الدرس الأول: فضل تعلّم القرآن وتلاوته
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يفهم فضل تعلّم القرآن وتعليمه.
2- يعرف ثواب قراءة القرآن وآثارها.
3- يشرح كيفية القراءة المعتبرة الواردة في الروايات.
مقدّمة
لقد حدّد الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام سبل الاستفادة من القرآن الكريم، بالتدبّر والتعلّم والحفظ، والعمل بآياته، وتربية الأمّة على ضوئها، وذلك باعتبار أنّ القرآن كتاب هداية، ورسالة للعالمين حتى قيام الساعة.
الحَثّ على تعليم القرآن وتَعَلُّمِه
1- تعلّموا من مأدبة الله تعالى:
لقد ورد الحثّ المباشر من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على تعلّم القرآن وتعلّمه، وأنّه مأدبة الله. روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "القرآن مأْدبة الله فتعلَّموا مِن مأْدبة الله ما استطعتم، إِنَّه النّور المبين، والشفاءُ النافع، تعلَّموه فإِنّ الله يُشرّفكم بتعلُّمه" 1.
واعتبر أنّ تعلّم القرآن حقّ وواجب - ليس بالوجوب الشرعي المصطلح -، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما مِن مؤمن ذكراً أَو أُنثى، حرّاً أَو مملوكاً، إِلا ولله عليه حقّ واجب أَن يتعلّم من القرآن" 2.
2- ثواب تعليم القرآن وتعلّمه:
ومن الخصائص التي يمتاز بها القرآن الكريم، أنّ الأجر والثواب الأخروي والدنيوي يشمل كلّاً من العالِم والمتعلّم، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن عَلَّم آية من كتاب الله تعالى كان له أَجرها ما تُليت" 3.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من تَعَلَّمَ القرآن وتواضع في العلم وعلَّم عباد الله وهو يريد ما عند الله لم يكن في الجنّة أَعظم ثواباً منه، ولا أَعظم منزلة منه، ولم يكن في الجنّة منزلة وَلا درجة رفيعة ولا نفيسة إِلا وكان له فيها أَوفر النصيب، وأَشرف المنازل" 4.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "معلِّم القرآن يستغفر له كلّ شيء حتى الحوت في البحر" 5.
وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "تعلَّموا القرآن فإنّه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فإِنّه شفاءُ الصدور، وأَحسنوا تلاوته فإِنّه أَنفع (أَحسن) القصص فإِنّ العالِم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله، بل الحجّة عليه أَعظم والحسرة له أَلزم، وهو عند الله أَلوم" 6.
3- إكرَام حَمَلَةِ القُرآن:
حملة القرآن هم الجماعة الذين آمنوا بالقرآن ككتاب هداية ورسالة للبشرية جمعاء، وتدبّروا كتاب الله وحفظوه بالقلب والعمل، ويسعون جادّين لبناء قواعد الحياة والمجتمع وفق ما جاء في آياته، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنّ أَهل القرآن في أَعلى درجه من الآدميين ما خلا النبيّين والمرسلين، فلا تستضعفوا أَهل القرآن حقوقهم، فإِنّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً عليّاً" 7.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أَبا ذر مِن إِجلال الله: إِكرام ذي الشيبة المسلم. وإِكرام حملة القرآن العاملين به. وإِكرام السلطان المقسط" 8.
4- العَمَل بالقُرآن وتطبيقه:
لا قيمة للعلاقة بكتاب الله على مستوى القراءة والتدبّر والحفظ وغيرها، دون العمل والالتزام بتعاليم الله تعالى وتشريعاته التي نزلت وحياً على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم روي
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن تعلَّم القرآن ولم يعملْ به وآثر عليه حبَّ الدنيا وزينتها استوجب سخطَ الله، وكان في الدرجة مع اليهود والنصارى الذين ينبذون كتاب الله وراءَ ظهورهم. ومن تعلَّم القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أَعمى، فيقول: يا ربّ لم حشرتني أَعمى وقد كُنتُ بصيراً؟ قال كذلك أَتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى، فيؤمر به إِلى النار" 9.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من قال به (أي بالقرآن) صَدَق، ومن عَمِل به أُجر، ومن اعتصم به هُديَ إِلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز" 10.
وعن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "أين القوم الذين دُعوا إِلى الإسلام فقبلوه، وقرؤوا القرآن فأَحكموه وهِيجوا إِلى الجهاد فولهوا الله وَلَه اللقاح إِلى أَولاده؟" 11.
