12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة الولاية >> الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

الكتاب: دروس تمهيدية في ولاية الفقيه

الدرس الأوّل: ضرورة الحكومة والحاكميّة

 

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُبيِّن أهمّيّة وضرورة الحكومة في المجتمع.
2- يذكر بعضًا من وظائف الحكومة.
3- يستدلّ على ضرورة الحكومة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الحكومة.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

 

تمهيد
إنّ وجود نظام اجتماعي وحكومة عادلة تحفظ حقوق المجتمع لهو من أهمّ الأمور الضروريّة في الحياة البشريّة. فإنّ الإنسان مدنيّ بطبعه، لا يحصل على حاجاته إلا تحت ظلّ حكومة حاسمة وعادلة، ولذلك كانت الحكومة أو الدولة موجودة في جميع مراحل الحياة.

وإنّ تكامل المجتمع وتحقّق الرشد الأخلاقي والتناصف والإيثار بين جميع أفراده، يصعب بل يستحيل تحقّقه دون نظام يجمع أمرهم في المصالح العامّة، وهذا لا يختصّ بعصرٍ دون آخر، أو ظرفٍ دون آخر.

فالإنسان يحتاج إلى حكومة صالحة لائقة حافظة لحقوق الأمّة الآخذة بيدها، وهذا ممّا يحكم العقل السليم بضرورته وأهمّيته.

الحكومة ضرورة اجتماعيّة
تستدعي الحياة الاجتماعيّة وجود مؤسّسات متعدّدة، فالمؤسّسة التشريعيّة ضروريّة لأجل وضع القانون وتطبيقه ضمن الظروف الاجتماعيّة الخاصّة، والمؤسّسة الإجرائيّة - التنفيذيّة - حاجة ضروريّة أيضًا لأجل تنفيذ القانون وتطبيقه عمليًّا في المجتمع، ولأجل المحافظة على الاستقرار الأمني الداخلي والخارجي، وكذلك المؤسّسة القضائيّة حاجة ضروريّة لأجل الحدّ من المخالفات الشخصيّة والعامّة، ولإجراء العدل بين الناس. إنّ مجموع هذه المؤسّسات تُسمّى بالحكومة، والحكومة هي المسؤولة عن الأمور الاجتماعيّة العامّة، كحفظ الأمن والدفاع، وبسط العدالة، والرقيّ الاجتماعي، والصحّة، والتعليم، وغيرها.

وإنّ هذا الأمر لم يكن خاصًّا بمجموعةٍ محدّدةٍ من الناس أو بزمان معيَّن, بل إنّ المجتمعات البشريّة كافّة على مرّ التاريخ تحتاج إلى الحكومة لإدارة المجتمع.

وإنّ من ينكر ضرورة وجود حكومة يرجع أمره في الحقيقة إلى أنّه يريد الحريّة المطلقة دون أيّ حساب أو قيد، أو إنّه من زمرة الأشرار الذين يخافون من الحساب والنظام، أو إلى شخص عانى من ظلم الحكومات الجائرة. فالخوارج مثلاً طرحوا شعار: لا حكم إلا لله، لأجل نفي حاكميّة أيّ شخص في المجتمع، وكان أن أجابهم أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "كلمة حقّ يراد بها باطل"1.

بمعنى أنّه إذا كان مرادكم أنّ الحاكميّة في الأصل هي لله عزّ وجلّ، فهذا أمر لا شكّ فيه، ولكن إن كان المراد أنّه لا ينبغي أن يكون هناك حاكمٌ على الناس، فهذا أمر باطل، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّه لا بدّ للناس من أمير، برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتّى يستريح بَرّ، ويُستراح من فاجر"2.

ويشير الإمام عليه السلام في كلامه هذا إلى مجموعة من وظائف الحكومة:
1- المنع من الهرج والمرج.
2- تحصيل الضرائب الماليّة.
3- محاربة الأعداء.
4- تحصين الأمن الداخلي.
5- إجراء العدالة.
هذه هي أهمّ الضرورات الاجتماعيّة التي تتحقّق بتوسّط الحكومة والدولة.

وفي رواية أخرى عن الإمام الرضا عليه السلام، يرويها الفضل بن شاذان، في جوابٍ للإمام عليه السلام عن أولي الأمر، وأنّه لِم فرض الله طاعتهم؟
قال عليه السلام: "إنّ الخلق لمّا وقفوا على حدٍّ محدود، وأُمِروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ، لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يُجعل عليهم فيه أمينًا يمنعهم من التعدِّي والدخول في خطر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك، لكان أحدٌ لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّمًا يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام. ومنها: إنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيّم ورئيس، ولما لا بدّ لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوّهم، ويقسّمون به فيئهم، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم"3.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقيم حكومة ويعيّن حاكمًا
لقد استدلّ الإمام الخميني قدس سره على ما تقدّم من كون الحكومة ضرورة اجتماعية، في كتابه "الحكومة الإسلامية" من خلال سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم4 حيث عرض سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونهجه كدليل على لزوم تشكيل الحكومة، وذلك:

أوّلاً: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتشكيل حكومة إسلامية في شبه الجزيرة العربيّة، والتاريخ يشهد بذلك. وقد قام من خلال هذه الحكومة بتطبيق القوانين، وتثبيت أنظمة الإسلام، وإدارة المجتمع، فأرسل الولاة إلى رؤساء القبائل والملوك، وعقد المعاهدات والاتّفاقات، وقاد الحروب. والخلاصة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بتطبيق مسائل الحكم والدولة في المجتمع الإسلامي من خلال إقامته للحكومة.

ثانيًا: لقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمرٍ من الله تعالى بتعيين خليفةٍ له من بعده، يدير شؤون الحكم والحكومة في المجتمع، وعندما يعيّن الله تعالى حاكمًا للمجتمع بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا يعني لزوم استمرار الحكومة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا. وبما أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد أبلغ الأمر الإلهي في وصيّته في حادثة الغدير وغيرها، فيكون بذلك قد أفاد بضرورة تشكيل الحكومة أيضًا.

إنّ الذي يظهر لنا مما تقدّم أن أيّ مجتمع يسعى لبقاء حياته الاجتماعية صالحة، ويسعى للوصول إلى الأهداف الإنسانيّة العليا، وتحقيق الكمال، لا بدَّ له من العمل على تحقيق أمرين:
1- وجود قانون عادل يستجيب ويلبّي جميع الاحتياجات الماديّة والمعنويّة.
2- وجود نظام حكم وقائد مدبّرٍ قادر على إجراء القانون وتحقيق الهداية والعدالة الاجتماعيّة بين الناس.

 

شموليّة الإسلام
ينطوي الإسلام على منهج متكامل للحياة، الفرديّة منها والاجتماعيّة، فهو دين متعدّد الأبعاد، وأحكامه شاملة لكافّة الجوانب الحياتيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة... فالإسلام دين يهدف إلى تنظيم حياة الفرد والمجتمع مع، حيث يعلّم الإنسان كيفيّة تنظيم علاقاته مع سائر البشر، وكيف يقيم المجتمع العلاقات مع مجتمع آخر، فما من حركة أو عمل لفرد أو مجتمع إلا وكان الإسلام قد أقرّ له حكمًا، قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾5.

أما السياسة فهي في المفهوم الإسلامي أوسع نطاقًا ودائرةً ممّا يُقصد منها اليوم، فالسياسات اليوم تقتصر في إدارتها وهدايتها لشؤون المجتمع على الجانب المادّي منه، وهذا لا يمثّل إلا جزءًا يسيرًا من السياسة في المفهوم الإسلامي. 

الإسلام يدعو إلى هداية الإنسان دون إغفال أيّ بُعْد من أبعاده المتعدّدة، للأخذ بيده إلى طريق سعادته وصلاحه. 

وهذه السياسة تطبيقها مختصّ بالأنبياء والأولياء، ومن ثمّ أتباعهم من علماء الإسلام اليقظين، أمّا من هم دون هذه المرتبة فلا شكّ ولا ريب في طغيان ميولهم وأهوائهم عن نهج الحقّ والعدالة وبالتالي عجزهم عن تحقيق الأهداف الإلهية في سياسة الناس.

وإلى هذا يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، مقارنًا بين سياسة عليّ عليه السلام وسياسة غيره من الحكّام: "واعلم أنّ قومًا ممّن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام...، ثمّ زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيرًا... اعلم أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلا إذا كان يعمل برأيه، وبما يرى فيه صلاح ملكه، وتمهيد أمره، وتوطيد قاعدته، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد أن ينتظم أمره، أو يستوثق حاله، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مقيّدًا بقيود الشريعة، مدفوعًا إلى اتّباعها ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقًا"6.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الامام علي عليه السلام, خطبة 4.
2- م.ن.
3- العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج6، ص60، تحقيق يحيى العابدي، نشر مؤسسة الوفاء، لبنان، ط2، 1983م، باب علل الشرائع والاحكام.
4- الإمام الخميني، روح الله، الحكومة الإسلامية، ص22 – 23، بتصرّف.
5- سورة النحل، الآية 89.
6- ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج10، ص212، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، نشر مؤسسة اسماعيليان.


 

برامج
1188قراءة
2021-01-24 14:50:28

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا