.
أن يكون الشيء لله فهذا يعني انه رافد إلهي يستمد منه الإنسان زاده في هذه الدنيا القاحلة الجرداء لو لا هذه الروافد.
هذا إذا كان الشيء لله سبحانه وتعالى، ولكن المسجد ليس مجرد شيء لله سبحانه بل هو بيت الله كما تصفه الروايات.
فعن الإمام الصادق "ع": "عليكم بإتيان المساجد فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء".
فما المقصود من كلمة "بيت الله"؟
بيت الشيء هو الذي يتوقع أن يصاب فيه هذا الشيء فبيت المال ـ مثلاً ـ هو المكان الذي تجمع فيه الأموال لتوزع بعد ذلك بين الناس. وبيت الإنسان هو المكان الذي يمكن أن تقصده فيه لتجده وتستفيد منه في حاجتك، وهكذا كل شيء جعلنا له بيتا...
وبيت الله هو المكان الذي يُتوقع فيه الاتصال مع الله تعالى والحصول على عونه وطلب الخير منه، حيث يكون الإنسان في المسجد أقرب إلى الله تعالى من الجهة الروحية، منقطعاً عن العوامل التي تشغله وتمنعه من التوجه إلى الله.
وقد نتساءل هنا: على ماذا سنحصل في المسجد يا ترى؟
فبيت المال نجد فيه المال، وبيت السلاح نجد فيه السلاح، وهكذا... فكلمة الله تعالى ماذا أرادت أن تختصر، وبالتالي ماذا يمكننا أن نجد في بيت الله؟
بعض الناس قد يقصدون المسجد للعبادة فقط.
وبعضهم يقصدونه لطب الرحمة والمغفرة.
وآخرون يقصدونه لطب التوفيق في الدنيا...
فهل المسجد بيت يتوقع فيه مغفرة الذنوب فقط؟ أو يتوقع فيه التوفيق في الدنيا فقط؟ أم هو للعبادة فقط؟
لو كان المطلوب من المسجد أحد هذه الأمور دون غيرها لكان المناسب أن نسميه بها. فنقول: بيت الرحمة، أو بيت المغفرة، أو بيت العبادة...
لكننا نجد أن الإسلام لم يسمه بهذه الأسماء بل سماه " بيت الله"، فما ميزة هذا الاسم المقدس " الله"؟
ميزته انه لا يشير إلى صفة إلهية دون غيرها من الصفات، وإنما هو جامع للصفات كلها، وقد قال تعالى عن نفسه {أينما تولوا فثم وجه الله}.
وعليه فبيت الله هو بيت شامل يتوقع فيه كل شيء له علاقة بالصفات الإلهية، فهو منطلق لكل الخيرات على جميع المستويات، كما اخبر عن نفسه {الحمد لله}، فكل خير وكل أمر يستحق الثناء هو لله تعالى، والمسجد هو بيته ومركزه، وسنذكر ذلك بالتفصيل في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى.
فما هو تكليفنا تجاه هذه البيت وهذه النعمة؟
الفصل الثاني: تكليفنا تجاه المسجد
بناء المسجد
إن المسجد يشكل وجه المجتمع الإسلامي وقلبه.
هو وجه لأنه بقببه العالية ومآذنه المرتفعة يضفي جواً خاصاً في المجتمع ويظهر هوية هذا المجتمع.
ومن المشكلات الأساسية في المجتمعات الإسلامية مشكلة ضياع الهوية وإنكار الذات وتقليد الغير. فهذه المآذن والقبب بمجرد وجودها تعطي هوية المجتمع لتلقي بظلال هذه الهوية على الكثير من مسلكيات المجتمع.
وهو قلب المجتمع لأن المسجد هو الذي يضخ في المجتمع أفراداً متدينين صالحين، وهو الذي يقوي شوكة الصلاح ويضعف الفساد.
وقد رأينا في أم العين كيف تحولت مجتمعات من الفساد إلى الصلاح بمجرد إيجاد مسجد فيها استطاع أن يعطي روحاً جديدة في المجتمع.
لذلك نجد في الروايات الحث على بناء المساجد والتأكيد على ذلك:
عن الإمام الصادق "ع": من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة، قال: أبو عبيدة فمرّ بي أبو عبد الله"ع" في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذلك فقال: نعم".
