وما بقيَ من خُطَب زينب الكبرى عليها السلام ، ممّا هو في متناول الأيدي، يظهر عظمة حركة زينب الكبرى عليها السلام . فخطبتها الّتي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، ولا موقفاً عادياً لشخصيةٍ كبرى، بل بيّنت بتحليل عظيم أوضاع المجتمع الإسلاميّ في ذلك العصر بأجمل الكلمات وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف. فيا لها من شخصية قويّة وعظيمة.
فهي قبل يومين، فقدت أخاها وقائدها وإمامها في تلك الصحراء، فقدته مع كلّ الأعزّاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلّف من بضع عشرات من النساء والأطفال قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس للمشاهدة، وبعضهم كان يهلّل وبعضهم كان يبكي. ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأةً شمس العظمة، فتستعمل نفس اللهجة الّتي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين عليه السلام وهو على منبر الخلافة مخاطباً أمّته، فتنطق بنفس الطريقة وبنفس اللهجة والفصاحة والبلاغة وبذلك السموّ في المضمون والمعنى: "يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والختل"، أيّها المخادعون، أيّها المتظاهرون، لعلّكم صدّقتكم أنّكم أتباع الإسلام وأهل البيت، ولكن سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عمياً، "ألا وهل فيكم إلّا الصّلِف والنّطِف وملق الإماء، وغمز الأعداء؟"، فتصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. فغرّتكم أنفسكم، وظننتم أنّكم مؤمنون، وتصوّرتم أنّكم ما زلتم ثوريين، ظننتم أنّكم ما زلتم أتباع أمير المؤمنين عليه السلام ، في حين أنّ واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكّنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكّنوا من النجاة بأنفسكم، "... فما مثلكم إلا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم" فقد أصبحتم كالّتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثمّ أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فمن غير بصيرةٍ ووعيٍ للظروف، ومن غير تمييز بين الحقّ والباطل، أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. فالظاهر ظاهر الإيمان واللسان مليءٌ بالادّعاءات الجهادية، أمّا الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة".
مرشدات المهدي
2836قراءة
2017-09-20 15:24:36