12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

البيئة >> أحسن اليها تحسن اليك

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

أحسن اليها تحسن اليك
(رعاية البيئة)

 

إن البيئة هي من الأمور المهمة التي تنعكس آثارها على مستقبل الإنسان وتؤثّر على حياته في جانبها المادي والمعنوي ، وهي من الموازين التي تميّز بين الحضارات وتطورها ... وقد اهتم الإسلام بالبيئة اهتماماً شديداً ووضع تشريعاته وآدابه الخاصة في هذا المجال .
في هذا الموضوع نلقي الضوء على ملامح النظرة الإسلامية للبيئة وبعض توجيهاته في هذا الإطار ، التي على الإنسان أن يحوّلها إلى برنامج عمل وممارسة يومية.


تعريف البيئة:

يمكن تعريف البيئة على أنها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقوّمات حياته من غذاء وكساء ودواء، أي كل ما يحيط بالإنسان ويؤثّر فيه ويتأثر به سلباً أو إيجاباً، فتشمل جميع الموجودات التي تحيط بالإنسان من يابسة وماء وسماء ومخلوقات حيّة وغير حيّة من حيوان ونبات ومناخ وتربة، كما أن مفهوم البيئة اليوم لم يعد قاصراً على الجوانب الطبيعية وإنما اتّسع ليشمل النّواحي الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي صنعها الإنسان وعلى هذا نخلص إلى نموذجين للبيئة وهما:
1. البيئة الطبيعية وهي التي ليس للإنسان دخل في وجودها.
2. البيئة البشرية وهي بيئة من صنع الإنسان وتعدّ انعكاساً لطبيعة التفاعل بين الإنسان وبيئته الطبيعيّة أي سلوك الإنسان وإنجازاته داخل بيئته الطبيعية.
وقد أشار القرآن الكريم إلى عمق ارتباط الإنسان بيئته في الكثير من آياته الشريفة ، ومن هذه الآيات :
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} .


قواعد ومبادئ تقنن علاقة الإنسان ببيئته

‏لقد ضُمّن الإسلام مجموعة من المبادئ والقواعد التي تضبط سلوكيات الإنسان في تعامله مع بيئته بما يصونها ويحفظها ، منها :
1. الدعوة إلى الإصلاح والنهي عن الفساد والإفساد
الفساد ضد الصلاح، وهو كل سلوك بشري يفسد نعم اللَّه ويحيلها إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة، وقد نهى الإسلام عن الفساد والإفساد {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} فكل شي‏ء بما فيه الأرض بشؤونها قائم على الصلاح ولكن الإنسان هو الذي يفسد.
وفي قوله تعالى {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ورد أنها نزلت في الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي (ص) وأعلن إسلامه ثم خرج فمرّ بزرع فأحرقه، وحمر فعقرها فذكر تعالى ما فعله الأخنس بأنه إفساد ومخالف للسلوك الإسلامي القويم.
2. الدعوة إلى الاعتدال :
على الإنسان نبذ الإسراف وسلوك الطريق الوسطي فلا إفراط ولا تفريط، وهو مبدأ عام لا يختص في جانب معين، فقد نهى الإسلام عن الإسراف لما فيه من أضرار كثيرة، وهو كل سلوك يتعدى الحدود المعقولة والمقبولة، وإذا عطفنا الكلام على موضوع البيئة فإنه يتمثل في الاستخدام المفرط لموارد البيئة بما يشكل خطراً وضرراً على البيئة ومواردها {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } . فهذا النص القرآني عامّ فيشمل كل سلوك إنساني.
والحقّ أنّ الإسراف في استخدام موارد البيئة قد يهدّد البشرية بأخطار كثيرة؛ فمثلاً الإسراف في قطع الأشجار والنباتات أدّى إلى مثل: جرف التربة، الفيضانات العنيفة، انتشار التصحّر، الاختلال في دورة الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون وغير ذلك.. والقرآن دعا من خلال هذه الآيات إلى الاعتدال والوسطية، أي الاستخدام الراشد والاستثمار دون استنزاف لأن اللَّه جعل لكل شي‏ء قدراً ومنها البيئة، والموازنة بين القدرة الإنتاجية للبيئة وبين النمو السكّاني، والموازنة بين الأعمال اللازمة لإشباع احتياجاته المتسارعة وبين المحافظة على البيئة سليمة خالية من العطب والخلل، فلا تعني حماية البيئة أن نترك كنوز الأرض في مواقعها، ولا التحريم المطلق للاستفادة من ثروات الأرض الحيوانية والنباتيّة، بل تعني الاستفادة دون إسراف لأنّ البيئة ليست ملكاً لجيل بعينه يتصرف بها كيف يشاء بل هي ميراث البشرية.
3. الدعوة إلى حماية البيئة الّتي يستفيد منها:
أودع تعالى في مكونات البيئة الحيوية الكثير من المنافع الملموسة وغير الملموسة التي سخّرها بقدرته وحكمته لخدمة الإنسان وتوفيراً لمتطلبات حياته قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وهذه الآيات واردة في مقام المِنّة على الإنسان وأنّه تعالى أنعم بها على الإنسان فواجبه هو أن يقوم بشكرها والمحافظة عليها من التلف أو التلوّث أو غير ذلك. لأنّ هذه المخلوقات والكائنات تشاركه الحياة وأن وجودها مهم لاستمراره.

