الدراما التربوية
إن النمو الشامل المتكامل للفرد هو غاية التربية الحديثة، ويتأتى ذلك من نمو الخبرة عن طريق تفاعل الفرد واحتكاكه بمواقف الحياة، فالحياة الطبيعية بنظر روسو مشتملة على مصادرها التربوية وهي الطبيعة والناس والأشياء. كذلك فإن هدف التربية عند " ديودي " وأتباعه هو في نمو التلميذ من خلال خبرته، ويكون ذلك من خلال تهيئة مجالات النشاط التي يمارس فيها التلميذ الحياة الطبيعية، فيعيشها وينفعل بها ويحل مشاكلها فتنمو خبرته وتنمو شخصيته.
الدراما أداة اتصال وتواصل مهمة جداً للتلميذ، فهي تشمل استعمال الجسم والإحساس والعاطفة والعقل، ومن خلالها يستطيع العمل بشكل فردي وجماعي، ما يقوي إحساسه وتعرّفه إلى الذات والآخر، وهي تعمل على تعزيز وتنمية الأمور الآتية :
- الثقة بالنفس لدى التلميذ المشارك في العمل الدرامي.
- القدرة على التعاون مع الآخرين ضمن المجموعة.
- التعبير عن النفس بحرية.
- وعي الجسم والذات.
- التفكير الإبداعي.
- المرونة والعفوية في التعاطي.
- المهارة في تنظيم وتشكيل مجموعات من الناس.
- اكتساب روح القيادة.
- التنفيس عن ضغوط الحياة اليومية والمشاكل النفسية التي تواجهنا في يومياتنا.
- تنمية حس الإبتكار لدى التلميذ من خلال استخدامه للأدوات والأشياء وتوظيفها في مكانها الصحيح.
- تعلم النمطق والتفكير السليم المتوازن.
- الخروج من العزلة والتقوقع والانزواء والتعود على الانفتاح.
- اكتساب الثقافة العامة والشخصية العصرية.
وهناك عدة تعريفات للدراما التربوية، منها أنها عملية إنتاج قصص بواسطة الجسم والصوت، ومنها أنها أداة اكتشاف للقدرات والمواهب، ومنها أنها أداة تنمية للإنسان بشكل عام، وكل هذه التعريفات تؤدي إلى نتيجة واحدة يتفق عليها جميع العاملين في هذا الحقل، وهي أن الدراما باتت في عصرنا الحاضر حاجة تربوية للطفل تسهم في بناء شخصية بناء سليماً، وتساعده على اكتساب المعارف والمعلومات، وتفتح أمامه الآفاق الواسعة للتطور والتقدم.
وفي المدرسة تتخذ الإجابة عن العديد من الأسئلة البسيطة أحد شكلين، الأول على شكل الخبرة المباشرة وينتمي إلى محور بحثنا هذا أي الدراما. مثلاً قد يكون السؤال : من هو الشخص الأعمى؟ قد تكون الإجابة : الشخص الأعمى هو الذي لا يتمكن من الرؤية، وهذه الإجابة تنتمي إلى الشكل الأول. وقد تكون الإجابة : أغمض عينيك وأبقهما مغمضتين طوال الوقت، ثم حاول أن تجد طريقك إلى خارج الغرفة، وهذه الإجابة تنتمي إلى الشكل الثاني الدرامي.
تتضمن الإجابة الأولى معلومات دقيقة وكحددة ترضي العقل، أما الثانية فتقود السائل إلى لحظات من الخبرة المباشرة، والمعرفة المجردة، وإغناء الخيال والتأثير في القلب والروح. هذه العبارات البسيطة تصف وظيفة الدراما بدقة " ... " فالخبرة المباشرة تستهلك وقتاً كثيراً، وهي غير ملموسة، وبالتالي غير قابلة للقياس، وغالباً ما تنجح في المجالات الأقل توقعاً، مما يجعلها تميل إلى الخروج عن أساليب التقييم الأكاديمي الدقيقة، وتتضمن لحظات عابرة وسريعة من الصعب تتبعها، رغم أنها تكون ممتعة وحقيقية ومهمة للناس الذين يمرون بالتجربة. وهناك عقبات مثل غياب الوعي الذاتي لأهمية الدراما، وعدم توافر المكان والإمكانيات وضيق الوقت المخصص للنشاط الدرامي.
