12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

شذرات العترة عليهم السلام >> تربية الإمام الحسين عليه السلام

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

تربية الإمام الحسين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام علي (عليه السلام) هو المربى الأول الذي وضع أصول التربية، و مناهج السلوك، و قواعد الآداب، و قد ربى و لده الإمام الحسين (عليه السلام) بتربيته المشرقة فغذاه بالحكمة، و غذاه بالعفة و النزاهة، و رسم له مكارم الأخلاق و الآداب، و غرس في نفسه معنوياته المتدفقة فجعله يتطلع إلى الفضائل ، حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير و الحق، و قد زوده بعدة وصايا حافلة بالقيم الكريمة و المثل الإنسانية ، و منها هذه الوصية القيمة الحافلة بالمواعظ و الآداب الإجتماعية ، و ما يحتاج إليه الناس في سلوكهم، و هي من أروع ما جاء في الإسلام من الأسس التربوية ، التي تبعث على التوازن، و الأستقامة في السلوك .
قال عليه السلام: ( يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب وا لشهادة، و كلمة الحق في الرضا ) ، (1) ، و القصد في الغنى و الفقر، و العدل في الصديق و العدو و العمل في النشاط و الكسل، و الرضا عن الله تعالى في الشدة و الرخاء.
« يا بني ما شر بعده الجنة بشر، و لا خير بعده النار بخير، و كل نعيم دون الجنة محقور، و كل بلاء دون النار عافية... أعلم يا بني ، أن من أبصر عيب نفسه شغل عن غيره ، و من رضى بقسم الله تعالى ، لم يحزن على مافاته، و من سل سيف البغي قتل به، و من حفر بئراً وقع فيها، و من هتك حجاب غيره أنكشفت عورات بيته، و من نسي خطيئته استعظم خطئية غيره، و من كابد الأمور عطب، و من أقتحم البحر غرق، و من أعجب برأيه ضل ، و من استغنى بعقله زل، و من تكبر على الناس ذل، و من سفه عليهم شتم، و من دخل مداخل السوء اتهم، و من خالط الأنذال حقر، و من جالس العلماء وقر، و من مزح استخف به، و من اعتزل سلم ، و من ترك الشهوات كان حراً، و من ترك الحسد كان له المحبة من الناس ».
« يا بني عز المؤمن غناه عن الناس، و القناعة مال لا ينفذ ، و من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، و من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه ، العجب ممن خاف العقاب و رجا الثواب فلم يعمل ، الذكر نور و الغفلة ظلمة، و الجهالة ضلالة، و السعيد من وعظ بغيره، و الأدب خير ميراث، و حسن الخلق خير قرين ».
« يا بني رأس العلم الرفق و آفته الخرق، و من كنوز الإيمان الصبر على المصائب ، العفاف زينة الفقر، و الشكر زينة الغني، و من أكثر من شيء عرف به، و من كثر كلامه كثر خطأوه ، و من كثر خطأوه قل حياؤه، و من قل حياؤه قل ورعه، و من قل ورعه مات قلبه، و من مات قلبه دخل النار» .
« يا بني لا تؤيسن مذنباً فكم من عاكف على ذنبه ختم له بالخير، و من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صار إلى النار من تحرى القصد خفت عليه الأمور».
« يا بني كم من نظرة جلبت حسرة، و كم من كلمة جلبت نعمة، لا شرف أعلى من الإسلام ، و لا كرم أعلى من التقوى، و لا معقل أحرز من الورع، و لا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب للفاقة من الرضى بالقوت، و من اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة، و تبوأ حفظ الدعة، الحرص مفتاح التعب، و مطية النصب و داع إلى التقحم في الذنوب، و الشر جامع لمساوئ العيوب، و كفى أدباً لنفسك ما كرهته من غيرك، لأخيك مثل الذي عليك(2) لك ، و من تورط في الأمور من غير نظر في الصواب ، فقد تعرض لمفاجأة النوائب ، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه العمل و الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جنة من الفاقة، في خلاف النفس رشدها، الساعات تنقص الأعمار، ربك للباغين من أحكم الحاكيمن، و عالم بضمير المضمرين بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد، في كل جرعة شرق، و في كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى، ما أقرب الراحة من التعب، والبؤس من النعيم، و الموت من الحياة، فطوبى لمن أخلص لله تعالى علمه وعمله وحبه وبغضه وأخذه وتركه، وكلامه وصمته، وبخ بخ لعالم علم فكف، وعمل فجد وخاف التباب (3) ، فأعد و استعد، إن سئل أفصح ، و أن ترك سكت، و كلامه صواب ، وصمته من غير عي عن الجواب، وا لويل كل الويل لمن بلى بحرمان و خذلان و عصيان، و استحسن لنفسه ما يكرهه لغيره ، من لانت كلمته وجبت محبته، من لم يكن له حياء و لا سخاء فالموت أولى به من الحيا ة، لا تتم مرؤة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبية لبس، ولا أي طعاميه أكل)، (4).
و حفلت هذه الوصية بآداب السلوك و تهذيب الأخلاق، و الدعوة إلى تقوى الله التي هي القاعدة الأولى في وقاية النفس من الإنحراف و الآثام و توجيهها الوجهة الصالحة ، التي تتسم بالهدى والرشاد.

و عنت سيدة النساء (عليها السلام) بتربية وليدها الحسين ، فغمرته بالحنان و العطف ، لتكون له بذلك شخصيته الاستقلالية، و الشعور بذاتياته، كما غذته بالآداب الإسلامية، و عودته على الإستقامة، و الاتجاه المطلق نحو الخير يقول العلائلي، الذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين ، أن أمه عنيت ببث المثل الإسلامية الاعتقادية لتشيع في نفسه فكرة الفضيلة على أتم معانيها ، وأصح أوضاعها، و لا بدع فأن النبي(صلى الله عليه وآله) أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإ ستقلال.
فالسيدة فاطمة ، أنمت في نفسه فكرة الخير، و الحب المطلق و الواجب و مدّدت في جوانحه و خوالجه أفكار الفضائل العليا ، بأن وجهت المبادئ الأدبية في طبيعته الوليدة ، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة ، يشترك فيها الجميع.
و بذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المبادئ الأدبية على شخص والدته، و قصرها عليها ، و ما تجاوز بها إلى سواها من الكوائ ن، و رسمت له والدته دائرة غير متناهية ، حين جعلت فكرة الله نقطة الإرتكا ز، ثم أدارت المبادئ الأدبية و الفضائل عليها ، فاتسعت نفسه لتشمل ، و تستغرق العالم بعواطفها المهذبة، و تأخذه بالمثل الأعلى للخير و الجمال...(5).
لقد نشأ الإمام الحسين (عليه السلام) في جو تلك الأسرة العظيمة التي ما عرف التاريخ الإنساني لها نظيراً في إيمانها و هديها، وق د صار (عليه السلام) بحكم نشأته فيها من أفذاذ الفكر الإنساني ، و من أبرز أئمة المسلمين.

---------------------------------------------
1-في نسخة في الرضا والغضب.
2-هكذا في الأصل ولعل الصواب (عليه).
3-التباب: الهلاك والخسران، ومنه قوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب).
4-الأعجاز والإيجاز ص 33.
5-الإمام الحسين ص 289.

الأنشطة الثقافية
1152قراءة
2015-12-27 13:05:56

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا