بسم الله الرحمان الرحيم
الآية رقم 1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12).} سورة الصف الآية 10-11-12
إن الإنسان ليقع في حيرة من كل هذا اللطف والرحمة الإلهية، فإن الله المالك لكل شيء، يبدو في مقام المشتري لنفس هذه المواهب التي وهبها لعباده، ويشتري ما أعطاه بمئات الأضعاف.
ومع أن المتعارف أن الثمن يجب أن يعادل البضاعة، إلا أن هذا التعادل لم يلاحظ في هذه المعاملة، وجعلت السعادة الأبدية في مقابل بضاعة متزلزلة يمكن أن تفنى في أية لحظة، (سواء كان على فراش المرض أو ساحة القتال).
وفي نهاية هذه المعاملة العظيمة، والصفقة الكبيرة، فإنه قد بارك لهم وبشرهم، فهل تتصور رحمة ومحبة أعلى من هذه؟! وهل يوجد معاملة أكثر ربحا من هذه؟!
الآية رقم 2
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} - سورة الفجر 27-28-29
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾: أي التي آمنت بالله وجنته، وعملت بشريعته وطاعته. ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾: أي إلى ثوابه، وكرامته وإلّا فإن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، ﴿رَاضِيَةً﴾: من عملها في الدنيا وبأجرها في الآخرة، ﴿مَّرْضِيَّةً﴾: عند الله لصلاحها وتقواها. ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾: في جملة من فازوا بجنات النعيم.
الآية رقم3
{كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} سورة الفجر 17- 18 – 19 -20
﴿كَلَّ﴾: ليست الكرامة عند الله بالمال بل بالتقوى وصالح الأعمال، ولا الإهانة بالفقر، بل بمعصية الله الذي خلق الأرض للناس جميعًا وبفساد الأوضاع، يجوز الأقوياء الذين احتكروا واستأثروا وحرموا المساكين والضعفاء. وإلى هذا المعنى بالذات أشار سبحانه بقوله: ﴿بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾: بل يغدرون بالأرامل والأيتام والمشردين والمساكين، وينتهبون أموالهم ظلمًا وعدوانًا.
﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّ﴾: أي أكلًا شديدًا، والمراد بالتراث هنا ميراث الأيتام والضعفاء بقرينة السياق، وكل من لا يخشى الله والحق يأكل أموال الضعفاء والمساكين إذا لم يكن لهم عم ولا خال.
﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّ﴾: ميراثًا كان أم غير ميراث، والجم معناه الكثير، وقد ذكر بمواضع آخرى لا بأس بحب المال الحلال، والغنى عن الناس ضمان للكرامة، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
الآية رقم 4
{قال الذين يظُنّون أنّهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين} سورة البقرة الآية 249.
"الفئة" أصلاً من "الفيء" بمعنى الرجوع، ويقصد بها الجماعة الملتحمة التي يرجع بعضهم إلى بعض ليعضده.
"يظنّون" بمعنى يعلمون أي أنّهم على يقين من قيام يوم القيامة
تقول الآية: إنّ الذين كانوا يؤمنون بيوم القيامة إيمانًا راسخًا قالوا للآخرين: ينبغي ألاَّ تلتفتوا إلى (الكم) أي العدد بل إلى (الكيف) الطريقة، إذ كثيرًا ما يحدث أنّ الجماعة الصغيرة المتحلّية بالإيمان والعزم والتصميم تغلب الجماعة الكبيرة بإذن الله.
الآية رقم 5
{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَـافِرِينَ / فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ}. سورة البقرة الآية 250- 251
(برزوا) بمعنى الظّهور، فعندما يستعد المحارب للقتال ويتّجه إلى الميدان يقال أنّه برز للقتال. و(الإفراغ) تعني صبّ السائل بحيث يخلو الإناء ممّا فيه تمامًا.
يذكر القرآن الكريم موضوع المواجهة الحاسمة بين الجيشين، فعندما وصل طالوت وجنوده إلى المكان الذي ظهر لهم جالوت وجيشه القوي. وقفوا في صفوف أمامه ورفعوا أيديهم بالدّعاء، وطلبوا من الله العليّ القدير ثلاثة:
- الصّبر والاستقامة وله سمة الطلب النفسي والباطني
- تثبيت الأقدام حتّى لا يُرجّح الفرار على القرار، وله جنبة ظاهريّة وخارجيّة، ومن المسلّم أنّ ثبّات القدم هو من نتائج روح الاستقامة والصبر.
