12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المسرح >> تقنيات المسرح - الإخراج -

تقنيات المسرح - الإخراج -
التجارب المسرحية

 

الإخراج

 

تمّ انتقاء النّص المسرحي، واختير الممثلون؛ وبدأ هؤلاء يتعلمون أدوارهم. فيشرح المؤلف للمخرج والممثلين كيفية فهمه لمسرحيته وأشخاصها، وما هي الطبيعة الصحيحة للمأساة التي تمثل، وما هي صبغة العمل العامة، وأخيراً ما يجب أن يوحيه النّص من وراء الكلمات. ثمّ يجتمع كلّ من المؤلف، المخرج، والممثلين لدراسة المسرحية؛ بحيث يجب التعمق بهذه الدراسة كلما كان للنّص أهمية بمحتواه الأيديولوجي وخصوصاً النفسي أو بقيمته الجمالية.

وفي حال تمّ اختيار نصًّ قديم لكاتب متوفى، فإنّ المخرج هو الذي يقدم الإيضاحات، عاملاً على إظهار مقاصد الكاتب العميقة. وهي أحياناً المحادثات الحرة التي يذكر فيها كلّ فرد الآراء التي أوحتها إليه احتكاكاته الأولى بالنّص. ولكن المخرج وفي أغلب الأحيان ينظّم مسبقاً ويضع رؤيته الإخراجية وفقاً لنصٍ مكتوب. وهذا العمل ضروري خاصّة عندما يتعلق الأمر بنصوص كلاسيكيّة جرى تمثيلها مرات كثيرة (مثال: النّصوص العاشورائية). والهدف الواجب من هذه الدراسة للنص هو إيجاد تقليد صحيح بقدر الإمكان وإعطاء التأدية الجديدة المهيّأة علامة أصلية تميّزها عما سبقها. وللحصول على الطريقة الصحيحة يجب أن يحيط المخرج نفسه بالوثائق التاريخية الصالحة لإعادة خلق الجو الأخلاقي والجمالي لعصر إخراج المسرحية. وإذا كان الإيقاع النهائي لا يمكن أن يتقرّر إلا أثناء التجارب، فبالإمكان إعطاء إرشادات بهذا الموضوع منذ البدء لمنع الممثلين من العمل في إيقاع غير ملائم لا يمكن إصلاحه فيما بعد إلا بالجهد.

واجتماعات العمل مخصّصة أيضاً لإيضاح اللّعب السيكولوجي الذي يجري في مجموع المسرحية، وبالفعل فإن كل ممثل يميل إلى أن لا يعمق سوى المشاهد التي يظهر فيها، والمهم هو العكس! أن يتشبّع بمجموع العمل السيكولوجي والأخلاقي، لكي ينسق تمثيله مع تمثيل رفاقه بشكلٍ أفضل، وهكذا يساعد في تأمين وحدة طريقة التمثيل بمجموعه. وهذه التوجيهات مفيدة بقدر انتماء النّص إلى حضارة أكثر بعداً في الزمان والمكان وتعبيره عن عقلية أكثر بعداً من العقلية التي اعتاد عليها الممثلون، وبالعصر الذي يعيشون فيه والمسرحيات التي يمثلونها عادة.
ويجب التأكيد على أن يكون كلّ ممثلٍ متمكّناً من النّص ودوره. وأن يؤشر على النّص المكتوب بعلامة خاصة توجيهات دوره، ليتجنب كل خطأ.

 
إذا أتمت هذه الأعمال التمهيدية يمكن للتجارب أن تبدأ بفعالية. أولاً مجزّأة، فلا تتعلّق إلا ببعض المشاهد أو الفصول، أو بعض الأدوار، وتكون بملابس المدينة وبدون ديكور. إما على خشبة المسرح التي ستمثل المسرحية عليه، وإما في أيّ مكان آخر مناسب إذا كانت تلك القاعة مشغولة، ويؤدي إشغالها إلى نفقات لا فائدة منها.

وأثناء هذه التجارب الأولى يألف الممثلون أدوارهم وأجوبتهم، أي مع الرفاق الذين يجب أن يكونوا معهم على خشبة المسرح، ويتبادلون الحديث. وحين توضع جميع مشاهد الفصل بشكل منفصل وفقاً لترتيب ما، فمن المفيد استعادة الفصل بكامله وفقاً لترتيب المشاهد العادي، وفقاً لتسلسلها، وفي هذه الحالة فإن المخرج الذي لا يقاطع التمثيل كلّما لحظ خطأ أو نقصاً، يسجل ملاحظاته ولا يوصلها إلى الممثلين إلا بعد مراجع الفصل بكامله.
وأثناء التجارب الأخيرة فقط يمثل الممثلون بالملابس وبوجود الديكورات. وتتنوع مدّة التجارب كثيراً. فهي تتوقف على قابلية الممثلين، وعلى عدد اللوحات التي تستوجبها المسرحية، وعلى عادة الممثلين بالتمثيل معاً، وعلى مهنتهم.
إنّ نظام المراجعات وتوقيتها وأسماء الممثلين المدعوين إلى المشاركة بها، وأجزاء المسرحية التي ستجري عليها التجارب؛ كلّ هذا يعلن عنه كلّ يومٍ على جدول الخدمة.

