ليلة القدر
﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾1.
﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾2.
إعلم أن أهم ما في شهر رمضان، ليلة القدر، وهي ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر. وقد ورد في الأخبار كونها خيرًا من جهاد ألف شهرٍ وعبادتها خيرٌ من عبادة ألف شهر. وبالجملة هي ليلةٌ شريفةٌ، تُقدّر فيها أرزاق العباد وآجالهم... وفيها نزل القرآن، وهي ليلةٌ مباركة.
• موانع القبول في ليلة القدر
رُوي أنّه لا يُرّد في تلك الليلة دعاء أحدٍ، إلا دعاء:
1ـ عاقّ الوالدَين.
2ـ قاطع رحمٍ ماسّة..
3ـ من كان في قلبه عداوة مؤمن...
• ثواب إحياء ليلة القدر
رُوي عن النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: "قال موسى (عليه السلام): "إلٰهي أُريدُ قربك، قال: قربي لمن استيقظ ليلة القَدر، قال: إلٰهي أريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحِم المساكين ليلة القدر، قال: إلٰهي أريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدّق بصدقةٍ في ليلة القدر، قال: إلٰهي أريد من أشجار الجنّة، قال: ذلك لمن سبّح تسبيحةً ليلة القدر، قال: إلٰهي أريد رضاك، قال: رضاي لمن صلّى ركعتين في ليلة القدر"3.
• الاستعداد لليلة القدر
وينبغي للمصدّق بالدين، وبنصّ القرآن المبين أنْ يجتهد لليلة القدر بكلّ ما يقدر عليه من الوسائل. ومن الاجتهاد أن يكثر ويبالغ في الدعاء لتوفيقها طول سنته، وأن يرزق فيها أحبّ الأعمال إلى الله وأن يجعلها له خيرًا من ألف شهرٍ، وأن يقبلها منه ويكتبه فيها من المقرّبين، ويرضى عنه ويُرضي عنه نبيّه وأئمّته لا سيّما إمام زمانه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .. ومن الاجتهاد أن يُعدّ العدّة لتحصيل مقدّمات العبادة من لباسٍ مناسبٍ وعطرٍ، وما يتصدّق به فيها على فقراء مخصوصين لصدقته، ويتخيّر لها أدعيةً مناسبة.
وينبغي أن يزيد في شوقه إلى الفوز بكرامات ما أُعِدّ له في هذه الليلة، وأن يعيّن لليلته من الأعمال ما هو أنسب لحاله وإخلاصه وحضوره وصفاته ورضا مولاه... ويجتهد أن لا يشتغل في شيءٍ من أجزاء ليلته عن الله ولو بالمباحات.
كما أنّ عليه أن لا يغفل قلبه عن حقيقة ما يقوم به من الأعمال والأذكار حين اشتغاله بها، ويسهل ذلك بأن يتفكّر إجمالًا في العمل قبل أنْ يدخل فيه.
وبالجملة، على السالك أن لا يستقلّ من الخير ولو ذرّةً فيتركه لأجل قلّته فيخسر، ولا يستكثر شيئًا منه فيعجب، أو يتركه من جهة أنّه لا يقدر عليه بل يفعل منه كلّ ما قدر عليه، ويستصغره بعد فعله في جنب الله. ولا يستبعد أن يجيب الله دعاء عباده لمجرّد صورة الدعاء ولو بلقلقة اللسان ويعاملهم بكرم عفوه، وإيّاه إيّاه أن يُقنِط أحدًا من رحمة الله ولو كان عمله مشوبًا ببعض الأكدار، لعلّه إذا لم يترك العمل قد يُوَفّق لبعض النفحات الإلٰهيّة وينقلب الأمر رأسًا على عقب فيفوز مع الفائزين.
... ولا بدّ للمؤمن في أوّل الليلة من أن يبالغ في التوسّل والاستشفاع بخفير الليلة من المعصومين (عليهم السلام)، ويذكر كلّ ما يحتاج إليه من التوفيق في أعماله وأحواله ويجدّ في تلطيف ألفاظ الاسترحام والاستشفاع بهم عليهم السلام.
• وأعمال ليالي القدر نوعان: نوعٌ منها عامٌّ، يؤدّى في كلّ ليلةٍ من الليالي الثلاث، ونوعٌ خاصٌّ يؤتى فيما خصّ كلّ ليلةٍ من الليالي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- القدر: 3.
2- الدخان: 4.
3- إقبال الأعمال لابن طاووس ج1 ص345.