تطرّق الإمام الخامنئي صباح يوم الأحد 02/03/2019 في مستهلّ البحث الخارج في الفقه إلى شرح حديث مروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول "الصفات الأخلاقية البارزة"؛ أي الصفات التي تمثّل لبّ الإسلام وتجلّياته النيّرة. تلك الخصائص التي تصنع أفراداً نموذجيّين بحيث ينبثق عن وجود هؤلاء الأفراد نظامٌ اجتماعي نموذجي وبارز.
بِهٰذَا الإسنادِ عَن أبي قَتادَة قالَ: "قالَ أبو عَبدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلامُ لِداوُدَ بنِ سِرحانَ: يا داوُدُ إنَّ خِصالَ المَكارِمِ بَعضُها مُقَيَّدٌ بِبَعضٍ، يُقَسِّمُهَا اللَّهُ حَيثُ يَشاءُ تَكونُ فِي الرَّجُلِ وَلا تَكونُ في اِبنِهِ وَتَكونُ فِي العَبدِ وَلا تَكونُ في سَيِّدِهِ: صِدقُ الحَديثِ وَصِدقُ النّاسِ وَإعطاءُ السّائِلِ وَالمُكَافَاَةُ بِالصَّنائِعِ". (1)
وَبِهٰذَا الإسنادِ عَن أبي قَتادَةَ قال:
هذه الأحاديث التي قرأناها في الأيام السابقة وهذا الحديث الذي نقرأه اليوم، لها أسانيد صحيحة ومعتبرة جداً، وأبو قتادة ثقة أيضاً.
قالَ أبو عَبدِ اللَّهِ عَلَيهِ السَّلامُ لِداوُدَ بنِ سِرحانَ: يا داوُدُ إنَّ خِصالَ المَكارِمِ بَعضُها مُقَيَّدٌ بِبَعض
[يقول الإمام الصادق (عليه السلام)]: بعض مكارم الأخلاق والخصال مرتبط ببعضها الآخر، أي إنّها ذات صلة فيما بينها. والارتباط هنا إمّا ارتباط بين العلّة والمعلول فتكون إحداها علّة لأخرى، أو قد يكون على نحو الارتباط العملي والسلوكي فيما بينها.
يُقَسِّمُهَا اللَّهُ حَيثُ يَشاء
عدّوا هذه الأمور مثل باقي الأشياء من الله تعالى، فهذه أيضاً يمنحها الله. نعم، ما يفعله الله تعالى ليس من دون حكمة، وسلوكنا واختيارنا وإرادتنا مؤثرة في جلب الرحمة الإلهية، لكنّ ما نُعطاه بالتالي من المكارم والفضائل والنعم ـ بما في ذلك مكارم الأخلاق ـ هو من الله، والله هو الذي يقسّمه، فيعطيك شيئاً ويعطي الآخر شيئاً، ويعطي ثالثاً شيئاً آخر.
تَكونُ فِي الرَّجُلِ وَلا تَكونُ فِي ابنِه
أحياناً تكون هناك صفة حسنة في الأب ولا تكون في ابنه. وما يُطرح الآن حول الجينات أو الجينات الصالحة (!) فلا اعتبار لمثل هذا الكلام كثيراً. فأحياناً تكون في الأب صفة حسنة لا تكون في ابنه، والعكس موجود أيضاً فتكون في الابن صفة جيدة لا توجد عند أبيه. هذا إيجاب إلهي وإنعام من الله.