وللمخرج اليد الطولى في جميع العمليات التي تؤدي إلى التمثيل أمام الجمهور. فهو المسؤول عن المشهد من جميع الوجوه، وعن الزخرفة بالمعنى الأوسع، عن تمثيل الممثلين، طريقة الإنارة، الإيقاع، الإنسجام الكلّي، وعن التوجيه العام للمسرحية.
ومن المؤكد أن مدير المسرح المسؤول عن المشهد يستطيع التدخل، ومن المؤكد أيضاً أن المؤلف حين يراقب التجارب، يكون باستطاعته الإدلاء بآرائه وسحب الدور من ممثل معاند، ولكن ليس لدى هذا أو ذاك الكفاءة الفنية أو السلطة لتأمين تجانس العرض. ولم يتميّز دور المخرج عن دور الممثل إلا مع مسرح إنطوان في باريس. ومن الواضح اليوم أن المخرج لا يزال يستطيع التمثيل في المسرحية التي يخرجها، و يمثل الدور الرئيسي أيضاً، ولكنه لا يستطيع تنظيم الإخراج بصفته ممثلاً.

وقد يساعده المؤلف أحياناً؛ أو يزعجه! فإذا كان المؤلف خبيراً بالمسرح، ولديه حاسة الإخراج طبيعية أو مكتسبة بالتجربة، فإنّ آراءه ستكون أكثر فائدة. ويمكن أحياناً أن يكون المؤلف هو نفسه المخرج الخاص لمسرحيته.
وبالعكس، إذا كان المؤلف كاتباً قبل كلّ شيء، ويفهم مسرحيته كنصٍّ مستقل عن كلّ مادية مسرحية، فإنّ تدخلاته في تحضير الإخراج تعاكس مصلحة العمل المسرحي في أغلب الأحيان. إذ إنه يسعى لتجسيد مثالٍ هو أدبي أكثر منه مسرحي، غير مهتم بالتأثير الذي تحدثه على الجمهور، بعض الحركات، وبعض الإشارات، وبعض النبرات... فهو يجهل اللغة الخاصة التي تؤلفها تلك الإشارات والحركات، واللغة التي يسمعها الممثلون والجمهور في حوار مستقل عن الكلمة!

ومن المؤكد أن للممثلين كلمة يقولونها بصدد الإخراج. فباستطاعتهم لدى إرشادات المخرج أن يعارضوا شعورهم الخاص ويستوحوا تلك الحركة أو ذاك الموقف، أو طريقة الكلام؛ الطريقة التي تبدو لهم صالحة للتعبير عما يشعر به الشخص. والذي هو كالانعكاس العفوي الذي يولده مقطع معين من النّص. والمخرج يحسب أكبر حساب لهذه اللغة، والإبتكارات عندما تتلاءم مع نظرته الخاصة إلى المجموع.

إلا أنّ المخرج يجب أن يظلّ السيّد بالرغم من المؤلف والممثلين. وفعاليته المضاعفة ترتب وتنسق جميع عناصر المشهد. وعمله الأول أن يقود كلّ ممثل بشكلٍ منفصل وكذلك مجموع الممثلين. وهناك شاغلان يقودانه في هذا الجزء من الفعالية: شاغل جمالي وشاغل فكري. فكل مشهد، وكل لحظة من كلّ مشهد يجب أن تعرض على العيون لوحة متناسقة، حسنة التركيب، موحية، متوازنة. أيضاً عليه أن يظهر المسرحية إلى النور، وخصائص الأشخاص وعواطفهم.وللحصول على هذه النتيجة يجب تنظيم المشية والحركة، وهيئات الممثلين، ووضعهم بالنسبة إلى بعضهم البعض، ومكانهم بالنسبة إلى صف الأنوار في مقدمة المسرح، وإلى الزخارف والأثاث، والكل وفقاً لرؤية الجمهور لهم. ولتجنب الرقابة في مشهد طويل يتضمن حواراً، وللإشارة إلى المنعطفات السيكولوجية في المشهد، يجب أن يجعلها تتطور بالنسبة إلى بعضها البعض، وأن توجه وفقاً لمختلف مناظر القاعة وجعلها تغير مخططها وفقاً للقوة المتعلقة بالأدوار ولحظات العمل. ومهما كانت طبيعة المشهد، وعدد الأشخاص المشتركين فيه، وعدد وطبيعة العناصر، فإن دور كل ممثل يجب أن يكون معروفاً بدقة في كل لحظة ومقرراً نهائياً. ويجري تنظيم كلّ شيئ بواسطة إيضاح دقيق لا يمكن أن يكون إلا تجريبياً في تفاصيله. وقبل وضع الأثاث وعناصر الديكور في أماكنها، يرسم على خشبة المسرح، وبالطبشور، محيط مواضعها بنوع أن وجودها الحقيقي لا يفاجئ الممثلين، وكذلك يقرر الترتيب الصحيح مع الإفتتاحات التي "تمثل".