وعن الإمام محمّد بن علي الباقر عليه السلام: "قُرَّاءُ القرآن ثلاثة: رجلٌ قرأَ القرآن فَاتَّخذَه بضاعة واستدرّ به الملوك، واستطالَ به على الناس. ورجلٌ قرأَ القرآن فحفظَ حروفَه وضيّعَ حدوده، وأقامهُ إِقامة القِدح فلا كثَّر اللهُ هؤلاءِ من حملة القرآن. ورجلٌ قرأَ القرآن فوضع دواءَ القرآن على داء قلبه، وأَسهر به ليله، وأَظمأَ به نهاره، وقام به في مساجده، وتجافى به عن فراشه، فبأُولئك يدفع الله البلاءَ وبأُولئك يُنزل الله الغيث من السماءِ. فوالله لَهؤلاءِ في قرّاءِ القرآن أَعزّ من الكبريت الأحمر" 12.
وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: "إِنّ الرجل إِذا كان يعلم السورةَ ثم نسيها أَو تركها ودخل الجنّة أَشرفت عليه من فوق في أَحسن صورة فتقول: تعرفني؟ فيَقول: لا. فتقول: أَنا سورة كذا وكذا لم تعمل بي، وتركتني، والله لو عملتَ بي لبلغتُ بك هذه الدرجة، وأَشارت بيدها إِلى ما فوقها" 13.
فضل قراءَة القرآن وتجويده وترتيله
لقد كثُرت الأخبار التي تحثّ على قراءة القرآن وترتيله، ووعدت أصحابها بالثواب الجزيل، وورد فيها الإشارة إلى العديد من الآثار الدنيوية والأخروية التي يستحقّها قارئ القرآن.
وهذا ما يتطلّب التوقّف مع هذه الروايات، بالدراسة والتحليل والتدقيق في معانيها ودلائلها تمهيداً للاستفادة منها في حياتنا العملية.
1- آثار ُالقراءة وقيمتُها:
اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قراءة القرآن أفضل العبادة فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن قرأَ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين. ومَن قرأَ خمسين آية كُتب مِن الذاكرين. ومَن قرأَ مائة آية كُتِب مِن القانتين. ومَن قرأَ مائتي آية كُتب مِن الخاشعين. ومَن قرأَ ثلاثمَّائة آية كُتب مِن الفائزين. ومن قرأَ خمسمائة آية كتب من المجتهدين. ومن قرأَ أَلف آية كُتب له قنطار - مِنْ تِبْرٍ - والقنطار خمسون أَلف مثقال ذهب، والمثقال أَربعة وعشرين قيراطاً، أَصغرها مثل جبل أُحُد، أكبرها ما بين السماءِ والأرض" 14.
واعتبر صلى الله عليه وآله وسلم قراءة القرآن من أفضل العبادة، فورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أَفضل العبادة قراءَةُ القرآن" 15.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأَ القرآنَ فظنَّ أَنَّ أَحداً أُعطي أَفضل مما أُعطي فقد حقَّر ما عظَّمَ الله وعظَّمَ ما حقَّرَ الله" 16.
ولقارئ القرآن ثواب الشاكرين، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: من شُغِل بقراءَة القرآن عن دعائي ومسأَلتي أَعطيتُه أَفضلَ ثوابِ الشَّاكرين" 17.
وإذا نظرنا إلى بعض الآثار الأخروية نجد أنّ قراءة القرآن كفّارة للذنوب، وستر من النار ... فروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا سلمان عليك بقراءَة القرآن فإنَّ قراءَته كفّارة للذنوب. وسترٌ من النَّار. وأَمانٌ من العذاب. ويُكتب لمن يقرأ بكلِّ آيةٍ ثوابَ مائة شهيد. ويعطى بكلِّ سورةٍ ثوابَ نبيّ مرسل. وتُنزَّلُ على صاحبه الرَّحمة. وتستغفر له الملائكة. واشتاقت إليه الجنَّة. ورضي عنه المولى. وإِنَّ المؤمن إِذا قرأَ القرآن نَظَرَ اللهُ إِليه بالرحمة، وأَعطاه بكلِّ حرفٍ نوراً على الصراط..." 18.
وقراءة القرآن أفضل من الذكر: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قراءَة القرآن في الصَّلاة أَفضل من قراءَة القرآن في غير الصَّلاة، وقراءَة القرآن في غير الصَّلاة أَفضل من ذكر الله" 19.
2- كيفية القراءة:
أ- القراءة والنظر في المصحف:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس شيءٌ أَشدَّ على الشَّيطان من القراءَة في المصحف نظراً" 20.