- النصر: وهو الهدف الأصلي من الجهاد ويُنفّذ النتيجة النهائيّة للصبر والاستقامة وثبات الأقدام.
ومن المسلّم أنّ الله تعالى سوف لا يترك عبادة هؤلاء لوحدهم أمام الأعداء مع قلّة عددهم وكثرة جيش العدو، ولذلك هزموهم وقتل داوود جالوت.
الآية رقم 6
{قَالُوا يَـشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـكَ وَمَآ أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيز } سورة هود الآية 91
"الرّهط" ومعناها الجماعة التي مجموع أنصارها ثلاثة إلى سبعة، أو عشرة أو في الحد الأكثر أربعون نفرًا. إِنّ شعيباً الذي لُقِّبَ بخطيب الأنبياء، واصل محاججته لقومه بالصبر والأناة والقلب المحترق، ولكن أجابوه بأربع جمل كلّها تحكي عن جهلهم ولجاجتهم:
- قالوا: (يا شعيب ما نفقه كثيراً ممّا تقول) فكلامك أساسا ًليس فيه محتوى ولا منطق قيم لنفكر فيه ونتدبره وليس لديك شيء نجعله ملاكاً لعملنا، فلا ترهق نفسك أكثر! وامض إلى قوم غيرنا.
- قولهم (وإِنّا لنراك فينا ضعيفاً) فإذا كنت تتصور أنّك تستطيع إثبات كلماتك غير المنطقية بالقدرة والقوّة فانت غارق في الوهم.
- وهي أنّه لا تظنّ أنّنا نتردد في القضاء عليك بأبشع صورة خوفاً منك ومن بأسك، ولكن احترامنا لعشيرتك هو الذي يمنعنا من ذلك (ولولا رهطك لرجمناك)!
وهم يشيرون بذلك إلى أنّ قبيلتك تتمتع بالقوة الكافية مقابل قوتنا، ولكن تمنعنا أمور أُخرى. في حين أنّ قومه وأسرته ليسوا بأربعة، بل المراد بيان هذه المسألة، وهي أنّهم لا أهمية لقدرتهم في نظر القائل.
- وقولهم (وما أنت علينا بعزيز) فمهما كانت منزلتك في عشيرتك، ومهما كنت كبيراً في قبيلتك إِلاّ أنّه لا منزلة لك عندنا لسلوكك المخالف والمرفوض.
الآية رقم 7
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ لَوْيَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَـنِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعدِ مَاتَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ واصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } سورة البقرة الآية 109
كثير من أهل الكتاب وخاصة اليهود لم يكتفوا بإعراضهم عن الدين، بل كانوا يودّون أن يرتد المسلمون عن دينهم، ولم يكن ذلك إلاّ عن حسد يستعر في أنفسهم.
وأمام هذه المواقف الدنيئة والنوايا الخبيثة التي تحملها الفئة الكافرة، يحدد الإِسلام موقف الجماعة المسلمة، على أساس من رحابة الصدر وسعة الاُفق وبعد النظرة ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بَأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾.
هذا الإمر الإِلهي نزل حيث كان المسلمون بحاجة إلى بناء المجتمع الإِسلامي. وفي تلك الظروف يوجب على المسلمين أن يلجأوا إلى سلاح العفو والصفح حتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ.
الآية رقم 8
{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَـذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)} سورة المدثر الآية 22- 23- 24
"عبس": يعبس عبوساً، والعبوس الذي يقبض وجهه.
"بَسَر": من (البسور) بمعنى قبض الوجه وتغيره.
"يؤثر": من (الأثر)، وهو ما يروى عن الماضين ممّا بقي من الآثار
بهذه الآيات يظهر عداء الوليد بن مغيرة للقرآن المجيد، وذلك بعد تفكره الشيطاني، إذ أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب، وسحر القرآن الذي يسحر القلوب كما في قولته، وما كان للقرآن من شبه بسحر الساحرين، بل إنّه كلام منطقي وموزون، وهذا هو دليل على نزول الوحي به، وليس هو بكلام البشر، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري.
الآية رقم 9
{إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمجْرِمِينَ 40 لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاش وَكَذلِكَ نَجْزِى الظَّلِمينَ 41} سورة الأعراف
من الممكن أن يكون المقصود من السماء هنا معناه الظاهر، وكذا يمكن أن تكون كناية عن مقام القرب الإلهي.
"الجمل" في اللغة يعني البعير الذي خرجت أسنانه حديثاً
يتناول القرآن بالحديث مصير المتكبرين والمعاندين، يعني أُولئك الذين لا يخضعون لآيات الله ولا يستسلمون للحق
ثمّ أضاف قائلا: (ولا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط)، أي حتى يدخل البعير في ثقب الاُبرة.
إنّ هذا التعبير كناية لطيفة عن استحالة هذا الأمر، وقد اختير هذا المثال والتصوير الحسّي للإخبار عن عدم إمكان دخول هؤلاء الأشخاص في الجنّة، فكما لا يتردد أحد في استحالة عبور الجمل بجثته الكبيرة من خلال ثقب الاُبرة، فكذلك لا ينبغي الشك في عدم وجود طريق لدخول المستكبرين إلى الجنّة مطلقاً.
وفي خاتمة الآية يضيف تعالى للمزيد من التأكيد والتوضيح قائلا: (وكذلك نجزي المجرمين).
الآية رقم 10
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـت وَعُيُون45 ادْخُلُوهَا بِسَلَـم ءَامِنِينَ46وَنَزَعْنا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلى سُرُر مُّتَقَـبِلِينِ47 لاَ يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُم مِّنْها بِمُخْرَجِينَ48 نَبِّىء عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الْرَّحِيمُ49 } سورة الحجر
وقد عرضت الآيات ثمانية نعم كبيرة (مادية ومعنوية) بما يساوي عدد أبواب الجنّة.
1.أشارت في البدء إِلى نعمة جسمانية مهمّة حيث: (إِنّ المتقين في جنات وعيون) ويلاحظ أنّ هذه الآية قد اتخذت من صفة (التقوى) أساساً لها، وهي الخوف من اللّه والورع والالتزام، فهي إِذن جامعة لكافة صفات الكمال الإِنساني.
إِنّ ذكر الجنات والعيون بصيغة الجمع إِشارة إِلى تنوع رياض الجنّة وكثرة عيونها، والتي لكل منها لذة مميزة وطعم خاص.
2، 3. تشير الآيات إِلى نعمتين معنويتين مهمّتين أخريتين (السلامة) و(الأمن). السلامة من أيّ أذىً وألم، والأمن من كل خطر، فتقول -على لسان الملائكة مرحبة بهم-: (أدخلوها بسلام آمنين).
4. (ونزعنا ما في صدوركم من غل) أيْ: الحسد والحقد والعداوة والخيانة.
5. (إخواناً) تربطهم أقوى صلات المحبة.
6. (على سرر متقابلين): أي إِن جلساتهم الاجتماعية خالية من القيود المتعبة التي يُعاني منها عالمنا الدنيوي، فلا طبقية ولا ترجيح بدون مرجع والكل إخوان، يجلسون متقابلين في صف واحد ومستوى واحد.
وبطبيعة الحال، فهذا لا ينافي تفاوت مقاماتهم ودرجاتهم الحاصلة من درجة الإِيمان والتقوى في الحياة الدنيا، ولكنّ ذلك التساوي إِنما يرتبط بجلساتهم الاجتماعية.
7. ثمّ تأتي الإِشارة إِلى النعمة المادية والمعنوية السابعة: (لا يمسهم فيها نصب) إنّه ليس كيوم استراحة بهذه الدنيا يقع بين تعب ونصب قبله وبعده، ولا يدع الإِنسان يجد طعم الراحة والاستقرار.
8 - ولا يشغلهم همّ فناء أو انتهاء نِعَم (وما هم منها بمخرجين).
بعد أن عرض القرآن الكريم النعم الجليلة التي ينالها المتقون في الجنّة بذلك الرونق المؤثر الذي يوقع المذنبين والعاصين في بحار لجية من الغم والحسرة ويجعلهم يقولون: ياليتنا نصيب بعض هذه المواهب، فهناك، يفتح اللّه الرحمن الرحيم أبواب الجنّة لهم ولكن بشرط، فيقول لهم بلهجة ملؤها المحبّة والعطف والرحمة وعلى لسان نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): (نبيء عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم).
إِنّ كلمة "عبادي" لها من اللطافة ما يجذب كل إِنسان، وحينما يختم الكلام ب- (الغفور الرحيم) يصل ذلك الجذب إِلى أوج شدته المؤثرة.
الحمد لله رب العالمين
دليلة
2261قراءة
2021-08-09 09:00:53