الدرس الثامن: شروط الحاكم
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعدّد شروط الحاكم الإسلامي.
2- يوضّح تأثير هذه الشروط في المجتمع والحكومة.
3- يُبيّن وظائف الحاكم الإسلامي.
تمهيد
أوضحنا في الدروس السابقة ضرورة تشكيل الحكومة الإسلاميّة في عصر الغيبة لإجراء أحكام الإسلام وتحقيق هدف الأنبياء، كما أوضحنا أدلَّة نصب الفقهاء جامعي الشرائط في عصر غيبة الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وتعيينهم في مسؤوليّة القيادة وإدارة المجتمع الإسلامي.
والآن نتعرَّض بالحديث لشروط الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين. فمن الأمور الواضحة أنّه لا يمكن لأيّ شخص أن يتولّى زمام أمور المسلمين، وأن يصبح حاكمًا عليهم، بل لابدّ أن يكون مثل هذا الشخص أليق أفراد المجتمع، وأن يكون جامعًا للشرائط المعتبرة حتى يتمكّن من أن يتولّى هذا المقام وهذه المسؤوليّة الخطيرة. نعم، من الشرائط ما هو معتبر لدى جميع الحكومات، دينيّة كانت أم غير دينيّة، كالعلم والعقل والقدرة والأمانة، إنّ هذه الصفات قد اتّفق الناس على اعتبارها حتى في البنّاء الذي يبني بيتًا، فهذا النوع من الشروط معتبر وبشكل مسلّم في مورد قيادة الحكومة، التي هي من أهمِّ مسائل المجتمع.
شروط الحاكم الإسلامي
حيث كان الحاكم الإسلامي متعهِّدًا لإجراء وتبيين أحكام الإسلام، فلا بدّ من توفّر شرائط خاصّة، نبحثها الآن:
1- الإسلام:
لا بدَّ في الحاكم الإسلامي أن يكون، وقبل أيّ شيء آخر، مسلمًا ومؤمنًا، أي مضافًا إلى الاعتقاد القلبي والإقرار اللساني، لا بدّ وأن يكون عاملاً بالشريعة الإسلاميّة.
إنّ ضرورة مثل هذا الشرط للحاكم الإسلامي أمر واضح جدّ، لأنّه من جهة هو حاكمٌ على الناس وله ولاية عليهم، ومن جهة أخرى طاعته واجبة لأجل حفظ النظام. والله عزّ وجلّ قد منع أيّ سلطة للكفار على المسلمين، ونهى المسلمين عن طاعتهم. وعليه، ففي ثقافة الإسلام لا قيادة ولا سلطة للحاكم الكافر على المسلمين، ويجب على المسلمين لو أراد الكفّار إعمال سلطتهم عليهم السعي في محاربتهم.
قال الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾1.
وقال الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾2.
2- العلم (الفقاهة في الدين):
يُعتبر في الحاكم الإسلامي أن يكون ذا ثقافة واسعة وعلم كافٍ بدين الإسلام، أي لا بدَّ وأن يصل إلى ملكة الاجتهاد في أحكام الإسلام، وأن لا يكون مقلِّدًا للآخرين، لأنّه من كانت له الولاية على المسلمين وإجراء الأحكام والقوانين، وكان لا بدَّ للناس من إطاعته، وهو في نفس الوقت مقلّدٌ لشخص آخر، فسوف يؤدّي ذلك إلى إضعاف نفوذ الحكومة والأمة الإسلامية معًا. وعليه، فلا تصحّ قيادة من لا معرفة له بحقيقة الإسلام وأحكامه، أو أنّ أركان اطّلاعه عن تقليد لا عن اجتهاد.
إنّ العقل يحكم دائمًا بتقديم العالم على الجاهل، مضافًا إلى ما ورد من الآيات والروايات. فلا بدَّ إذًا لمن يستلم زمام الأمور أن يكون لديه علم كافٍ بأحكام وأصول الدين، بل ينبغي أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم. ونشير هنا إلى بعض الآيات والرويات الدّالة على ذلك.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾3.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ولّت أمّة قط أمرها رجلاً، وفيهم أعلم منه، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتى يرجعوا إلى ما تركوا"4.
وعن الإمام علي عليه السلام: "أيّها الناس، إنّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه"5.
وفي حديث للإمام علي عليه السلام في مقام بيان صفات الإمام، قال: "وأمّا حدود الإمام المستحقّ للإمامة، منها: أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها، ولا يزلّ في الفتيا، ولا يخطئ في الجواب... والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب أحكامه وأمره ونهيه... فإنّه لو لم يكن عالماً لم يؤمن أن يقلب الأحكام والحدود، وتختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها... والثالث أن يكون أشجع الناس..."6.
إنّ المستفاد من الرواية أنّ من الشروط الضروريّة للإمامة العلم والفقاهة، بل الأعلميّة، وبتوسّط تعميم الملاك يمكن استفادة شرطيّة هذا الأمر للقائد في عصر الغيبة.
3- العقل:
إنّ اشتراط العقل في الحاكم هو من الأمور البديهيّة التي لا تحتاج إلى استدلال، لأنّ العقلاء بفطرتهم لا يوكّلون فاقد العقل بأمورهم الاعتياديّة، فكيف بمسألة الولاية والحكومة التي ترتبط بأموالهم وأنفسهم وأعراضهم؟! عن أمير المؤمنين عليه السلام: "يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحقِّ صؤول"7.
ومن جهة أخرى تحتاج قيادة وإدارة المجتمع إلى عقل مميَّز عن الآخرين، لأنّ على القائد والوالي تشخيص مصالح ومفاسد الأمّة، ومع وجود أفراد أكثر تعقُّلاً كيف يمكن تسليم زمام الأمور إلى أفراد أقلّ قدرة على تشخيص المصالح والمفاسد؟!
عن الإمام علي عليه السلام: "ولكنّي آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها..."8.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يكون السفيه إمام التقي"9.
وعليه، يمكن القول إنّ من شروط الحاكم الإسلامي هو أن يكون ذا عقلٍ كامل، لا مجرّد عقلٍ عادي.
4- العدالة:
لقد ثبت في علم الكلام، وفي بحث النبوّة والإمامة، أنّ النبي والإمام لا بدّ وأن يكون معصومًا، وحيث كان الوصول للإمام المعصوم متعذِّرًا في عصر الغيبة، فلا بدَّ من إيكال أمر الحكومة الإسلاميّة إلى شخص دون درجة العصمة الثابتة للمعصومين، ولكنّه على درجة أعلى، من صيانة النفس ومخالفة الهوى واتّباع أوامر المولى، وهذا هو عبارة أخرى عن شرط العدالة، وقد عرّفت بأنّها ملكة وحالة نفسانيّة راسخة في النفس توجب التقوى، وصيانة النفس تمنع الشخص من ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر، كما تمنعه من ارتكاب الأعمال التي تدلّ على عدم المبالاة لدى العرف وتكون على خلاف المروءة10.
وفي تحرير الوسيلة: "العدالة عبارة عن ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى، من ترك المحرّمات وفعل الواجبات"11.
إنّ اشتراط العدالة في القائد والحاكم هو من المسائل البديهيّة في نظر فقهاء الشيعة، والكثير من علماء السنّة، ويدلُّ عليها، مضافًا إلى الآيات والروايات، العقل السليم، فإنّ العقل يرفض تسليم زمام الأمور لشخص لا يستطيع أن يقف أمام الظلم والعصيان، يقول الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾12.
﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾13.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "قال الله تعالى: لأعذِّبن كلَّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعيّة في أعمالها تقيّة..."14.
وقد بيَّن الإمام الحسين عليه السلام في الكتاب الذي أرسله مع مسلم بن عقيل إلى الكوفة صفات الحاكم، فقال: "فلعمري، ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله"15.
وعليه، فمن الشروط الأساسيّة للحاكم الإسلامي هو شرط العدالة بأعلى درجاتها، واتّباع الظالم حرام، وقد ورد في الروايات أنّ الحاكم الإسلامي لا بدَّ وأن يكون منزَّهًا عن الصفات الرذيلة، كالبخل والحرص والطمع ...
عن الإمام علي عليه السلام: "وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الخائف للدّول فيتّخذ قومًا دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنّة فيُهْلِك الأمّة"16.
5- حسن التدبير والإدارة:
من شروط القيادة القدرة على تدبير وإدارة أمور المجتمع، بمعنى أنّ الحاكم الإسلامي لا بدَّ وأن يتمتّع بقدرة جسميّة وفكريّة ومعنويّة، وصلاحيّة الإدارة والتدبير للمجتمع الإسلامي في تمام أبعاده، وأن يمتلك، مضافًا إلى الخبرة بالأسس الإداريّة والسياسيّة، علمًا بمقتضيات زمانه وعواقب الأمور، وتشخيص الأصدقاء من الأعداء، ومعرفة ما يحيكه الأعداء من مؤامرات، حتى يمكنه هداية حركة الأمّة الإسلاميّة إلى طريق الخير والعزّة والاستقلال.
يقول الإمام علي عليه السلام لبيان إحجامه عن بيعة أبي بكر: "أنا أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... وأعلمكم بعواقب الأمور، وأذربكم لسانًا، وأثبتكم جنانًا"17.
وعن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تصلح الإمامة إلا لرجلٍ فيه ثلاث خصال: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي، حتى يكون لهم كالوالد الرحيم"18.
ويخاطب الإمام الصادق المفضَّل بن عمر بقوله: "يا مفضَّل، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"19.
إذًا، لا بدَّ للحاكم الإسلامي لأجل إحراز هذا الشرط من المعرفة بأمور زمانه وبالأمور السياسيّة والاجتماعيّة حتى يتمكَّن من وضع برنامج يمكّنه من الوصول بالأمّة إلى برّ النجاة.
وظائف الحاكم
تقدَّم أنّ أهداف إقامة حكومة الإسلام هي أهداف البعثة والرسالة نفسها، وعلى الحاكم الإسلامي بعنوان أنّه خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام وظائف ومسؤوليّات، لابدَّ له من القيام بها، وفيما يأتي نذكر الوظائف والشواهد عليها.
1- نشر المعرفة الإسلاميّة:
كما كانت وظيفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المعصوم عليه السلام تبليغ الأحكام وبيان المعارف الدينيّة، فالحاكم الإسلامي مكلَّف أيضًا بتهيئة الإمكانات لنشر ثقافة الدين وسنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعريف الناس بالحلال والحرام والقوانين والمقرّرات، وذلك من خلال الاهتمام بالحوزات العلميّة، والاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة، وإرسال المبلّغين وغيرها... حتى يبني مجتمعًا عارفًا ومحافظًا على تعاليم القرآن والإسلام.
عن الإمام علي عليه السلام: "أيها الناس، إنّ لي عليكم حقًا ولكم عليّ حقّ، فأمّا حقُّكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا"20.
2- تربية الناس على الأخلاق الحسنة والسنن الإلهيّة:
تهذيب النفوس من الأخلاق السيّئة والصفات الرذيلة من الوظائف الأساسية للحاكم، وهنا تلعب أخلاق الحاكم وطريقة تعامله وشرحه للمسائل الأخلاقيّة والآداب النفسيّة الدور الأساس. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطابه لمعاذ بن جبل، لمَّا أرسله إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة:
"يا معاذ، علِّمهم كتاب الله، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة، وأنزل الناس منازلهم -خيرهم وشرّهم - وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاش في أمره ولا ماله أحدًا، فإنّها ليست بولايتك، ولا مالك، وأدِّ إليهم الأمانة في كلّ قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير ترك الحقّ، يقول الجاهل: قد تركت من حقّ الله، واعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمرٍ خشيت أن يقع منه عيب حتى يعذروك، وأمت أمر الجاهليّة إلا ما سنَّه الإسلام، وأظهر الإسلام كلَّه صغيره وكبيره، وليكن أكثر همِّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكِّر الناس بالله واليوم الآخر، واتّبع الموعظة فإنّه أقوى لهم على العمل بما يحبُّ الله، ثم بثّ فيهم المعلِّمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم"21.
3- إقامة الواجبات الدينية والشعائر المذهبيّة:
كصلاة الجمعة والجماعة والصيام والحج والزكاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾22.
فإنّ الآية تشير إلى أنّ القدرة إذا وصلت إلى عباد الله المؤمنين، فإنّهم يسعون إلى تحقيق ثلاثة أمور مهمَّة: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الواضح أنّ تحقيق هذه الأمور هي من وظائف الحاكم الإسلامي بالدرجة الأولى.
4- إحياء السنن والقيم الإسلاميّة:
إنّ إزالة البدع، وحفظ الشريعة من التغيير والتبديل والتأويل والتحريف، ومواجهة الأفكار المنحرفة والهجوم الثقافي من قِبَل الأعداء على القيم الدينيّة، وإجراء الحدود الإلهيّة، هي من الوظائف التي يجب على الحاكم أن يسهر على تحقيقها.
عن الإمام علي عليه السلام: "ليس على الإمام إلا ما حمل من أمر ربّه: الإبلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والإحياء للسنّة، وإقامة الحدود على مستحقّيها"23.
5- الدفاع عن الدولة الإسلاميّة:
إنّ جهاد أعداء الإسلام عن طريق الإعداد في جميع المجالات، أي الإعداد العسكريّ والروحيّ وإعلاء القدرة القتاليّة لدى المجاهدين، هو من وظائف الحكومة الإسلاميّة الهامّة.
قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾24.
في هذه الآية تكليف للأمّة بالإعداد والاستعداد للدفاع عن بلاد المسلمين من الناحية العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة، وذلك بهدف إيجاد الرعب في قلوب الأعداء وسلب قوَّتهم عن الهجوم على بلاد المسلمين.
ولا بدّ أيضاٍ من مواجهة المعاندين والأشرار الذين يخلّون بالنظام والأمن، والأمّة الإسلاميّة في ظلّ الأمن والأمان تتمكَّن من الوصول إلى النموّ المعنويّ والاقتصاديّ.