لا تتطلب ممارسة الدراما في التربية والتعليم خبرة واحترافاً في مجال التمثيل أو المسرح، وليس ضرورياً أن يكون التلميذ من أصحاب الموهبة الفنية، بل هي إنعكاس لما هو موجود أصلاً في داخل كل طفل منذ سنوات الطفوقة المبكرة. فالدراما تسلك طريق اللعب لتحقق أهدافها، لذلك من السهل جداً على أي كان أن يمارسها، طفلاً كان أم بالغاً، لأننا جميعنا قد مررنا في مرحلة الطفولة، ومارسنا اللعب العفوي الذي يحتوي على الكثير من مقومات الدراما. ومعظم الباغين مرّوا في طفولتهم بالكثير من التجارب الدرامية، لكن بشكل غير مقصود وغير هادف. إننا من خلال الدراما التربوية نوجه مجهود التلميذ الفكري والجسدي إلى أهداف محددة، ونضعها في إطارها الصحيح للإستفادة منها، ونستند في ذلك إلى أن الأطفال مولعون بتقليد الآخرين ( الناس والحيوانات )، وهم ينمّون عقولهم وأجسامهم عندما يلعبون أدوار أشخاص آخرين، فيختبرون هوايات مختلفة، ويصبحون أكثر وعياً لهويتهم الخاصة. والمهم في هذا المجال هو أن الطفل يتعلم ويكتسب خبرات إضافية من خلال تفاعله مع زميله في اللعب، حيث أن لكل طفل بيئته العامة والخاصة وطريقة تربيته بحسب ظروف العيش والقناعات والقيم والسلوكيات التي يؤمن بها أهله. وخلال اللعب يستفيد الطفل ويتأثر برفاقه، من خلال تبادل الخبرات والمفردات اللغوية المستخدمة، ويتعرّف إلى الآخر المختلف والمكمّل له في آن.
إن تقليد الأطفال لغيرهم هو مدرسة بكل ما للكلمة من معنى، يتعلم منها الطفل، ففي كل لعبة جديدة إضافة ما. هذه الإضافة تكون بمنزلة درس جديد، لذلك نجد الأطفال يتوقفون عن اللعب في حال الملل، وما الملل نتيجة لتكرار ما أصبح معلوماً من قبلهم، لذلك تجدهم يبحثون عن ألعاب جديدة بشكل دائم، أو على الأقل إدخال عناصر جديدة على ألعاب قديمة.
إن الأطفال يقومون باللعب بشكل عفوي، وذلك بقدرة الخالق والطبيعة الإنسانية التي شاءت أن تتم تكوين خبرات الإنسان في مرحلة الطفولة عن طريق اللعب وتقليد الآخرين، وهذا مستند مهم تستند إليه الدراما التربوية لترسيخ مشروعيتها، فالدراما العفوية التي يمارسها الطفل في طفولته تقابلها الدراما المقصودة والمنظمة التي يمارسها الكبار، والتي لا تختلف عن سابقتها من حيث الأهداف، بل هي تسعى إلى تكوين شخصية الإنسان، وترافق نموه منذ الطفولة وحتى الشباب ، وفي بعض الأحيان تتخطى ذلك إلى مراحل السن المتقدمة.
وفي الألعاب المثيرة، ويسعى الأطفال إلى التنفيس عن مخاوفهم وقلقهم، من خلال التظاهر بالقتال والعراك أو بتلقي العقاب أو القبض على لص وذلك على سبيل المثال لا الحصر. إن هذه الألعاب المخيفة أو الحماسية تحقق وظيفة صحية هي تخفيف التوتر. فالأطفال يحبون الإثارة ويحتاجون إلى الحركة والحماسة بشكل دائم ( خاصة الصبيان ). كما يمكن الاستفادة من اللعب الدرامي في معالجة لآثار الصدمات النفسية الناتجة من الحروب مثلاً، حيث يفيد علماء النفس أنه من الضروري في مثل هذه الحالات " تخصيص فترات اللعب مع الأولاد بهدف التخفيف عنهم، وإخراجهم من جو المشحون الذي عاشوا فيه أثناء الحرب "..." حيث يجب ترك الأولاد يلعبون بكل حرية في الملعب، حتى وإن كان موضوع اللعب متعلقاً بالحرب، فما ذلك إلا محاولة منهم لفهم ما حصل، للسيطرة على المشاعر الناتجة منه، وبالتالي تفريغها. ويتم ذلك عبر تكرار الولد لما عاشه بغية ترميزه. ومن حسنات هذه الوسيلة أنها تمّكن الولد من اختيار الدور المهاجم ثم المدافع، كل ذلك يسمح له برؤية الأمور من مختلف جوابها، وبفهمها على طريقته الخاصة.
فنون
1653قراءة
2016-01-10 16:58:09