ولقد أشارت ابنة شعيب عليه السلام على أبيها عندما سقى لهنّ موسى عليه السلام أن يستأجره، وقالت في ذلك: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾1، فوصفت موسى بن عمران عليه السلام بالأمانة والقوّة، وهما عنصران أساسان في الاختيار الصالح2.
وعندما رشّح يوسف عليه السلام نفسه لأمانة خزائن مصر، ذكر لتوجيه هذا الترشيح كلمتين: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾3، وهاتان الكلمتان هما: (الحفظ) و(العلم).
و(الحفظ) بمعنى الأمانة، و(العلم) بمعنى المعرفة.
فهذه ثلاث نقاط في معايير الاختيار الأصلح: المعرفة، والأمانة، والقوّة (الكفاءة).
ولأمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه) كلمة جامعة في التعريف بالكفاءة والقوّة، ننقلها.
يقول عليه السلام: "واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأساً منهم لا يقهره
كبيرها ولا يتشتّت عليه كثيرها".
وهو كلام دقيق في التعريف بكفاءة المسؤول وقوّته، لا تغلبه الأمور الصعبة الكبيرة التي تواجه المسؤولين، ويبقى هو الأقوى في أيّ مواجهة ومقابلة للمشاكل والتحديات التي تواجهه.
والخصلة الأخرى في تحديد الكفاءة القوّة في المسؤولين "ولا يتشتّت عليه كثيرها" كما لا يغلبه كبيرها لا يشتّته كثيرها... إنّ المسؤول الذي تتشتّت عليه الأمور، لا يتمكّن أن يجمعها ويُهيمن عليها ويُديرها ويُنظّمها... إنّ الإدارة هي تجميع شتات الأمور وتنظيمها وترتيبها بحسب الأولويات والاستحقاقات.
وهذه الخصال أيضاً من خصال القوّة، كما الخصلة المتقدّمة.
ونقرأ في كتاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، عندما ولّاه مصر، معايير أخرى في اختيار الصالح نذكرها بإيجاز.
أ- التجربة والخبرة في العمل الذي يعهد إليه.
يقول عليه السلام: "وتوخّ منهم أهل التجربة"4.
ب- "الاختيار من البيوتات الصالحة"5
ج- القدم في الإسلام.
ويُعلّل الإمام ذلك بقوله: "فإنّهم أكرم أخلاقاً وأصحّ أعراضاً، وأقلّ في المطامع إشرافاً، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً"6... إنّ تاريخ الإنسان جزء لا يتجزّأ من كيانه، فإذا كان تاريخه مشرقاً نظيفاً معروفاً بالصلاح أمكن الاعتماد عليه والوثوق به.
د- النصيحة لله ولرسوله ولأئمّة المسلمين.
يقول الإمام عليه السلام في نفس الكتاب في معايير اختيار الصالح.
"فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك"7.
هؤلاء ينصحون لله، ورسوله وأئمّة المسلمين فيما يعملون وما يقولون، أمّا أولئك الذين يبتغون من المواقع زهرة الحياة الدنيا ومتاعها، فلا يصلحون لهذه المواقع ولا ينصحون.
هـ. القيم وفضائل الأخلاق، وهي بلا شكّ من عناصر الاختيار الصالح... أمّا الذين يفقدون فضائل الأخلاق، ويتعاملون مع الناس بفظاظة، ومع مواقع المسؤولية من منطلق المصالح الشخصية، والبطر والرئاء، فلا يصلحون لتحمّل أية مسؤولية من مسؤوليات المسلمين.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام في نفس الكتاب: "ثم انظر في حال كُتَّابك، فولّ على أمورهم خيرهم، واخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك، وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق"8.
6- الامتحان ولا بدّ أن يسبق الاختيار الامتحان.
فلا يختار المسؤولون شخصاً لمهمة قبل أن يعرفوا كفاءته لإدارة ذلك العمل بالامتحان.
يقول الإمام علي عليه السلام في نفس الكتاب: "ثمّ انظر في أمور عُمّالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولّهم محاباة ولا أثرة"9. وهو الأسلوب الصحيح للاختيار الأصلح.
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذا المعنى: "الطمأنينة إلى أحد قبل الاختبار له عجز"10.
هوامش:
1. سورة القصص، الآية 26 .
2. لم نتأكّد من أنّ الشخص الصالح الذي استأجر موسى عليه السلام، وزوّجه ابنته هو شعيب عليه السلام، ولكن هذا هو المعروف.
3. سورة يوسف، الآية 55.
4. - السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الكتاب 53.
5. - السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الكتاب 53.
6. م. ن.
7. م. ن.
8. م. ن.
9. السيّد الرضي، نهج البلاغة، كلمات الإمام علي عليه السلام، الكتاب 53.
10. م.ن، حكمة 384.
تدريب
2897قراءة
2018-06-11 10:39:51