وَتَكونُ فِي العَبدِ وَ لا تَكونُ في سَيِّدِه
كما أن القضية ليست بحيث يكون للموقع الاجتماعي والشأن الاجتماعي تأثير، لا، فأحياناً يكون للعبد صفة حسنة ليست في سيّده. وقد تتوفّر ميزة ما في خادمك ولا تتوفر فيك، [أو] صفة حسنة تتوفر في مرؤوسنا ولا تتوفر فينا. أي إنّه يكون أفضل منّا. حسنٌ، والآن ما هي هذه الصفات ومكارم الأخلاق التي تحدّثوا عنها وذُكرت في الأحاديث كثيراً؟ يبيّن الإمام عدّة صفات. وهذه حقاً التجلّيات المتألقة للإسلام. وهي لبّ الإسلام. هذه هي الميّزات والخصال التي تصنع أناساً متميّزين، وبفضل وجود الأفراد المميّزين في المجتمع الإنساني يتشكّل نظام اجتماعي مميّز. وإذا ما كان في مجتمع ما أناس كرماء وأناس شجعان وأناس متسامحون وأناس صادقون، لكان ذلك المجتمع مجتمعاً مميّزاً؛ والعكس صحيح. وحقّاً، يجب على الانسان أن يهتمّ بهذه الخصال ويحتفظ بها كالدرر والجواهر النفیسة ومن ثمّ يعرضها على العالم. فما هي هذه الصفات؟ أولاً:
صِدقُ الحَديث
الصدق في الكلام. بلدنا الآن بلد إسلامي وهو والحق يقال أفضل وأطهر وأنقى من كثير من المجتمعات في العالم، لكن، لكم أن تلاحظوا بأنّ الكثير من مشكلاتنا في داخل البلاد ناجمة عن عدم توفّر هذه الصفة، فصدق الحديث ليس موجوداً. ما معنى صدق الحديث؟ معناه أن يطابق الكلام الذي تقولونه الواقع. فإذا علمتم مطابقته الواقع وقلتموه كان ذلك صدقاً. وإلّا، إذا لم تكونوا تعلمون بأنه مطابق للواقع أم غير مطابق له وقلتموه فلن يكون ذلك صدقاً. الصدق هو أن تقولوا ما تعلمون أنّه مطابق للواقع. لاحظوا الفضاء الافتراضي حيث تنتشر أجواء الكذب في البلاد نتيجة الكلام والشائعات والكذب والاختلافات والبهتان وتوجيه التّهم الكاذبة إلى هذا وذاك، وإلى بعضنا البعض، وفي كلّ الاتّجاهات؛ لاحظوا، هذا إشكال. فالخصلة الأولى هي «صِدقُ الحَديث» أي أن نحاول جميعاً أن نجري على ألسنتنا الصدق. ثانياً:
وَصِدقُ النّاس
كونوا صادقين مع الناس. لا تتعاملوا مع الناس بالغش والخداع والحيلة والنفاق. «صِدقُ النّاس» معناه صدق التعامل مع الناس. أن يتعامل الإنسان مع الناس بالصدق، ولا يتعامل بالمكر والكذب والخداع وما إلى ذلك. إذا راعينا هذه النقطة فقط في قضايانا المختلفة، الاجتماعية منها والسياسية وفي انتخاباتنا وما إلى ذلك فلاحظوا كم سيكون العالم جميلاً وعامراً. «وَصِدقُ النّاس». هذا ثانياً.
وَاِعطاءُ السّائِل
إذا سألكم السائل شيئاً فأعطوه إن كنتم تستطيعون. تارة يكون هناك فقير لم يسألكم، فمن الجيّد أن تساعدوه، لكن إن سألكم ـ أي طلب منكم ـ عندها ستكون هذه مكرمة كبيرة لكم، وردّه سيكون خلاف المكرمة الإنسانية.
وَالمُكافَاَةُ بِالصَّنائِع
«الصنيعة» تعني الأعمال الحسنة الجميلة؛ والخدمات الصالحة للآخرين تسمى «صنيعة». فكافئوا على الصنائع، أي إذا أحسن أحدهم إليكم فأحسنوا إليه في المقابل. لا أن نردّ على إحسان الآخرين بالإهمال وربّما بالإساءة. إذا أحسن شخص إلينا فيجب في المقابل أن نحسن إليه. هذا ثالثاً.
الهوامش:
1 ـ أمالي الطوسي، المجلس الحادي عشر، ص 301 .
برامج
3193قراءة
2020-04-18 17:02:09