وعن النبي الأكرم"ص": " من بنى مسجداً ليذكر الله فيه بنى له بيت في الجنة ومن اعتق نفساً مسلمة كان ذلك العتق فدية له من جهنم، ومن شاب شيبته في سبيل الله كانت له نوراً يوم القيامة".
ولذلك نجد الإمام الخميني "قده" يؤكد على ضرورة بناء المساجد حيث يقول: " من المستحبات الأكيدة بناء المسجد، وفيه اجر عظيم وثواب جسيم. وقد ورد انه قال رسول الله "ص": من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه" أو قال: بكل ذراع منه، مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ ـ الحديث ـ ".
فيجب أن تعيش مجتمعاتنا ثقافة بناء المساجد حتى يصح إيجاد المسجد في المناطق هماً يحمله كل مسلم في قلبه ليبذل طاقاته في سبيل ذلك.
لا تهجروا المساجد
يقول الإمام الخميني "ع" لا تهجروا المساجد فإن ذلك هو تكليفكم".
إذا كان المسجد هو محور حركة الإنسان المؤمن الرسالي فهجره والتخلي عنه يعني تفكك نواة الإسلام وتشتت المجتمع الإسلامي، وهو من أخطر الأمراض الداخلية التي يمكن أن يبتلى بها المجتمع الإسلامي. حتى اعتبر الإمام الخميني "قده" أن بقاء الإسلام يعتمد على حفظ دور هذه المساجد!
يقول الإمام الخميني "قده": " إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم".
وهذا ما أشارت إليه الروايات أيضاً، فعن الإمام الصادق "ع": " شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله عز وجل إليها: وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي ولا جاوروني في جنتي.
فعدم قبول الصلاة وعدم نيل الرحمة يشير إلى أن أعمالهم تفقد قيمتها وهي بالتالي تفقد آثارها المرجوة، فتصبح أعمالهم ـ وإن كثرت ـ لا ثمار لها على المستوى الاستراتيجي وإن فرض ظهور بعض الثمار المرحلية لها، وهذا يعني ضياع المجتمع الإسلامي وتفككه بشكل تدريجي.
والنعمة إذا وجدت ولم يعطها الإنسان حقها ولم يستفد منها تحولت إلى نقمة، فعن الإمام الصادق "ع": " ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: "مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه".
أجارنا الله من شكوى المساجد ونعوذ به أن تكون المساجد خصيماً لنا يوم القيامة.
عمران المساجد
فالمطلوب إذاً عمران المساجد بمعنى كثرة التردد إليها وإعطاؤها دور المحورية في الحركة التي نقوم بها حتى تكون هذه الأعمال مقبولة وتحت عناية الله سبحانه وتعالى: " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدي".
وعن الرسول الأكرم "ص" " في التوراة مكتوب: أن بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة".
ليس هذا فقط بل المطلوب أيضاً إكثار الجلوس في المساجد حتى تصبح أرواحنا مجبولة على سكونه ونفوسنا مستأنسة بزواياه، وقد شجع الإسلام على ذلك، فعن النبي الأكرم"ص": "يا أبا ذر! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات وتمحي عنك عشر سيئات".
فالمطلوب إذا أن يكون كل فرد منا من أبناء المسجد مداوماً على التواجد فيه.
لكن بشرط أن تبقى المساجد بيوتاً لله سبحانه وتعالى ولا نحولها إلى بيوت لنا. فعلينا أن نحافظ على احترامها وقدسيتها ونلاحظ إننا في حضرة الله سبحانه وتعالى وفي بيته.
وقد أشارت الروايات إلى بعض الإرشادات في هذا السياق لتعلمنا كيف نتعامل مع المساجد.
احترام المسجد
هناك عدة معايير أشارت إليها الروايات للجلوس في المسجد، نذكر بعضها:
1 ـ عدم ارتكاب الحرام: ففي الرواية عن النبي الأكرم"ص": " الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة، ما لم يحدث، قيل: " يا رسول وما الحدث؟ قال: الاغتياب".
فارتكاب المحرم وخصوصاً الغيبة التي يمكن ارتكابها في المسجد أكثر من غيرها من المحرمات سيسلب فضل الجلوس في المسجد.
2 ـ عدم رفع الصوت: عنه"ص": " جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم إلاّ بذكر الله تعالى".
3 ـ ترك اللغو: " فعن رسول الله"ص" ـ وقد سأله أبو ذر عن كيفية عمارة المساجد ـ: "لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلاّ نفسك".
