في المأثور عن الرسول الأعظم قوله (صلى الله عليه وآله) : "إن لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا". وهو نفس المعنى الذي أراده الحسين(عليه السلام) بقوله : " أنا قتيل العبرة ما ذكرني مؤمن إلا استعبر وبكى". إلى كثير من المرويات الخاصة بهذا الموضوع.
ونلاحظ ذلك بوضوح من خلال الطقوس والشعائر التي يقيمها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أيام عاشوراء.. فهي تعطي الصورة الانعكاسية لهذا المعنى أو تمثل المصداق والصدى العملي لقول الأئمة.
فتجد مثلا التعازي وهي مجالس الذكر الحسيني حافلة بالدموع السواجم ومظاهر الحزن والأسى تفيض على الوجوه وتجود بها العيون بلا انقطاع طيلة مدة المجلس وما بعده.. الأمر الذي جعل الخطباء أنفسهم يتفاعلون مع ما يقرأونه على المنابر من حوادث عاشوراء المأساوية وقصائد الرثاء والنعي، فينعكس هذا التأثر على حضّار المجلس دون اختيار وينتقل إلى قلوبهم ويهيمن على مشاعرهم ويربطهم بالحدث التاريخي بشكل مباشر ليبدأ التداعي الحر للذكريات العاشورائية بشتى صورها الملحمية والمأساوية.
من هذه الحالة العاطفية يتم التهيؤ والاستعداد النفسي لتلقي الدرس النهضوي المستفاد من مواقف وملاحم أبطال كربلاء وعلى رأسهم الإمام الحسين، فتختزن النفس انسيابية الأسى والألم مع لذة الشعور بأمجاد العزة والصمد والثبات على المبدأ حتى الشهادة من أجله.
وبنفس الطريقة يتم التمهيد لثورة عاطفية جياشة ضد الظلم والانحراف الذي جسده أعداء الحسين، الأمويون في الماضي، والإرهابيون حالياً، ويحدث الربط الجدلي بين الزمانين وتبدأ المقارنات والمقايسات بالتداعي والحضور في ذهنية المتلقي لخطاب عاشوراء وصولاً إلى حالة التبني الكامل لأهداف أبي الأحرار والدفاع عنها وتكريسها في الحياة الحاضرة.
كما ينتج عن ذلك التهيج العاطفي، موقف الرفض لكل ما يخالف الأهداف الحسينية الناهضة وتنطلق المواجهة النفسية بشكل جماعي وفردي معاً لكل انحراف عن المسار الذي رسمته عاشوراء بالدماء الزواكي ليلوح للأجيال ناصعاً جلياً.
إن العاطفة هي المحرك الأساس في عملية استحضار القيم البطولية والتضحوية واستيحائها لبناء التوجه المبدئي الجديد وعلامة ذلك الدموع التي يسكبها الحسينيون انفعالاً بالفاجعة، لكن هذا لا يعني غياب العقل في ظل طغيان العاطفة ، وإنما العاطفة هي الممهد وهي نقطة الانطلاق التي توصل العقل إلى غاياته، وهي قدحة الزند الأولى على طريق اتخاذ الموقف. إذ كيف للعقل أن يتحفز لولا تحرك المشاعر وضغطها المستمر الذي يكهرب العقل ويلفته إلى تلك الزاوية من التفكير والوعي ويساعده على بناء النظرية الاعتقادية المنسجمة مع الفطرة السليمة للإنسان، فلولا نداء العاطفة هذا لما استيقظ العقل لاستلهام الدروس والعبر والاستعانة بالتجربة الإنسانية انطلاقاً لاتخاذ الموقف الصحيح والمطلوب إزاء قضايا الأمس واليوم كبداية جديدة لصنع الغد الأمثل.
لقد أريد لهذه العاطفة الحسينية أن تكون المدخل أو المفتاح للدخول إلى عالم المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي يقرها العقل وتتماشى مع الفطرة الربانية وهذا واضح من كلمات الأئمة ووصاياهم لشيعتهم وإقرارهم للكثير من تصرفات أصحابهم وحسبنا ما جرى بين الإمام الرضا (عليه السلام) والشاعر دعبل الذي أنشده قصيدته التائية المعروفة. وقول الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه ما مفاده "هل تجلسون وتتذاكرون ـ في قضية الحسين ـ ثم يؤكد الإمام "إني أحب تلك المجالس" ويوصي الأصحاب" أحيوا أمرنا.. رحم الله من أحيا أمرنا".
(منقول)
تنمية مجتمع
1571قراءة
2017-09-30 00:59:39