12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة العقيدة >> الدرس الأوّل: العقيدة ودورها في حياة الإنسان

الدرس الأوّل: العقيدة

ودورها في حياة الإنسان

 

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
  1- يميِّز بين قسمي المعارف العامة والمصيريّة.
  2- يبيِّن منابع المعرفة ويقيّمها.
  3- يميّز بين المعرفة العقليّة والقلبيّة.

 

تمهيد
الإنسان موجود يبحث عن الكمال والسعادة ويسعى بكلّ جهده للوصول إليهما، لكنّه يدرك بالبديهة أنّ الوصول إلى السعادة يحتاج إلى المعرفة والعمل، كما قال الإمام عليّ عليه السلام لكميل: "يا كميل ما من حركة إلّا وأنت محتاج فيها إلى معرفة"1.

 

ولكن ما هي الأمور التي لا بدّ من أنْ نتعرّف إليها؟ وهل يجب معرفة كلّ شيء؟

يمكن أنْ نقسم المعارف إلى قسمين أساسين:
  1ـ المعارف العامّة: وهي المعارف والعلوم المرتبطة بالحياة الدنيا ولا تتعدّاها، بل تنتهي بانتهائها.
  2ـ المعارف المصيريّة: والتي تتميز عن العامّة بعلاقتها بمصير الإنسان وسعادته وشقائه، وهي الأمور التي يمكن للإنسان أنْ يطمئنّ على مصيره النهائي من خلال التعرّف إليها. 

وعلم العقيدة هو العلم الذي يتكفّل بالإجابة عن الأسئلة المصيريّة، وقد عبّر أمير المؤمنين عن تلك الأسئلة بقوله: "رحم الله أمرءًا عرف من أين وفي أين وإلى أين"2.

وبعبارة أخرى أنْ يتعرّف الإنسان إلى المبدأ والطريق والهدف، وهي الأمور التي تعبّر عنها أصول الدين: التوحيد والنبوّة والمعاد.

وبما أنّ لكلّ علم أسلوبًا خاصّاَ به للتوصّل إلى النتائج المرجوة كالتشريح بالنسبة لعلم الطبّ، كان أسلوب علم العقيدة هو الاستدلال العقليّ، وهذا لا ينافي أنّ بعض الأمور العقائديّة يُستدلّ عليها بالأدلّة النقليّة. ومن المؤكّد أنّه ليس هناك عقيدة كالإسلام تعطي أهمّية للعقل والفكر.

لقد استُعمل لفظ (علم) في القرآن 105 مرات، واستعملت صيغها المختلفة أكثر من 770 مرّة، كما استُعملت مادة (عقل) 49 مرّة، ومادة (فقه) 20 مرّة، ومادة (فكر) 18 مرّة، بحيث يدعو الناس إلى الفكر والتفكّر والتفقّه والتعقّل بإصرار شديد.

قال تعالى: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾3.

قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له"4.

يصفُ الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام العقل لهشام بن الحكم، قائلاً عليه السلام: "يا هشام إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه، فقال: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾5.

 

منابع المعرفة
ولتوضيح المطلب كان لا بدّ من التعرّف إلى منابع المعرفة التي يملكها الإنسان، وبتعبير آخر النوافذ التي يرى من خلالها العالم الخارجي، فالإنسان يمتلك ثلاثة منابع، أو نوافذ، لمعرفة الكون، وهو يتعرّف إلى حقائق الوجود من خلالها.

وإنّ جميع العلوم والمعارف الإنسانيّة إنّما يحصل عليها الإنسان من إحدى هذه النوافذ والأدوات، وكلّما انسدّت إحدى هذه النوافذ فإنّ الإنسان سيفقد علمًا ومعرفة ترتبط بها، وهذه المنابع هي: 1ـ الحسّ. 2ـ العقل. 3ـ القلب.

 

المنبع الأوّل: الحسّ
أول منبع للمعرفة عند الإنسان هو الحسّ، ومقصودنا بالحسّ هنا هو الحواسّ الخمس (البصر، السمع، الشمّ، الذوق، اللمس).

وكلّ واحدة من هذه الحواسّ تعطي الإنسان نوعًا خاصًّا من المعرفة، وبفقدان إحدى هذه الحواسّ لا يعود هذا النوع ممكنًا له، وفي هذا المجال يقال "من فقد حسًا فقد فقد علمًا"، والحقيقة هي كذلك، لأنّ الذي يولد أعمى لن يستطيع أنْ يتعرّف إلى الألوان والأشكال، ولن يفيده أيّ توضيح وبيان في معرفتها، وهكذا الأصمّ بالنسبة إلى الأصوات والأنغام وغيره.

وينحصر دور الحواسّ في التعرّف إلى الأمور الماديّة.

 

المنبع الثاني: العقل
كل عاقل يدرك معنى العقل، وإنْ لم يتمكّن من بيانه باللغة العلميّة.