4 ـ إتيانها بهيئة مناسبة: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} وترك المنفرات، ففي الرواية عن النبي الأكرم"ص":" من أكل من هذه البقلة المنتنة (يعني الثوم) فلا يقرب مسجدنا، فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا باس.
5 ـ عدم جعلها مجرد ممر: من اللازم الحفاظ على روحيتها وهيبتها الخاصة، عن النبي الأكرم"ص": " لا تجعلوا المساجد طرقاً حتى تصلوا فيها ركعتين".
6 ـ الاشتغال بالمستحبات: عنه"ص":"كل جلوس في المسجد لغو إلاّ ثلاثة: قراءة مصلٍّ، أو ذكر الله، أو سائل عن علم".
7 ـ روحية الدخول إلى المسجد: في الرواية عن الإمام الصادق"ع":" إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت باب بيت ملك عظيم لا يطأ بساطه إلاّ المطهرون، ولا يؤذن بمجالسة مجلسه إلاّ الصدّيقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك فانك على خطر عظيم إن غفلت هيبة الملك، واعلم انه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك... واعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك بين يديه. فإنك قد توجهت للعبادة له والمؤانسة، واعرض أسرارك عليه.
ولتعلم انه لا تخفى عليه أسرار الخلائق أجمعين وعلانيتهم، وكن كأفقر عباده بين يديه، واخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك، فإنه لا يقبل إلاّ الأطهر والأخلص، وانظر من أي ديوان يخرج اسمك، فإن ذقت من حلاوة المناجاة، ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليه وإجابته، فقد صلحت لخدمته، فأدخل فلك الأمن والآمان، وإلاّ فقف وقوف مضطر قد انقطع عن الحبل، وقصر عنه الأمل، وقضى عليه الأجل، فإذا علم الله عز وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر إليك بعين الرحمة والرأفة والعطف ووفقك لما يحب ويرضى فانه كريم يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه المحترقين على بابه لطب مرضاته. قال الله عز وجل: {أمّن يجيب المضطر إذا دعاه...}.
يقول الإمام الخميني "قده" تعليقاً على هذه الرواية بعد ذكرها بتمامها: " وحيث أن هذا الكلام الشريف دستور جامع لأصحاب المعرفة وأرباب السلوك إلى الله نقتله بتمامه فلعله يحصل حال من التدبير فيه، ومحصل قوله عليه السلام انه إذا وصلت إلى باب المسجد فانتبه إلى أي باب وصلت؟ وأي جناب قصدت؟ فاعلم انك وصلت إلى جناب السلطان العظيم الشأن الذي لا يضع أحد قدمه على بساط قوية إلاّ إذا طهر وتطهر من جميع أرجاس عالم الطبيعة والأرجاس الشيطانية ولا يصدر الأذن لمجالسته إلاّ الذين يقدمون عليه بالصدق والصفاء والخلوص من جميع أنواع الشرك الظاهر والباطن، فاجعل عظمة الموقف والهيبة والعزة والجلال الإلهي نصب عينيك ثم ضع قدمك إلى جناب القدس وبساط الأنس فانك واقع في مخاطرة عظيمة...
فإنك وردت إلى جناب القادر المطلق يجري ما يشاء في مملكته، فإما أن يعاملك بالعدالة ويناقش في الحساب فيطالب بالصدق والإخلاص وتحجب عن الجناب وترد طاعتك وإن كثرت، وأما أن يعطف إليك طرفه ويقبل بفضله ورحمته طاعاتك التي هي لا شيء ولا قيمة لها ويعطيك ثوابه العظيم فإذا عرفت الآن عظمة الموقف فاعترف بعجزك وتقصيرك وفقرك وإذا توجهت إلى عبادته وقصدت المؤانسة معه ففرغ قلبك عن الاشتغال بالغير الذي يحجبك عن جمال الجميل وهذا الاشتغال بالغير قذارة وشرك، ولا يقبل الحق تعالى إلاّ القلب الطاهر الخالص، وإذا وجدت في نفسك حلاوة مناجاة الحق وذقت حلاوة ذكر الله وجرعت من كأس رحمته وكراماته ورأيت حس إقباله وإجابته في نفسك فاعلم انك صرت لائقاً لخدمته المقدسة، فادخل فإذنك مأذون ومأمون، وإذا ما وجدت في نفسك هذه الحالات فقف بباب رحمته كالمضطر الذي انقطعت عنه جميع العلاجات وبعد عن الآمال وقرب إلى أجله فإذا عرضت ذلتك ومسكنتك والتجأت إلى بابه ورأى سبحانه منك الصدق والصفاء فلينظر إليك بعين الرحمة والرأفة ويؤيدك ويوفقك لتحصيل رضاه فانه الذات المقدسة لكريم ويحب الكرامة لعباده المضطرين كما يقول تعالى: {أمّن يجب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}.
