خطوة على طريق الخشبة الشخصيات في مسرح الأطفال
خطوة على طريق الخشبة
الشخصيات في مسرح الطفل
تلعب أبعاد الشخصية دوراً كبيراً من حيث تلائمها مع هذا الدور الذي يقوم به الممثل أو ذاك. ولا شك بأن الكاتب عليه الإلمام جيداً بالعوامل التي شكلت شخصيته من خلال ثقافته التي كسبها عن طريق الخبرة الحياتية والتعلم؛ وكعاملين مساعدين على تجسيد أفكاره في أعمال مسرحية ناجحة.
وتتجلى الشخصية في أبعادها المادية والاجتماعية والنفسية وتتخذ أدوارها بدقة بعد أن تحركها موهبة الكاتب وتختار لها ما يوافقها من ضروب السلوك... والأمثلة على ذلك كثيرة فالشخصية المصابة بعاهة جسدية مثلاً يتصرف صاحبها بطريقة مغايرة لشخصية أخرى يتمتع صاحبها ببنية جسدية سليمة. كذالك فإن تصرف شخص ينتمي إلى شريحة اجتماعية فقيرة, يختلف عن تصرف آخر ينتمي إلى توظيفها في بناء شخصياته, وبكيفية إذا ما أراد تفعيل عمل شخصياته أن يستعرض في ذهنه شريط معرفته بالأصدقاء والمعارف, أو حتى الذين يراقب سلوكهم من بعيد ولا تربط بهم أية معرفة سابقة. يكفي ذلك ليرى أن هناك عدداً لا يستهان به من الشخصيات التي تساعده على بناء تمثيلية, فهناك الظريف, والمتهور, والكريم, والداهية, وهناك العدواني, والشرير, والمعقد, والمتفائل, كلها صفات يتميّز بها شخصٌ عن آخر.
إن ما يهمنا في هذا السياق من الكلام هو ضرورة التصرف على تلك الصفات البارزة في الشخصيات لتحديد نوع المواقف الملائمة لها مع إقرارنا بأن هناك صفات ثانوية أخرى يمكن أن تتميز بها الشخصية ومن دون أن تلغي الصفة الأبرز فيها, فاللطيف مثلاً والكريم في ذات الوقت نراه يجور على مصالحه الشخصية (حاتم طي) ليقدم للآخرين حاجة يطلبونها منه, فهو كريم إلى حدّ الإفراط, والكل يعرفه بذلك فهو مقصد دائم للمحتاجين. والمندفع مثلاً نراه يعمل ومن ثم يفكر ليجد أن ما أقدم على تحقيقه كان فاشلاً فيه, وهو يعرف عادة بالمتهور... وهكذا يتحددّ نوع الشخصية بالصفة الغالبة فيها.
ولا يقتصر أمر إظهار الشخصيات على الصفات البارزة فيها, بل هناك أيضاّ التطورات التي تحصل للشخصية ذاتها, فقد يكون بطل المسرحية في بدايتها شيء, ويصبح في نهايتها شيء آخر, فهناك تبدأ حياته بالطموح والطمع وينتهي بالسجن, وبالعكس هناك أشخاص يخرجون من السجن ليستفيدوا من أخطائهم التي ارتكبوها فيعملون لصالح الخير ومساعدة الآخرين, وكذلك هناك شخصيات تبدأ سلوكها بالمشاحنات والعدائية وتنتهي بالحب. فالشخصية تتحول وفق ما تمليه عليها طبيعة الظروف والأحداث. وبالتأكيد يتجلى دور الكاتب في إبراز العوامل التي تدفع بهذه الشخصية أن تتصرف على هذا النحو أو ذاك.
وللشخصية شروط حددّها أرسطو نذكر منها:
-أن تكون مناسبة أي أن تتلائم أفعالها وصفاتها.
-أن لا تتصرف إلاّ من خلال ما يبدو ضرورياً ومحتملاً بالنسبة لتكوينها.
-أن يكون للشخصية شبية لها في الواقع حتى تبدو مقنعة.
إن الكاتب القدير هو الذي تكون شخصياته المحورية في الأعمال المسرحية التي يقدمها غير عادية لكي ينجذب المشاهد إليها ويتعاطف معها شرط أن تبقى في حدود تصرفاتها ضمن مجال المعقول.
ولا شك أن رسم الشخصيات في القصة الممسرحة للأطفال يتطلب جهداً كبيراً من قبل الكاتب, حتى لا تأتي القصة وهي تحتوي شخصيات متناقضة في سلوكها وتصرفتها تجاه المواقف التي تفرضها طبيعة الأحداث, وبسبب أن الأطفال لديهم تعاطف مع هذه الشخصيات, وخاصة الشخصيات التي تعاني وتكابد دون ترددّ أو كللّ من أجل تحقيق أهدافها, وحيث يدفع بهم تعاطفهم هذا إلى القلق وإطلاق صيحات الاستغاثة أو البكاء حين تتعرض شخصية القصة لموقف محزن أو محرج, أو إلى إطلاق ضحكات صاخبة, حتى يتسنى للشخصية إنساناً, فقد تكون حيواناً أو نباتاً... وعندما تكون شخصية القصة طفلاً من الضروري الحرص على أن يظهر بمستوى الواقع, إذ كثيراً ما نجد قصصاً يظهر فيها الأطفال بمستوى يفوق المستوى الواقعي للأطفال.
وانطلاقاً من ذلك فإن القصة تكون معقولة عندما تتصرف شخصياتها كما تتصرف شبيهاتها في الحياة, إذا وضعت تحت الظروف نفسها, وكذلك عندما لا يخبط القدر خبط عشواء, بل يتصرف تصرفاً لا يجافي طبيعة الأحداث والشخصيات, ولأن الحوادث العفوية المفاجئة التي تعترض سبيل الحياة في القصة وكأنها حلقات غريبة, لا بدّ أن تفسد هذه الحياة, وتنأى بها طبيعة الحياة العادية.
كما وأن الشخصيات المحببة لدى الأطفال يجب أن تكون على قدر قليل من الدهاء والتعقيد, وأن يكشف مظهرها عمّا تنطوي عليه من أفكار, أو تكون خطواتها من الوضوح بحيث يكون من السهل على الطفل إدراك حقيقتها, والأطفال تستهويهم شخصيات الأبطال النبلاء, والشخصيات النسائية الشجاعة المحبوبة, التي تستطيع التغلب على العقبات, كما أنهم يحبون الشخصيات الهزلية المضحكة, وهم يريدون أن يروا البطل أو البطلة تنتصر على الشرير وتنزل العقاب به
فنون
1630قراءة
2016-01-10 17:02:37