زائر من كربلاء
زائر من كربلاء: السيدة سكينة
على صغر سني عدت يتيمة من كربلاء.
لقد رأيت جسد أبي على أرض كربلاء جثة بلا رأس، فرميت نفسي عليه وقلت: "أبي يا حسين من الذي قطع الرأس الشريف؟".
جمعتنا بعدها عمتي زينب في الخيمة عطاشى، جائعين، حفاة، وخائفين. هذا يضربنا وذاك يسلبنا ويشعل النار في خيامنا. وكنتُ أتمنى لو أنّ عمي العباس معنا ليحمينا، كنت أحبه كثيرًا وأطلب منه ما أريد.
وفي طريق الأسر، سُبيتُ بلا غطاء وتأذينا من ضربهم كثيرًا.
أختي رقية بكت على فقد أبي حتى ماتت.
فمن أنا؟
فقرة زائر من كربلاء: مسلم بن عقيل
أنحدر من الدوحة الهاشمية، سقيت حب الشهادة في سبيل نصرة الحسين (عليه السلام). بكاني في غربتي المؤمنون وتباركت ملائكة الرحمان من طهر روحي. رعاني أمير المؤمنين وتلقيت على يديه المعارف والشجاعة والإقدام.
كنت سفيرا للامام الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة لاستطلع حقيقة الأمر هناك. وما إن سمع أهلها بقدومي حتى تهافتوا إليّ أفواجاً، سمعوا كتاب الحسين (عليه السلام) إليهم فبكوا من فرط فرحتهم وشوقهم للقياه.
بايعوني ثم نصبوني إماما للصلاة في مسجد الكوفة. وأشرقت الوجوه بالبشر وأعلن الناس الوفاء. ولكن سرعان ما تبددت المواقف، فشرع الناس ينفضون من حولي وسارع رجال ابن زياد إلى اعتقال أنصاري. وحل الظلام وتوجهت للمسجد لإقامة الصلاة لكنني غادرته وحيداً. فهمت على وجهي حتى مررت بدار امرأة يقال لها طوعة، فطلبت منها الماء فسقتنني واستضافتني لما علمت أني ابن الكرام، وكان لها ابن خائن باع آخرته بأبخس الأثمان وأفشى سرّ وجودي بدار أمه.
في الصباح سمعت حوافر الخيل وعرفت أن القوم أتوا بطلبي. فشكرت طوعة ووعدتها بالمكافأة يوم الحشر. وخرجت للقائهم فقاتلتهم قتال المقدام الشجاع.
تكاثروا وصاروا يرمونني بالحجارة والقصب المحروق حتى أثخنتني الجراح، فاستندت إلى الجدار أنشد الراحة وبكيت، ولكن والله ما لنفسي بكيت وإنما للحسين وآله.
أمر اللعين ابن زياد أن يصعدوا بي إلى سطح القصر ويضربوا عنقي. فشرعت بالتكبير والصلاة على النبي وآله، وحينما بلغت أعلى القصر رفعت رأسي إلى السماء أناجي ربي وأطلب منه أن يحكم بيني وبين الخادعين الخاذلين.
قضيت عطشانًا مواسيًا بذلك ابن عمي الحسين (عليه السلام) والتحقت شهيدا بركب الشهداء الأبرار.
فمن أكون؟
فقرة زائر من كربلاء: صاحب الزمان
صدر الأمر بإلقاء القبض عليَّ قبل ولادتي. أنجاني الله تعالى فأخفى حمل أمي. بشّر بي رسول الله "ص" قائلاً: "إسمه اسمي، وكنيته كنيتي".
والدي هو الإمام الحادي عشر. وقد اتخذ كافة الاحتياطات اللازمة من أجل مولدي المبارك بسرية تامة.
لم يتحمَّل الخليفة العباسي وجود والدي فدسَّ له السم فقضى إلى ربه شهيداً عام 260 هجرية.
وكما أراد الله كنت إمامًا وأنا في الخامسة من عمري.
عندما استشهد والدي ظهرت فجأة وصليت عليه، ثمّ اختفيت سبعين سنة، وكنت أتصل خلالها بالناس من خلال السفراء.
لما توفي السفير الرابع، بدأت مرحلة جديدة من حياتي ولا تزال حتى الآن.
الناس ينتظرون ظهوري، لأنشر العدل والخير وأقضي على الظلم والشر.
هل عرفتم من أنا؟
فقرة زائر من كربلاء: علي الأكبر
ضياء الشمس في محياي، ونور القمر من كلتا يداي، لجمال وجهي يعرش الورد والريحان، بدر انحدر من سلالة المصطفى وشبل من أشبال الكرار، ولد للسبط الأمين.
أنطق بلسان علوي بليغ، وحسن الخلق منقبة من مناقبي.
مُنحتُ للبطولة تاجًا وقلدت الشهادة وسامًا فكنت مضرب الأمثال.
أعدتني أمي ذخراً لمصاعب الأيام، ونوائب الدهر، فكنت الشمس في أيامها الساطعة وقمر لياليها المقبلة. في كلّ ليلة كانت تضمني إلى صدرها تلثم وجهي بقبلاتها الحنونة الناعمة. اشتد ظلم الأيام على والدي الحسين (عليه السلام) فتوجهنا مع العيال والأطفال والنساء تاركين مدينة جدنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله). حطت رحالنا في كربلاء، لتبدأ قصة جديدة من قصص الظلم وغصب العترة الطاهرة بحقها المعلوم من قبل البغاة الطغاة.
كنت باب السرور ومدخله إلى قلب عمتي زينب (عليها السلام) فأنا شبيه الرسول خلقاً وخُلقًا. أكبر ولد للحسين (عليه السلام) وحبيبه المقرب.
دارت رحى معركة الحق ضد الباطل، والمظلوم على الظالم فكنت المقرب من الحسين وناصره والمقاتل بين يديه الكريمتين.
بدأت أنوار الأصحاب تنسل واحدة تلو الأخرى متوجهة نحو الفردوس الأعلى حيث الحياة الأبدية. وحان موعد لقاء الحبيب بحبيبه، فكنت أول الهاشميين استئذاناً للحسين (عليه السلام) لمبارزة ومقاتلة أعداء الله والرسول والبضعة الزكية.
عندها رفع الحسين (عليه السلام) يديه نحو السماء قائلاً: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقًا وخُلقًا ومنطقًا برسولك، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه، اللهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً ومزقهم تمزيقًا واجعلهم طرائق قددًا ولا ترض عنهم الولاة أبدًا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا".
برزت للقوم وقاتلتهم فأصبت بجروح كثيرة ثمّ قذفني عدو لله بسهم فأصاب ظهري.
وقعت على الأرض، وتناهت إلى قلب الحسين (عليه السلام) آلامي، فتوجه نحوي ومسح الدم والتراب عن وجهي،
فهل تعرفون من أنا؟
فقرة زائر من كربلاء: القاسم بن الحسن
كان أبي قبل شهادته قد أوصاني أن أفدي عمِّيَ بروحي. حمَلتُ الوصيَّة إلى أن حان موعد تنفيذها. أراد عمي الخروج من مكة إلى الكوفة، فخفتُ أن لا يأخذني معهم، ولكنَّه سرعان ما أشار إليَّ بأن أسرع إلى لأُجلِس أمي على الناقة. فرحت، وأجلستُ أمي ومضينا، حتى وصلنا إلى كربلاء في الثاني من محرم. في كربلاء لم أكن قد بلغتُ الثالثة عشر من عمري.
ليلة العاشر من محرم، أراد عمي أن يمتحنني، فقال لي: "كيف ترى الموتَ يا بني؟".
قلت يا عماه: "هو أحلى من العسل".
في يوم عاشوراء، أسرعت إلى عمّي أطلب منه الإذن بالمبارزة.
ولما نزلت إلى الميدان قاتلتُ الأعداء بشجاعة والدي وجدّي، حتى انقطع شِسعُ نعلي، فاغتنم الفرصةَ أحدُ الأعداء وأنا أصلحها فضربني على رأسي فوقعت على الأرض. وناديت عمي.
هل عرفتم من أنا؟
زائر من كربلاء: السيدة زينب (عليها السلام)
أنا التي عُرفت في القوَّة والصَّبر والشَّجاعة، ومِثالُ المرأة التي تسيرُ على دربِ الحقِّ. كنتُ مِنبراَ إعلامياَ هادراَ في وجهِ الطغاة. أخبرني أبي أنَّ اسمي معناه هو الشجر الحسنُ الشكل، والطيِّبُ الرَّائحة.
كان بيتي مِحراباَ للعبادة، وكان أبي يرى فيَّ مثاله في الخطابة.
في طفولتي شهِدتُ وفاة جدِّي رسول الله، وبعدها استشهدت أمي مظلومة، وقتل أبي بعدما ضُرِب على رأسه في المسجد، ثم استشهد أخي ورأيته بعينيَّ يتألم من أثر السم.
أما ما شاهدته في كربلاء، فكانت أموراً تفوق الوصف. شاهدتُ أخوتي وأبناءهم، وأنصارهم يتساقطونَ على الأرض بدمائهم. ولما استشهد أخي جلستُ عنده ودعوت قائلة: "ربنا تقبل منا هذا القربان".
ثمَّ حمدتُ الله، فمن أكون؟
زائر من كربلاء - أبو الفضل العباس
قبل ولادتي، كان أبي قد اختار أمِّي زوجة له من دون كلِّ النساء. فأمِّي من قبيلةٍ عربيةٍ معروفة، اشتُهر رجالُها بالشجاعة والشّهامة. أرضعتني أمِّي لبن المروءة والفداء، والإخلاص والوفاء.
كان والدي يرفعُني بين يديه المقدَّستين، يحتضنني ويُقبِّلني.
نشأتُ في بيتِ عقيدةٍ وإيمان، وعلم ومعرفة وأخلاق. لمَّا صرتُ شاباً، صرتُ أتدرَّب مع أخوتي على القتال.
وحينما عزم والدي على الرحيل من الدنيا بسببِ ضربةٍ بالسَّيف تلقاها على رأسه أثناء الصلاة في المسجد، تحلقنا حوله كي نودّعه.
في تلك الليلة توجَّه والدي بالحديث إلى أختنا زينب قائلاً: "يا زينب اختاري من إخوانك كفيلاً لك ومعيناً".
حدَّقت في وجوهِنا فقالت: "هوَ كافِلي". كانت تقصدني أنا. فأوصاني والدي بها كثيراً.
وعام 60 للهجرة، خرج سيدي ومولاي الحسين إلى كربلاء فكنت كافل زينب وخادمها.
وفي كربلاء عندما عطشت سكينة جاءت نحوي تقول: "عماه، أنا عطشانة، وأنت ساقي العطاشى وكافل عمّتي زينب، فهل لي شربة من ماء يا عماه؟".
حملتُ القربة وتوجَّهتُ نحو نهر الفرات، وصلتُ إلى الماء فملأت القربة، وحملتها لأعود بها إلى سكينة، ولكن الأعداء قطعوا كفاي، وضربوني بالعمود، وأصابوا قربة الماء بالسهم فسال الماء منها على التراب.
فهل تعرفون من أنا ؟
برامج
13840قراءة
2020-08-19 11:23:31