فتكليفنا إذاً هو عمران المساجد، وعمران المساجد هذا يجب أن يكون مع الحفاظ على آدابها.
كرامة معمري المساجد عند الله تعالى
عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: " إن الله إذا أراد أن يصيب أهل الأرض بعذاب وقال: " لو لا الذين يتحابون فيَّ، ويعمرون مساجدي، ويستغفرون بالأسحار، لولاهم لأنزلت عذابي".
ولكن لماذا عمران المساجد؟ وما هو المتوقع منه؟ وما هي الفوائد التي يمكن أن نحصل عليها إذا التزمنا بذلك.
الإمام الخميني "قده" أشار إلى حقائق إسلامية ذكرتها الروايات وأكّدتها التجربة، فلنقرأ معاً.
الفصل الثالث: دور المسجد في بناء الفرد
المسجد مربي الأجيال المؤمنة
إن للتربية أهمية خاصة في بناء الإنسان الصحيح والسليم، لأنها تؤمن الأجواء الملائمة التي تساعد الإنسان على التوجه نحو الحق وصرف طاقاته في الاتجاه الصحيح لتثمر بعد ذلك من صلاح الدنيا وطيبات الآخرة.
والمسجد له دوره الأساسي على مستوى التربية والتوجيه.
يقول الإمام الخميني "قده": " يجب أن تكون المساجد مراكزاً للتربية الصحيحة، وأكثر المساجد كذلك، بحمد الله".
ويقول "قده": " ينبغي أن تكون المساجد محالاً للتربية والتعليم بالمعنى الحقيقي وبجميع الأبعاد".
فالمسجد هو تلك الأرض الخصبة الطيبة التي إن زرعنا فيها الإنسان اهتزت شجرته وربت، شجرة تتمسك جذورها بتربة المسجد تستقي منها وترتفع أغصانها لتلامس السماء، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وعن الرسول الأكرم"ص": " من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية: آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياء.
فإذا أدمن الإنسان على المسجد أصاب كل هذا الخير وكان من المهتدين. كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلاّ الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}.
فالهداية ترتجى من خلال إعمار المساجد.
فإن أردت إنسانا صالحاً فازرعه في تربة صالحة زكية، فإن زرعته في صحراء الدنيا القاحلة أو جبالها الجرداء ولم يهتد فلا تلومن إلاّ نفسك.
المسجد حصن الجهاد الأكبر
يقول الإمام الخميني "قده": " المحراب هو موضع الحرب، موضح المواجهة والحرب ضد الشيطان والطواغيت.
في كلمته هذه، يبين الإمام الخميني "قده" دورين جهاديين للمسجد، أحدهما جهاد النفس والشيطان والآخر جهاد طواغيت الدنيا.
سنتعرض لجهاد الطواغيت ضمن الفصل التالي، وأما جهاد النفس والشيطان فهو من أدق الأمور وأصعبها حتى أعطته الروايات لقب الجهاد الأكبر.
هذا الجهاد الذي سيلقي بضلاله على حركة الإنسان كلها في الدنيا وعلى مصيره في الاخرة، حرب مع الشياطين ومع النفس الأمارة بالسوء ومع زيف الدنيا...
ولكل حرب دروعها ومتاريسها وخنادقها، والمسجد هو الدرع والمتراس والخندق لهذه الحرب، وهجرانه يعني الوقوف في العراء أمام سهام العدو وأدواته، وهو بالتالي مقتل الإنسان وهزيمته في هذه المعركة.
فالمسجد هو الضمان الأساسي للفوز في هذه المعركة الدقيقة والصعبة.
وهذا ما أشارت إليه رواية عن أمير المؤمنين "ع": " من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى ـ أو يترك ذنباً خشية أو حياء".
وعن رسول الله "ص": " لا يردع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل".
فالمسجد هو الذي يصنع الإنسان المسلم الرسالي وهو الذي يحافظ عليه في مواجهة تحديات الشيطان والنفس الأمَّارة والدنيا الغَرور.