وببيان علمي: العقل هو مركز الإدراك الذي يقوم بإدراك مفاهيم الأشياء وصورها.

مثلاً تتصور الحرارة وغليان الماء، فتستدلّ على أنّ الحرارة علّة لغليان الماء.

أو عندما ترى نارًا وترى أنّها تحرق وتجرّب ذلك مرّة ثانية فتجدها تحرق فتقول إنّ كلّ نار محرقة.

فالعقل هو الطريق الأساس للإستدلال و تركيب البراهين.

 

المنبع الثالث: القلب
من البديهي أنّه ليس المقصود من القلب مضخّة الدم، بل المقصود من القلب في مبحث المعرفة هو مركز الإحساسات الخاصّة التي لا تحصل عن طريق الحواسّ الخمس ولا العقل، مثل: الإحساس بالرحمة، والحبّ، والبغض وغير ذلك.

 

تقييم الطرق الثلاث
مما لا شكّ فيه أنّ لكلّ منبع من منابع المعرفة حدًّا لا يتعدّاه إلى غيره، وله خصائص وميّزات، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن أيّ منبع للمعرفة بالاعتماد على منبع آخر، فالحواسّ لا يمكنها أنْ تتعرّف إلى الله تعالى لأنّ حدود الحواسّ أن تنال الأمور الماديّة فقط ولا يمكن أنْ تتعرّف إلى الأمور المجرّدة، لأنّها خارجة عن حدود الحواسّ، ولذلك لا يمكن إنكار

المجرّدات لمجرد أنّ حواسنا لا تدركها، ولعلّ كلّ من أنكر وجود الله تعالى كانت حجّته الظاهريّة أنّه لم يرَ الله تعالى، فكيف يؤمن بشيء لا يراه؟ والجواب:

أوّلاً: إنّ وجود الله تعالى مجرّد، فهو خارج عن قدرة الحواسّ أصلاً، ولذلك لا ننكره لمجرّد كونه غير قابل للإدراك بالحواسّ.

ثانيًا: إنّ كلّ إنسان يعتقد بمجموعة مسائل، مع أنّها خارجة عن الإدراك الحسّي، كاعتقاده بوجود العقل، والأحاسيس الباطنيّة مثلاً.

أما الطريق العقليّ فهو أنْ يُثبت الإنسان وجود الله تعالى كما يثبت وجود شخص بصفات معينة من خلال آثاره، فأنت تستدلّ على وجود مهندس بارع وصاحب ذوق رفيع وخبرة من خلال البناء المنسوب إليه، وهذا بالضبط ما تتكفّل به بعض الأدلّة العقليّة بالنسبة لوجود الله تعالى من خلال المخلوقات كما سيأتي لاحقًا.

أما بالنسبة للقلب فهو أنْ يشعر الإنسان بوجود الله تعالى كما يشعر بوجود نفسه، ويحسّ بوجود الخالق في باطنه، مثل بقيّة الإحساسات الداخليّة.

يعني أنّه كما أنّ الإنسان يحسّ بالجوع والعطش، وكما يحسّ بالتعلّق بالولد فهو بالدّقة يحسّ كذلك بالله سبحانه في وجوده. ومن الواضح أنّ إدراك وجود شيء بالشعور القلبي أقوى من الاستدلال عليه بالعقل، بل لا تعود هناك حاجة للاستدلال عليه أصلاً، فهل رأيت عاقلاً يستدل على وجود نفسه؟

 

ميزات وفوارق
قد يُطرح سؤال هنا وهو: ما هو الاختلاف بين المعارف العقليّة وبالخصوص معرفة الله عن طريق العقل وبين المعارف القلبيّة وبالخصوص معرفة الله عن طريق القلب؟

والجواب: إنّ الاختلاف بينهما هو كحدّ أدنى على أنحاء ثلاثة:


1- المعرفة القلبيّة إحساس والمعرفة العقليّة علم
هذا الاختلاف هو عبارة عن الاختلاف بين الإحساس والعلم، فمعرفة الله ـ وغيره ـ عن طريق القلب هي إحساس وعن طريق العقل هي علم، فكما أنك لا تشكّ بوجود شيء تراه بعينيك وإنْ لم يره غيرك كذلك لا تشكّ بوجود الله لأنّك تراه بعين قلبك، وإنْ لم يره غيرك.
يقول الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة: "إلهي تردّدي في الآثار يوجبُ بعدَ المزار فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك"6.

كم هي جميلة ودقيقة وعميقة هذه الكلمات، وهي تعني أنّه يا إلهي أنا إذا أردت أنْ أتحرّك نحوك عن طريق العقل والآيات والآثار فهذا الطريق طويل جدًا، ويوصلني متأخرًا إلى وصلك، فأرشدني إلى طريق أقرب، واهدني إلى عمل يوصلني إلى وصلك، ويجعل قلبي مكانًا لتجلّي أنوارك، لأحسّ بك بقلبي بأسرع ما يكون.

