أهميّة عيد المبعث
تكمن أهميّة عيد المبعث في أنّ هذه البعثة التي حصلت تنطوي على علاقةٍ حيّةٍ جديدةٍ بين الله وخلقه، وعلى برنامج جديدٍ لتحوّل المجتمعات البشريّة والإنسان.
هذه البعثة، وهذا البرنامج، وهذا التحوّل، يمتلك في قرارته، وفي كلّ الفترات والأحقاب والأحوال وفي جميع مناطق الجغرافيّة من العالم، يمتلك القدرة على تغيير حياة الناس نحو السعادة والفلاح والحسنى في الزمن الحاضر كما استطاع تغيير حياة البشر في تلك الحقبة الأولى. هنا تكمن أهميّة البعثة.
يقول الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إنّ العالم كان مظلمًا عندما بعث الله تعالى النبي الأكرم بالرسالة «وَالدُّنيا كاسِفَةُ النّورِ ظاهِرَةُ الغُرور» (2).
كان عالم البشريّة غارقًا في الظلام ومشحونًا طافحًا بالغرور. والغرور هنا بمعنى خداع الذات، كأنْ يتصوّر الإنسان نفسه ويتوهّمها في وضعٍ ما، ولا يكون الواقع على ما يتصوّر.
كان العالم يعيش مثل هذا الوضع، وقد جعل القرآن الكريم فلسفة الوحي الإلهي: «لِيخرِجَكم مِنَ الظُّلُماتِ اِلَى النُّور» (3)، يُخرج البشريّة من الظلمات ويُدخلها في النور.
لقد كانت ظلمات تلك الحقبة منعكسةً ومتجسّدةً في التاريخ إلى حدٍّ كبير، سواء في نفس بيئة الجزيرة العربيّة ومكّة وما حولها حيث عمّت الخرافات والجهل والقسوة والعنف وانعدام العدل والتعسّف ومنطق القوّة والحياة الوضيعة والجوع، أو في العالم المتحضّر آنذاك.
لو نظرتم إلى موقعَين أساسيّين للحضارة الكبرى في ذلك الزمن، أي إيران وبلاد الروم في ذلك العهد، لشاهدتم هذا الظلام والتعاسة هناك أيضًا.
لقد سادت الخرافات والظلمات والتمييز وانعدام العدالة والقسوة ضدّ الضعفاء على تلك الإمبراطوريّتَين أيضًا. الملك الذي عُرف بالعدالة في إيران - وهو أنوشيروان المعروف بالعادل - قتل في يومٍ واحدٍ عدّة آلافٍ من البشر لأنّهم حسب ما يقال كانوا مزدكيين يعتنقون دينًا آخر. قتل عدّة آلافٍ من البشر في يومٍ واحدٍ، هذا نموذج واحد.
والملك في الإمبراطوريّة الرومانيّة - وهو نيرون المعروف - قتل أمّه وقتل زوجته وأحرق المدينة. هكذا كان الناس: «وَالدُّنيا كاسِفَةُ النّورِ ظاهِرَةُ الغُرور». إذن، لم تكن هذه الحالة خاصّة بجزيرة العرب بل لقد عمّت العالم كلّه. في مثل هذه الظروف أشرقت شمس الإسلام.
لقد كانت دعوة الإسلام دعوة إلى النور، أي إنّها دعوة إلى العلم، وإلى الإنصاف، وإلى المحبّة، وإلى الوحدة، وإلى العدالة، وهذه كلّها أنوار في حياة المجتمعات البشريّة. المهم هو أن لا تبقى هذه الدعوة على الألسن أو على الورق.
واليوم أيضًا لو نظرتم في وثائق منظّمة الأمم المتّحدة أو حتى وثائق بعض البلدان المستكبرة لوجدتم شيئًا من هذا الكلام الجميل. أنظروا لميثاق حقوق الإنسان وباقي الوثائق والأشياء تجدون فيها نفس هذه الآراء والأفكار الحسنة، ولكن لا يوجد لها أثرًا في عالم الواقع.
تكمن أهميّة الإسلام في أنّ ما قاله الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) منذ اليوم الأوّل وما علّمته الآيات القرآنيّة للناس تباعًا طوال الأعوام الثلاثة عشر من الجهاد والنضال الصعب في مكّة تمّ تطبيقه بعد ذلك في المرحلة العمليّة، وجرى إثباته والعمل به.
لقد أثبت الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) تلك العدالة، وتلك المحبة، وذلك الإنصاف، وذلك الصمود بوجه الظلم وبوجه الكفر، أثبته بشكلٍ عملي. الأخذ بأيدي الناس إلى وادي العلم والمعرفة، هذه القاعدة والبنية التحتيّة التي أسّسها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) طوال عشرة أعوامٍ من حكومته في المدينة كانت حالةً تحوّلت بعد قرنٍ أو قرنين من الزمان إلى أكبر حضارةٍ إنسانيّة.
نعم، لم تراعِ أبعادها المختلفة _ العدالة مثلًا عادت منسيّةً لا تُراعى _ العلم والانتفاع من المعرفة وترشيد المواهب والطاقات البشريّة الذي انطلق منذ مطلع تشكيل الحكومة الإسلاميّة تطوّر إلى درجةٍ أضحى معها بعد مدّةٍ قصيرةٍ _ قرن أو قرنين من الزمان _ أكبر حضارةً إنسانيّةً ينتفع منها العالم كلّه.
هذه هي البعثة".
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه مسؤولي البلاد وسفراء البلدان الإسلاميّة بمناسبة المبعث النبوي الشريف (25/4/2017)
برامج
3837قراءة
2019-04-04 13:16:47