تأثير التكافل الإِجتماعي
التكافل الاجتماعي، عنوان يراد منه التحام الأفراد فيما بينهم في إطار من الود والرحمة يشد بعضهم بعضاً، كما يقول الحديث الشريف: " المؤمن للمؤمن بمنزلة البنيان يشد بعضه بعضا ".
وللتكافل مظاهر متعددة:
- فالجهاد في سبيل الله ـ حيث ينضم الأفراد بعضهم إلى بعض ليقفوا في بوجه العدوا من التكافل.
- المهندس، والطبيب، وكل ذي فن وحرفة يقوم بعمله من التكافل.
- وتقديم الخدمات الخاصة، والعامة من التكافل.
- ورعاية اليتيم أيضاً من التكافل.
- وافراد الأسرة كل يقوم بواجبه الأسروي من التكافل.
- واسداء النصح، والكلمة الطيبة يقدمها الإنسان الى غيره من التكافل.
- ومد يد العون إلى الفقراء، والضعفاء من التكافل.
- وبتعير شامل القيام بما يعود إلى المجتمع على نطاق الأفراد، والمجموعة ككل من التكافل.
إن الحياة الإجتماعية ليست بالامكان أن تنتظم بجهود الفرد كفرد بل بجهود الفرد منظماً إلى المجموعة ليصل الجميع إلى هدفهم المنشود. والتكافل يريده الإسلام، ويحث عليه لأنه صورة شفافة يعبر عن الرحمة والحنو والعطف والشفقة، وقد أراد الله ذلك لعباده لأنه سبحانه المنبع الحقيقي للرحمة، والشفقة والسماحة. فهو رحيم، ويحب الرحمة، ويوصي بالرحمة.
والإنسان هو الصورة المثالية لصنع الله في هذه الأرض الواسعة، وقد ميزه عن بقية مخلوقاته بالعقل والادراك، ومنحه من الطاقات الجبارة ما به تظهر عظمته في هذا الكون لذلك أراد الله أن يحذو حذوه لتعبر الصورة عن قدرة المصور ومكانتة، وقد إختاره ليكون الشاشة الواضحة ليعرض عبرها كل الصفات الخيرة تلك الصفات التي أراد أن يتصف بها العبد.
ومن هنا نقول إن هذه الحياة بما هي مكان يعيش في رحابها هذا الحشد من البشر لابد لها من نظام تكافي ينظم للأفراد حياتهم ومتطلباتهم، يظللهم شعورهم بالمسؤولية "عن النبي (ص) : كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته فالإمام راع و هو المسئول عن رعيته و الرجل في أهله راع و هو مسئول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية و هي مسئولة عن رعيتها و الخادم في مال سيده راع و هو مسئول عن رعيته و الرجل في مال أبيه راع و هو مسئول عن رعيته و كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته..
وعلى ضوء هذا النظام تزدهر الحياة، وعلى تطبيقه يشق المجتمع طريقه نحو الرقي والرفعة. فإن التكافل الإجتماعي له مظاهر متنوعة، ولم يقتصر على مظهر واحد، بل هو مجموعة صور عديدة قيمة. ومن بين هذه الصور تنألق صورة الانفاق في سبيل الله، ومد يد العون إلى الضعفاء والمعوزين ليجد هؤلاء من يحنو عليهم، ومن ينتشلهم من براثن الفقر، ويبعد عنهم صوره المرعبة وبذلك تتوازن القوى، ويتجه كلهم نحو بناء مجتمع مثالي في كل عصر، ومع كل جيل. فالتكافل في الإنفاق يؤمن للغني غناء، وللفقير حقه فالانفاق من القواعد الأساس لعملية التكافل لذلك رتب الإسلام نظاماً للإنفاق لئلا يسرف الإنسان في ذلك، أو يقتر. ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾. (الأسراء:29).
وقد يسأل البعض إذا كان الرزق من الله، وهو الذي يقدر معايش العباد فلماذا لم يمنح الفقير ما يغنيه ليجعل العباد كلهم على حد سواء، أو لا أقل من أن يكفي الفقير ان لم نقل بالتساوي ؟ وحينئذٍ فيمنحه ما يرفع عنه الاتكال على ما تجود به قريحة الغني وتعود حياته رتيبة تسير على نحو من الكفاف، وبذلك يستغنى عن قانون فرض الضرائب المالية على الأغنياء الزامياً، أو تبرعياً، ولا داعي لهذه الصورة من التكافل بل تبقى للتكافل صوره الأخرى مما يحتاجه لهذه الحياة.
والجواب عن ذلك: إن الله ليس بعاجز عن أن يجعل عباده في مستوى واحد من حيث الغناء والرفاه المالي فقد نوه القرآن الكريم في آيات كثيره من أن الله هو الرازق: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ﴾. (سبأ:24). ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾.( فاطر:3).
ولكنها المصالح التي تعود إلى البشر، والتي تقضيها طبيعة الحياة العلمية في واقعها الخارجي هي التي تدعوا لأن يكون هذا التمايز. ذلك لأن الحاجة أساس العمل والعمل يخلق الانتاج، وإذا كان الكل في صف واحد فمن يعمل، وكيف يحصل الانتاج؟
وعلى سبيل المثال: فلوا فرضنا أن بلداً كل أفراده أغنياء، ويتمتعون بثروات مالية فمن منهم يحضر لينزل إلى الحقل ليحرث ويزرع، ومن منهم يبني، ومن منهم يحرك الآلة، ومن منهم يقوم بما تتطلبه هذه الحياة من أعمال ؟ ان الحاجة هي التي تدعوا العامل أن ينشد إلى رب العمل، ورب العمل إلى العامل، وهكذا، ومن جراء ذلك تؤمن متطلبات الحياة، وما يحتاج إليه الفرد من طعام وكساء وسكن. على أن هناك نقطة دقيقة كشف عنها القرآن الكريم، وأوضح أن الله سبحانه ينزل الارزاق حسب موازين مظبوطة وإنه أعلم بعباده، وكيف أن بعضا منهم لو أغناه ووسع عليه لكفر. يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾. (الشورى:27).
وختام الآية " إنه بعباده خبير بصير " يعطينا أن التقدير الذي يقدره الله لعباده نابع عن خبرة، وبصيرة بشؤون العباد إنه يعلم لو وسع على العباد في الرزق على حسب ما يطلبونه، ويرغبون فيه لبغوا في الأرض، والبغي في اللغة، هو " الظلم والجرم والجناية، والباغي هو الظالم، والعاصي على الله ".
ولكن " ينزل بقدر ما يشاء "، وعلى قدر صلاحهم، وما تقتضيه مصالحهم، وقد جاء عن عن رسول الله (ص) عن جبرائيل عن الله سبحانه: " إن من عبادي من لايصلحهُ إلا السقم، ولو صححته لأفسده، وإن من عبادي من لايصلحهُ ألا الصحة، ولو سقمته لأفسده، وأن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفستده، وذلك إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم ".
فلنكن من الساعين في حوائج الناس والحذرين في موضوع التكافل الإجتماعي ... لأجل مجتمع متكاتف إجتماعياً !!
تنمية مجتمع
1455قراءة
2016-01-06 13:15:21