وكلما كان الإيقاع سريعاً تكون الحركات حيّة ومتفلتة في الظاهر، وتكون عملياً منتظمة بدقة. وكل تردد وكل حيرة يدركها الجمهور وتزوده بأحد الإنفعالات الأكثر دعوة للغضب والتي يمكن أن يشعر بها: الحيرة.
والأدوار الصغيرة يجب أن توضح بكثير من العناية كالكبيرة، لأنه إذ كان تأثير ممثل كبير وسيطرته، وقوة النص الذي يتلوه يمكن أن يجعله يرتكب "خطأ" في تمثيله فإن خطأ من هذا النوع يصبح مضحكاً عند واحد من الكومبارس، ويولد الإبتسام ، والضحك أيضاً، ويمكنه أن يذهب بسحر التمثيل فوراً، ويحطم قوة العزيمة التي تؤمن التصاق الجمهور بالمشهد.

 

وإذا كان هدف الإخراج أن يكشف النّص في تمام فضائله ويؤمن الإتقان الفني للمشهد، فإن المخرج الموهوب سيحاول أيضاً إعطاء الممثل كل ما هو قادر عليه، وأحياناً يكشف لنفسه؛ ويجب أن يشعر بواسطة نوع من الفطنة، بوسائل مزاج خاص غير مستعملة، أو مستعملة بشكل سيء. وقد شوهدت ممثلة، بقيت لفتراتٍ مدفونة وغير معروفة؛ إلا أنّها وبعد فترة من الزمن تكشّفت للجمهور بموهبة ساطعة، وكان السبب مخرج عرف كيف يفتح مواهبها. وأيضاً على المخرج دور كبير على صعيد الإضاءة، إذ عليه أن يتحقق من أن الإنارة المتألقة لا تلقي ظل الممثلين على عناصر الديكور، ومضاعفة بذلك حركاتهم وتكبرها بشكل غير قياسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إضحاك الجمهور بشكل ساخر.

أما بالنسبة للديكور؛ فعلى الرغم من احتفاظ مصمم الديكور بحرية كبيرة في خلق الديكور فإنه لا يستطيع أن ينصرف إلى أهوائه وحدها؛ وليس عليه فقط أن ينفذ إلى قلب النص، بل أن يعرف التأدية التي يريد المخرج إعطاءها للنّص؛ إذن فيجري ترتيب الديكور في أغلب الأحيان بعد إرشادات المخرج الدقيقة وخصوصاً حين يتعلق الأمر بزخارف أو عناصر زخرفية مبنية، فليس بالمستطاع فصل الحركات المتوقعة من الممثلين عن مكان وتنظيم هذه العناصر؛ وكذلك فمما لا بدّ منه في هذه الحالة أن يتكرر الإخراج في هذه العناصر، ثمّ يجب تنظيم الحركات وتمثيل المشاهد بالنسبة إلى هذه العناصر؛ وكذلك فلا يمكن إيقاف مشاريع المصمم والمنفذ إلا بعد التفاهم مع المخرج بموضوع التأدية التي تهدف إلى إعطائها للمسرحية. وذات الضرورة تفرض نفسها، ولو في أدنى درجة بالنسبة إلى الفنان الذي يصمم الملابس. إذن فحقل استقلال المصمم كبير بحيث لا يسع المخرج إلا أن يكون مسؤولاً عن الاخطاء المرتكبة على صعيد الديكور، ودون التكلم عن الأخطاء الذوقية في الألوان إو في هندسة البناء المتوجبة فقط على من يصنع الديكور، فمن الممكن أن يكون هناك تباين بين نسق التمثيل ونسق الديكور، والتأثير الناتج لا يكون هو الذي توقعه المخرج. وأحياناً بالعكس، فإن فكرة المخرج تنفذ بدقة وهو وحده مسؤول عن الإخفاق.

وتنظيم الضجيج أيضاً من واجبات المخرج، حين تسنح الفرصة إما لدمج نصًّ موسيقي بالنّص الملقى، وإما بأن يقطع سير العمل بموسيقى المشهد بشكل افتتاحيات وفواصل موسيقية، ومقاطع مغناة. وخصوصاً حين يكون النّص الموسيقي مخصّصاً لخلق جو نفسي قبل رفع الستار، فلا يمكن اختياره إلا بموافقة المخرج على مسؤوليته.
والآن لقد توضحت جميع عناصر الإخراج، وتمّ تمثيل المسرحية. وعندئذٍ قد تتكشّف عيوب لم تكشفها البروفات بل عين المشاهد المترصدة. فمن الجيد رصد تلك العيوب والملاحظات وحفظها في الأرشيف، للاستفادة منها في المرّات القادمة، وطبعاً في حال كانت ملاحظات دقيقة وذات قيمة إحترافية.

 

فنون
1402قراءة
2016-01-10 15:57:37

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا