الدرس الثاني عشر: أهداف الحكومة الإسلامية
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يبيّن أهداف الحكومة الإسلامية.
2- يوضّح هذه الأهداف وشرحها.
3- يستنتج ثلاثة أهداف للحكومة الإسلاميّة.
تمهيد
إنّ العمل على إقامة الحكومة الإسلامية بقيادة الوليّ الفقيه الجامع للشرائط، ليس أمرًا عبثيًا غوغائيًا، وليس طمعًا في الدنيا الزائلة وحطامها، بل إنّ هناك أهدافًا سامية، جاء بها الإسلام إلى المجتمع الإنساني للأخذ بيده في مدارج الكمال، وانتشاله من أوحال النفس وشهواتها، ويُراد من هذه الحكومة أن تعمل على تحقيق هذه الأهداف، من خلال السير على خُطى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتداء بنهج الأئمّة الأطهار عليهم السلام، فهم سفينة النجاة، ومنارة الهدى، والطريق الأوحد لله تعالى. وفيما يلي نذكر نبذة عن هذه الأهداف:
حفظ الدين
جاء في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾1.
توضّح هذه الآية القرآنية الكريمة أبرز المهام التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم بها تجاه الأمّة الإسلامية، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع الأغلال التي كانت عليهم من رسوم وقيود وأحكام صعبة كانت في شريعة اليهود أو التي حرّمها إسرائيل على نفسه. فهذه المهام كلّها تدور حول المصلحة الكبرى والعليا ألا وهي حفظ الدين والأحكام.
وبالتالي فإنّ المتصدّي لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ينبغي عليه الالتزام بهذه المهام والأهداف، والعمل على حفظ هذا الدين وبقائه واستمراره، وقد ورد في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل لمّا بعثه إلى اليمن: "... وأظهر أمر الإسلام كلّه، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكّر الناس بالله واليوم الآخر، واتّبع الموعظة، فإنّه أقوى لهم على العمل بما يحبّ الله، ثمّ بثّ فيهم المعلمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخفْ في الله لومة لائم..."2.
فالهدف الأساس والأوّل للحكومة الإسلامية وعلى رأسه الفقيه الجامع للشرائط هو تطبيق الأحكام التي جاء بها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وحفظ الدين من أيّ شيء يمكن أن يهدّد وجوده وبقاءه واستمراره.
نفس أهداف البعثة
لأن الحاكم في حكومة الإسلام هو خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وهو إنّما يحكم بهذا العنوان، فلا بدَّ وأن تكون أهداف الحكومة التي يعمل على إجرائها هي الأهداف التي كانت أهدافًا لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقام صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل على تطبيقها، أي إنّه كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلممأمورًا بتطبيق الأحكام الإلهيّة في المجتمع وأن لا يعمل بما تمليه رغبات وأهواء الناس، فكذلك الفقيه مأمور بإجراء أحكام الإسلام.
يقول الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾3.
إنّنا، ولأجل معرفة أهداف الحكومة، لا بدَّ لنا من البحث حول أهداف البعثة والرسالة.
تعليم وتربية الإنسان
المراد من التعليم هنا هو تبليغ الأحكام الإلهيّة والمعارف الدينيّة ونشرها في المجتمع، وتعريف الناس بوظائفها ومسؤوليّاتها الشرعيّة وتكاليفها الإلهيّة، وتعريف الحلال والحرام. والتربية هنا هي بمعنى بناء الإنسان من جهة فكريّة وأخلاقيّة، والسعي لتنمية الفضائل الأخلاقيّة والكمالات الإنسانيّة والقيم المعنويّة في المجتمع، وهداية الناس إلى الأخلاق الحسنة والأهداف الإلهيّة، ليصل الإنسان إلى مقام الخلافة الإلهيّة في الأرض، والتي هي الهدف من خلق الإنسان.
إنّ هذين الهدفين، أي تعليم وتزكية المجتمع الإسلامي، هما من الأهداف العالية لبعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من الأهداف المرجوّة من إقامة الحكومة الإسلامية.
يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾4.
ويقول الله تعالى أيضًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾5.
إحياء العدل
من الأهداف الأخرى لبعثة الأنبياء إحياء العدل بين الناس، ولأجل هذا عَمِلَ الأنبياء في كلّ زمان على محاربة الحكّام الظالمين، إنّ أحد أهداف ذلك رفع الظلم عن المجتمع وإحياء العدل وإحقاق الحقّ، وإرجاع حقّ المظلوم من الظالم، ولا بدَّ للحكومة الإسلاميّة التي على عهدتها السعي لتحقيق أهداف الأنبياء من السعي إلى تحقيق ذلك، يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾6.
ويبيّن الإمام علي عليه السلام في بداية خلافته السبب في قبوله هذه المسؤوليّة وأنّه هو ما أوجبه الله على العلماء من أخذ حقّ المظلوم من الظالم.
قال عليه السلام: "أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها"7.
كما ينقل عن ابن عباس أنّه دخل على الإمام عليه السلام، وكان يصلح حذاءه، فخاطبه الإمام: "كم قيمة هذا الحذاء"؟
فأجابه ابن عباس: بأنّه لا يساوي شيئًا.
فقال له الإمام عليه السلام: "والله، لهي أحبّ إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقًّا أو أدفع باطلًا"8.
وعليه، فالهدف الأساس ليس هو تشكيل الحكومة الإسلاميّة، بل إحياء العدل والدفاع عن المظلومين وإيصال الحقوق.
الاستقلال والحريّة
إنّ من أهمّ أهداف البعثة هي رفع الذلّ وقيود الأسر التي استخدمها الحكّام الظلمة للتسلُّط على الأمم، وإبطال سنن الجاهليّة، وتحرير الأمّة من كلّ قيد وسلطة تذلّهم، وإيصالهم إلى أوج العزّة والشرف، وتأمين استقلالهم وحرّيتهم في ظلّ الحكومة الإلهيّة.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ .
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "ولقد أحسنت جواركم وأحطت بجهدي من ورائكم، واعتقتكم من ربق الذلّ وحلق الضيم" .
لقد اتّضح إلى الآن ما تهدف إليه الحكومة الإسلاميّة في الأبعاد الأساسيّة الثقافيّة والحقوقيّة والسياسيّة، فهي تهدف إلى نشر ثقافة الإسلام ومعارفه وتربية أفراد المجتمع الإسلامي على أساس الأصول والقيم الإسلاميّة في البعد الثقافي.
وأمّا في البعد الاجتماعي فهو العمل على إجراء القسط وتحقيق العدل في المجتمع، ومحاربة الظلم والفقر والحرمان وإحقاق الحقّ، وأمّا في البعد السياسي فهو حفظ استقلال حريّة المجتمع وإزالة تسلّط الأعداء الموجب لذلّة المسلمين.
1- سورة الأعراف، الآية 157.
2- الحرّاني، تحف العقول، ص 26.
3- سورة المائدة، الآيتان 48 - 49.
4- سورة الجمعة، الآية 2.
5- سورة الأحزاب، الآيتان 45 - 46.
6- سورة الحديد، الآية 25.
7- الشريف الرضي، نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج1، خطبة 3.
8- م.ن، خطبة 33.
برامج
1716قراءة
2021-02-27 00:45:46