تقنيات المسرح
الممثلون
لا مسرح بدون نص؛ ولا مسرح بدون ممثلين. ومهما كانت مخيلة القارئ وحتى المستمع، فإنّه لن يستطيع أن يجسد بمخيلته الإنفعال الخاص الذي لا بديل له، والذي تحمله إليه تأدية أثر مسرحي.
إنّ الممثل يؤدي بلغة نظرية وسمعية كلمات النّص وصمته. إنّه يترجمه بجسده، بوجهه، وصوته؛ مظهراً ومترجماً الأحاسيس والانفعالات من فاجعٍ أو هزلي بشكلٍ أفضل وفقاً لاتساع فسحة التأدية التي يتركها النّص له، وذروة فنّه هي في أن يفرض على المتفرّج الإنطباع الذي لا يعطيه للنّص معنى آخر ومرمى آخر، والذي يمكن ترجمته في كلّ غناه بشكل أكثر صحة. ولكن ليس على المتفرج أن يشعر بانطباع ترجمة، فالنص والتمثيل يجب أن يظهرا غير منفصلين. ويبدو النص أنه مصمم للتمثيل قبل أن يكون مصمماً بشكل لغة.
والممثل المحترف يجب أن يصل إلى مرحلةٍ يصبح حضوره سواءً بصمتٍ أو بكلام غير متلاحم ذا تأثير في الجمهور. ونعطي مثال: عادل إمام والذي بمجرد حضوره على خشبة المسرح ودون حتى أن يتلفّظ بأي حرفٍ فإنّ الجمهور تصيبه حالة من الضحك المتواصل! أما الممثل المبتدئ فعلى العكس فإنّه في حال حرم من الكلمات يظل بدون عمل!
من هنا كانت الممارسة والتلمذة الفنية للممثل المبتدئ ذات أهمية كبيرة نظراً لمساهمتها الكبيرة في بناء شخصيته الفنيّة المتفردة بأسلوبها وحضورها وتأثيرها في الجمهور. كما أنها تساهم في إكسابه مهارة تقمص الشخصية التي يؤدي دورها، بحيث أن مطابقة الممثل للشخصية التي يمثلها لا يمكن أن تأتي ارتجالاً إلا بتفاصيل بسيطة.
وما من ممثل يستطيع الظهور على خشبة المسرح دون أن يكون متنكّراً باللّباس ومغيّراً سحنته، حتى لو كان الأمر يتعلق بمسرحية ذات موضوع عصري؛ فإن الممثل لا يمثّل بملابسه التي يرتديها في المدينة، حتى لو كانت هذه الملابس تلائم دوره مبدئياً، فإنّه يرتدي ملابس مصنوعة وفقاً لتعليمات مصمم الديكور. والإنارة الشديدة التي توجه إلى خشبة المسرح تمنع الممثل من أن يمثل بوجهه الطبيعي الذي سيبدو شاحباً. لذلك وجب أن تبرز ملامح الشخصية التي يلعب دورها. والممثل ذو الخبرة الطويلة ومع الأيام يصبح بإمكانه أن يضع بنفسه الماكياج الذي يناسب الشخصية التي يلعب دورها، ليجعله مطابقاً لضرورات الإنارة ولتعبير دوره. ولكن من الضروري وفي معظم الحالات تكليف اختصاصي يقوم بهذه المهمة باحترافية عالية، بحيث أنّ بعض الأدوار تتطلّب مهارة ودقّة عاليتين، ومتناسباً مع بعد الجمهور عن خشبة المسرح! فالماكياج يجب أن يكون بارزاً بحيث يكون كافياً لإحداث التأثير في عيون المشاهدين الأكثر بعدا! ويكون الماكياج مستمراً ومتلاشياً وفقاً للقاعة. وبالفعل فإنّ الماكياج لا يكتمل عمله وتأثيره إلا إذا تنظّمت الإنارة.
والحدّ الأدنى من الماكياج يتألف من صبغةٍ خفيفة ضرورية لمنع الوجه من أن يظهر
شاحباً، ومن طبقةٍ رقيقة من البودرة تتجنب اللّمعان، وخضاب الجفون ضروري
أيضاً. ويضاف في أغلب الأحيان خضاب الحمرة الذي يمزج باليد اليسرى ويدلك بأصابع
اليد اليمنى وبريشة رسام أو بإسفنجات صغيرة. ويلصق الشعر المستعار بواسطة البرنيق. ويزال الخضاب بعد التمثيل بواسطة مزيل للمساحيق كالفازلين. وإذا كانت عظام الوجه والأنف -بشكل خاص- تحتاج إلى تغيير، فيجب استعمال عجينة راصّة تدعى عجينة الأنف.
