قضايا مسرحية المسرحية بين الشعر والقصة والملحمة
المسرحية .. بين الشعر والقصّة ... والملحمة
تُعتبر المسرحيّة فناً من فنون الأدب. وتتميّز بخصائص وسمات تختلف عن سمات وخصائص الفنون الأخرى. فالمسرحيّة تختلف عن الشعر، وتختلف عن القصّة، وتختلف عن الملحمة. ولقد كان الشعر وهو أحد هذه الفنون الأدبية له فضل السبق عن القصّة والمسرحّية. واستطاع الإنسان عن طريقه التعبير عن انفعالاته. وما يختلج في نفسه من عواطف وخلجات. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّ الشعر تفرّع عند قدماء اليونان إلى فرعين: شعر غنائيّ، وشعر قصصيّ. وانقسم القصصيّ إلى ملاحم وتمثيليّات..
وبما أنّ الشعر كما يشير الدكتور مصطفى بدويّ في كتابه دراسات في الشعر والمسرح فيقول: "هذا الفنّ من الفنون الأدبية, لا تأثير له على مجموعة من البشر, بل إنه يؤثر في الناس بوصفهم أفرادًا قبل كلّ شيء..." وبتوضيح أنّ علاقة القصيدة بقارئها هي دائماً علاقة بين فرد وفرد، علاقة شخصيّة الشاعر بشخصية القارىء وامتزاج بين العقلّين؛ ومهما تكن القصيدة الغنائيّة تعبيراً عن أفكار الجماعة المعاصرة للشاعر ومشكلات الحياة الإجتيماعيّة فهي لا تخرج عن كونها تعبيراً عن الذات التي صدرت عنها...
أمّا المسرحيّة فهي وسط من الأوساط الأدبية تختلف عن القصيدة الغنائّية فهي ليست تجربة ذاتيّة. وإنمّا هي تعبير يستخدّم بطريقة محدّدة للدلالة على أيّ موقف عاطفيّ أو انفعاليّ لإثارة موضوع ما... فالدراما مجالها جماعة من البشر تصطرع فيها أفعال الفرد بأفعال الأخرين، وتشتبك فيها أحداث مجموعة من البشر أو أفعال الجماعة الإنسانيّة .. ومن ثمّ فهي لا تنحصر في تجربة واحدة كالقصيدة الغنائيّة، وإنّما تعبّر عن انفعالات ووجدانات وعواطف إنسانية متشابكة .. ومن هنا كان الصراع هو المحور الذي تدور حوله المسرحيّة.
ويقول تشارلتون في كتابه فنون الأدب: "... إنّ الرواية المسرحيّة الكاملة هي التي تضع شبكة الأفعال, وردود الأفعال في صورة طبيعيّة تتّفق مع جماعة إنسانيّة .. فالرواية الجيّدة تمثّل الفعل الإنسانيّ في خلاء, بل تمثّله مع مجتمع. والرواية الجيّدة تمثّل الفعل الإنسانيّ من جانبه الإجتماعيّ لا من جانبه الفرديّ كما تفعل القصيدة الغنائيّة, فهي تصوّر لنا الأفراد وحدات من مجتمع لا أفراداً استقلّوا بوجودهم ..
"فالمسرحيّة تعبّر عن واقع المجتمع وعن شعوره وعواطفه، عن آماله وآلامه، عن أحزانه وأفراحه؛ بل هي "أكمل انعكاس للوجود الإنسانيّ" كما يقول شوبنهاور .. والمسرحيّ حين يكتب مسرحيّة لا يكتبها وهو في عالم آخر، بل يكتبها وهو يعيش بين أناسه. وينزل إلى حياتهم وواقعهم وأيّامهم،ومشكلاتهم .. وتعّبر مسرحيّته عن حياة الأفراد كوحدات من مجتمع وليسوا بمعزل عنه كالقصيدة الغنائيّة ...
واللون الثاني من ألونه الشعر هو الشعر الملحميّ, وكانت الملحمة من القدم تصوّر قصّة تحكي تاريخ أمّة, وتصّور كفاحها ونضالها, وتعبّر عن انتصاراتها البطوليّة. وتدور حوادث الملحمة حول بطل واحد واحد تروي أفعاله وما يدور في حياته من بطولات. وقد كان الشعر هو أقرب الفنون للتعبير عن هذه القصيدة الملحميّة ..
فالملحمة قصيدة من الشعر القصصيّ تروّي عن أحداث فوق ما يألفه البشر يؤدّيها، رجال عتاة جبابرة من طراز أسمى من مستوى البشر ..
ويعتبر اليونانيّون أوّل من نبغوا في هذا الفنّ من الفنون الأدبيّة. ومن ملاحمهم المشهورة الإلياذة، والأوديسّا لهوميروس. وقد ساعد الإغريق على النهوض بهذا اللون من القصص حرب طروادة وانتصار اليونان فيها ..
وإذا كانت والملحمة تعبيراً عن بطولات شعب ونضاله فالمسرحيّة تعبّر عن واقع مجتمع وما في نفسه من أحاسيس
فنون
1460قراءة
2016-01-10 17:01:45