ولكن هل هذا يعني أن نقصر دور المسجد على المستوى الفردي؟ أم أن للمسجد دوراً اجتماعياً واسعاً أيضاً؟
لا شك أن للمسجد أدواراً أخرى أساسية ومهمة فلنطالعها فيما يأتي.
الفصل الرابع: دور المسجد في المجتمع
الدور الجهادي للمسجد
يقول الإمام الخميني "قده": "المسجد هو خندق إسلامي، والمحراب هو محل الحرب، إنهم يريدون أن يأخذوا هذا منكم، بل إن ذلك مقدمة، وإلاّ فاذهبوا وصلوا ما شئتم، إنهم تضرروا من المسجد خلال هاتين السنتين أو الثلاث الأخيرة، إذ أصبح المسجد مكاناً لتجمع الناس، وتثوير الجماهير للانتفاضة ضد الظلم، إنهم يريدون اخذ هذا الخندق منكم".
إن للمسجد دوراً أساسياً على مستوى المجتمع أيضاً فعبارة " ما الله لله وما لقيصر لقيصر" هي عبارة بعيدة كل البعد عن المفاهيم البديهية في الإسلام، بل هي ترك عملي صريح يأباه الإسلام الذي جاء على التوحيد الفطري والعملي {وأينما تولوا فثمّ وجه الله}.
فهو المعبود وهو الملك والقاهر والمعين وهو مدبر الأمور...
لذلك كان المسجد من اليوم الأول للمجتمع الإسلامي محور الحركة ومنطلق الأعمال.
يقول الإمام الخميني "قده": " كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم"ص": مركزاً للحروب، ومركزاً للقضايا الاجتماعية والسياسية، فلم يقتصر دور مسجد الرسول "ص" على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك وكان يبدأ من المسجد متى ما أراد تعبئة الناس وإرسال الجيوش".
ولنشر هنا إلى بعض هذه الأدوار:
الدور الاجتماعي
إن للمسجد دوره الأساسي في تماسك المجتمع وتقوية الروح الاجتماعية فيه، هذا التماسك الذي يعتبر هدفاً مهماً شرعت له بعض التشريعات لتقويته كتشريع التآخي بين المؤمنين وجاءت الكثير من الآداب والسنن لتعلم الإنسان كيف يتعامل مع أخيه الإنسان بشكل يضمن سلامة وقوة هذا التماسك، ودور المسجد في هذا الإطار واضح جداً خصوصاً مع ملاحظة صلاة الجماعة فيه، والتي يعني الالتزام بها اجتماع المؤمنين ثلاث مرات يومياً.
وقد وردت بعض الروايات التي تحث على الذهاب إلى المسجد بنية طلب الجماعة، فعن الرسول الأكرم"ص": " من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكَّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث.
وعندما يصبح من رواد المسجد بأقل من إحدى ثلاث، إما دعاء يدعو به يدخل الله به الجنة، وإما يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل".
الدور التبليغي
إن المسجد هو منبر للعلم والتبليغ والإعلام أيضاً، فمن أراد العلم والتعلم، فعليه أن يصاحب المسجد، ومن أراد الهداية عليه أن يتردد إلى المسجد، ومن أراد التوبة فبابها المسجد، فالمسجد هو تجسيد للرحمة الإلهية التي تغمر المؤمنين في الدنيا وتكون سبباً لحسن العاقبة.
وهذا ما أشارت إليه الرواية عن أمير المؤمنين"ع": " من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء".
وهناك تأكيد في الإسلام على حركة التعلم في المسجد، وقد ورد في الرواية أن الرسول الأكرم"ص" خرج فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: " كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم، أرسلت لما أرسلت ثم قعد معهم.
فيا لها من مجالس علم في بيت الهس سبحانه وتعالى يجلس معهم فيها رسول الله"ص".. فمن حق المؤمن أن يطمع بمثل ذلك.
وكذلك الإعلام وتوجيه الناس يكون في المساجد هذا ما أراده الإسلام وترجمه الإمام الخميني "قده" في كلامه حيث قال: " المسجد هو مركز الإعلام والتبليغ".
ويقول "قده": " كان الإعلام الإسلامي ينطلق من المسجد".
الدور السياسي
يتميز الإسلام بشموليته، فالله تعالى ومن خلال لطفه المطلق أراد تلبية حاجات الإنسان كلها وتأمين متطلباته التشريعية التي تكفل سعادته وحل مشاكله كلها ومن جميع الجهات، فالإسلام لم يأتٍ بتكليف الإصلاح دون أن يعطي دواءه الناجح، بل أعطى الدواء ثم كلف الإنسان باستخدامه، فكمل اللطف وتمت الحجة.