"كيف يُستدَلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟

متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك، ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبًا"7.

"إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار..."8.

 

2- المعرفة القلبيّة فرديّة، والمعرفة العقليّة عامة
من الاختلافات - والتي تتفرّع عن الفارق الأوّل - أنّ معرفة الله عن طريق القلب وغيرها من المعارف القلبيّة فريدة، أيْ هي خاصّة بصاحبها وهذا نتيجة طبيعيّة لكون هذه المعرفة إحساسًا، فلا تقبل النقل للآخرين والتعليم والتعلم، على خلاف معرفة الله عن طريق العقل فهي ليست فرديّة وهي قابلة للتعليم والتعلم ويمكن نقلها للآخرين.

إنّ معرفة الله عن طريق القلب لا يمكن إبرازها في قالب الاستدلال، وهي ليست أمرًا قوليًا بل هي أمر ذوقيّ، وهي كما قيل نوع من التجربة الباطنيّة لا يمكن نقلها للآخرين، كما أنّ المبصر لا يستطيع أن يبيّن للأعمى اللون وإدراكه له ومعرفته به، وكما أنّ الإحساس بالجوع والعطش لا يقبل النقل للآخرين فكذلك الشخص الذي يستطيع أن يحسّ بالله عن طريق القلب، لا يستطيع أن ينقل إحساسه إلى من كان بصر قلبه أعمى.

 

3- المعرفة القلبيّة والتقوى توأمان
ومن الاختلافات بين معرفة الله عن طريق القلب، ومعرفة الله عن طريق العقل، هي أنّ المعرفة القلبيّة توأم للعمل والالتزام والتقوى، ولكن المعرفة العقليّة يمكن أنْ تكون مع التقوى ويمكن أنْ تكون بدونها، بل يمكن أنْ تكون مترافقة مع الكفر.

يقول سبحانه في القرآن الكريم في عدم إيمان قوم فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ...﴾9.

وعليه يمكن أنْ يصدّق العقل بالله عزّ وجلّ ولكن اللسان ينكره، ويعمل الإنسان خلاف ما يعلم، ولكن لا يمكن أنْ يحسّ القلب بالله وينكر اللسان، ولا يمكن أنْ توجد المعرفة القلبيّة ولا يوجد الالتزام والتقوى، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "ولا معرفة إلَّا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له"10.

هذه المعرفة هي المعرفة القلبيّة التي هي توأم الالتزام والعمل. وبناءً على هذا فإنّ الأساس فيما يرتبط بمعرفة الله من الناحية الفرديّة والشيء الذي له قيمة من الناحية العمليّة، وله الدور الأساس فيما يرتبط بتكامل الإنسان، هو المعرفة القلبيّة.

 

طريق تحصيل المعرفة القلبيّة
من الواضح أنّ سعادة الإنسان هي في ظلّ المعرفة القلبيّة، ولكن كيف يصل الإنسان إليها؟ الجواب المختصر والواضح أنّ الباب الذي يوصلنا إلى القلب هو العقل، ومن النادر جدًّا أنْ يصل الإنسان إلى المعرفة القلبيّة من دون الدرس والتحصيل والإستدلال العقليّ، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "العلوم بذور المشاهدات" وهذا يعني أنّ الإنسان لا بدّ له من الوصول إلى القناعة العقليّة ليصل من بعدها إلى الإيمان القلبي. ونحن في الدروس المقبلة سنبيّن الأدلّة العقليّة على مختلف القضايا العقائديّة عسى أنْ تكون طريقًا للإيمان الذي هو رأس مال سعادة الإنسان.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1- العلامة المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج74، ص267، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار إحياء التراث العربي ـ لبنان، ط3، 1983م، الباب 11، وصيته عليه السلام لكميل.
 2- معرفة الله تعالى عن طريق معرفة النفس، شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام ص 88، شرح السيد علي القبانجي، طبع ونشر مؤسسة إسماعيليان ـ قم، ط2، 1406هـ.
 3- سورة الأنفال، الآية 22.
 4- السيد البروجردي، السيد حسين، جامع أحاديث الشيعة،ج 13، ص284، المطبعة العلميّة ـ قم، منشورات مدينة العلم ـ قم، 1407هـ، باب ما ورد في فضل العقل، ح704.
 5- الشيخ الكليني، محمّد بن يعقوب، أصول الكافي، ج1، ص 13، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلاميّة ـ طهران، مطبعة الحيدري، 1363ش، كتاب العقل والجهل، ح12. ( سورة الزمر، الآيتان 17ـ 18).
 6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 95، ص 225.
 8- م. ن، ج95، ص 226.
 9- سورة النمل، الآية 14.
 10- الشيخ، الكليني، الكافي، ج1، ص44.

 

برامج
2507قراءة
2021-03-01 23:26:24

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا