الكتاب: دروس تمهيدية في ولاية الفقيه
الدرس الرابع: ولاية المعصوم
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أدلّة ولاية الأنبياء والرسل والأئمّة (عليهم السلام).
2- يُبيّن أقسام ولاية المعصوم وأبعادها المختلفة.
3- يوضّح المراد من مرجعيّة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام).
الفیديو بجودة منخفضة لإرساله عبر الواتساب:
تمهيد
تقدّم معنا أنّ حقَّ الحاكميَّة إنّما هو لله عزَّ وجلَّ, لأنّ وجود الإنسان من الله عزَّ وجلَّ ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾1، والإنسان لا بدَّ له من إطاعته والتسليم له، والطاعة لغيره عزَّ وجلَّ مشروطة بكونه منصَّبًا من قِبَل الله عزَّ وجلَّ.
وقد جاءت النصوص كثيرة وواضحة في الكتاب الكريم بوجوب طاعة الله تبارك وتعالى، قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾2.
والآن، نبحث حول الأدلّة الدّالة على ولاية من نصّبه الله عزَّ وجلَّ حاكمًا على الناس، وفرض عليهم طاعته.
ولاية الأنبياء والرسل (عليهم السلام)
الأنبياء هم رسل الله الذين قرن الله عزَّ وجلَّ دعوتهم بالمعجزة، وأمر بطاعتهم وجعل طاعتهم من طاعته, وإنّما أرسلهم تعالى لبيان أحكامه وإجرائها على الأرض، لكي لا يكون في الأرض معبود سواه.
والظاهر من الكتاب والسنّة أنّ الله تبارك وتعالى قد فوّض بهذا الشأن مرتبةً من الولاية إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى بعض الرسل السابقين عليهم السلام لكي يتحقّق الهدف الإلهي, وهو العبودية لله تعالى وحده، ولهذا وجبت طاعتهم.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾3.
كما خاطب نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾4.
كما يذكر الله عزَّ وجلَّ بعض أنبيائه بأسمائهم، وأنّهم منصّبون من قبله للحكم: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾5.
كما يخاطب الله تعالى نبيّه داود (عليه السلام): ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾6.
وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى اتّخذ إبراهيم عبدًا قبل أن يتّخذه نبيًّا، وإنّ الله اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولًا، وإنّ الله اتّخذه رسولًا قبل أن يتّخذه خليلًا، وإنّ الله اتّخذه خليلًا قبل أن يجعله إمامًا، فلمّا جمع له الأشياء، قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ قال: فمن عِظَمِها في عين إبراهيم، قال: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾7-8.
والله تبارك وتعالى يخبر في القرآن الكريم بأنّ ما يأتي به الأنبياء والرسل (عليهم السلام) إن هو إلا وحي منه تبارك وتعالى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾9.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ﴾10.
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ﴾11.
الفیديو بجودة منخفضة لإرساله عبر الواتساب:
ولاية الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)
تعتقد الشيعة الإمامية بأنّ الحكومة (الولاية) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هي للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وأنّ هذا المنصب قد جعله الله عزَّ وجلَّ لهم، وأنّ إطاعتهم واجبة بأمر من الله ورسوله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾12.
نكات مهمّة حول الآية الكريمة:
1- في ابتداء الآية، مع أنّ الحديث عن ولاية الله والنبيّ وبعض المؤمنين، ولكن كلمة "ولي" وردت بصيغة المفرد، وهذا يدلّنا على أنّ الولاية في الأساس هي لله تعالى، وبالتبع هي للنبي والأئمّة، أو أنّها تظهر فيهم (عليهم السلام).
2- القسم الثاني من الآية ناظر إلى حادثة تاريخيّة, لأنّ التصدّق أثناء الصلاة، ولاسيّما أثناء الركوع، ليس من المستحبّات في الصلاة، لذا لا يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى بيان حكم من الأحكام. وقد ورد في بيان سبب نزول الآية: إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) سأل أصحابه بعد نزول الآية: من منكم تصدّق في ركوعه؟ فأجابه الفقير الذي وصلته الصدقة بأنّه أمير المؤمنين عليه السلام13.
وعليه، فهذه الآية تبيّن أنّ من له الولاية بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) على المؤمنين إنّما هو عليّ (عليه السلام)، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): "نحن قوم فرض الله عزَّ وجلَّ طاعتنا"14.
والنتيجة هي أنّ من اختاره الله عزَّ وجلَّ لتكون له "الولاية التشريعيّة" إنّما هم الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)، بمعنى أنّ لهم حقّ التقنين والتشريع ومن مسؤولياتهم تطبيق الأحكام الإلهيّة على الصعيد الفردي والاجتماعي، وأنّ طاعتهم واجبة بأمرٍ من الله، كما أنّ "الولاية التكوينيّة", أي حقُّ التصرُّف في الكون وتدبير أمور الخلق بيدهم، بإذن الله عزَّ وجلَّ، ثابتة لهُم (عليهم السلام).
وقد ورد في السنّة النبويّة الشريفة روايات تتحدّث عن خلفاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، منها ما دلّ على كونهم من قريش، ومنها ما دلّ على كونهم من بني هاشم، وبعضها ذكر عددهم وأسماءهم، نذكر منها:
• عن جابر بن سمرة، قال: "كنت مع أبي عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فسمعته يقول: "يكون بعدي اثنا عشر أميراً"، ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: قال: "كلّهم من قريش"15.
• عن سلمان الفارسي (رحمه الله)، قال: دخلت على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإذا الحسين على فخذيه، وهو يقبّل عينيه، ويلثم فاه، وهو يقول: "أنت سيّد بن سيّد، أنت إمام بن إمام، أنت حجّة بن حجّة، أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم"16.
الفیديو بجودة منخفضة لإرساله عبر الواتساب:
صلاحيات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)
إنّ الصلاحيات التي تشملها ولاية النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة (عليهم السلام) هي الآتية:
1- تفويض النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في تشريع الأحكام:
إنّ أصل تشريع الأحكام بيد الله عزَّ وجلَّ، ولكنّه في بعض الموارد جعل الله عزَّ وجلَّ تشريع سلسلة من الأحكام بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه الموارد إنّما كانت تحت إرادة الله وإمضائه17.
وأيضًا قد يصدر من النبي مجموعة من الأوامر لأجل تطبيق وإجراء الأحكام الكلّية الإلهيّة، وقد جعل عزَّ وجلَّ أمر اختيارها وتشريعها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل الالتزام بها واجبًا كسائر الأحكام الإلهيّة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾18.
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
"إنّ الله عزَّ وجلَّ فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الركعتين ركعتين، وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة، لا يجوز تركهنّ إلّا في سفر، وأفرد الركعة في المغرب، فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله عزَّ وجلَّ ذلك كلّه... وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) صوم شعبان وثلاثة أيّام في كلّ شهر مثليّ الفريضة، فأجاز الله عزَّ وجلَّ له ذلك كلّه"19.
2- الزعامة السياسيّة والاجتماعية:
البُعد الثاني في الولاية هي القيادة السياسيّة والإجتماعيّة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) من قِبَل الله عزَّ وجلَّ في جميع الشؤون السياسيّة، والإجتماعيّة والاقتصاديّة...، والمجتمع الإسلامي، وطاعتهم في هذه الأمور واجبة ومخالفتهم محرّمة، وهذا الأمر تثبته الآيات والروايات:
قال الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾20.
وقال الله تعالى أيضًا: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾21.
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير عندما عيَّن عليًّا (عليه السلام) لمقام الخلافة: "ألست أولى بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلى.
قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه..."22.
3- المرجعيّة في أمور القضاء وفصل الخصومة:
من المناصب التي جعلها الله عزَّ وجلَّ للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الولاية في القضاء وفصل الخصومة. نعم، هذا المنصب هو فرع من الزعامة الدينيّة لهؤلاء، والناس مأمورون بالرجوع إليهم والتسليم لهم. ويؤكّد ذلك السيرة القائمة من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام).
قال الله تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾23.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "اتّقوا الحكومة فإنّ الحكومة للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين كنبيّ أو وصيّ نبيّ"24.
4- المرجعيّة الدينيّة:
إنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) هم مرجع العلم والمعرفة والدين، وما يؤخذ عن غيرهم باطل، والحقّ لا يؤخذ إلا من عندهم، وهذا ما دلّت عليه الروايات والأحاديث الشريفة:
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام لرجل من أهل الكوفة عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: "سلوني عمّا شئتم, فلا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" قال: "إنّه ليس أحد عنده علم شيء إلا خرج من عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، فليذهب الناس حيث شاؤوا، فوالله ليس الأمر إلا من هاهنا، وأشار بيده إلى بيته"25.
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام أيضاً لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة: "شرّقا وغرّبا، فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت"26.
يظهر ممّا تقدَّم أنّ "الولاية" بأبعادها الواسعة من قبيل الولاية في بيان الأحكام والمعارف الدينيّة، والقيادة السياسيّة الإجتماعيّة، والولاية في فصل الخصومة والمرجعية الدينية كلها مجعولة من الله عزَّ وجلَّ للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللأئمّة المعصومين (عليهم السلام).
وقبول ولايتهم واجب ومخالفتها حرام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة البقرة، الآية 156.
2- سورة آل عمران، الآية 132.
3- سورة النساء، الآية 64.
4- سورة النساء، الآية 105.
5- سورة الأنبياء، الآية 73.
6- سورة ص، الآية 26.
7- سورة البقرة، الآية 124.
8- الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص 175، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلاميّة، طهران، مطبعة الحيدري، ط5، 1363ش، باب طبقات الأنبياء والرسل، ح2.
9- سورة النجم، الآيات 3-5.
10- سورة النحل، الآية 43.
11- سورة الأنبياء، الآية 25.
12- سورة المائدة، الآية 55.
13- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص478، تحقيق ونشر مؤسسة أهل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، قم، مطبعة مهر-قم، ط2، 1414هـ.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص186.
15- الشيخ الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، ج1، ص54، تحقيق الشيخ حسين الاعلمي، طبع ونشر مؤسسة الاعلمي، لبنان، 1984م، باب في النصوص على الامام الرضا عليه السلام، ح12.
16-م.ن، ص56.
17- وقد عقد الشيخ الكليني في الكافي باباً خاصاً ذكر فيها التشريعات المستقلة الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
18- سورة الحشر، الآية 7.
19- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص266.
20- سورة النساء، الآية 59.
21- سورة الأحزاب، الآية 6.
22- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج36، ص 397.
23- سورة النساء، الآية 65.
24- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 40.
25- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص399.
26- م.ن.