ومن هنا نجد أحكام الإسلام التي اهتمت بالمجتمع الإنساني وتوجهاته السياسية من سلم وحرب ومناهج ووسائل وأخلاقيات...
فليس غريباً أن نجد المسجد ـ الذي يعبّر عن قلب الإسلام الصافي ـ قد اقتحم السياسة ليضفي عليها هدايته ورونقه الإلهي الخاص.
يقول الإمام الخميني "قده": "المسجد هو مركز التجمعات السياسية".
فالسياسة في الإسلام لها اهتمامها الخاص وقد كان نبي الإسلام "ص" صاحب الدولة ورأس الهرم في سياسة المجتمع الإسلامي، والتجمعات السياسية هي دور من الأدوار التي كان يؤديها المسجد على امتداد التاريخ.
يقول الإمام الخميني "قده": " لم يقتصر مسجد الرسول "ص" على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك".
هذا المسجد الذي استطاع أن يغير المعادلات السياسية ويحدث انقلاباً كبيراً على موازين الاستكبار والمستكبرين في هذا العصر من خلال الثورة الإسلامية المباركة في إيران، ويشير الإمام الخميني "قده" إلى هذه الحقيقة بقوله: " إن المساجد هي التي حققت النصر لأبناء شعبنا، وهي مراكز حساسة ينبغي بالشعب الاهتمام بها".
فالمساجد هي حصون الإسلام المنيعة التي وضعها الله تعالى في أرضه والتي ينبغي الاستفادة منها.
يقول الإمام الخميني "قده": " أحيوا الثورة من خلال المساجد، التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة، وأديموا اتقاد الثورة بالشعارات الإسلامية".
الدور الجهادي
المسجد لم يغب عن الحركة الجهادية أيضاً، حيث كان يعتبر مكان انطلاق الجيوش للذود عن الإسلام وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله.
يقول الإمام الخميني "قده": " كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم "ص" مركزاً للحروب".
وهكذا فإن المسجد كان على امتداد العصور محور حركة الإنسان المسلم لينطلق من خلاله إلى عبادة الله تعالى والارتشاف من كأس معنويات الصلاة والدعاء... وليتزود ضمن حلقاته علماً نافعاً يعرف به ربه ويتعلم به تكليفه، وليعيش في زواياه هم الأمة الإسلامية من شوقها إلى غربها، فيشحذ همته لينطلق من هناك سيفاً من سيوف الله تعالى في أرضه.
الخاتمة: احفظوا المساجد
يقول الإمام الخميني "قده": " أيها الشعب احفظوا مساجدكم.. أيها المثقفون احفظوا المساجد، ولا تكونوا مثقفين غربيين.. أيها الحقوقيون احفظوا مساجدكم..".
إن مهمة حفظ المساجد تقع على عاتق كل فرد من أفراد هذه الأمة، وهذا ما يميز المثقف الإسلامي عن المثقف الغربي، فالمثقف الإسلامي يرى دور المسجد المحوري نتيجة كونه بيت الله تعالى، الذي هو رب كل شيء.
وليس المقصود من الحفظ حفظ الحجارة والجدران والأبواب، وإنما حفظ الدور والمحورية والروحية، حتى نصبح أبناء مساجد حقاً قد جبلت روحيته بنفوسنا وأرواحنا وخالطت دماءنا هذا هو واجبنا في هذا العصر.
يقول الإمام الخميني "قده": " لا بد لي أن أقول: " إن حفظ المساجد هو واجب المسلمين اليوم".
هذا هو واجبنا الذي يجب أن نلتفت إليه، لأن أي وهن وضعف فيه هو وهن وضعف في خندق أساسي للمجتمع الإسلامي، مما قد يسبب بانهيار المجتمع الإسلامي وتراجع الحالة الإسلامية والعياذ بالله، فالبعد عن المساجد هو أساس الوهن.
يقول الإمام الخميني "قده": " إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم".
اللهم اجعلنا من أهل المسجد الذين عرفوه وعاشوا فيه بأجسادهم فخالط أرواحهم حتى صاروا مسجداً في كل حركة وسكنة يقومون بها.
مهدي
1877قراءة
2016-01-20 19:25:59