الرسول الأكرم خير قائدٍ ومربّي للبشريّة
إنّ شخصيّة الرسول الأكرم محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله)، هي الشخصيّة التي حملت أكبر مشروع تغييري عرفته البشريّة، لأنّه مشروعٌ ليس لمرحلةٍ دون أخرى أو مكانٍ دون آخر، بل لمسار الإنسانيّة كلّها. وفي البحث عن الخصائص والميّزات التي حضرت في شخصه المبارك يمكن رصد التالي:
1. عند العقلاء من الباحثين، المتأخّرين منهم والمتقدِّمين، يرَونَ بأنّ شخص الرسول (صلّى الله عليه وآله) هو أعظم قائدٍ عرفته البشريّة، فما أتى به كان فوق المتوقّع والمعقول في مجتمعٍ أبعد ما يكون عن المقبوليّة في التاريخ، إذ كان الرجل الاستثنائي في البيئة الاستثنائيّة.
2. عظمة الشخصيّة حاضرٌ من مقدار الإيمان بها والتسليم لها، كما والتصديق بما جاءت به إلى يومنا هذا، والقناعة التامّة والراسخة بأنّ ما قدّمه يندرج في إطار المشروع الإصلاحيّ التربويّ التكامليّ للبشريّة، خاصّةً وأنّ الإنسان هو محور التغيير الذي لا بُدّ وأن يُصنع لأجل هذه الغاية، وهو يحتاج في إطار المشروع إلى القائد.
3. العمل على صناعة القدوة المرتبطة بالله تعالى، فحركة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أوّلها إلى آخرها كانت حركةً إلٰهيّةً، تسير وفق المشروع الإلٰهي؛ لذا كانت الشخصيّة العاملة على تعزيز ملكات الثبات والإيمان والصبر والجهاد والتوكّل، وفي نفس الوقت تمتلك الرؤية الاستراتيجيّة في إرساء قواعد وأسس الدين وما يمكن أن تحتاجه البشريّة في إطار مسارها التكامليّ المرصود.
هذه الشخصيّة، وبهذه العظمة التي تحضر بها، تهدي إلى جملة من الدروس والعبر التي يمكن الأخذ بها على مستوى القيادة التي تجلّت في شخص الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) القائد المربّي والقدوة، والتي نحتاجها لبناء نموذجٍ معاصرٍ يقتفي الأثر من تلك التجربة، تتجلّى من خلال:
• أوّلاً: مراعاة الهويّة القيميّة في مشروع بناء الإنسان، فالرسالة الإسلاميّة صاغت كلّ الأبعاد في الشخصيّة الإنسانيّة بهدف صناعة الإنسان وبثّ القيم الإلٰهيّة، وكانت الشخصيّة القياديّة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) خير نموذجٍ مرشدٍ ومربٍّ في ذلك، بل وحريصةً على هداية الآخرين لأجلهم هم لا لأجله هو، وفي قوله تعالى { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة التوبة المباركة، الآية 128) خير دليلٍ على ذلك.
• ثانيًا: مراعاة البعد الزمانيّ في تقديم النموذج، فمن الواضح أنّ مشروع الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لم يكن لتختصره سنوات عمره المحدودة، بل إنّ الأهداف التي رُسمت لهذه الرسالة تحتاج إلى عصورٍ ممتدّةٍ ومراحل تاريخيّةٍ متعاقبةٍ للوصول إلى ما تصبو إليه البشريّة من كمالاتها. فكما كانت الرسالة حاضرةً في التاريخ، فهي اليوم أيضًا يجب أن تحضر بما تحقّق من استمراريّةٍ لمشروع التغيير الإنسانيّ الهادف نحو التكامل.
• ثالثًا: الإيمان دومًا بالنصر لأنّ التجربة القائمة وفق السنن الإلٰهيّة تحتّم ذلك، والآية القرآنيّة واضحةٌ في هذا السياق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (سورة محمّد المباركة، الآية 7)، هذا فضلاً عن كون التجربة هادفة، ولا بدّ أن توصل البشريّة إلى كمالاتها.
• رابعًا: صناعة الشخصيّة القياديّة المتميِّزة والعارفة بالواقع بما يعتريه من تحديّاتٍ، والمعتقدة بأنّ حركة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وقيادته كانت هادفةً منذ بداياتها، ليُكمل المشروع وفق الرؤى الاستراتيجيّة التي انبَنت عليها منذ الأيّام الأولى لتبليغ الرسالة المحمّديّة. وهذا يدفع باتجاه قراءة الشخصيّة بأبعادها الإنسانيّة والجهاديّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة و ... وغيرها.
في الخلاصة، إنّ حضور الشخصيّة بهذا الزخم التاريخيّ، ورسم المسارات الإنسانيّة نحو الرقِيّ والتقدّم، والاعتقاد بأنّها تتكامل مع الفطرة الإنسانيّة بما ينسجم في جوهرها مع العقل والحكمة، يُحتِّم علينا التعلّم من التجربة واتّخاذ هذا الرمز الإلٰهيّ الإنسانيّ القائد مربّيًا حقيقًا وقدوةً في مختلف ميادين وساحات واقع الحياة.
تدريب
1229قراءة
2022-09-24 12:26:13