قواعد المحافظة على البيئة

في الأحاديث الشريفة دعوة صريحة إلى التعاطي الإيجابي مع مكوّنات البيئة بمائها ونباتها وحيوانها وهوائها وغيرها وفي ما يلي إطلالة على ذلك:
1. زراعة النباتات والأشجار
دعا الإسلام منذ أربعة عشر قرناً إلى استزراع النباتات والأشجار وحمايتها وحث على التشجير والزراعة ولدينا كمّ كبير من الروايات في هذا المجال نذكر منها:
عن الإمام الصادق (ع): " الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيباً أخرجه الله عز وجل وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاماً وأقربهم منزلة ويدعون المباركين ".
وعن رسول الله (ص): " ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كانت له به صدقة".
وعنه (ص):"إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ".
فهذه الأحاديث وغيرها دعوة جادّة نحو التخضير ونشر الخضرة في كل مكان.
2. مكافحة التصحر
وكما حث الإسلام على الزرع فقد نهى عن الفعل المعاكس أي القلع وقطع الأشجار؛ فقد ورد عن الإمام أبي عبد اللَّه (ع): "لا تقطعوا الثمار ( أي الأشجار المثمرة) فيصبّ الله عليكم العذاب صباً"
وعنه (ع): "ما من نبت إلا ويحفّه ملك موكّل به حتى يحصده فأيما امرئ وطئ ذلك النبت يلعنه ذلك الملك". كما وأكدت بعض الروايات على عدم قطع بعض أنواع الأشجار التي كانت موجودة بندرة في بعض الأماكن وما ذلك إلا للحفاظ على الثروة النباتية ولا سيما في المناطق الصحراوية التي تكافح الدول اليوم لجعلها مناطق خضراء وارفة، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إنما يكره قطع السدر بالبادية لأنَّه بها قليل"
بل كانت الأوامر الصريحة تصدر من النبيّ (ص) لقواده وجيشه تنهاهم عن قطع الأشجار أو تدميرها وضرورة المحافظة عليها "ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها " ، ونتيجة إغفال الإنسان لهذه التوجيهات وإفراطه في بناء مدنيته على حساب الموجودات الطبيعية لهذه العناصر الضرورية للحياة ازداد التلوث ما سبب إخلالاً في مكوّنات الطبيعة.
3. الرفق بالحيوان
فإذا كان صيد الحيوانات بريّة كانت أو مائيّة حلالاً شرعاً فقد نهى الإسلام عنه طالما كان لغير منفعة ، لذا ورد في الحديث عن رسول اللَّه (ص): "من قتل عصفوراً عبثاً عجّ إلى اللَّه تعالى يوم القيامة يقول يا ربّ إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة ".
وعنه (ص): "ما من دابة تُقتل بغير الحق إلا ستخاصمه يوم القيامة". بل لنا في الروايات التي ترشد إلى التعاطي بالرفق مع الحيوان ما يكفي لعكس صورة واضحة على مدى الحرص على حياة المخلوقات.
4. الاقتصاد في المياه والمحافظة عليها
لا شك أن قلّة الماء تؤثر سلباً على نمو النبات وبالتالي على حياة الحيوان، فالواجب يقتضي الحفاظ على هذا الماء وعدم الإسراف في استخدامه ، وقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "أدنى الإسراف هراقة فضل الإناء"، فالنهي عن الإسراف يشمل استخدام هذه الثروة المائية التي بدأ العلماء يتحدّثون عن قلّتها وعدم كفايتها لسد حاجات البشر نتيجة الإسراف وسوء الاستخدام. وكذا أمر الإسلام بالمحافظة على نظافة المياه ونقائها كمنع إلقاء الأقذار الإنسانية قريباً من مجاري المياه والبراري والطرقات والساحات لكي لا تصبح مصارف صحية متعددة بما يشكل ذلك من انتشارٍ للأوبئة المختلفة.
5. المصلحة الجماعية معياراً للتّصرّف بالبيئة
قد تتفاوت مصالح الأفراد للاستفادة من موارد البيئة، فيتعاطى معها بما يتلاءم مع السعادة والمصلحة الفرديتين، فيؤذي البيئة ويؤذي الأفراد في المجتمع، وهذا يعود إلى الانغماس في محبة الذات وما يرضيها، لذا تجد في الأحاديث والروايات ما يحثّ الفرد المسلم على الإحساس بالآخرين حتى يتخلّى عن النوازع الذاتية والعوامل الفردية "اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك فأحب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها".
ولذلك أفرد الفقهاء باباً في كتب الفقه أسموه بالمشتركات والمراد بها الطرق والشوارع والمساجد وغيرها مما كان الانتفاع بها عاماً ذكروا فيه أحكام التصرّف فيها، فقالوا مثلاً: لا يجوز التصرف لأحد في (الشارع العام) ببناء حائط أو حفر بئر، أو شق نهر أو غرس أشجار ونحو ذلك وإن لم يكن مضراً بالمستطرقين، نعم لا بأس بما يعدّ من مكملاته ومحسّناته. فهذه الأطر العامة تعطي الجواب الجلي لأي تساؤل عن الموقف الشرعي والرواية الإسلامية في مجال تقنين علاقة الإنسان ببيئته.

تنمية مجتمع
1349قراءة
2016-01-08 18:00:21

تعليقات الزوار


تنمية مجتمع