القصة اﻹبراهيمية الخالدة
إن من المناسب للحاج في المسجد الحرام، أن يعيش حالة الشكر الربوبي لعبده: كيف أن إبراهيم (ع) رفع الحجارة، وهو عمل بالمقياس الهندسي، لا يعد عملاً جباراً، ففرق بين بناء الأهرامات في مصر مثلاً، وبين بناء الكعبة الذي هو بناء أبسط بكثير من بعض الأبنية الحضارية المخلدة في التأريخ كما يقولون.. ولكن لأن هذا الأمر أريد به رب العالمين، ورب العالمين شكور، فاكتسب الخلود.. والملاحظ -كما في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}- أن إبراهيم رغم أنه يقوم ببناء البيت، وبأمر من الله عز وجل، إلا أنه يخشى عدم القبول، ولو كان محرزاً للقبول، لما دعا بهذا الدعاء، ولكنه كان يعيش حالة الخوف، ولهذا القرآن الكريم يقول في آية أخرى بالنسبة للمنفقين: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}، فالقلب يعيش حالة الوجل، لأنه لا يعلم هل قبل منه العمل، أم لم يقبل منه.
وعليه، فإن التفكير في هذه المشاعر، وفي هذه القصة الإبراهيمية الخالدة؛ من موجبات الاعتبار، وتغيير إستراتيجية الوجود.. فالذي يعمل لغير الله عز وجل، ليعلم أن عمله لا عقب له، وهو في الحقيقة عمل أبتر.. فكما أنه كل أمر لم يبدأ بسم الله، فهو أبتر؛ فكذلك الأعمال الكبرى إذا لم تكن مقصودة لله عز وجل، فهي منقطعة.. بخلاف عمل إبراهيم، فهو عمل بسيط، ولكن رب العالمين أحيا ذكره.. فذكر إبراهيم في الحج أكثر من ذكر نبينا (ص): فالحِجر حِجر إسماعيل، والجمرات تذكرنا بإبراهيم (ع)، والسعي كذلك، والهرولة كذلك، وماء زمزم... ، فأغلب هذه المعالم معالم إبراهيمية، متعلقة به وبزوجته هاجر وبولده إسماعيل، وهذا أيضاً من دلائل صدق النبي الأكرم (ص)، أنه كما قال عنه القرآن الكريم: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ}، وأن يأتي النبي الخاتم (ص)، ليخلد ذكر إبراهيم (ع) محطم الأصنام.
برامج
1676قراءة
2015-11-20 18:14:17