والنماذج البشرية التي يجسدها الممثل لا تختلف فقط في المظهر الجسماني للوجه وبالفارق العام للصبغة؛ إنّ للماكياج هدفاً أيضاً هو إكساب الوجه تعبيراً يعكس حالة نفسية.
وطبقة الخضاب يجب أن تكون رقيقة كفاية لئلا تعرقل التمثيل الإيمائي. ولتفصيل الماكياج على دور الممثل، يجب الالتفات والإستناد إلى ملاحظة النّماذج البشرية التي يلتقي بها في الحياة. وهكذا يستطيع تغيير ملامحه وتعبير وجهه الطبيعي آخذاً بعين الإعتبار العرق، والمهنة، والمزاج، وأخيراً الشخص الذي يمثله.
وليس الوجه وحده يجب أن يطلى. إنّ جميع أجزاء البدن التي تظهر على المسرح يجب أن تصبغ بخضاب وفقاً للإنارة.
وبدون أن يكون الماكياج ضرورياً في جميع الأدوار؛ فإنّ الشعر المستعار يفرض نفسه في عدد كبير منها.
ويجب الالتفات إلى أنّه لا يمكن فصل الماكياج -الذي يغيّر مظهر الوجه- عن التغييرات الجسدية التي يضطر الممثل أحياناً إلى القيام بها. ولندع جانباً وضعيات الجسم التي يستطيع اتخاذها ليجعل هيئة الشخص عادية. ففي أغلب الأحيان يجب أن يتغيّر حجم الجسم. فالممثل النحيل يستطيع أن يمثّل دور رجل بدين بطين. وعندئذٍ يحمل تحت ملابسه بطناً مزيفاً مصنوعاً من الحشو، والسيقان الهزيلة تحشى بنفس الطريقة، والأكتاف تصبح عريضة وترتفع، وحدبة مزيفة تضاف إلى تقبيب الظهر. وإتمام هذه التغييرات دقيق جداً لأن جسم الإنسان يشكل كلاً. وكل جزء يؤثّر على وضع المجموع: فظهر رجل بطين ليس كظهر رجل نحيل...
إذا كان الممثل يؤدي دور شخصية ذات ساق أقصر من الأخرى؛ فإنه ينتعل فردتي حذاء سماكة نعليهما غير متساوية...وجميع هذه التكييفات وفقاً للنماذج البشرية الكثيرة التنوع تشكّل جزءاً من تبديل السحنة بالمعنى العام للكلمة.
وبالإمكان أن نعزل -تحكيمياً- عنصرين من تأدية الممثل لدوره: الإلقاء والتمثيل؛ فالأول يتعلق بالممثل كممثل نص؛ والثاني كمعبّر بواسطة هيئة الجسم والحركات، وتعبير الوجه عن كافة الإنفعالات التي يستطيع نقلها إلى المشاهدين.
وبالإجمال فإن لهذين العنصرين أهمية نسبية بشكلٍ عكسي. ففي الحالة الأولى التي يجب فيها نقل جمال نص أدبي أو دقائق نص سيكولوجي؛ فإن التمثيل لا يمكن أن يرتكز إلا في البحث عن التأثيرات الدقيقة المتطورة، بحيث يتعلق الأمر بالهيئات والحركات أو ألعاب السحنة. وفي هذه الحالة فإن نوعية الصوت ومسلكه ، والفروق الدقيقة في الأداء، وإيقاع اللقط، والنبرات الخاصة بالإنفعال، والخوف، والحنو، والتأثر هي الأمور الجوهرية في التمثيل؛ وغني عن القول أن الحركات والهيئة يجب أن تتلاءم مع فروق الأداء، مع الإسترخاء أو التشدد. وبالعكس ففي مسرحية أو في مشاهد لا يوضح فيها النص سوى جزء من المأساة التي تخيلها المؤلف؛ فإن التمثيل الجسدي وتمثيل السحنة يستعيدان كلّ حقوقهما؛ ويوضح الممثل بواسطتهما الحقيقة الداخلية للشخصية التي يمثلها، في المأساة كما في المهزلة، ولا يطلب الأداء إلا أن يكون واضحاً وصادقاً. ومقابل كل ذلك فإن مرونة الجسم واستقلال حركات أجزائه المختلفة، وسرعة الحركة، وغزارة تعبيرها، وحركية الوجه، وتحريك القسمات، تصبح الوسائل الجوهرية للتعبير عن الإنسانية الخاصة بالشخص في طبعه، أهوائه، أو تأثيراته. وقلائل هم الممثلون الذين تكون عندهم هاتان الطريقتان في التعبير بصفة متساوية.
- يتبع...-
فنون
2574قراءة
2016-11-20 21:49:21