وعن الإمام الصادق، جعفر بن محمَّد عليه السلام: "من قرأَ القرآن في المصحف مُتِّعَ ببصره، وخُفِّفَ عن والديه وإنْ كانا كافرين" 21.
ب- القراءة تلاوة:
عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، في وصيَّةٍ لولده محمَّد بن الحنفية: "عليك بتلاوة القرآن في ليلك ونهارك، ولزوم فرائضه وشرائعه، وحلاله وحرامه، وأَمره ونهيه، والتهجّد به، والتِّلاوة في ليلك ونهارك، فإنَّه عهد من الله تعالى إِلى خلقه فهو واجب على كلّ مسلم أَنْ ينظر كلّ يوم في عهده" 22.
ج. كم يجب أن نقرأ؟
روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمَّد عليه السلام: "من قرأَ مائة آية يُصلِّي بها في ليلةٍ، كتب الله عزّ وجلّ له بها قنوت ليلة. ومن قرأَ مائتي آية في غير صلاة كتب الله له في اللوح قنطاراً من الحسنات. والقنطار أَلف ومائتا أُوقية والأوقية أَعظم من جبل أُحد" 23.
وعنه عليه السلام: "يُدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدّمُ القرآن أَمامَه في أَحسن صورة فيقول: يا ربّ أَنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يُتعِب نفسه بتلاوتي، ويُطيل ليله بتَرتيلي، وتفيض عيناه إِذا تهجّد، فارضِهِ عنِّي كما أَرضاني. فيقول العزيز الجبّار، عبدي ابسط يمينك، فيملأها من رضوان الله، ويملأ شماله من رحمة الله، ثمَّ يُقال له: هذه الجنَّة مباحة، فاقرأْ واصعد، فإِذا قرأَ آيةً صعدَ درجةً" 24.
وعنه أيضاً عليه السلام: "كان عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ أَحسن النَّاس صوتاً بالقرآن، وكان السقَّاؤونَ يمرُّون فيقفون ببابه يسمعون قراءَته، وكان أَبو جعفر الباقر عليه السلام أَحسن النَّاس صوتاً - أَي في قراءَة القرآن -" 25.
المفاهيم الرئيسة
- دلّت جملة من الأخبار على فضل القراءة في المصحف على القراءة عن ظهر القلب. كما أرشدتنا الأحاديث الشريفة إلى فضل القراءة في البيوت وتعاهد كتاب الله بالتلاوة الدائمة.
- إنَّ لقراءة القرآن العديد من الآثار المباركة على روحيَّة وشخصيَّة ومُنقَلَبِ الإنسان المؤمن.
- اعتبرت الرِّواياتُ والأحاديثُ أنَّ قراءة القرآن الكريم من أفضل العبادات التي يُمكِنُ للإنسان أَنْ يؤدِّيَها بشرط أنْ تقترن مع العمل والتَّطبيق.
- القراءة إذا كانت مقرونةً بالعمل والتَّطبيق الجيِّد والفعَّال، فإنَّها تكون سبباً لتكفير الذُّنوب.
- التِّلاوة بصوتٍ حسنٍ من الأمور التي تدلُّ على اهتمام الإنسان بالقرآن الكريم.
1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، 287.
2- م.ن، ص287.
3- م.ن، ص288.
4- الضيخ الصدوق، عقاب الأعمال، ص 51، تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي _ قم، ط2، 1368ش، عقاب مجمع عقوبات الأعمال.
5- الميرزارالنوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص 288.
6- الشريف الرضي، خطب الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، الخطبة رقم 110.
7- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص441، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، نشر دار الكتب الإسلامية - طهران، مطبعة حيدري، ط 4، 1365ش، باب فضل حامل القرآن، ح 1.
8- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص290.
9- الشيخ الصدوق، عقاب الأعمل، ص 52.
10- محمد بن سعود تفسير العياشي، ص 3، ج، تحقيق السيد هاشم الرسولي المحلاتي، نشر المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
11- الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة رقم 121.
12- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص459.
13- م.ن، ص445.
14- الكليني، الكافي، ج2، ص 448.
15- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 6، ص168.
16- م.ن، ج 6، ص 170.
17- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج92، ص200.
18- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص292.
19- م.ن، ج1، ص292.
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج92، ص202.
21- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص449.
22- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص293.
23- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص445.
24- م.ن، ص449.
25- م.ن، ج2، ص451.
برامج
1691قراءة
2021-10-30 19:18:29