12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

المسرح >> كيف تكتب وتقيّم قصّة؟

كيف تكتب وتقيّم قصّة؟

قد تكون من هواة كتابة القصص، لكنك لا تعرف من أين تبدأ أو كيف تقيّم ولو بشكلٍ أوّلي ما تكتب! وهاهنا نحن نعطيك الحلّ الأول، وبداية الطريق لتكون بإذن الله كاتباً محترفاً يسخّر علمه وأدبه لخدمة القضايا الحقّة. وأول الطريق هو أن تعرف مقومات القصّة:
1.الفكرة .
2.البناء والحبكة .
3.الشخصيات .
4.الأسلوب .

وسنتعرف سوياً على هذه المقومات بالإستناد إلى هذه القصة الجميلة والشيقة للكاتب المميز زكريا تامر:

حمار كثير النسيان


كان أحد الحمير صغير السِّن وكثيرَ النسيان، يرى أمّه، فيقول لها:
- من أنت؟ كأني لمحتك من قبل.
ويرى أباه، فيقول لأمّه متسائلاً:
- من هذا العجوز الغريب الداخل إلى اصطبلنا بلا استئذان؟
ويرى الشمس، فيصيحُ بدهشة:
- ما هذه الدائرة؟ أهي كرة صفراء أم بطيخة ساخنة؟
وكانت الحمير تتناقل أخبار نسيانه، وتهزأ بها، وتنصحه بالبحث عن دواءٍ يشفيه، وتستغرب أن تراه سعيداً دائماً، ولا تعرف السبب. ولكن حماراً عجوزًا زعم أنّه يعرف السبب، وقال عنه:
- هذا الحمار الصغير سعيد لأنّه قادر على النسيان، ولو تذكّر التعب الذي يتعبه كلّ يوم في حمل الأثقال وجرّ العربات، وتذكّر ما يتعرض له من ضرب لما عرف السعادة.
فهزّ الحمار كثير النسيان رأسه موافقاً، ثمّ نسيَ كلام الحمار العجوز.
من كتاب "نصائح مهمّلة لزكريا تامر

مقومات القصة:
وهي: الفكرة الرئيسة- البناء والحبكة- الشخصيات-الأسلوب1-
1- الفكرة الرئيسة: وهي الفكرة التي يختارها الكاتب ليجعل منها محوراً تدور حوله أحداث قصته. وهي تمثل العمود الفقري الذي سيشيد حوله بناء هذا العمل الفني، وعلى هذا فإنّ جزءاً كبيراً من النجاح يتوقف على حسن اختيارها.
وعليه تكون الفكرة الرئيسية في القصة المتقدمة هي: حمار كثير النسيان.
2-البناء والحبكة: بعد أن تتضّح فكرة القصة في ذهن المؤلف، فإنّ عليه أن يشيد بناءها. وبناء القصّة يتكوّن من سلسلة حوادث بحيث يؤدي كلّ منها إلى ما يليه بلا افتعال أو تكلّف. فإذا أحكم المؤلف بناء قصّته بحيثُ جاءت بنيتها سليمة متماسكة، وحوادثها وشخصياتها مرتبطة بطريقة منطقية مقنعة تجعل منها وحدة متكاملة، وقيل إنّ قصته محبوكة حبكاً جيداً. وهي في ذلك أشبه ما تكون بالجسد المتكامل المتناسق الذي لا تستطيع أن تجد فيه زيادة أو نقصاً، ولا تستطيع أن تضيف إليه أو تنقص منه بسهولة. إذاً وباختصار فإنّ الحبكة هي: إحكام بناء القصة بطريقة منطقية ومقنعة. وأبسط صورة لبناء القصّة هي التي تتكوّن من ثلاث مراحل رئيسة: المقدمة- العقدة- الحلّ. وتضمّ المقدمة تمهيداً قصيراً للفكرة، ومدخلاً تتابع بعده الحوادث، لتشدّ إليها القارئ حتى تصل إلى العقدة، في أشدّ المواقف تعقيداً وإثارة في عملية البناء؛ ثمّ تبدأ الأمور بالتكشّف حتى تصل إلى الحلّ وفقاً للنهاية المرسومة.
وعليه فإن الحبكة في القصة تكون: مشكلة الحمار الذي ينسى كثيراً، وسخرية باقي الحمير منه.

البناء في القصة: نلاحظ أن بناء القصة جاء متماسكاً وعفوياً في الوقت ذاته، أي أنه ليس هناك إقحام لأيِّ شخصيةٍ أو حتى حدثٍ لا ضرورة له، كما أنّه لا يوجد افتعالٌ في الأحداث بهدف حلّ عقدة لا حلّ لها، وقد تكون هذه النقطة من أكثر الإبتلاءات التي يقع فيها الكتاب الهواة. فلاحظوا معنا في القصة كم أنّ القصة على رغم قصرها إلا أنّها مبنية بطريقة ذكية ومشوقة، مع حفاظها على كامل عناصر ومقومات القصّة. فالمقدمة والتي هي عبارة عن حوارٍ إختصر فيه الكاتب مشكلة الحمار؛ بيّنت لنا أنّ ثمّة حمار يعاني من مشكلة هي بالحقيقة ليست مشكلة "حمار" ، بل مشكلة إنسان! ألا وهي مشكلة النسيان. وقد تدرّج الكاتب بهذه المشكلة التي عانت من عائلة الحمار (يرى أمّه، فيقول لها:من أنت؟ كأني لمحتك من قبل.) ليصل إلى طبيعة تعامل مجتمع الحمار مع مشكلته، ألا وهي الردّ الطبيعي عبر السخرية ونصيحته بأن يجد حلاَّ، ولكن على الرغم من سخرية الحمير بالحمار "كثير النسيان"؛ إلا أنها كانت تستغرب كيف أنّه يبقى سعيداً على الدوام. ولاحظوا كيف تدرجت الأحداث بسهولةٍ وعفوية وبساطة، ودون أدنى تكلّف. وقد جاء الحلّ الآني والخاصّ بجزءٍ من المشكلة ربما؛ عندما نطق حمار عجوز بحكمة مفادها أنّ سبب سعادة هذا الحمار هو كثرة نسيانه. والخاتمة جاءت مرسومة بذكاءٍ كبير لترسم على وجوهنا بسمة الحصول على لفتةٍ مميزة عندما هزّ الحمار رأسه موافقاً على كلام العجوز، لينسى بعدها ما قاله ذاك الحمار العجوز.

3-الشخصيات: تتضحّ مقدرة كثير من الكتاب في رسمهم للشخصيات رسماً مقنعاً يجعلها أشبه بالشخصيات الحقيقيّة، التي يجد فيها القارئ صدق الحقيقة ويحسّ حرارة الحياة. والكاتب الناجح هو الذي يستطيع أن يحقّق نوعاً من التعاطف بين القراء والشخصيات المرسومة بعناية وإحكام ودون إطناب وإفراط في الوصف!لدرجة يستطيع معها القارئ أن يتقمّص هذه الشخصيات ويعيش مواقفها.
الشخصيات في القصة: نلاحظ كم أنّ الكاتب رسم شخصياته بدقّة، وجعلها أقرب إلى الشخصيات الحقيقيّة القريبة من الواقع بشكلٍ كبير؛ وقد تجلّت دقة الشخصيات في الحوار وطريقة التصرفات. فالشخصية الأساسية التي تتمثل في الحمار صغير السنّ وكثير النسيان (أصرّ الكاتب على جعل الحمار صغيراً في السّن، لأنّ النسيان عادة ما يصيب كبار السن، وليس الصغار!) تصرّفت على هذا الأساس، وتبيّنت لنا مشكلته عبر حوارٍ مقتضب وعفوي وبسيط وحيوي! كما أنّه يتمتع بالطرافة الذكية. وبالطبع نلاحظ على الرغم من ذكر الكاتب للأم والأب، إلا أنه ليس بالضرورة كان إيجاد دورٍ لهما. أما الدور الثاني فقد لعبه شخصيات الحمير التي كانت تتناقل أخبار نسيانه وتهزأ منه، وتنصحه بعلاج نفسه، على الرغم من أنها كانت تدرك مدى سعادته، وتستغرب من هذا الأمر. ثمّ جاء دور الحمار العجوز الذي نطق بحكمة قد تكون أسكتت جميع الحمير. في هذه القصة ليس هناك حشو من ناحية الشخصيات، إذا كان لكلّ شخصية دورها، ولو لم يظهر ذلك جليًّا. فدور الأم والأب، على الرغم من غياب تأثيرهما في سياق القصّة، إلا أنّ ظهورهما ساهم في تبيان مدى عظمة المشكلة التي يعاني منها الحمار صغير السن.

4-الأسلوب أو طريقة عرض القصة: إذا ما اتضحت فكرة القصّة وأحداثها المختلفة في ذهن المؤلف، فإنّ عليه أن يكتب القصة بلغة فنيّة مناسبة. وأسلوب الكاتب في الكتابة يمثّل طريقته الخاصّة في التفكير والرؤية والشعور. لهذا فإنّ لكلّ كاتب أسلوبه الخاص المتميّز.

-الأسلوب في القصة: تميّز أسلوب الكاتب بالإيجاز وعدم الإطناب، والإبتعاد عن المباشرة، مع حفاظه على جودة القصة ومقوماتها دون أن ينقص أي عنصر من عناصر القصة. فالقصة جاءت متكاملة بعناصرها, غنية بأبعادها, سلسلة بأحداثها. لا إيجاز في أحداثها ولا إطناب، إضافة إلى ذلك الحسّ الطريف الذي نلحظه في أسلوب الكاتب والذكاء في إيصال ما يريد إيصاله. لا شكّ أنّ أسلوب زكريا يتمتع بالفرادة.
والآن أصبح بإمكانك أن تكتب قصّة قصيرة وفقاً للمقومات التي تعلمتها، كما أصبح بإمكانك تقييمها!

ملاحظة: تذكّر.. هذا الموضوع هو واحد من سلسلة من المواضيع التي ستضعك على بداية طريق التأليف والمسرح!

فنون
1490قراءة
2016-01-10 16:35:56

تعليقات الزوار


doha tarhini