فراشة العطاء
"ريما" طفلةٌ كبرت في كنفِ عائلةٍ ميسورة الحال. تربّت على يدي أبٍ يدلّلها ويمدّها بكلّ ما تحتاج بلا جهدٍ أو عناء. نعم، فأب ريما ذو دخلٍ مرتفعٍ، وليس لديه أغلى من ابنته الوحيدة يتيمة الأمّ.
كبرت الإبنة حتّى صارت في الجامعة، ولكن ثمّة غرورٍ يجتاحها، فباتت تنبذ الفقراء والمساكين، ورأت أنّه ليس من مستواها أن تكلّم هؤلاء، فكانت أغلب الوقت وحيدةً لا تطيق النّظر إلى مَن حولها، "يكفيني مال أبي كي أكون سعيدةً" هكذا كانت دوماً تقول.
وفي يومٍ من الأيّام، وأثناء عبورها الطّريق المحاذي لجامعتها، رأت صديقةً عرفتها في طفولتها جالسةً على قارعة الطّريق، الدّموع تبلّل وجهها، والألم لا يفارق بوح عينيها. اشمأزّت ريما كعادتها ممّا رأت، وحين نادتها صديقتها طالبةً منها العون راحت تؤنّبها وطلبت منها ألا تذكر اسمها مرّةً أخرى.
وأثناء مرور علي، زميلها في الجامعة، سمع ريما تصرخ في وجه تلك الفتاة اليائسة وصار يؤنّبها فانصرفت ريما فوراً إلى جامعتها.
دخلت ريما صفّها والجميع مستاءٌ منها، فبدل أن تكفكف دموع تلك اليتيمة المشتاقة لأبيها، كلّمتها بقسوةٍ لا تستحقّها. واستمرّت ريما على تلك الحالة، الكلّ لا يطيق تصرّفاتها الخبيثة، إلى أن جاء اليوم الّذي طرد فيه أبوها من عمله. حاول الأب قدر الإمكان ألا يضايق ابنته ويخبرها بتلك الحقيقة القاسية عليها، لكن أنّى له أن يفعل ذلك والمرض قد اجتاح جسده وغداً يموت ويترك ابنته وحيدةً بلا معين، بل كيف يفاتحها بموضوعٍ يعرف أنّه قاسٍ عليها.
يوماً بعد يومٍ، بدأت ريما تشعر بأنّ صحّة والدها ليست على ما يرام، إلى أن عادت إلى المنزل ذات يومٍ ووجدته مستلقياً على فراشه، مغمض العينين. هنا كانت الصّدمة الكبرى حين توفي والدها. بدأت ريما تعيش الوحدة القاتلة وتبكي لفراق أهلها وبقائها دون سلاح المال ولا يد صديقٍ يؤازرها، وقاطعت جامعتها بحثاً عن عملٍ تؤمّن منه قوتها. ومن شدّة ندمها، كانت تذهب لقبر والديها، تجلس قربهما لساعاتٍ وساعات، تشكو لهما الشّوق وتبثّهما حزنها. وغفت ريما ودموعها لا تزال تبلّل وجه غربتها.
الآن، صارت ريما في بستانٍ مليءٍ بأبهى الزّهور. جاءتها فراشةٌ تحاكيها. قالت :"من أنت؟". قالت :"فراشة العطاء أساعد من يحتاجني وأقدّم العون لمن يناديني". عندئذٍ بكت ريما وجاءت الفراشة تسألها عن سبب بكائها فأخبرتها بما يجري:" وحدي بقيت فليتني بنيتُ عالماً يساندني في حزني". فقالت الفراشة :" أنظري إليّ يا عزيزتي وكفّي عن البكاء، كوني مثلي، فأنا فراشةٌ تبحث عن الرّبيع، والعطاء لي أروع ربيع، أنا أطير طيلة النّهار لأجلهم لا لأجلي، أرتقي بإعانتهم ولا يهمّني ما أجني، وأروع العطاء للفقراء لو تدري، "لن تنالوا البِرَّ حتّى تُنفِقوا مِمَّا تُحِبُّون"، وما العطاء سوى زهرةٍ تزيّن بجمالها الحقول، لا تخافي فالحزن لن يطول، والهمّ بعد حينٍ سيزول".
فتحت ريما عينيها ويدٌ فوق كتفها تناديها :"أنا قربك فلا تخافي ولا تحزني" فوقفت لاحتضان صديقة طفولتها معتذرةً على ما فعلت بها في ذاك اليوم. وكبرت ثمرة العطاء في قلب ريما وباتت للفقير عوناً وللمسكين سنداً ولليتيم راعيةً. كبرت ريما برفقة "فراشة العطاء" باذلةً كلّ ما لديها على حبّ السّيّدة الزّهراء (ع)، مُصلحةً كلّ ما ارتكبته من أخطاء ...
يا أحبة المهدي (عج)، احرصوا على أن تكونوا أهلاً للمعروف وكونوا عوناً لكلّ محتاجٍ، فقيرٍ ويتيم. لا تحفظوا المال في خزائن من حديد، بل أعينوا بها كلّ محتاجٍ وفقير. وكما ورد في محكم كتابه الكريم :" وما تنفِقوا من خيرٍ يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظلَمون"، فإنّ زرعنا للعطاء له ثمار دنيويّة وأخرويّة، إذ لا يمكننا حمل شعلةٍ لتنير طريق الآخرين دون أن تنير طريقنا أوّلاً ...
ودمتم خير أمّةٍ معطاءةٍ في سبيل رسم البسمة على وجه مهديّ الزّمان (عج).
تنمية مجتمع
1341قراءة
2016-01-06 12:57:26