6- عمران البلاد:
وذلك من خلال العمل العام والمؤسّسات العامّة للانتفاع وإيجاد فرص العمل وزيادة الإنتاج وبناء علاقات صحيحة في السوق ورفع موانع النمو الاقتصاديّ ورفع الاحتياجات الماديّة لتنمية الرفاهيّة في المجتمع الإسلامي.
هذا إلى جانب توسعة العلوم والفنون العصريّة التي تحتاج إليها الأمّة والتي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي، وترغيب الأفراد في ذلك.
7- تحقيق العدالة الاجتماعية:
عبر المنع من ظلم الظالمين وإحقاق الحقّ للضعفاء من الغاصبين، من خلال تشكيل سلطة قضائيّة قادرة بتوسّط قضاة عدول مؤمنين، لإجراء الحدود الجزائيّة في الإسلام.
عن الإمام علي عليه السلام: "اللهم، إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردَّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلوم من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك"25.
ومن أهم مظاهر العدالة الاجتماعية جمع الأموال من الضرائب وغيرها وصرفها وتقسيمها في مصارفها العامّة ومواردها الضروريّة.
عن الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: "هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاّه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستطلاع أهلها، وعمارة بلادها"26.
8- بناء علاقات حسنة مع الشعوب والدول الأخرى:
عبر العهود والمواثيق مع الحفاظ على عزّة الأمّة واستقلالها، والحذر من أنواع التسلُّط أو التبعية، أو بناء علاقات مع دول تظهر العداوة للإسلام والمسلمين.
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾27. فمن غير المسموح ومن غير الممكن أن يعيش الإنسان في هذا العصر في عزلة عن الآخرين، خصوصًا في هذا الزمن الذي بات فيه العالم أشبه بقرية عالمية مترامية الأطراف، لا موانع ولا حدود للتواصل بين أفرادها. بل الإسلام يؤكد ويحثّ على ضرورة التواصل مع الآخر لما في هذا التواصل من آثار وبركات كثيرة يقول الإمام الخميني قدس سره: "علينا أن نفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الإسلام حيث كان يرسل السفراء إلى كل مكان ليقيم علاقات مع الدول. لذلك لا نستطيع أن نقعد ونقول: ما لنا والدول؟ هذا خلاف العقل والشرع. وعلينا أن نكوّن علاقات وروابط مع الجميع، غاية الأمر أن هناك إستثناءات لبعض الدول ونحن لا نقيم معها علاقات الآن. أما أن لا تكون لنا علاقات مع الجميع فهذا ما لا يقبله عقل ولا إنسان، إذ معنى هذا أن نفشل ونندحر ونفنى إلى الأبد. يجب علينا أن نوجد لنا روابط وعلاقات مع الدول والشعوب لنتمكن من إرشادهم. بهذه الروابط نرشدهم، ونحذر صفعات من لا نتمكن من إرشادهم،على هذا أوصيكم بتقوية علاقاتكم وإحكامها أينما كنتم"28.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة النساء، الآية 141.
2- سورة الأحزاب، الآية 48.
3- سورة الزمر، الآية 9.
4- الشيخ الطوسي، الأمالي، ج2، ص172.
5- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 173.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار ج25، ص165.
7- الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، ص556.
8- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج3، ص120، من كتاب له إلى أهل مصر مع مالك الأشتر.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص175.
10- اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى ، ص299، الشهيد الثاني، زين الدين بن علي (الشيخ)، شرح اللمعة الدمشقية، ص156.
11- الإمام الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، ج1، ص10، نشر دار الكتب العلمية، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، ط2، 1390ش، مسألة 28.
12- سورة البقرة، الآية 124.
13- سورة هود، الآية 113.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص37.
15- الشيخ المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد،ج2، ص39، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، نشر دار المفيد - لبنان، ط2، 1993م.
16- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 131.
17- الطبرسي، أحمد بن علي، الإحتجاج، ج1، ص95، تحقيق السيد محمد باقر الخرسان، نشر دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، 1966م.
18- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص336.
19- م.ن، ص23.
20- الشيخ الكليني، الكافي، ج18، ص311.
21- الحرّاني، الحسن بن علي، تحف العقول، ص25، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط2، 1404هـ.
22- سورة الحج، الآية 41.
23- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 105.
24- سورة الأنفال، الآية 60.
25- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، خطبة 131.
26- م.ن، ج3، ص83، عهده إلى مالك الأشتر.
27- سورة الحجرات، الآية 13.
28- زين العابدين، محسن، الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه في رؤية الإمام الخميني، ص 191، مركز المصطفى العالمي للترجمة والنشر، إيران، قم، 1432ق.
برامج
1323قراءة
2021-02-26 23:50:20